قسمة13

 

2- و قد قال القاضي ابن البرّاج في كتاب الخمس من المهذّب: باب الغنائم، كلّ ما يغتنمه المسلمون من الكفّار فيجب إخراج الخمس منه ابتداء و يصرف الباقي إلی ما يستحقّه، و ذلك علی ضربين: أحدهما يختصّ المقاتلة دون غيرهم من جميع المسلمين، و الآخر لا يختصّ مقاتلا دون غيره بل هو لجميع المسلمين المقاتلة منهم و غير المقاتلة، و الّذي يختصّ المقاتلة دون غيرهم هو ما حواه العسكر فقط ...

و ما لا يختصّ بمقاتل دون غيره و يكون لجميع المسلمين فهو كلّ ما اغتنمه المسلمون ما لم يحوه العسكر من الأراضي و العقارات و غير ذلك، فإنّ جميعه لكافّة المسلمين المقاتل منهم و غير المقاتل و الغائب منهم و الحاضر علی السواء «3».

فقد أفتی كما تری بالتفصيل في مالك كلّ ما يغتنمه المسلمون من الكفّار بين ما حواه العسكر و ما لا يحويه، فجعل مالك الأوّل خصوص المقاتلة و مالك الثاني كافّة المسلمين، و كلا العنوانين كما تری يعمّ الأسير و غيره، فإنّ الأسير و إن لم يكن قبل أن يؤسر مالا إلّا أنّه إذا اسر يصير مالا و غنيمة و ربما يكون ممّا حواه العسكر و ربما يكون ممّا لا يحويه حسب اختلاف موضع أسره، و الأراضي و العقارات و كلّ ما لا ينقل تكون بحسب الطبع ممّا لا يحويها العسكر، و هي كما عرفت ملك لعامّة المسلمين.

و قال قدّس سرّه في كتاب الجهاد منه: باب الاساری، الاساری علی ضربين:

أحدهما يجوز استبقاؤه، و الآخر لا يستبقی؛ فالّذي يجوز استبقاؤه كلّ أسير اخذ

                       

بعد تقضّي الحرب و الفراغ منها و الّذي لا يستبقی هو كلّ أسير اخذ قبل تقضّي الحرب و الفراغ منها ... «1».

فذكر قسمي الأسير إلّا أنّه لم يذكر لشي‏ء منهما أنّه لمن هو؟ فيرجع فيه لا محالة إلی ما سبق منه في كتاب الخمس لكنّه قال في الفروع الّتي ذكرها لبحث الاساری: و إذا سبيت المرأة و ولدها لم يجز للإمام أن يفرّق بينهما فيعطي الامّ لرجل و يعطي ولدها الآخر، بل ينظر، فإن كان في الغانمين من يبلغ سهمه الامّ و الولد دفعهما إليه و أخذ فضل القيمة أو يجعلهما في الخمس، فإن لم يبلغهما باعهما و ردّ ثمنهما في المغنم 2.

فربما يستفاد من قوله: «بل ينظر، فإن كان في الغانمين من يبلغ سهمه الامّ و الولد دفعهما إليه» أنّ المالك للاسراء يكون منحصرا في خصوص الغانمين و هو لا يوافق الإطلاق أو العموم المستفاد من كلامه في كتاب الخمس، اللّهمّ إلّا أن يمنع إطلاقه و يقال: إنّه ليس من هذه الجهة في مقام البيان و إنّما هو في مقام الإشارة إلی وجود مورد ما لأن لا يباع الامّ و ولدها بل يعطيا لأحد، فتدبّر جيّدا.

3- و قال السيّد أبو المكارم ابن زهرة في جهاد الغنية: و يغنم من جميع من خالف الإسلام من الكفّار ما حواه العسكر و ما لم يحوه من الأموال و الأمتعة و الذراري و الأرضين- ثمّ قال بعد ذكر أخذ الصفوة و ما ينوب الإمام و الخمس من الغنيمة-: و يقسّم ما بقی ممّا حواه العسكر بين المقاتلة خاصّة ... و ما لم يحوه العسكر من غنائم من خالف الإسلام من الكفّار من أرض و عقار و غيرها، فالجميع للمسلمين المقاتل منهم و غير المقاتل و الحاضر و الغائب ... و دليل ذلك كلّه الإجماع المتكرّر و فيه الحجّة «3».

فقد فصّل كما تری في الغنائم بين ما حواه العسكر و ما لم يحوه و حكم بأنّ ما لم يحوه العسكر فهو لجميع المسلمين و لا يختصّ بالمقاتلين و ادّعی عليه إجماع الأصحاب، و واضح أنّ ما لم يحوه العسكر يشمل غير المنقول كالأراضي و الدور

                       

و المنقول كالأسری الّذين اسروا و هم ساكنون في بلدهم و دارهم و لم يحضروا العسكر و أموال هؤلاء أيضا.

4- و قال ابن إدريس في كتاب الخمس من السرائر: الخمس يجب في كلّ ما يغنم من دار الحرب، ما يحويه العسكر و ما لم يحوه و ما يمكن نقله إلی دار الإسلام و ما لا يمكن من الأموال و الذراري و الأرضين و العقارات و السلاح و الكراع و غير ذلك ممّا يصحّ تملّكه و كان في أيديهم علی وجه الإباحة أو الملك و لم يكن غصبا لمسلم «1».

فهنا قد بيّن المراد من الغنائم و أفاد أنّها تشمل كلّ مال و إن كان أسيرا و أنّها تعمّ ما حواه العسكر و ما لم يحوه، ثمّ قال بعد ذلك في باب قسمة الغنائم و الأخماس: كلّ ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف الّتي قدّمنا ذكرها، فما حواه العسكر يخرج منه الخمس بعد ما يصطفي الإمام عليه السّلام ما يختاره ما لم يجحف بالغانمين و أربعة أخماس ما يبقی يقسّم بين المقاتلة. و ما لم يحوه العسكر من الأرضين و العقارات و غيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس و الباقي يكون للمسلمين قاطبة مقاتلتهم و غير مقاتلتهم من حضر و من لم يحضر من ولد و من لم يولد 2.

و عبارته هذه كما تری تعمّ جميع أنواع الغنائم و قد فصّل صريحا بين ما حواه العسكر و ما لم يحوه كما سبقه.

و مثله أفاد في كتاب الجهاد من السرائر، فقال: كلّ ما يغنمه المسلمون من المشركين ينبغي للإمام أن يخرج منه الخمس ... بعد اصطفاء ما يصطفيه، و الباقي علی ضربين: ضرب منه للمقاتلة خاصّة دون غيرهم من المسلمين، و ضرب هو عامّ لجميع المسلمين مقاتليهم و غير مقاتليهم، فالّذي هو لجميع المسلمين فكلّ ما عدا ما حواه العسكر من الأرضين و العقارات و غير ذلك فإنّه بأجمعه في‏ء للمسلمين من غاب منهم و من حضر علی السواء. و ما حواه العسكر يقسّم بين‏

                       

المقاتلة خاصّة و لا يشركهم فيه غيرهم «1».

و كلامه هنا أيضا كما تری عامّ لجميع أنواع المغانم، و قد فصّل بين ما حواه العسكر و غيره.

ثمّ قال في كتاب الجهاد منه: و الاساری فعندنا علی ضربين: أحدهما اخذ قبل أن تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ... فإنّه لا يجوز للإمام استبقاؤه بل يقتله ... و الضرب الآخر هو كلّ أسير يؤخذ بعد أن تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها- فذكر أنّه لا يقتل- 2.

و مفاد العبارة كما تری إنّما هو بيان لمن يقتل و من يستبقی من اسراء الكفّار من دون ذكر أنّ مالكهم من هو؟ فلا محالة يجري فيمن يستبقی و يسترقّ منهم التفصيل المذكور السابق بين من كان في العسكر و من لم يحوه كما لا يخفی.

فهؤلاء الأعلام الأربعة من قدماء أصحابنا الأعاظم الأخيار قد فصّلوا بين ما حواه العسكر من الغنائم فيختصّ بالمقاتلين و ما لم يحوه، فهو عامّ لقاطبة المسلمين، و قد ادّعی الإجماع عليه صاحب الغنية.

و أمّا الجمع الثاني من الأصحاب أعني الّذين حكموا بأنّ جميع الغنائم سواء ما حواه العسكر و ما لم يحوه مختصّة بالمقاتلين، و إنّما يستثنی منها خصوص الأراضي و الأموال غير المنقولة المفتوحة عنوة حيث إنّها لقاطبة المسلمين فهم أيضا عدّة من الأعاظم:

1- قال الشيخ في المبسوط- في فصل أصناف الكفّار و كيفية قتالهم-: الكفّار علی ثلاثة أضرب: أهل كتاب و هم اليهود و النصاری فهؤلاء يجوز إقرارهم علی دينهم ببذل الجزية، و من له شبهة كتاب فهم المجوس فحكمهم حكم أهل الكتاب ... و متی امتنع أهل الكتاب من بذل الجزية قوتلوا و سبيت ذراريهم و نساؤهم، و أموالهم تكون فيئا «3».

فقد حكم بأخذ أموال أهل الكتاب و سبي نسائهم و ذراريهم إذا امتنع أنفسهم من بذل الجزية، و معلوم أنّ جميعها يكون غنيمة.

                       

و قال أيضا فيه- في حكم ما يغنم و ما لا يغنم-: إذا فتح بلد من بلاد الحرب فلا يخلو من أن يفتح عنوة أو صلحا، فإن فتح عنوة كانت الأرض المحياة و غيرها من أموالهم ما حواه العسكر و ما لم يحوه العسكر غنيمة، فيخمّس الجميع فيكون الخمس لأهله ... ثمّ ينظر في الباقي فكلّ ما حواه العسكر و ما لم يحوه العسكر ممّا يمكن نقله إلی دار الإسلام فهو للغانمين خاصّة يقسّم فيهم علی ما نبيّنه، و أمّا الأرضون المحياة فهي للمسلمين قاطبة و للإمام النظر فيها بالتقبيل و الضمان علی ما يراه، و ارتفاعها يعود علی المسلمين بأجمعهم و ينصرف إلی مصالحهم الغانمون و غير الغانمين فيه سواء «1».

و دلالته علی أنّ جميع الأموال المنقولة المغتنمة من أهل الحرب للغانمين خاصّة سواء كانت ممّا حواه العسكر أو ممّا لم يحوه العسكر صريحة. نعم حيث إنّ الموضوع فيه أموالهم فلعلّه لا يشمل الأسير الّذي كان حرّا قبل الأسر لعدم كونه من أموالهم و إن دخل فيها عبيد و إماء الكفّار إذا أخذوا منهم، لكنّه سيأتي في العبارة التالية ما يستفاد منه أنّ الاسراء و سائر الغنائم علی حكم سواء.

و قال أيضا فيه:- في أقسام الغنيمة-: الغنيمة علی ثلاثة أقسام: أحدها ما يكون مالا يمكن نقله و تحويله إلی دار الإسلام مثل الدنانير و الدراهم و الأثاث و غير ذلك، و ثانيها ما يكون أحسابا مثل النساء و الولدان، و ثالثها ما لا يمكن نقله و لا تحويله مثل الأرضين و العقارات و الشجر و البساتين.

فما ينقل و يحوّل يخرج منه الخمس فيكون لأهله و الأربعة أخماس يقسّم بين الغانمين بالسوية ... و لا يجوز أن يعطی منها من لم يحضر الوقعة.

فأمّا النساء و الولدان إذا سبوا فإنّهم يرقّون بنفس السبي من غير أن يسترقّوا و يملكهم من الغانمين في الوقت الّذي يملكون الأموال الّتي قدّمناها الّتي تحوّل و تنقل، و لا يجوز قتلهم بحال لأنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله نهی عن قتل النساء و الصبيان، فأمّا الرجال البالغون المأسورون فقد بيّنّا أنّهم علی ضربين: ضرب اسروا قبل أن تَضَعَ‏

                       

الْحَرْبُ أَوْزارَها، و الآخر من يؤسر بعد ذلك، فالأوّل الإمام مخيّر بين القتل و قطع الأيدي و الأرجل و تركهم حتّی ينزفوا، و القسم الآخر مخيّر بين ثلاثة أشياء: بين الاسترقاق و المنّ و المفاداة تخييرا شرعيّا، لكن يعمل من ذلك ما هو الأصلح للمسلمين.

و أمّا ما لا ينقل و لا يحوّل من العقار و الدور فإنّها لجميع المسلمين من حضر القتال و من لم يحضر، و يكون الناظر فيه الإمام «1».

فهو قدّس سرّه كما تری قد قسّم الغنيمة ثلاثة أقسام، و صرّح بأنّ المنقول منها مختصّ بالغانمين و ظاهر قوله: «يملكهم من الغانمين في الوقت الّذي يملكون الأموال الّتي قدّمناها الّتي تحوّل و تنقل» أنّ النساء و الولدان إذا سبوا كانوا ملكا لخصوص الغانمين و قد عطف عليهم الرجال البالغين إذا استرقّوا، فالاسراء كلّهم أيضا ملك للغانمين، و يشهد أيضا لهذا الاختصاص في كلا القسمين قوله في خصوص القسم الثالث: «إنّها لجميع المسلمين من حضر القتال و من لم يحضر» فإنّ تخصيصه بهذا التعميم دليل علی أنّه لا تعميم في القسمين الأوّلين.

و بالجملة: فالعبارة واضحة الدلالة علی اختصاص القسمين الأوّلين بخصوص الغانمين كما أنّها بإطلاقها دالّة علی أنّه لا فرق في شي‏ء من الأقسام بين ما حواه العسكر و ما لم يحوه، و هذا هو الّذي نحن بصدده، فقد أفتی في المبسوط بخلاف ما أفتی به في النهاية كما عرفت.

2- و قال أبو الصلاح الحلبي (المتوفّی سنة 447 ه) في جهاد الكافي: مغانم المحاربين علی ضربين: أحدهما يصحّ نقله و هو الأموال و السلاح و الرقيق و الكراع و أمثال ذلك، و الثاني لا يصحّ نقله و هو الأرضون و الرباع.

الضرب الأوّل من المغانم، يجب في جميع ما غنمه المسلمون من ضروب المحاربين ... إحضاره إلی وليّ الأمر، فإذا اجتمعت المغانم كان له إن كان إمام الملّة أن يصفی قبل القسمة لنفسه ... و أن يبدأ بسدّ ما ينوبه من خلل في الإسلام و ثغوره و مصالح أهله ... ثمّ يخرج الخمس من الباقي لأربابه و يقسّم الأربعة

                       

الأخماس الباقية بين من قاتل عليها دون من عداهم من المسلمين ...

القسم الثاني من الغنائم أراضي المحاربين خمس- فذكر أقسامها و أنّ الأرض المفتوحة عنوة يصرف خراجها إلی أنصار الإسلام- «1».

فالمذكور في القسم الأوّل هي الأموال المنقولة الشاملة بصراحة للعبيد المأخوذة من يد الكفّار، و قد حكم بأنّ ما يبقی منها بعد إخراج الصفوة و غيرها للمقاتلين دون من عداهم من المسلمين، و لم يفرّق بين ما كان منها قد حواه العسكر و غيرها، و لا ينبغي الريب في أنّ إطلاقها شامل لما لم يحوه العسكر أيضا لا سيّما و أنّ الأرض و العقار المعدودين من القسم الثاني يكونان ممّا لا يحويهما العسكر، فهو أيضا قائل بمقالة الشيخ في المبسوط و أنّ المنقول من الغنائم مطلقا ملك لخصوص الغانمين.

3- و قال أبو الحسن الحلبي في كتاب الجهاد من إشارة السبق: و لا يغنم من محاربي البغاة إلّا ما حواه الجيش ... فأمّا من عداهم من الكفّار و المحاربين فيغنم منهم ذلك و غيره من أهل و ذرّية و رباع و أرض. و تقسّم الغنيمة المنقولة بين المجاهدين سهمان للفارس و سهم للراجل ... و ما لا يمكن نقله من العقارات و الأرضين في‏ء لجميع المسلمين حاضرهم و غائبهم و مقاتلهم و غيره «2».

و عبارته دالّة علی أنّ الأموال المنقولة من الغنائم الصريحة الشمول للأساری مختصّة بالمجاهدين خاصّة، و عمومها شامل لما حواه العسكر و لما لم يحوه كما مرّ بيانه في عبارة الكافي.

4- و قال ابن حمزة في كتاب الجهاد من الوسيلة- بعد تفسير الغنيمة المبحوث عنها بما يستفاد بالغلبة من دار الحرب-: و هو أيضا قسمان، إمّا أمكن نقله أو لم يمكن، فالأوّل ضربان: أموال و سبايا، فالأموال تخرج منها الصفايا للإمام قبل القسمة ... ثمّ تخرج منها المؤن ... ثمّ يخرج الخمس من الباقي لأهله ثمّ يقسّم الباقي بين من قاتل و من هو في حكمه للراجل سهم و للفارس سهمان ... و السبايا هي‏

                       

الذراري و النساء و قد ذكرنا حكمهما ... و الثاني يخرج منه الخمس و الباقي للمسلمين قاطبة و أمره إلی الإمام، و ما يحصل من غلّاته يصرف في مصالح المسلمين «1».

فقد حكم بأنّ الأموال المنقولة بعد إخراج الصفوة و المؤن و الخمس تقسّم بين خصوص المقاتلين و قد عطف عليها السبايا الّتي هي الذراري و النساء، فإنّ الظاهر أنّ المراد من قوله: «و قد ذكرنا حكمهما» هو نفس ما ذكره في الأموال المنقولة و إلّا فلم يذكر منهما في ما سبق ذكر أصلا. و كيف كان فإطلاق أو عموم الأموال و السبايا شامل لما حواه العسكر و ما لم يحوه فبالنتيجة يكون مفاد عبارته أيضا هو ما استفدناه من المبسوط.

5- و قال المحقّق في كتاب الجهاد من الشرائع:- في الطرف الرابع من أطراف الركن الثاني: في الاساری، و هم ذكور و إناث، و الإناث يملكن بالسبي و لو كانت الحرب قائمة، و كذا الذراري، و الذكور البالغون يتعيّن عليهم القتل إن كانت الحرب قائمة ما لم يسلموا ... و إن اسروا بعد تقضّي الحرب لم يقتلوا و كان الإمام مخيّرا بين المنّ و الفداء و الاسترقاق ....

الطرف الخامس في أحكام الغنيمة، و النظر في الأقسام و أحكام الأرضين و كيفيّة القسمة. أمّا الأوّل فالغنيمة هي الفائدة المكتسبة سواء اكتسبت برأس مال كأرباح التجارات أو بغيره كما يستفاد من دار الحرب، و النظر هنا يتعلّق بالقسم الأخير، و هي أقسام ثلاثة: الأوّل ما ينقل كالذهب و الفضّة و الأمتعة، و ما لا ينقل كالأرض و العقار، و ما هو سبي كالنساء و الأطفال.

و الأوّل ينقسم إلی ما يصحّ تملّكه للمسلم و ذلك يدخل في الغنيمة و هذا القسم يختصّ به الغانمون بعد الخمس و الجعائل ...

و أمّا ما لا ينقل فهو للمسلمين قاطبة و فيه الخمس ...

و أمّا النساء و الذراري فمن جملة الغنائم و يختصّ بهم الغانمون و فيه الخمس لمستحقّه «2».

                       

فقد بيّن أوّلا في الطرف الرابع الّذين من الكفّار يملكون بالسبي و يصيرون من الغنائم، ثمّ في الطرف الخامس بيّن الأموال المنقولة و غير المنقولة الّتي تغتنم، و ذكر فيه حكم الأقسام الثلاثة، و أنّ غير المنقول لجميع المسلمين و السبايا و الأموال المنقولة لخصوص الغانمين. و من الواضح أنّ موضوع كلامه في الأقسام الثلاثة مطلق و شامل لما اغتنم و كان ممّا حواه العسكر و لما لم يحوه العسكر فهو مثل ما نقلناه عن المبسوط.

6- و قد تعرّض العلّامة في عدّة من كتبه للمطلب موافقا لما في الشرائع نذكر منها ما يلي:

ألف: فقال في جهاد القواعد- في الفصل الثالث من المقصد الثالث-: مطالبه ثلاثة: الأوّل المراد بالغنيمة هنا كلّ ما أخذته الفئة المجاهدة علی سبيل الغلبة ...

و أقسام الغنيمة ثلاثة: ما ينقل و يحوّل من الأمتعة و غيرها، و ما لا ينقل و لا يحوّل كالأراضي، و ما هو سبي كالنساء و الأطفال.

و الأوّل: إن لم يصحّ تملّكه فليس غنيمة ... و إن صحّ كالذهب و الفضة و الأقمشة و غيرها اخرج منه الخمس و الجعائل و ما يصطفيه الإمام لنفسه و الباقي للغانمين خاصّة سواء حواه العسكر أو لا و ليس لغيرهم فيه شي‏ء ...

الثاني: ما لا ينقل يخرج منه الخمس ... و الباقي للمسلمين قاطبة لا يختصّ به الغانمون مثل الأرض، فإن فتحت عنوة فإن كانت محياة فهي في‏ء للمسلمين قاطبة لا يختصّ به الغانمون ...

الثالث: السبايا و الذراري، و هي من الغنائم، يخرج منها الخمس و الباقي للغانمين خاصّة «1».

فقد صرّح بأنّ ما ينقل للغانمين خاصّة و إن لم يحوه العسكر، و كلامه في السبايا أيضا مطلق شامل لما لم يحوه العسكر أيضا.

ب: و قال في كتاب الجهاد من التذكرة- في الفصل الرابع الّذي في الغنائم، بعد تفسير الغنيمة في مورد البحث بالفائدة المكتسبة بالقتال و المحاربة-: و أقسامه‏

                       

ثلاثة: ما ينقل و يحوّل كالأمتعة و الأقمشة و الدوابّ و النقدين و غيرها، و ما لا ينقل و لا يحوّل كالأراضي، و ما هو سبي كالنساء و الأطفال «1».

البحث الأوّل في ما ينقل و يحوّل ...: ما يحويه العسكر ممّا ينقل و يحوّل ... ما يصحّ تملّكه غنيمة إن أخذته الفئة المجاهدة علی سبيل الغلبة ... أمّا الغنيمة فهي للغانمين خاصّة يخرج منها الخمس لأربابه و الباقي للغانمين خاصّة 2.

ثمّ قال رحمه اللّه: لو وقع في المغنم من يعتق علی بعض الغانمين لم يعتق حصّته ما لم يقع في حصّته ... قاله بعض الشافعية. و قال الشيخ: الّذي يقتضيه المذهب أن نقول: ينعتق منه نصيبه منه و يكون الباقي للغانمين و به قال أحمد ... لنا ما تقدّم أنّ الملك يثبت للغانمين بالاستيلاء التامّ و قد وجد، و لأنّ ملك الكفّار قد زال و لا يزول إلّا إلی المسلمين و هو أحدهم فيكون له نصيب مشاع في الغنيمة فينعتق عليه ذلك النصيب ... «3».

ثمّ قال في البحث الثالث في الاساری: الاساری ضربان: ذكور و إناث و الذكور إمّا بالغون أو أطفال و هم من لم يبلغ خمس عشرة سنة، فالنساء و الأطفال يملكون بالسبي ... و يكون حكمهم مع السبي حكم سائر أموال الغنيمة: الخمس لأهله و الباقي للغانمين ... ثمّ ذكر حكم البالغين «4».

و قال في البحث الخامس من مباحث الباب الثاني في كيفية القسمة: أوّل ما يبدأ الإمام بعد إحراز الغنيمة بدفع [السلب و المؤن و الرضخ‏] ... ثمّ يفرز خمس الباقي لأهله و تقسّم أربعة الأخماس الباقية بين الغانمين ... «5».

ثمّ قال رحمه اللّه: إذا أخرج الإمام من الغنيمة ... ما تحتاج الغنيمة إليه مدّة بقائها يقسّم الباقي بين الغانمين خاصّة ممّا ينقل و يحوّل من الأموال الحاضرة ... «6».

فقد صرّح عديدا بأنّ المنقول من الغنيمة أو الغنيمة بقول مطلق يقسّم بين الغانمين خاصّة، و موضوعه مطلق يعمّ ما حواه العسكر و ما لم يحوه، و هكذا في مسألة البحث عن انعتاق جزء العبد الّذي كان في الغانمين من ينعتق عليه بأنّ‏

                       

الملك يثبت للغانمين بالاستيلاء التامّ و بأنّ ملك الكفّار قد زال إلی المسلمين هؤلاء الغانمين، و الموضوع هنا أيضا مطلق يشمل من لم يحوه العسكر، و هكذا صرّح في السبايا بأنّ حكمهم حكم سائر أموال الغنيمة.

و بالجملة: فالمتأمّل في كلامه يقطع بأنّه لا يفرّق في الأموال المنقولة و لا في السبايا بين ما حواه العسكر و ما لم يحوه و بأنّه قائل بمقالة الشيخ الماضية.

ج- و قد تعرّض للمسألة في المنتهی قريبا ممّا في التذكرة، فقال في كتاب الجهاد منه- بعد تعريف الغنيمة و تقسيمها أقساما ثلاثة كما مرّ- البحث الأوّل فيما ينقل و يحوّل ... مسألة: ... إنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله كان مختصّا بالغنائم ... ثمّ نسخ ذلك و جعلت للغانمين خاصّة أربعة أخماسها، و الخمس الباقي لمستحقّه، قال اللّه تعالی: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ الآية، فأضاف الغنيمة إليهم و جعل الخمس للأصناف الّتي عدّوها المغايرين للغانمين، فدلّ علی أنّ الباقي لهم. و روی الجمهور عن النبيّ أنّه صلّی اللّه عليه و آله قال: «الغنيمة لمن شهد الوقعة» «1» و لا نعلم فيه خلافا.

مسألة: ما يحويه العسكر ممّا ينقل و يحوّل ... ما يصحّ تملّكه للمسلمين فإنّه يصير غنيمة، و يختصّ به الغانمون إجماعا بعد الخمس و الجعائل ... و أربعة الأخماس الباقية تكون للمقاتلة ... «2».

أقول: فالمسألة الاولی واضحة الظهور في أنّ أربعة أخماس الغنائم للمقاتلين الغانمين، و بما أنّها بمنزلة توضيح للآية المباركة فكما أنّ ما غنمتم المذكور في الآية شامل لأنواع الغنائم ما حواه العسكر و ما لم يحوه فهكذا الغنائم المذكورة في المسألة. نعم لعلّ موضوع المسألة الثانية خصوص ما حواه العسكر إلّا أنّه غير مناف لإرادة العموم من المسألة الاولی كما لا يخفی.

و قال فيه أيضا- في الفرع الثالث من فروع البحث الثاني في أحكام الاساری-:

                       

المال الّذي يفادی به [يعني يعطيه الرجل الأسير المأخوذ بعد تقضّي الحرب و يرفع اليد عنه و يكون حرّا] يكون غنيمة للغانمين، لا يقال: الغانمون لا حقّ لهم في الأسير فإنّ الإمام مخيّر فيه فكيف يكون لهم حقّ في بدله؟ لأنّا نقول: لا نسلّم أنّ الغانمين لا حقّ لهم في الأسير و تخيير الإمام إنّما هو فيما يتعلّق بمصلحة المسلمين في الأسير لأنّه لم يصر مالا، فإذا صار مالا يتعلّق حقّ الغانمين به لأنّهم أسروه و قهروه، و هذا كثير النظائر؛ فإنّ من عليه الدين إذا قتل عمدا لم يكن لأرباب الدين حقّ علی القاتل، فإن اختار الورثة المال و رضي به القاتل تعلّق حقّهم حينئذ فيه «1».

فموضوع هذه المسألة الرجل الأسير الّذي اخذ بعد انقضاء القتال، و هو مطلق من حيث كون الرجل داخلا في محاربي العسكر و معهم و من حيث كونه غير داخل فيهم، و قد حكم بمقتضی جوابه عن الإيراد بأنّه لمّا صار هذا الأسير مالا تعلّق حقّ الغانمين به و صار غنيمة لهم لكون الغانمين هم أسروه و قهروه، فهذه المسألة أيضا تدلّ بإطلاق موضوعها و بمقتضی الدليل المذكور فيها علی أنّ الغانمين يختصّون بالغنائم و إن لم تكن ممّا حواه العسكر.

ثمّ إنّه قدّس سرّه ذكر مسألة انعتاق من يعتق علی بعض الغانمين بقدر نصيبه إذا وقع في الغنيمة، و مسألة أنّ أربعة أخماس الغنيمة بعد إخراج الخمس و المؤن ملك للغانمين، و مسألة تقسيم الباقي من الغنيمة بعد إخراج ما يخرج بين خصوص الغانمين قريب ممّا في التذكرة اكتفينا بما نقلناه عنها عن نقله منه أيضا، فراجع «2».

فالمستفاد من المنتهی أيضا أنّه قائل فيه أيضا بأنّ الغنائم المنقولة و الاسراء مختصّة بالغانمين بلا فرق بين ما حواه العسكر و ما لم يحوه كما هو مختار الشيخ قدّس سرّه في المبسوط.

7- و هذه الفتوی هي المستفادة من إطلاق عبارة الشهيد في اللمعة حيث قال:

 «و المنقول بعد الجعائل و الرضخ و الخمس و النفل و ما يصطفيه الإمام يقسّم بين المقاتلة و من حضر حتّی الطفل المولود بعد الحيازة قبل القسمة». و نكتفي بهذا المقدار من أقوال الجمع الثاني.

                       

و أمّا الجمع الثالث أعني الّذين عبّروا بأنّ ما يحويه العسكر من الغنائم ملك لخصوص الغانمين من غير تعرّض لما لا يحويه.

1- فقد قال الكيدري في كتاب الجهاد من إصباح الشيعة: و يغنم من جميع من خالف الإسلام من الكفّار ما حواه العسكر و ما لم يحوه من الأموال و الأمتعة و الذراري و الأرضين ... و بعد إخراج الصفايا و الخمس من الغنيمة يقسّم ما بقي ممّا حواه العسكر بين المقاتلة خاصّة لكلّ راجل سهم و لكلّ فارس سهمان.

ثمّ ذكر حكم وجوب قتل من اسر قبل تقضّي الحرب و وجوب إبقاء من أسر بعده «1» و لم يتعرّض لحكم الأموال المغتنمة ممّا لم يحوه العسكر.

و لا يبعد أن يقال- لا سيّما بقرينة تصريحه أوّلا بأنّه يغنم ممّا حواه العسكر و ما لم يحوه-: إنّ تخصيص ما حواه العسكر من الغنائم بحكم اختصاصه بالمقاتلة يدلّ بالمفهوم أنّ ما لم يحوه العسكر ليس خاصّا بهم كما قال به الشيخ في النهاية و جمع آخر علی ما عرفت.

2- و قريب منه عبارة العلّامة في إرشاد الأذهان حيث قال في كتاب الجهاد منه: المقصد الثالث في الغنيمة، و مطالبه ثلاثة: الأوّل كلّ ما ينقل و يحوّل ممّا حواه العسكر ممّا يصحّ تملّكه يخرج الإمام منه الجعائل ... و الخمس لأربابه و الباقي يقسّم بين الغانمين و من حضر القتال و إن لم يقاتل حتّی الطفل ...

فتقييده المنقولات الّتي خصّها بالغانمين و من في حكمهم بخصوصية ما حواه العسكر دالّ بالمفهوم أنّ الغنائم المنقولة إذا لم تكن ممّا حواه العسكر فليست مختصّة بهم، فتكون فتواه في الإرشاد مخالفة لما مرّ عن كتبه الاخر كما وقع نظيره للشيخ في النهاية و المبسوط.

فتحصّل من جميع ما ذكرناه من أقوال هؤلاء الأعاظم من الأصحاب: أنّ مسألة الغنائم المنقولة في الاسراء و سائر الأموال ذات قولين عندهم، فجمع منهم قالوا بأنّ خصوص ما حواه العسكر مختصّ بالغانمين، و أمّا ما لم يحوه العسكر فهو لجميع المسلمين، و قد ادّعی عليه الإجماع في الغنية كما عرفت. و جماعة

                       

آخرون قالوا بعدم الفرق بين القسمين، و أنّ جميع الغنائم المنقولة مختصّة بالغانمين و إن كانت ممّا لم يحوه العسكر، و قد مرّ نقل إجماع الطائفة علی هذا الإطلاق عن الشيخ في الخلاف في خصوص الأموال المنقولة غير الاساری.

و منه تعرف أنّ ما في الجواهر بعد ذكر قول المحقّق في الأموال المنقولة غير الاساری: «و هذا القسم يختصّ به الغانمون بعد الخمس و الجعائل» من قوله: ثمّ يقسّم الباقي بين الغانمين كما صرّح به غير واحد بل عن الغنية و المنتهی الاجماع عليه بل لعلّه محصّل «1» ليس علی ما ينبغي فإنّ صاحب الغنية قائل بالقول الآخر و ادّعی الإجماع علی ذلك القول، كما أنّ المذكور في المنتهی هنا كما عرفت قوله:

 «و لا نعلم فيه خلافا» و هو دون دعوی الإجماع، و بعد ذلك كلّه فدعوی الإجماع المحصّل ممّا لا مجال لها أصلا.

بل الحقّ أنّ المسألة ذات قولين ادّعی بعض القائلين بكلّ منهما الإجماع علی مقاله و اللازم هو اتباع ما تقتضيه الأدلّة و حينئذ فنقول:

 [أدلّة إثبات أنّ الغنائم و الأسراء للمسلمين‏]

إنّه قد وردت روايات متعدّدة يستفاد منها أنّ الغنيمة بعد إخراج الخمس منها للمقاتلين و إطلاق الغنيمة المذكورة فيها شامل لما حواه العسكر و لما لم يحوه فتكون أدلّة علی فتوی الشيخ في المبسوط.

1- فمنها ما رواه الشيخ بسند صحيح عن ربعي بن عبد اللّه بن الجارود عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه، ثمّ يقسّم أربعة أخماس بين الناس الّذين قاتلوا عليه ... الحديث «2».

فلا ريب أنّه عليه السّلام بنقل فعل الرسول صلّی اللّه عليه و آله بالمغنم بصدد بيان حكم المغنم في الشرع الأقدس و الصحيحة واضحة الدلالة علی أنّ الأربعة الأخماس الباقية من المغنم حكمها التقسيم بين الّذين قاتلوا عليها و هو ناش عن أنّها ملك لهم فيقسّم بينهم، و المغنم المذكور و إن اختصّ بالمنقول بقرينة جعله فاعلا لقوله: «أتاه» إلّا

                       

أنّه مطلق من جهة كونه ممّا يحويه العسكر أو ممّا لا يحويه.

2- و منها ما عن الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الغنيمة فقال: يخرج منها خمس للّه و خمس للرسول، و ما بقي يقسّم بين من قاتل عليه و ولی ذلك «1».

فموضوع السؤال و الجواب فيه الغنيمة و إطلاقها كما عرفت شامل لكلا القسمين فيدلّ علی المطلوب كما مرّ.

3- و منها ما عن الكافي في الصحيح عن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسّم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسّم بينهم أربعة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ 2.

فموضوعها الغنائم الشاملة للقسمين فتدلّ كما عرفت علی المطلوب.

4- و منها ما عن الكافي و التهذيب في الصحيح عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. و الصحيح ينقل حديث دخول جمع من المعتزلة عليه عليه السّلام يدعونه إلی أن يدخل معهم في بيعة محمّد بن عبد اللّه بن الحسن، ثمّ يذكر محاجّته عليه السّلام مع عمرو بن عبيد المعتزلي الّذي كان كالنائب عن هذا الجمع، و بلغت المحاجة إلی أنّه لو ظفرتم علی الكفّار و دعوتموهم إلی الجزية، فقال عليه السّلام له: فإن هم أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم كيف تصنع بالغنيمة؟ قال: اخرج الخمس و اقسّم أربعة أخماس بين من قاتل عليه، قال عليه السّلام: أخبرني عن الخمس من تعطيه؟ فلم يقو علی الجواب الصحيح و قال: لا أدري، قال عليه السّلام: فأراك لا تدري فدع ذا.

ثمّ قال عليه السّلام: أ رأيت الأربعة أخماس تقسّمها بين جميع من قاتل عليها؟ قال:

نعم، قال عليه السّلام: فقد خالفت رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله في سيرته ... الحديث «3».

                       

و بيان دلالته: أنّه عليه السّلام سأله بقوله: «كيف تصنع بالغنيمة» و أجابه بقوله: «اخرج الخمس و اقسّم أربعة أخماس بين من قاتل عليه» فلم يردّ الإمام عليه أصل اخراج الخمس و لا قسمة الأربعة أخماس بين من قاتل عليه مع أنّه عليه السّلام بصدد تقريعه و بيان جهله بالأحكام الشرعية، و قد نبّه علی جهله في موارد عديدة قبل هذا السؤال و الجواب و بعده، فسكوته عليه السّلام عن الردّ عليه دليل علی إمضائه عليه السّلام لهذا الجواب فيكون الجواب كأنّه صدر عن شخص الإمام عليه السّلام، و قد عرفت دلالة هذه العبارة علی اختصاص ما يبقی من الغنيمة بمن قاتل عليها و أنّ إطلاق الغنيمة شامل لما حواه العسكر و لما لم يحوه و هو المطلوب.

5- و منها ما رواه الكافي و التهذيب عن حفص بن غياث قال: كتب إليّ بعض إخواني أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مسائل من السنن [السيرة- يب‏] فسألته و كتبت بها إليه فكان فيما سألته: أخبرني عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمة ثمّ لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلی دار الإسلام [السلام- كا] و لم يلقوا عدوّا، حتّی خرجوا إلی دار الإسلام [السلام- كا] هل يشاركونهم [فيه- يب‏] فقال: نعم ... الحديث «1».

و بيان دلالته: أنّ السائل فرض أنّ الغنيمة مختصّة بالجيش الّذين غنموها و إنّما سؤاله عن أنّ الجيش الآخر هل يشاركونهم و أجابه الإمام عليه السّلام بأنّهم أيضا مشاركون، فاختصاص الغنيمة بمن غنموها مورد تأييد الإمام عليه السّلام أيضا و الغنيمة فيه مطلقة تعمّ كلا القسمين، فهذا الخبر أيضا دالّ علی المطلوب إلّا أنّ في سنده كلاما جدّا.

6- و منها ما رواه البيهقي في السنن الكبری في كتاب السير في الباب الرابع منه بسنده عن عبد الرحمن بن مسعود عن عليّ عليه السّلام أنّه قال: الغنيمة لمن شهد الوقعة «2».

و الظاهر من الوقعة هو وقعة الحرب و من شهدها هم الحاضر فيها المغتنم للغنيمة، و حيث إنّ الغنيمة فيه مطلقة تشمل ما حواه العسكر و ما لم يحوه فهذا الحديث أيضا كالأخبار الماضية يدلّ علی المطلوب.

                       

ثمّ إنّه قد وردت روايات اخر في أنّه إذا أخذ الكفّار من أولاد المسلمين و مماليكهم ثمّ ظفر عليهم المسلمون و استردّوه في غنائمهم فربما يخرج ما أخذوه عن الغنيمة ثمّ تقسّم، فربما يراد التمسّك بإطلاق الغنيمة في هذه الأخبار للقسمين و التمسّك بها للمطلوب، لكنّ الإنصاف أنّها في مقام مجرّد بيان أنّها لا تدخل في الغنيمة و لا إطلاق فيها كما يظهر لمن تأمّلها، فراجع «1».

7- و منها ما رواه العيّاشي في تفسيره عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سمعته يقول في الغنيمة: يخرج منها الخمس و يقسّم ما بقي فيمن قاتل عليه و ولي ذلك، فأمّا الفي‏ء و الأنفال فهو خالص لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله «2».

و دلالته علی المطلوب واضحة مثل ما مرّ.

8- و منها ما في تفسير العيّاشي أيضا عن ابن الطيّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

يخرج خمس الغنيمة ثمّ يقسّم أربعة أخماس علی من قاتل علی ذلك أو وليه 3.

و الظاهر قراءة «وليه» فعلا ماضيا و يكون معناه «ولي الغنيمة» بمعنی تصدّی لاغتنامها فيرادف قوله: «قاتل علی ذلك». و كيف كان فالغنيمة فيه مطلقة شاملة لكلا قسميها، فهذا الخبر أيضا دالّ علی المطلوب.

9- و منها ما في المستدرك عن دعائم الإسلام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:

الغنيمة تقسّم علی خمسة أخماس، فيقسّم أربعة أخماس علی من قاتل عليها و الخمس لنا أهل البيت ... الحديث «4».

10- و منها ما فيه عن الدعائم عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: أربعة أخماس الغنيمة لمن قاتل عليها، للفارس سهمان و للراجل سهم «5».

و هذان الخبران أيضا يدلّان علی المطلوب بالبيان الّذي مضی فيما سبقهما.

                       

فهذه أخبار عشرة عدّة منها معتبرة السند و جميعها دالّ بإطلاق لفظ الغنيمة أو المغنم فيها لكلا قسمي الغنيمة علی المطلوب، و أنّ الغنيمة تختصّ بمن قاتل عليها.

إلّا أنّ هنا روايتين تدلّان علی أنّ ما يختصّ بالمقاتلين هو خصوص ما يحويه العسكر من الغنائم دون ما لا يحويه:

إحداهما: رواية حمّاد بن عيسی عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال:

الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة، يؤخذ من كلّ هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله اللّه له و يقسّم الأربعة أخماس بين من قاتل عليه و ولي ذلك- ثمّ ذكر مصرف الخمس تفصيلا و سرّ جعل الخمس و أنّ للإمام صفو المال و أنّ له سدّ النوائب بغنيمة دار الحرب ثمّ قال:- و ليس لمن قاتل شي‏ء من الأرضين و لا ما غلبوا عليه إلّا ما احتوی عليه العسكر ... الحديث «1».

و رواه الشيخ في التهذيب في باب قسمة الغنائم بسند آخر فيه ضعف عن حمّاد بن عيسی قال: رواه لي بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح أبي الحسن الأوّل عليه السّلام «2».

و لا بأس بسند الحديث و إن كان فيه إرسال فإنّه كما عرفت معمول به مضافا إلی أنّ سند الكافي إلی نفس حمّاد معتبر و حمّاد من أصحاب الإجماع كما ذكره الكشّي.

فالإمام عليه السّلام و إن ذكر أوّل الحديث أنّه «يقسّم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه» و ظاهره كظاهر الروايات الماضية يقتضي بإطلاقه أنّ أربعة أخماس الغنائم سواء فيها ما كان ممّا يحتوي عليه العسكر و ما كان ممّا لا يحويه للمقاتلة إلّا أنّ قوله عليه السّلام بعده: «و ليس لمن قاتل شي‏ء من الأرضين و لا ما غلبوا عليه إلّا ما احتوی عليه العسكر» أنّه ليس لهم ممّا غلبوا عليه و منه المغانم إلّا ما احتوی عليه العسكر، و هو مقيّد واضح خاصّ بالنسبة إلی إطلاق صدر الحديث و إطلاق غيره من الأخبار.

و قد عرفت أنّ مفاد الحديث في هذا الاستثناء معمول به بل قد ادّعی عليه صاحب الغنيمة الإجماع، فليس فيه شبهة إعراض الأصحاب عنه، و لعلّ من لم‏

                       

يعمل به كان منشأه أنّه يری ضعف سنده، لكنّك قد عرفت اعتباره و يقوّی اعتباره أنّ صاحب السرائر الّذي لا يعمل بأخبار الآحاد قد أفتی بمفاده كما عرفت قوله عند ذكر كلمات الأصحاب.

و ثانيهما: ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن عليّ بن الحسن بن فضّال عن جعفر بن محمّد بن حكيم عن جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّما تصرف السهام علی ما حوی العسكر «1». و أخرجه عنه صاحب الوسائل و فيه أنّ في نسخة «إنّما تضرب» «2».

و بيان دلالته: أنّ قوله عليه السّلام: «إنّما تصرف» ظاهره حصر صرف السهام علی خصوص ما حواه العسكر، و صرف السهام ظاهره صرف سهام التقسيم لما حواه العسكر فينصرف إلی الغنائم المأخوذة ممّا حواه العسكر الّتي تقسّم بين المقاتلين فينحصر تقسيم الغنائم في خصوص تلك الغنائم. و هذا الّذي استفدناه من الحصر هو الظهور المستفاد من العبارة الّتي في مقام بيان ذكر مصرف السهام و لم نعتمد علی ذكر لفظة «إنّما» الّتي قيل إنّها للحصر لما ناقشنا هذا القول في محلّه.

و هذه الدلالة تأتي في نسخة «إنّما تضرب» أيضا كما هو ظاهر للمتدبّر.

فدلالة هذه الرواية أيضا تامّة إلّا أنّ فيها كلاما في سندها، و ذلك أنّ إسناد الشيخ إلی عليّ بن الحسن و إن كان معتبرا كما فصّلناه في كلماتنا السابقة إلّا أنّ جعفر بن محمّد بن حكيم لم تثبت وثاقته، فإنّ الّذي نقل عنه الكشّي أنّه قال في جعفر:

 «ليس بشي‏ء» و إن كان رجلا مجهولا، إلّا أنّه مع ذلك فلا شاهد علی وثاقة جعفر أصلا. نعم قد حكی السيّد العلّامة الخوئي في معجمه أنّه من رجال كامل الزيارات لكنّه أيضا لا حجّية فيه علی توثيقه. نعم إنّ روايته مؤيّدة لرواية حمّاد بن عيسی التامّة سندا و دلالة علی ما عرفت.

                       

الخامس من الأموال الّتي هي بمنزلة الأموال العامة هي أموال الناس و الامّة الزائدة علی ما يحتاجون إليه في معاشهم‏

و المراد بها أنّ اللّه تعالی وسّع علی الامّة- إذا لم يقم عليهم دولة حقّة- بعد أداء ما أوجب اللّه عليهم من الفرائض المالية كالزكاة و الخمس أن ينفقوا أموالهم فيما شاءوا من المصارف المشروعة و كيف شاءوا بل و أن يكنزوا ما لا حاجة لهم به، فإذا قامت الدولة الحقّة الإسلامية فقد أوجب عليهم إعانة هذه الدولة بأموالهم الّتي لا حاجة لهم بها بل ربما يكنزونها، فهذه الأموال أموال للأشخاص لا لعامّة الامّة إلّا أنّها يجب علی مالكيها أن يجعلوها بيد وليّ الأمر ليصرفها في سدّ النوائب و يستعين بها في جميع ما يراه بمصلحة المسلمين من امور واجبة كالجهاد أو امور مندوبة كسائر المصالح.

و حيث إنّ من البديهي في الشرع أنّ كلّ أحد هو مسلّط علی جميع أمواله و أنّه لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفسه- كما في صحيحة زيد الشحّام و موثّقة زرعة «1»- و أنّه لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه- كما عن صاحب الأمر عجّل اللّه تعالی فرجه الشريف علی ما في صحيح أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي «2»- فلا محالة أنّ الحكم المذكور خلاف القواعد المسلّمة لا يجوز

                       

القول به إلّا بدليل معتبر يقيّد به تلك المطلقات و يخصّص به العمومات.

و هذا الدليل هو ما رواه الكليني في آخر أبواب كتاب الزكاة من الكافي عن محمّد بن يحيی عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان عن معاذ بن كثير قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: موسّع علی شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرم علی كلّ ذي كنز كنزه حتّی يأتيه به فيستعين به علی عدوّه، و هو قول اللّه عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ «1».

و رواه الشيخ في التهذيب في باب الزيادات من كتاب الزكاة بعد باب الأنفال مثله، إلّا أنّ جملته الأخيرة هكذا: «حتّی يأتوه به يستعين به» «2» و لم يذكر الآية المباركة.

و سند الحديث في التهذيب المطبوع هكذا: محمّد بن الحسن الصفّار عن الحسن بن الحسن و محمّد بن عليّ بن محبوب و حسن بن عليّ و محسن بن عليّ ابن يوسف جميعا عن محمّد بن سنان عن حمّاد بن طلحة صاحب السابريّ عن معاذ بن كثير بيّاع الأكسية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام 3.

أقول: في بعض نسخ التهذيب المطبوع جديدا بتعليق الغفّاري: محمّد بن الحسن الصفّار عن الحسن بن الحسين و محمّد بن عليّ بن محبوب و حسن بن عليّ و حسن بن عليّ بن يوسف جميعا ... إلی آخره و ذكر في تعليقه أنّ حسن بن عليّ ابن يوسف في بعض النسخ صحّف بمحسن بن عليّ بن يوسف «4». و قد ذكر نسختي الحسن بن الحسن و الحسن بن الحسين في الصدر كنسختي حسن و محسن في الذيل الشيخ الربّاني في تعليقته علی الوسائل «5»، فراجع.

و كيف كان، فالكلام تارة في سند الحديث و اخری في دلالته:

أمّا السند فسند الكافي لا ريب في ثقة رجاله إلّا في محمّد بن سنان فإنّ فيه‏

                       

كلاما كثيرا من أصحابنا الأعاظم و لعلّ المعروف فيه تضعيفه، إلّا أنّه ليس ببعيد أن يكون من الثقات كما صرّح به الشيخ المفيد في الإرشاد و هو ما عن شيخ الطائفة في كتاب الغيبة، و قد حكی توثيقه عن الحسن بن عليّ بن شعبة صاحب تحف العقول و ذلك لما ورد من روايات معتبرة السند في تجليل الإمام الجواد عليه السّلام له و إظهار رضاه عنه، و لا يبعد أن يكون سرّ تضعيفه أنّه كان يروي في شأن الأئمّة عليهم السّلام فضائل يعدّونها غلوّا في حقّهم، و لذلك حكی عنه أنّه كان يجلس هو و صفوان بن يحيی بمسجد الكوفة و هو يقول للناس: «من كان يريد المعضلات فإليّ و من أراد الحلال و الحرام فعليه بالشيخ» يعني صفوان بن يحيی.

و لتوضيح حاله أكثر من ذلك راجع قاموس الرجال «1».

فبالجملة: فالحديث بنقل الكافي معتبر السند.

و أمّا سند التهذيب فإسناد الشيخ إلی الصفّار العظيم القدر معتبر، كما أنّ محمّد بن عليّ بن محبوب و حسن بن عليّ بن يوسف الّذي هو حسن بن عليّ بن يوسف بن وضّاح ثقتان، لكن محسن بن عليّ بن يوسف غير مذكور في كتب الرجال، و هو لعلّه يقوّي تصحيف تلك النسخة، و أمّا حسن بن عليّ فإن كان حسن بن عليّ ابن يقطين كان ثقة إلّا أنّه لا شاهد معتبر عليه، و هكذا الكلام في الحسن بن الحسن بل و الحسن بن الحسين، و إن قيل بأنّ الحسن بن الحسين هو اللؤلؤي الكوفي فلا دليل عليه كذلك لكونه مشتركا بينه و بين من لم تثبت وثاقته، إلّا أنّ هذه الجهالات غير مضرّة بعد اتفاق النسخ في محمّد بن عليّ بن محبوب الثقة.

و قد عرفت وثاقة محمّد بن سنان، و أمّا حمّاد بن طلحة صاحب السابري فهو غير مذكور في كتب الرجال، و المذكور هو حمّاد بن أبي طلحة بيّاع السابري، و عن النجاشي أنّه كوفي ثقة، فإن قلنا بأنّ النسخة غلط و الصواب حمّاد بن أبي طلحة سهل الأمر، و غلط النسخة و إن كان محتملا كما ذكره جامع الرواة في بعض آخر من الروايات في ترجمة حمّاد بن أبي طلحة إلّا أنّ فيه قرينة علی ما أفاده و لا قرينة عليه هنا، بل إنّه قدّس سرّه في ترجمة معاذ بن كثير قال: «محمّد بن سنان عن‏

                       

حمّاد ابن طلحة صاحب السابري عن معاذ بن كثير بيّاع الأكسية في باب الزيادات بعد باب الأنفال» و هو هذا الحديث فتراه نقله كما هنا بلا تعرّض لقدح أصلا.

فمن ذلك كلّه يعلم أنّ سند التهذيب لا يثبت اعتباره لجهالة حمّاد بن طلحة.

و أمّا دلالته فعبارة صدر الحديث بحسب كلا النقلين واحدة و واضحة الدلالة علی تجويز تصرّف جميع شيعتهم في أموالهم في المصارف المشروعة المعروفة بل و علی تجويز جعل ما لا يحتاجون إلی صرفها كنزا مذخورا، إلّا أنّ ذيله حرّم عليهم إبقاء كنوزهم علی ما كانت عليه إذا قام قائمهم، و لا ريب أنّ قيام قائمهم إنّما هو بتصدّيه لإدارة أمر الامّة الإسلامية الّذي هو عبارة اخری عن تولّيه لأمر الامّة و أعمال الولاية الّتي جعلها اللّه تعالی لهم، فمعنی الذيل أنّه إذا صارت ولاية القائم منهم فعلية حرم علی كلّ ذي كنز كنزه حتّی يأتي القائم بكنزه و يستعين به في المصارف الولائية، فلا يخرج أحد عن هذه الحرمة إلّا بأداء كنزه إليه ليصرفه تلك المصارف، و هو ما قدّمناه.

فالكنز و إن كان كنزا لهم إلّا أنّه يحرم عليهم كنزهم إلّا أن يأتوا به و يجعلوه تحت يده ليصرفه في المصارف الّتي تحتاج إلی صرف المال، فهو و إن كان مالا لهم إلّا أنّه يجب أداؤها إلی الإمام القائم بالأمر عليه السّلام.

ثمّ إنّ موضوع الحكم حيث إنّه كنزهم و حكم عليه بحرمة إبقائه تحت أيديهم فحكم الحرمة فيه نظير سائر الموضوعات الّتي تعلّق بها حكم الحرمة في أنّ ظاهرها أنّها حكم تكليفيّ إلهي مثل حرمة شرب الخمر و أكل الميتة و غيرهما من المحرّمات، فإنشاء الحرمة إنّما كان من اللّه تعالی ابتداء لا أنّ هنا جعل ضريبة مثلا من وليّ أمر الامّة بل حرّم اللّه تعالی بقاء الكنوز تحت أيديهم حتّی يأتوا وليّ الأمر بها، فليس مفاد الحديث من باب جعل الضرائب في شي‏ء بل مفاده بيان منبع مالي آخر بشرح ما مضی.

ثمّ إنّ موضوع الحكم فيه هو الكنز، و الكنز كما فسّروه في باب الخمس هو المال المذخور في مكان مناسب كأن يجعل تحت الأرض و في أزمنتنا يجعل في المصارف المعدّة لحفظها، و قد فسّره أرباب اللغة أيضا بذلك، فلا محالة هو مال لا يحتاج مالكه إلی صرفه في إمرار معاشه فيجعله في محلّ يحفظ و يدّخر لما إذا حصلت له حاجة

                       

به، فلا محالة لا يعمّ الكنز الأموال الّتي يتّجر بها و إن كانت تجارة واسعة كثيرا حتّی إن كانت سعة التجارة أزيد ممّا يحتاج إليه في معيشته و معيشة من يتعلّق به، فهذه الأموال و إن كانت في الكثرة و السعة بمكان عال فلا يطلق عليها عنوان الكنز.

و حينئذ فهنا مجال السؤال عن أنّ الحكم المذكور في الحديث هل يختصّ بالكنز أم يجري في كلّ ما لا حاجة لمالكه إلی صرفه في معاشه و معاش من يتعلّق به؟ و أری أنّ الجواب الصحيح هو الاختصاص، و ذلك أنّ عنوان موضوع الحكم لا يشمله، و من المحتمل اختصاص الحكم به و لو بعناية احتمال أنّه إذا كانت أموال شخص أموالا تصرف في تجارة بتلك الوسعة الّتي ذكرناها، فلمجال أنّ سعة التجارة توجب حصول الاشتغال و تأمين ما يحتاج إليه العيش لجمع كثير من الامّة لهم ارتباط بموادّ أو توليدات هذه التجارة و من المصالح المرعية لزعيم الامة أن يراعي سدّ حاجات الناس في معيشتهم، فلذلك ربما لا يكون علی صاحب تلك التجارة الواسعة أن ينزع رأس ماله في التجارة الوسيعة، فبعد هذا الاحتمال ينسدّ باب إلغاء الخصوصية، و بما أنّ حكم الحديث كما عرفت خلاف القواعد الأولية كان مقتضی القواعد عدم جواز أخذ غير الكنوز من أموالهم، إلّا أنّه مع ذلك كلّه فالإمام القائم بالأمر عليه السّلام أعلم بوظيفته الالهية.

ثمّ إنّ غاية الإتيان بهذه الأموال عند وليّ الأمر حيث إنّه أن يستعين به فلا محالة تقيّد حرمة الإبقاء و وجوب الإتيان بها لديه بما إذا كان لوليّ الأمر حاجة لا طريق إلی تحصيلها إلّا صرف الأموال فيستعين بكنزهم في تحصيل هذه الحاجة، و لا محالة إذا لم تكن له حاجة كذائية فلا دلالة للحديث علی وجوب الإتيان بالكنوز لديه، و هو واضح.

ثمّ إنّ الحديث المذكور حديث واحد نقله معاذ بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و الهدف من إتيان الكنوز عنه قد جعل في نقل التهذيب مطلق «أن يستعين به» و هو صادق علی الاحتياج إليه في أيّ مصرف مرتبط بالامّة بلا اختصاص بمصرف خاصّ، إلّا أنّ نقل الكافي هو أن «يستعين به علی عدوّه» و العدوّ إمّا عدوّ في حدود المملكة الإسلامية من البغاة و أمثالهم و إمّا عدوّ مستوطن خارجها فلا

                       

محالة يكون مصرفه الجهاد أو الدفاع و لا يعمّ المصارف العمومية الاخر، و حيث إنّ سند الكافي هو المعتبر فلا محالة إنّما قام الدليل علی اعتبار مفاد نقله و المتبع في غير مورد الجهاد و الدفاع هي القواعد الأولية المقتضية لعدم جواز أخذ مال الغير من دون رضاه، بل إنّ فرضنا اعتبار سند التهذيب أيضا فحيث إنّ الحديث حديث واحد فلا محالة يكون النقلان في غير مورد الجهاد و الدفاع متعارضين، فالحجّة إنّما تقوم علی مورد الاجتماع، و في مورد الافتراق لم تقم حجّة علی رفع اليد عن القواعد فيجب الأخذ بمقتضاها.

ثمّ إنّه قد يقال باختصاص حكم الحديث بخصوص الشيعة و ذلك لأنّهم موضوع حكم جواز مصرف أموالهم و إنفاقها في المعروف في صدر الحديث، و جملة «فإذا قام قائمنا ... إلی آخره» أيضا تفريع علی هذا الصدر فلا محالة يختصّ حكم الذيل أيضا بهم.

لكنّ الظاهر هو التعميم و ذلك لوجهين:

أحدهما: دعوی أنّ ذكر الشيعة في الحديث إنّما هو لتسلّم أنّ الشيعة تابعون لهم عليهم السّلام في جميع الأزمنة قاموا بالأمر أم لم يقوموا، فلذلك إنّما ذكر أوّل الحديث بملاحظة أنّهم تابعون لحكومتهم و أعمال ولايتهم، فإذا قاموا بأعمال الولاية فكلّ من هو تحت نظام الولاية لا محالة تابعون لهم، فلا يبقی حينئذ فرق بين من كان شيعيّا و من لم يكن، فالكلّ تابعون، و علی الكلّ تأمين ما يحتاج وليّ الأمر في سدّ نائبة إلی مال بلا فرق أصلا.

و ثانيهما: أنّ جواب الشرط «فإذا قام قائمنا» هو قوله عليه السّلام: «حرّم علی كلّ ذي كنز كنزه حتّی يأتيه به» فقد وقع العموم في الجواب و أنّه يحرم علی كلّ ذي كنز كنزه و يجب عليه أن يأتي به فلم يخصّص حرمة البقاء و وجوب الإتيان بخصوص الشيعة بل هما متعلّقان بكلّ ذي كنز، و يعمّ هذا العموم الشيعة و غيره.

ثمّ إنّ موضوع الحديث هو أن يقوم قائمهم حيث عبّر عنه بقوله عليه السّلام: «فإذا قام قائمنا» و من المعلوم أنّ قائمهم إنّما هو الإمام المعصوم منهم الّذي وقع في كلام الرسول و الأئمّة عليهم السّلام البشارة بقيامه فلا محالة لا يعمّ الوليّ الفقيه الّذي يقوم‏

                        

بأعمال الولاية في زمن الغيبة: نعم أداء المال في زمن قيام القائم لا يتعيّن أن يكون إلی نفسه بل يجوز أداؤه إلی من جعله وكيلا عن نفسه من ولاة البلاد و العمّال لكنّه كما لا يخفی غير أداء المال إلی الفقيه القائم بالأمر زمن الغيبة.

ثمّ إنّ المذكور في الحديث و إن كان مجرّد حرمة بقاء الكنوز تحت أيدي مالكيها و وجوب الإتيان بها إلی الإمام القائم بالأمر و لا دلالة له أصلا علی أنّ هذه الكنوز تخرج عن ملك مالكيها خلافا لما في بابي الخمس و الزكاة و في تعلّق دين لأحد بذمّة آخر إلّا أنّه مع ذلك فإذا لم يعملوا صاحب الكنوز بوظيفة الإتيان بها فمن باب الأمر بالمعروف يأمرهم وليّ الأمر بامتثال وظيفتهم هذه و يلزمهم عليه بل إن لم يقوموا أنفسهم بأدائها يؤخذ منهم قهرا عليهم، فإنّ جميع مراتب الأمر بالمعروف بيد وليّ الأمر كما أشرنا إليه في مباحثنا السابقة.

و لا بدّ من العناية لأنّ مفاد الحديث حيث إنّه غير مبتلی به فلم يتعرّض العلماء الأخيار لمفاده و هو لا يحكي عن إعراضهم عنه بل إن لم يعملوا به فلعلّه مستند إلی مسيرهم إلی ضعف سنده، فلا دليل علی إعراضهم عن حديث معتبر السند و الأدلّة مقتضية لاعتباره.

و في الختام لا بأس بالتذكّر لنكتة هي: أنّ المستفاد من الحديث وجوب إعانة وليّ الأمر بالمال المذكور في دفع العدوّ و في الجهاد لكنّه لا يلازم أن لا يبقی بعد أداء هذه الأموال حاجة لوليّ الأمر إلی أموال اخر للتوصّل إلی نفس هذين الهدفين فضلا عن الأهداف الاخر المحتاجة أيضا إلی انفاق المال فيها، فمنه تعرف أنّ الوجوب المستفاد من هذا الحديث لا يوجب امتثاله أن لا يبقی لوليّ الأمر حاجة إلی أموال اخر أيضا، و عليه فهذا الحديث لا يرفع موضوع جعل الضريبة علی الامّة بغاية الوصول بها إلی أموال يحتاج وليّ الأمر لإدارة أمر الامّة إليها. مضافا إلی أنّ هدف جعل الضرائب ليس منحصرا فيه بل يتصوّر له أهداف اخر ستأتي إن شاء اللّه تعالی الإشارة إليها.

و بالجملة: فهذا الحديث و امتثال الحكم المذكور فيه لا يجعلنا غير محتاجين إلی جعل الضرائب المالية.

                       

السادس ممّا يمكن أن يعدّ من الأموال العامّة الضرائب‏

قد تبيّن من جميع ما مرّ أنّ اللّه تبارك و تعالی كما أوجب علی وليّ أمر الامّة إنفاق أموال في موارد عديدة كذلك قد جعل تحت يده أصنافا من الأموال و هي إمّا أن تكون ملكا له كالخمس و الأنفال و إمّا أن تكون من أموال عامّة الناس كالأراضي المفتوحة عنوة و خراجها و كالجزية علی أهل الذمّة بل و كالكنوز الّتي يدفعها إليه صاحب الكنوز من الامّة، و هذه الأموال بكلا قسميها قد جعلت تحت يده لأن ينفقها في مصلحة الامّة.

و بعد ذلك نقول فهل يجوز في الشريعة الإسلامية لوليّ الأمر أن يفرض علی الامّة كلّا أو بعضا و لو في موارد خاصّة ضرائب مالية و يجب علی الامّة أداؤها إليه أم لا؟

فنقول- بعد ملاحظة أنواع الضرائب المالية الدارجة في مثل أزمنتنا-: إنّ الهدف الباعث علی جعل الضريبة تارة عدم وفاء الأموال المذكورة الحاصلة من المنابع السابقة الذكر بتحصيل الحاجات و النوائب الّتي يكون وليّ الأمر بصدد رفعها و سدّها لقلّة هذه الأموال بالنسبة إلی ما يحتاج إليه رفع تلك الحاجات و سدّ هذه النوائب و اخری يكون هدفا أو أهدافا اخری.

و الهدف الأوّل إمّا التمكّن من القيام برفع حاجة يكون رفعها من الامور الواجبة، و إمّا التمكّن من القيام بتحصيل أمر يكون من مثل الامور الرفاهية كغرس أشجار لتلطيف الهواء و كإحداث مراتع و أفضية خضراء و إحداث أو توسعة

                       

الشوارع الّتي لو لم تحدث لما أوجب علی الامّة و لا علی أحدهم ضررا بل و لا ضيقا أصلا إلی غير ذلك.

كما أنّ للأهداف الاخری أيضا أمثلة و أصنافا كثيرة، و نعني بها أنّه مع فرض قيام الأموال الحاصلة تحت أيدي وليّ الأمر من المنابع المذكورة برفع الحاجات الّتي تحتاج الامّة إلی رفعها و مع هذا الفرض فتارة ينظر وليّ الأمر إلی حال من يأتي و يتولّد من الامّة في الأزمنة الآتية فلا يقوم باستخراج بعض المعادن كالنفط و غيره لأن يبقی للأمّة في القرون الآتية و لذلك يقلّ حاصل المنابع المالية عمّا تحتاج إليه الامّة فعلا فيفرض عليهم ضريبة لرفع حاجاتهم الضرورية أو غير الضرورية.

و اخری يفرض ضريبة مالية علی من يستورد أنواعا من الأموال الطبيعية أو الصناعية من بلاد اخر و يكون قد تمّ لهذه الأموال قيمة و ثمن لمن يوردها هو أقلّ بمراتب ممّا يمكن تحصيلها في هذه البلاد الّتي يدخل تلك المستوردات فيها، فإن لم يفرض عليها ضريبة وقع ضرر اقتصادي عظيم علی من يشتغل بتحصيل و إنتاج هذه الأموال في هذه البلاد، فحفظا لأن يرد عليهم- و هم طبقة وسيعة- ضرر اقتصادي يفرض علی تلك المستوردات ضرائب مناسبة.

و ثالثة يكون لشخص أو أشخاص مصنع عظيم ذو إنتاج كبير يصرف المنتجون لانتاجاتهم للمنتجين مبلغا قليلا، فإن جعلوا مطلقا من حيث الثمن الّذي يبيعون به إنتاجاتهم فربّما يرد علی طبقة عظيمة ينتجون هذه الإنتاجات بحيث يتمّ ثمنها لهم بمبلغ كثير فيرد عليهم ضرر عظيم اقتصاديّ عظيم ممّا يؤثّر ضرره علی الامّة الإسلامية كذلك. فدفعا لهذا الضرر الحاصل يفرض وليّ الأمر ضريبة مناسبة علی ما نتيجه ذلك المصنع العظيم.

و رابعة يقوم عمّال الدولة الإسلامية بإنتاج أمر صناعي كالسيارات مثلا بمقدار و عدد خاصّ و يبيعها أفراد الامّة بثمن مناسب، إلّا أنّه يفرض علی من يقوم من أفراد الامّة بإنتاجه ضريبة مالية بحيث لا يبقی له نفع في إنتاجه بعد أدائها ضريبته، و يكون الهدف منه هو أن لا يقوم الناس بتصنيع السيارات الكثيرة كي يؤدّي إلی تلويث جوّ البلاد.

                       

و خامسة و سادسة و ... و ... لغير هذه من الأهداف الاخر و هي عديدة كثيرة.

 [دليل جواز أو وجوب أخذ الضربية]

فهل يجوز لوليّ الأمر لبعض هذه الأهداف جعل الضرائب المالية أو يفرّق في الجواز و عدمه بينها.

و التحقيق: أنّه لا مانع من جواز فرض الضرائب، إلّا أنّ اللّه تعالی قد جعل الناس كلّهم مسلّطين علی أموالهم و حرّم علی غير المالك أن يتصرّف في ماله إلّا بإذنه، و هذا الحكم من ضروريات الفقه بل الدين فقد قال اللّه تعالی: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً «1» فنهی عن أكل مال الآخرين بالباطل و استثنی منه خصوص التجارة عن تراض و هو يدلّ علی أنّ ما ليس فيه تراض فهو أكل بالباطل المنهيّ عنه، و مآله إلی أنّ التصرّف في مال الناس إذا لم يكن برضاه فهو أكل له بالباطل و حرام.

و قال رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله في خطبة في حجّة الوداع- علی ما في صحيح أبي اسامة زيد الشحّام و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام-: «ألا من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلی من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه» «2». فقد حكم بعدم حلّ أيّ تصرّف في مال المسلمين إذا لم يكن المالك ذا طيب نفس به، و المستفاد منه عرفا أنّ طيب نفسه تمام الملاك لجواز التصرّف في ماله.

و في صحيح أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي أنّه كان فيما ورد عن صاحب الدار عجّل اللّه تعالی فرجه الشريف في جواب مسائله علی الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري: فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه «3».

فهو صريح الدلالة في أنّه لا يحلّ التصرّف في مال أحد بغير إذنه، و موضوعه «مال أحد» و هو شامل للمسلم و غيره و إن كانت الآية المباركة و النبويّ المذكور واردا في خصوص أموال المسلمين. و الأدلّة علی هذا المطلب كثيرة جدّا.

                       

فالحاصل: أنّه لا ريب في حرمة التصرّف في مال الأشخاص بلا رضا منه فهي تمنع إلزامهم بأداء مال آخر سوی ما أوجبه اللّه عليهم أداءه، فلا محالة ربما يقال بأنّه لا مجال لوليّ الأمر في فرض الضرائب علی من يعيش في ظلّ لواء الإسلام مسلما كان أو أهل ذمّة.

إلّا أنّ هذا المعنی أيضا لا يقوی أن يصير مانعا و ذلك لما مرّ منّا مفصّلا أوائل الكتاب و أكّدنا عليه أيضا غير مرّة من أنّ اللّه تعالی جعل النبيّ و الأئمّة المعصومين صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين أولياء علی الامّة الإسلامية، فقد صرّح الكتاب الكريم بقوله تعالی: النَّبِيُّ أَوْلی‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «1» و قال تعالی أيضا:

إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ «2» و قال تعالی خطابا لنبيّه: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ «3» و قد بلّغ الناس هذا الّذي انزل إليه من ربّه يوم الغدير- بعد ما استشهد الناس بقوله: أ لست أولی بكم من أنفسكم؟ و شهدوا له به- بأن قال: «ألا من كنت مولاه فعليّ، مولاه».

فالآية المباركة الاولی نصّ في أنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله أولی بالمؤمنين من أنفسهم، فكما أنّ للمؤمنين علی أنفسهم ولاية فهكذا يكون للنبيّ أيضا عليهم ولاية بل ولايته عليهم أولی و أقوی من ولاية أنفسهم بأنفسهم و هو أولی بالمؤمنين من أنفسهم، و قد مرّت ذيل الآية روايات عديدة معتبرة أنّ هذه الولاية و الأولوية ثابتة بعده لأمير المؤمنين عليه السّلام و كلّ أحد من الأئمّة عليهم السّلام كلّ في زمانه.

كما أنّ آية الولاية ناصّة علی ثبوت الولاية علی المسلمين لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و لأمير المؤمنين و سائر الأئمّة المعصومين عليهم السّلام كلّ في زمان إمامته، و قد مرّ ذكر أخبار معتبرة السند و الدلالة بل قطعيّتهما علی أنّهم المراد ب الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ المذكور في الآية المباركة. و كما أنّ المراد ب ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ في آية الغدير هو ولاية أمير المؤمنين بل أولويته‏

                       

بالمؤمنين من أنفسهم. و قد مرّ بيان ذلك كلّه في أوائل الكتاب و ذكر أخبار كثيرة اخری قطعية السند و الدلالة علی ثبوت الولاية للنبيّ و الأئمّة صلوات اللّه عليهم علی جميع الامّة.

و من الواضح أنّ مقتضی ثبوت الولاية أن يكون للوليّ بعد مراعاة مصلحة المولی عليه أن يتصرّف في أموال المولی عليه ما يراه مصلحة، فكما لا بأس لوليّ أمر الطفل مثلا أن يتصرّف في ماله مستقلّا و تصرّفه تصرّف من له الولاية و لا يتوهّم أنّه لا يجوز له التصرّف فهكذا لأولياء أمر الامّة أن يتصرّفوا في أموال الامّة بحقّ ولايتهم، و لا مجال لتوهّم اعتبار رضاء المالكين أيضا في جواز التصرّف.

و منه تعرف أنّ جواز التصرّف في أموالهم لوليّ الأمر ليس بموجب عنوان ثانوي بل في عدل واحد يجوز للمالك نفسه أن يتصرّف في ماله لأنّه ما له و لوليّ الأمر أيضا أن يتصرّف في ماله لأنّه وليّ المالك.

و كلامنا الآن في تصرّفات وليّ الأمر في أموال الامّة فيما كان التصرّف بمصلحة الامّة فإنّه لا ريب في جوازه أصلا لما قدّمناه و إن كان لاستفادة جواز تصرّفه في مال كلّ أحد بالنسبة لأغراض متعلّقة بشخص المالك من الأولوية المذكورة في الآية الاولی وجه قوي.

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)
محتوای بیشتر در این بخش: « قسمة12 قسمت14 »

پیام هفته

حاکمیت قانون و ضوابط
قرآن : وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (سوره نور، آیه 2) ترجمه: اگر به خدا و روز بازپسين ايمان داريد در [كار] دين خدا نسبت به آنها (مجرمان) دلسوزى نكنيد. حدیث: انما هم اهل الدنیا مقبلون علیها، و مهطعون الیها و قد عرفوا العدل و راوه، و سمعوه و وعده، و علموا ان الناس عندنا فی الحق فهربوا الی الاثره فبعدا لهم و سحقا. (نهج البلاغه، نامه به سهل بن حنیف استاندار مدینه) ترجمه: آنان دنیا پرستانی هستند که به آن روی آوردند و شتابان در پی آن روانند. عدالت را شناختند و دیدند و شنیدند و به خاطر سپردند و دانستند که همه مردم نزد م...

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید