قسمت14

نام كتاب: الولاية الالهية الاسلامية أو الحكومة الاسلامية       جلد دوم

نويسنده: شيخ محّمد المومن القمي‏

موضوع: الفقه الاستدلالي‏

زبان: عربي‏

تعداد جلد: 2

ناشر: جامعه مدرسين حوزه علميه‏

 

 

                       

                       

                       

                       

ثمّ إنّه لم نجد في الأخبار ما يمكن الاستدلال به لجواز أن يضع الضرائب المالية بنحو الإطلاق بنحو كان مختصّا به إلّا أنّه يوجد فيها ما يدلّ علی جواز وضعها و صدور وضعها من أولياء الأمر في بعض الموارد، و هو في موردين:

أحدهما: ما في صحيح محمّد بن مسلم و زرارة عن الباقر و الصادق عليهما السّلام جميعا قالا: وضع أمير المؤمنين عليه السّلام علی الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين، و جعل علی البراذين دينارا «1».

قال في الوسائل: و رواه المفيد في المقنعة مرسلا إلّا أنّه قال: و جعل علی البراذين السائمة الإناث في كلّ عام دينارا 2.

فقد نسبا إلی أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه وضع علی الخيل و البراذين في كلّ عام‏

                       

دينارين أو دينارا، فالوضع حيث إنّه منسوب إلی أمير المؤمنين عليه السّلام يكون ظاهره أنّه فعل له، و لا محالة ليس زكاة شرعية و ذلك أنّ وضع الزكاة إنّما يكون من اللّه تعالی لا من أمير المؤمنين عليه السّلام و ظاهر الحديث أنّ هذا الوضع إنّما كان في زمن تصدّيه لأمر أعمال الولاية علی الامّة الإسلامية فإنّ في مثل هذا الزمان له إمكان وضع مال في كلّ حول علی بعض الحيوانات حتّی يكون هو عليه السّلام أو من ينصّبه لذلك الآخذ لهذا المال عن مالك الخيل و البراذين.

و بالنتيجة يكون مفاد الحديث حكاية وضع مال علی الامّة في مورد خاصّ و هو مصداق وضع الضريبة.

و أصحابنا الكرام قدّس سرّه أسرارهم حملوا هذه الصحيحة من أدلّة مندوبته أداء الزكاة للخيل و البراذين.

و لذا ذكرها الشيخ في الخلاف دليلا لما ذكره في متن المسألة 63 من كتاب الزكاة بقوله: لا زكاة في شي‏ء من الحيوان إلّا في الإبل و البقر و الغنم وجوبا، و قد روی أصحابنا أنّ في الخيل العتاق علی كلّ فرس دينارين و في غير العتاق دينارا علی وجه الاستحباب- ثمّ ذكر أقوال العامّة و فيها قول أبي حنيفة بوجوب الزكاة في الخيل في بعض الموارد، ثمّ قال:- دليلنا إجماع الفرقة فإنّ ما فصّلناه مجمع عليه عندهم ...

و أيضا روی حريز عن محمّد بن مسلم و زرارة عنهما جميعا ... فذكر الحديث «1».

و هكذا قال صاحب الجواهر قدّس سرّه عند شرح قول المحقّق: «و- كذا تستحبّ- في الخيل الإناث» إجماعا محصّلا و محكيّا في الخلاف و الغنية و التذكرة، و هو المراد من صحيح محمّد بن مسلم و زرارة فذكر الحديث «2».

إلّا أنّه خلاف ظاهر نسبة وضع الدينارين و الدينار إلی الأمير عليه السّلام بل ظاهرها وضع ضريبة مالية في هذا المورد. و هو لا ينافي استحباب الزكاة علی الخيل في الشريعة أيضا لكنّه غير الزكاة كما مرّ.

ثانيهما: ما جاء في بعض الأخبار من أنّ للإمام عليه السّلام أن يسدّ بالغنائم الحربية النوائب الّتي تحدث.

                       

و بيان المطلب: أنّه قد وردت روايات متعدّدة ظاهرها أنّ الغنائم الحربية بعد إخراج الخمس منها تكون ملكا للغانمين، فقد ورد في الصحيح عن ربعي عن عبد اللّه بن الجارود عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه، ثمّ يقسّم أربعة أخماس بين الناس الّذين قاتلوا عليه ثمّ قسّم الخمس الّذي أخذه ... و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول صلّی اللّه عليه و آله «1».

فإنّ قوله عليه السّلام: «يقسّم أربعة أخماس بين الناس الّذين قاتلوا عليه» ظاهر في أنّ هذه الأربعة الأخماس لمكان أنّها ملك هؤلاء تقسّم بينهم، و قد أكّد في ذيل الصحيحة أنّ الإمام عليه السّلام أيضا يأخذ كما أخذ الرسول صلّی اللّه عليه و آله فتدلّ علی أنّ الأربعة الأخماس ملك للمقاتلين. و من الواضح أنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله إنّما كان يفعل ما ذكر إذا كان وليّ أمر الامّة، و هكذا الأمر في الإمام عليه السّلام، فمفاد الصحيحة أنّه عند فعلية الحكومة الإسلامية بأيدي أولياء الأمر يكون أربعة أخماس الغنائم للمقاتلين.

و قد ورد الأمر كذلك في صحيحة معاوية بن وهب و صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي أيضا «2»، و لا نری حاجة بذكر نصّهما بعد كونه مثل صحيحة ربعي و بعد نقل متنهما فيما سبق من كتابنا، فراجع.

فمع ذلك كلّه فقد جاء في خبر حمّاد بن عيسی عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام في حديث: و له- يعني للإمام- أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم و غير ذلك ممّا ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شي‏ء أخرج الخمس منه فقسّمه في أهله و قسّم الباقي علی من ولي ذلك، و إن لم يبق بعد سدّ النوائب شي‏ء فلا شي‏ء لهم «3».

فأجاز له عليه السّلام أن ينفق جميع الغنيمة الحربية حتّی خمسها في سدّ ما ينوبه و أنّه إن لم يبق بعد سدّها شي‏ء فلا شي‏ء لهم و هو في معنی أنّ بيده الشريفة أمر

                       

الأموال الّتي جعلها اللّه لطائفة الناس و يؤوّل إلی تجويز وضع الضريبة المالية في هذا المورد، فتأمّل.

و قد عرفت أنّ الخبر قد عمل الأصحاب به فلا نقص سنديّ فيه.

 [ما قد يقال بدلالته علی عدم جواز أخذها و دفع هذه المقالة]

ثمّ إنّه قد يمكن أن يقال بأنّ في الروايات ما يدلّ علی عدم جواز وضع الضريبة و لا أخذها، و هي الروايات الواردة في ذمّ العشّارين فإنّ العشّار هو من يأخذ العشر، و العشر هو جزء واحد من عشرة أجزاء المال فلا محالة فهو ضريبة كانت توضع من ناحية الحكومات غير الإلهية السابقة فذمّهم و تقبيح عملهم يؤوّل إلی أنّ أخذه- و هو أخذ ضريبة مالية- حرام فلا يجوز وضع الضرائب أصلا.

و الروايات الواردة في هذا الموضوع عديدة يمكن انقسامها إلی قسمين:

 (أحدهما) ما يدلّ علی أنّ وضعه و أخذه كان أمرا دارجا قبل الإسلام أيضا فجاء الإسلام بالنهي عنه، و هي روايات متعدّدة:

1- فمنها ما في نهج البلاغة أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال في ليلة لنوف البكالي:

يا نوف إنّ داود عليه السّلام (انّ نبيّ اللّه داود- تمام نهج البلاغة) قام (ذات ليلة- تمام نهج البلاغة) في مثل هذه الساعة من الليل فقال: انّها لساعة لا يدعو فيها عبد إلّا استجيب له إلّا أن يكون عشّارا أو عريفا أو شرطيا (أو جابيا تمام النهج) أو صاحب عرطبة و هو الطنبور أو صاحب كوبة و هو الطبل «1».

و رواه الصدوق في الخصال هكذا: يا نوف إيّاك أن تكون عشّارا أو شاعرا أو شرطيا أو عريفا أو صاحب عرطبة و هو الطنبور أو صاحب كوبة و هو الطبل فإنّ نبيّ اللّه صلّی اللّه عليه و آله خرج ذات ليلة فنظر إلی السماء فقال: إنّها الساعة الّتي لا تردّ فيها دعوة إلّا دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر أو شرطيّ أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة «2».

فإنّ مجرّد عدم استجابة دعاء العشّار دليل علی كون عمله مبغوضا عند اللّه به‏

                       

استحقّ أن لا يستجاب دعاؤه، مضافا إلی أنّ النهي المذكور أوّلا في نسخة الخصال أيضا حجّة علی حرمة هذا العمل. و بملاحظة أنّ القائل بهذه المقالة هو داود النبيّ علی نبيّنا و آله و عليه السلام يدلّ علی أنّ أخذ العشر كان مرسوما في زمنه و قبل الإسلام أيضا، بل إن كان القائل بها نبيّ الإسلام دلّ أيضا علی هذا السبق و ذلك أنّ أخذ العشر لم يكن أمرا أقدم عليه أو أمر به رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله فلا محالة يكون ناظرا إلی فعل غير المسلمين.

2- و منها ما عن الصدوق في من لا يحضره الفقيه بإسناده عن حمّاد بن عمرو و أنس بن محمّد عن أبيه عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام أنّ في وصية النبيّ صلّی اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام: قال اللّه جلّ جلاله: و عزّتي و جلالي لا يدخلها [يعني الجنّة] مدمن خمر و لا نمام و لا ديّوث و لا شرطيّ و لا مخنّث و لا نبّاش و لا عشّار و لا قاطع رحم و لا قدريّ «1».

فعدم دخول العشّار في الجنّة لا يكون إلّا لعظم معصية- أعني أخذ العشر- و وقوع هذا المصبّ في وصيّته دليل علی وقوع هذا العمل قبل الإسلام و من غير المسلمين كما مرّ.

3- و منها ما عن ثواب أعمال الصدوق بإسناده عن النبيّ صلّی اللّه عليه و آله أنّه قال في آخر خطبة خطبها: «و من ضع طالبا حاجته و هو يقدر علی قضائها فعليه مثل خطيئة عشّار، فقام إليه عوف بن مالك [مالك بن عوف- ئل‏] فقال: و ما يبلغ من خطيئة عشّار يا رسول اللّه؟ فقال: علی العشّار في كلّ يوم و ليلة لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين وَ مَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً «2».

فهذا اللعن الشديد دليل علی عظم معصيته، و ذكره في خطبته صلّی اللّه عليه و آله دليل وقوع هذا العمل بين غير المسلمين في زمنه أو قبله.

4- و منها ما عن الصدوق في من لا يحضره الفقيه بإسناده عن شعيب بن واقد

                       

عن الحسين بن زيد عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام عن النبيّ صلّی اللّه عليه و آله أنّه قال في حديث المناهي: و من مطل (يبطل- خ ل) علی ذي حقّ حقّه و هو يقدر علی أداء حقّه فعليه كلّ يوم خطيئة عشّار «1».

و من المعلوم أنّ المماطلة في أداء حقّ ذي الحقّ أو إبطال حقّه ظلم عليه و حرام، فلا محالة أخذ العشر أيضا حرام بل إنّ حرمته أشدّ و أوضح. و بما أنّه وقع في مناهيه صلّی اللّه عليه و آله دلّ علی تحقّق هذا الأمر عند غير المسلمين كما عرفت.

5- و منها ما في ثواب الأعمال و عن مجالس الصدوق في رواية أبي سعيد الخدري- الواردة في فضيلة شهر رجب- من أنّه قال رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله: ... و من صام من رجب تسعة و عشرين يوما غفر اللّه له و لو كان عشّارا و لو كانت امرأة فجرت سبعين مرّة بعد ما أرادت به وجه اللّه عزّ و جلّ و الخلاص من جهنّم لغفر اللّه لها «2».

فذكر قوله: «و لو كان عشّارا» ظاهر في أنّه مرتكب لذنب عظيم يكون غفرانه بعيدا في أذهان عامّة الناس، فيدلّ علی حرمة فعل العشّار كما يدلّ علی وقوع هذه الخطيئة من ناحية غير المسلمين أيضا.

6- و منها ما عن الصدوق في من لا يحضره الفقيه بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله قال في وصيّته لعليّ عليه السّلام: يا عليّ لا تجامع أهلك في آخر درجة إذا بقي يومان، فإنّه إن قضی بينكما ولد يكون عشّارا أو عونا للظالمين و يكون هلاك فئام من الناس علی يده «3».

و هو أيضا ظاهر في حرمة أخذ العشر و في أنّه فعل مرسوم في غير المسلمين كما مرّ.

7- و منها ما عن علل الشرائع عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسی بن جعفر عليهما السّلام قال: المسوخ ثلاثة عشر: الفيل و الدبّ ... و الزهرة و سهيل، قيل: يا ابن رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله‏

                       

ما كان سبب مسخ هؤلاء؟ فقال: ... و أمّا سهيل فكان رجلا عشّارا باليمن «1».

فكون أخذ العشر موجبا لأن ينسخ الآخذ دليل علی كونه معصية عظيمة و بما أنّه واقع قبل الإسلام ففي الرواية دليل علی وقوع هذا العمل قبل الإسلام و في غير المسلمين.

فهذه الأخبار السبعة ناظرة إلی أنّ هذا العمل كان واقعا بين غير المسلمين، فلا محالة لا يحتمل أن يكون أخذ العشر أخذا للعشر المشروع في زكاة الغلّات بل هو ضريبة مجعولة، و قد دلّت هذه الأحاديث علی حرمة أخذها. و سند كلّ منها و إن كان غير معتبر إلّا أنّ كثرتها و استفاضة اسنادها ربما يوجب انجبارها.

 (القسم الثاني) من الروايات ما يدلّ- علاوة علی ذمّ هذا العمل- علی أنّ أخذ العشر كان مرسوما بعد ظهور الإسلام و في زمن خلفاء الجور و من ناحيتهم، و يمكن تقسيمها أيضا إلی طائفتين:

الطائفة الاولی: ما يدلّ علی مجرّد حرمة و قبح عملهم و علی جواز الحلف للخلاص من شرّهم، و هي روايات:

1- منها ما عن الصدوق في من لا يحضره الفقيه في الموثّق عن زرارة قال:

قلت لأبي جعفر عليه السّلام: نمرّ بالمال علی العشّار فيطلبون منّا أن نحلف لهم و يخلّون سبيلنا و لا يرضون منّا إلّا بذلك، قال عليه السّلام: فاحلف لهم فهو أحلّ (أحلی- خ ل) من التمر و الزبد) «2».

فظاهر سؤاله عن جواز الحلف لهم أنّه لم يكن حلفا صادقا و إلّا لم يكن شبهة في جوازه و لم يحتج إلی السؤال، و حينئذ فجواز الحلف الكاذب دليل علی أنّ أخذ العشّار للعشر حرام و يكون الحلف الكاذب للخلاص من شرّه و مقدّمة لعدم أداء شي‏ء إليه جائزا. و حيث كان في زمن الباقر عليه السّلام في بلاد الإسلام فيعلم أنّه كان عشّارا نصب لأخذ العشر من قبل الدولة الجائرة.

2- و منها ما عن الصدوق قدّس سرّه في من لا يحضره الفقيه أيضا في الصحيح عن‏

                       

الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحلف لصاحب العشور يحرز (يجوز- خ ل) بذلك ماله؟ قال عليه السّلام: نعم «1».

و هو في كيفية الدلالة و حدودها مثل الموثّقة السابقة.

3- و منها ما عن نوادر أحمد بن محمّد بن عيسی من رواية معمّر بن يحيی قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّ معي بضائع للناس و نحن نمرّ بها علی هؤلاء العشّار فيحلفونا عليها فنحلف لهم، فقال عليه السّلام: وددت انّي أقدر علی أن اجيز أموال المسلمين كلّها و أحلف عليها، كلّ ما خاف المؤمن علی نفسه فيه ضرورة فله فيه التقية 2.

و دلالته واضحة كما بيّنّاه في الموثّقة.

4- و منها ما عن نوادره أيضا من رواية إسماعيل الجعفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: أمرّ بالعشّار و معي المال فيستحلفوني فإن حلفت تركوني و إن لم أحلف فتّشوني و ظلموني، فقال: احلف لهم، قلت: إن حلفوني بالطلاق؟ قال:

فاحلف لهم، قلت: فإنّ المال لا يكون لي، قال: تتقي مال أخيك 3.

و هي واضحة الدلالة في أنّ الحلف كان كذبا لاتّقاء مال نفسه أو مال أخيه، فتدلّ علی المطلوب كما بيّنّاه في الموثّقة.

فهذه الأخبار الأربعة تدلّ علی أنّ أخذ العشر كان متداولا من ناحية خلفاء الجور و هو محرّم، إلّا أنّه يحتمل فيها أن يكون العشر المذكور فيها عشر الأموال الزكوية، و شموله لجميع الأموال لعلّه بملاحظة أنّهم كانوا يأخذون الزكاة من مال التجارة أيضا، و سيأتي في الطائفة الثانية من أخبارنا أنّ العشّار في زمن هؤلاء الخلفاء كانوا يأخذون الزكاة أيضا، فلذلك يحتمل أن يكون هؤلاء العشّار غير من يأخذ الضرائب، إلّا أنّه مع ذلك كلّه فلا يبعد دعوی ظهور عنوان العشّار و العاشر في من يأخذ الضرائب و ذلك بقرينة نقل روايات عديدة عن النبيّ في حرمة فعله، و قد عرفت أنّ المذكور في كلامه صلّی اللّه عليه و آله هو العشّار في غير المسلمين الّذي لا ينبغي الريب في أنّه كان يأخذ الضراب.

5- و من جملة أخبار هذه الطائفة ما رواه ثقة الإسلام الكليني في روضة

                       

الكافي بسند صحيح عن مرازم بن حكيم قال: خرجنا مع أبي عبد اللّه عليه السّلام حيث خرج من عند أبي جعفر من الحيرة، فخرج ساعة أذن له و انتهی إلی السالحين في أوّل الليل، فعرض له عاشر كان يكون في السالحين في أوّل الليل، فقال: لا أدعك أن تجوز، فألحّ عليه و طلب إليه فأبی إباء، و أنا و مصادف معه، فقال له مصادف:

جعلت فداك إنّما هذا كلب قد آذاك و أخاف أن يردّك و ما أدري ما يكون من أمر أبي جعفر، و أنا و مرازم أ تأذن لنا أن نضرب عنقه ثمّ نطرحه في النهر؟ فقال له: كفّ (كيف- خ ل) يا مصادف، فلم يزل يطلب إليه حتّی ذهب من الليل أكثره، فأذن لنا و مضی، فقال عليه السّلام: يا مرازم أ هذا خير أم الّذي قلتماه؟ قلت: هذا جعلت فداك، قال عليه السّلام: إنّ الرجل يخرج من الذلّ الصغير فيدخله ذلك في الذلّ الكبير «1».

أقول: انّ السالحين- علی ما نقل عن كتاب المغرب- موضع علی أربعة فراسخ من بغداد إلی المغرب.

فهذه الصحيحة أيضا علی أنّ هذا العشّار كان عامل الخلاف و لذا منع مضيّه عليه السّلام و جاء في ذهن مصادف و مرازم أن يقتلاه، إلّا أنّه ليس في نفس الحديث أنّه كان يأخذ ضريبة العشر، إلّا إن يقال: انّ نفس تعبير العشّار ظاهر في من يأخذ العشر و إن كان ربما يفعل خطايا اخر أيضا، فالصحيحة أيضا دالّة علی حرمة أخذ العشر كما تقدّمها من سائر الأخبار، فتأمّل.

الطائفة الثانية: ما يدلّ علی أنّ العشّارين في زمان ولاة الجور كانوا يأخذون زكاة الأموال، و هي أخبار ثلاثة:

1- منها ما رواه الكافي و من لا يحضره الفقيه في الموثّق عن السكوني عن جعفر عن آبائه عليهم السّلام قال: ما أخذه منك العاشر فطرحه في كوزة فهو من زكاتك، و ما لم يطرح في الكوز فلا تحتسبه من زكاتك «2».

فمع أنّ موضوع كلامه عليه السّلام ما يأخذه العاشر إلّا أنّه حكم بأنّه يعدّ من الزكاة إذا طرحه في الكوز، فيدلّ علی أنّ العاشر كأنّه نصب لأخذ الزكاة لكنّه إن لم يطرح‏

                       

ما يأخذه في الكوز الّذي معه فهو خيانة منه و مقدّمة لأن يرفع المأخوذ لنفسه.

2- و قريب منه ما رواه عبد اللّه بن جعفر في قرب الإسناد عن السندي بن محمّد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول: اعتدّ في زكاتك بما أخذ العشّار منك و احفظها عنه ما استطعت «1».

و دلالته أيضا علی أنّ العشّار كان يأخذ الزكاة واضحة، لكنّه أكّد أخيرا بعدم دفعها إليه ما استطاع.

3- و منها ما رواه الكافي و من لا يحضره الفقيه من صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العشور الّتي تؤخذ من الرجل أ يحتسب بها من زكاته؟ قال: نعم إن شاء 2.

و تقريب دلالتها أنّ لفظة «العشور» تدلّ علی أنّ آخذها العشّار المشتقّ عنوانه من العشر فتدلّ علی أنّ العشّار كان يأخذ العشر من باب الزكاة أيضا.

لكن لقائل أن يقول أوّلا: إنّ المفروض في الصحيحة أخذ العشور من الرجل المذكور و ليس فيها دلالة علی أنّ هذه العشور كانت تؤخذ منه بعنوان الزكاة بل كانوا يأخذ عشّارهم منه عشر ماله من باب الضريبة فسأل الإمام عليه السّلام أنّه هل يجوز له أن يحتسب مكان زكاته و أجاب بقوله: نعم إن شاء.

و ثانيا: إنّه إذا استظهر من العشور العشر الّذي يؤخذ بعنوان الزكاة فلا نسلّم أنّ آخذه كان هو العشّار المنصوب لأخذ الضرائب، فلعلّ الآخذ هو من نصب لأخذ خصوص الزكوات.

فكون الصحيحة من أخبار هذه الطائفة غير واضحة.

فمن هاتين الطائفتين يعلم أنّه كان الخلفاء الجور من يعبّر عنه بالعشّار و قد عرفت أنّ عنوان العشّار ظاهر بنفسه في من يأخذ الضريبة الجعلية و إن أخذ العشر الّذي هو زكاة أيضا.

و بالرجوع إلی كلمات العامّة يعرف بوضوح أنّه كان لهؤلاء الخلفاء خلفا عن‏

                       

سلف من يأخذ لهم العشور و أنّ أوّل من جعل العشور عمر بن الخطّاب:

قال في مختصر المزني في فقه الحنابلة: و إذا دخل إلينا منهم تاجر حربي بأمان أخذ منه العشر.

و قال ابن قدامة في شرحه و الاستدلال عليه: لنا ما رويناه في المسألة الّتي قبلها و أنّ عمر أخذ منهم العشر و اشتهر ذلك في ما بين الصحابة و عمل به الخلفاء الراشدون بعده و الأئمّة بعده في كلّ عصر من غير نكير، فأيّ إجماع يكون أقوی من هذا؟ و لم ينقل أنّه شرط ذلك عليهم عند دخولهم و لا يثبت ذلك بالتخمين من غير نقل «1».

أقول: و لا الظاهر أنّ قوله الأخير: «و لم ينقل أنّه شرط ... إلی آخره» ردّ لما حكاه هو نفسه عن الشافعي بقوله: «و قال الشافعي: إن دخل إلينا بتجارة لا يحتاج إليها المسلمون لم يأذن له الإمام إلّا بعوض يشرطه عليه، و مهما شرط جاز، و يستحبّ أن يشرط العشر ليوافق فعله فعل عمر، و إن أذن مطلقا من غير شرط فالمذهب أنّه لا يؤخذ منهم شي‏ء لأنّه أمان من غير شرط فلم يستحقّ به شيئا كالهدنة، و يحتمل أن يجب العشر لأنّ عمر أخذه» 2.

و نقل الشافعي في الامّ عن السائب بن يزيد أنّه قال: كنت عاملا مع عبد اللّه بن عتبة علی سوق المدينة في زمان عمر بن الخطّاب فكان يأخذ من النبط العشر ...

قال الشافعي: لست أحسب عمر أخذ ما أخذ من النبط إلّا عن شرط بينه و بينهم كشرط الجزية، و كذلك أحسب عمر بن عبد العزيز أمر بالأخذ منهم و لا يأخذ من أهل الذمّة شيئا إلّا عن صلح و لا يتركون يدخلون الحجاز إلّا بصلح، و يحدّد الإمام في ما بينه و بينهم في تجاراتهم و جميع ما شرط عليهم أمرا يبيّن لهم و للعامّة ليأخذهم به الولاة غيره، و لا يترك أهل الحرب يدخلون بلاد المسلمين تجّارا؛ فإن دخلوا بغير أمان و لا رسالة غنموا، و إن دخلوا بأمان و شرط أن يأخذ منهم عشرا أو أكثر أو أقلّ أخذ منهم، فإن دخلوا بلا أمان و لا شرط ردّوا إلی مأمنهم و لم يتركوا يمضون في بلاد الإسلام، و لا يؤخذ منهم شي‏ء و قد عقد لهم الأمان إلّا عن طيب أنفسهم به «3».

و عن كتاب الخراج لأبي يوسف تلميذ أبي حنيفة: «قال أبو يوسف: فإنّ عمر

                       

ابن الخطّاب وضع العشور، فلا بأس بأخذها إذا لم يتعدّ فيها علی الناس و يؤخذ بأكثر ممّا يجب عليهم» «1».

و عن بدائع الصنائع في فقه الحنفية: و أمّا القدر المأخوذ ممّا يمرّ به التاجر علی العاشر فالمارّ لا يخلو إمّا أن كان مسلما أو ذمّيا أو حربيا- فحكم بأن لا يؤخذ من المسلم غير الزكاة و لا من الذمّي إلّا الجزية و الخراج، ثمّ قال:- و إن كان حربيا يأخذ منه ما يأخذونه من المسلمين، فإن علم، أنّهم يأخذون منّا ... عشرا فعشر ...

فإن كان لا يعلم ذلك أخذ منه العشر، و أصله ما روينا عن عمر أنّه كتب إلی العشّار في الأطراف: أن خذوا من المسلم ربع العشر و من الذمّي نصف العشر و من الحربي العشر، و كان ذلك بمحضر الصحابة و لم يخالفه أحد منهم، فيكون إجماعا منهم علی ذلك. و روي أنّه قال: خذوا منهم ما يأخذون من تجّارنا، فقيل له: إن لم نعلم ما يأخذون من تجّارنا؟ فقال: خذوا منهم العشر «2».

فمن هذه الكلمات يعلم أنّ عمر مبدأ وضع العشر و أخذه في الإسلام و أنّ أخذ العشر أو أقلّ أو أكثر كان دارجا بين أولياء أهل الحرب أيضا و أنّ الخلفاء بعده مشوا مشيه، فهذه الكلمات توضيح نافع للقسم الثاني من الأخبار الّتي نقلناها.

و أمّا الإجماع المدّعی في المغني و بدائع الصنائع من الصحابة علی فعل عمر فقد مرّ عن نهج البلاغة و الخصال أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام نهی نوفا أن يكون عشّارا و عدّ العشار من الّذين لا يستجاب دعاؤهم في ساعة يستجاب كلّ دعوة فلا محالة هو عليه السّلام من المنكرين لوضع العشور، و كيف لا و قد استفاضت الأخبار عن النبيّ صلّی اللّه عليه و آله بتحريم فعل العشّار كما عرفت.

ثمّ إنّه قد ورد في أخبار العامّة عن النبيّ صلّی اللّه عليه و آله ما ربما يمكن أن يستدلّ به علی جواز أخذ العشور من اليهود و النصاری. فقد روی أبو داود في سننه بإسناده عن عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد اللّه عن جدّه أبي امّه عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله:

إنّما العشور علی اليهود و النصاری و ليس علی المسلمين عشور «3».

                       

و رواه البيهقي في سننه عن أبي داود مثله «1».

و رواه أحمد في مسنده بإسناده عن ابن السائب عن حرب بن عبيد اللّه الثقفي عن خاله قال: أتيت النبيّ صلّی اللّه عليه و آله فذكر له أشياء فسأله فقال: أعشرها، فقال: إنّما العشور علی اليهود و النصاری و ليس علی أهل الإسلام عشور «2».

و بسند آخر عن ابن السائب عن رجل من بكر بن وائل عن خاله قال: قلت:

يا رسول اللّه أعشر قومي؟ قال: إنّما العشور ... إلی آخره «3».

و رواه ابن داود مقتصرا علی قوله: «إنّما العشور علی اليهود و النصاری» «4».

و روی أحمد و بسند آخر عن ابن السائب عن حرب بن هلال الثقفي عن أبي اميّة رجل من بني تغلب أنّه سمع النبيّ صلّی اللّه عليه و آله يقول: ليس علی المسلمين عشور إنّما العشور علی اليهود و النصاری «5».

و رواه الترمذي في صحيحه مرسلا حيث قال: و في الحديث ما يفسّر هذا حيث قال: إنّما العشور علی اليهود و النصاری و ليس علی المسلمين عشور «6».

و روی أبو داود بإسناده عن حرب بن عبيد اللّه بن عمير الثقفي عن جدّه رجل من بني تغلب قال: أتيت النبيّ صلّی اللّه عليه و آله فأسلمت و علّمني الإسلام و علّمني كيف آخذ الصدقة من قومي ممّن أسلم، ثمّ رجعت إليه فقلت: يا رسول اللّه، كلّ ما علّمتني قد حفظته إلّا الصدقة أ فأعشّرهم؟ قال: لا، إنّما العشور علی النصاری و اليهود «7».

و رواه البيهقي في سننه بسندين أحدهما عن أبي داود «8».

فربما يقال طبقا لهذه الروايات أنّه صلّی اللّه عليه و آله و إن نفی العشور علی المسلمين إلّا أنّه أثبتها علی اليهود و النصاری فتعارض ما مرّ من الأخبار الكثيرة من طرقنا.

                       

إلّا أنّ الحقّ أنّه صلّی اللّه عليه و آله إنّما أثبت العشور علی اليهود و النصاری و ليس في واحدة من هذه الروايات العامّية لفظة «العشّار» أو «العاشر» ليقال بمعارضتها لتلك الأخبار الماضية، فلعلّ العشور المذكورة كانت خراجا أو جزية جعلت علی رءوس أهل الذمّة من اليهود و النصاری، فليس في هذه الروايات حجّة علی خلاف تلك الأخبار الكثيرة.

و يؤيّد ما ذكرنا ما رواه أبو داود في سننه بعد نقله للرواية الاولی الّتي نقلناها عنه فقال: حدّثنا محمّد بن عبيد المحاربي حدّثنا وكيع عن سفيان عن عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد اللّه عن النبيّ صلّی اللّه عليه و آله بمعناه، قال: «خراج» مكان «العشور» «1» و رواه البيهقي أيضا بسندين أحدهما عن أبي داود مثله «2».

فإذا قال: «إنّما الخراج علی اليهود و النصاری و ليس علی المسلمين خراج» و هو بمعنی العبارة الاخری فلا محالة يكون قرينة علی أنّ العشور المذكورة كانت مقدار الخراج المجعول علی اليهود و النصاری لا ما يأخذه العشّارون.

فالحاصل: أنّ الأخبار الماضية المنقولة من طرقنا لا معارض لها حتّی في أخبار العامّة.

إلّا أنّه بعد ذلك كلّه فالحقّ أنّه ليست هذه الأخبار الكثيرة أيضا مخالفة لما قدّمناه من اقتضاء ولاية وليّ الأمر أن يجوز له وضع الضرائب و ذلك أنّ القسم الأوّل منها كان ناظرا إلی ما يأخذه العشّارون في حكومة غير أهل الإسلام، و واضح أنّ جميع تصرّفاتهم المتفرّعة علی ولاية الناس غير مشروعة و أخذهم لهذه الضرائب أيضا ظلم منهم علی اممهم و هو حرام قطعا، كما أنّ القسم الثاني منها بطائفتيه ناظر إلی ما يفعله هؤلاء خلفاء الجور و أخذهم للضرائب و الزكوات من المحرّمات فليس واحدة من تلك الروايات واردة في الضريبة الّتي يضعها وليّ أمر المسلمين الوليّ الّذي جعله اللّه تعالی عليهم وليّا و يكون وضعها علی مبنی رعاية المصالح الّتي يكون لحاظها و رعايتها من وظائف و اختيارات وليّ أمر الامّة الإسلامية.

 

                       

السابع: ممّا قد يعدّ من المنابع المالية لوليّ الأمر الزكاة في الأموال‏

و توضيحه: أنّ زكاة الأموال واجب مالي أوجبها اللّه تعالی علی الناس إلّا أنّ متعلّق هذا الوجوب ليس شيئا أو أشياء خاصّة بل انّ تعيينه مفوّض إلی وليّ أمر الامّة، و قد عيّنه رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله في امور تسعة، و هذا التعيين ليس فرضا إلهيّا بل هو أمر اختاره وليّ الأمر بملاحظة المصالح الّتي كانت تقتضي هذا التعيين في زمانه، و إلّا فلو تغيّر مقتضی المصلحة في زمن ولاية وليّ أمر آخر فإليه أيضا تعيين أشياء اخر مكانها أو إحداث أيّ تغيير شاء فيها، ففي أمثال زماننا ربما تقتضي المصلحة جعل متعلّق الزكاة بعض أنواع هذه الامور الصناعية الكثيرة أو زيادة بعض الامور الزراعية عليها. و بالجملة: فإلی وليّ الأمر تعيين ما تتعلّق به الزكاة و بهذا التفسير تكون الزكاة منبعا عظيما ماليّا لوليّ أمر الامّة.

و عمدة الوجه في الاستدلال له أنّ اللّه تعالی في كتابه الكريم إنّما ذكر أصل وجوب الإنفاق و أداء الزكاة و الصدقات في آيات عديدة و أمر الرسول صلّی اللّه عليه و آله بأخذها من أموال الناس بمثل قوله: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها «1» و ذكر أيضا مصرف الزكاة في قوله تعالی: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «2» و لم يشر في أيّ آية إلی هذه‏

                       

الأموال الّتي يجب أداء الزكاة منها، بل ربما كان في تعليق الأخذ بأموالهم إشارة إلی أنّها تؤخذ من جميع الأموال. و كيف كان فقد فوّض أمر التعيين لمتعلّقها إلی نبيّ الإسلام و هو صلّی اللّه عليه و آله و إن عيّن امور تسعة لوجوب أداء الزكاة منها إلّا أنّ الروايات الحاكية لتعيينه تتضمّن عدّة منها أنّه صلّی اللّه عليه و آله قد عفا عمّا سوی هذه التسعة، و العفو إنّما يتصوّر تحقّقه فيما كان فيه اقتضاء الأخذ، فيدلّ علی أنّ غير التسعة أيضا فيه مجال أخذ الزكاة منها إلّا أنّه عفا عن أخذها الرسول صلّی اللّه عليه و آله و الرسول كان وليّ أمر الامّة فإذا رأی إمام بعده أن لا يعفو عنها بل يعيّن وجوب أدائها من غير التسعة كان له ذلك بل إذا كان اقتضاء المصالح منشأ لهذا التعيين فلوليّ أمر آخر أن يرفع وجوب أداء الزكاة من بعض هذه التسعة أو جميعها و جعل امور اخر مكانها، بل كان هذا الاختيار بعينه لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله أيضا إلّا أنّه لم يغيّر ما عيّنه لوجوب أداء الزكاة منها. نعم مهما عيّن وليّ الأمر شيئا أو أشياء لأن يكون متعلّق الزكاة كان- أو كانت- متعلّقها ما لم يقم هو أو وليّ أمر آخر بتغييره.

1- فمن هذه الروايات العديدة صحيحة عبد اللّه بن سنان- المروية في الكافي و من لا يحضره الفقيه- قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لمّا نزلت آية الزكاة خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها في شهر رمضان فأمر رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله مناديه فنادی في الناس: إنّ اللّه تبارك و تعالی قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض اللّه عليكم من الذهب و الفضّة و الإبل و البقر و الغنم و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و نادی فيهم بذلك في شهر رمضان و عفا لهم عمّا سوی ذلك. ثمّ لم يفرض [لم يتعرّض- يه‏] لشي‏ء من أموالهم حتّی حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا، فأمر صلّی اللّه عليه و آله مناديه فنادی في المسلمين: أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم. قال: ثمّ وجّه عمّال الصدقة و عمّال الطسوق «1».

2- و منها صحيحة الفضلاء زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و بريد بن معاوية العجلي و الفضيل بن يسار كلّهم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا:

                       

فرض اللّه عزّ و جلّ الزكاة مع الصلاة في الأموال، و سنّها رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله في تسعة أشياء- و عفا رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله عمّا سواهنّ-: في الذهب و الفضّة و الإبل و البقر و الغنم و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و عفا رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله عمّا سوی ذلك «1».

3- و منها معتبرة عبيد اللّه بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن الزكاة فقال: الزكاة علی تسعة أشياء: علی الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله عمّا سوی ذلك 2.

و مثلها خبر أبي بكر الحضرمي و خبر زرارة و معتبر أبي بصير و خبر عليّ بن جعفر و مرسل المفيد عن جمع من الأصحاب- الّذي لعلّه مأخوذ من سائر الأخبار الماضية- «3» فراجع.

و بيان دلالتها علی المطلوب ما مرّ من أنّ التعبير بالعفو فيه دلالة علی أنّ في غير التسعة أيضا اقتضاء أن يجعل فيه الزكاة و أنّ عفو الرسول صلّی اللّه عليه و آله إنّما كان لمصلحة، رآها وليّ الأمر، فلوليّ أمر آخر أن لا يعفو.

أقول: إنّ هذا المدّعی لم يقل به أحد من الأصحاب، بل إنّ الشيخ في المسألة 63 من زكاة الخلاف قال: لا زكاة في شي‏ء من الحيوان إلّا في الإبل و البقر و الغنم وجوبا ... دليلنا إجماع الفرقة، فإنّ ما فصّلناه مجمع عليه عندهم. كما أنّه قال في المسألة 74 منه: لا تجب الزكاة في شي‏ء ممّا يخرج من الأرض إلّا في الأجناس الأربعة: التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير ... دليلنا إجماع الفرقة. بل لم ينقل القول بهذا الادّعاء عن أحد من المسلمين، فراجع الخلاف في المسألتين و غيرهما «4».

و راجع سائر الكتب الفقهية من العامّة و الخاصّة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ العلماء الماضين من العامّة و الخاصّة و إن لم يقولوا به بل‏

                        

ذهبوا إلی خلافه إلّا أنّه إنّما كان ذلك لقصور فهمهم لما ذكرنا في الاستفادة من الأخبار لعدم تنصيص شي‏ء منها في ما ادّعي، فإذا نظرنا بعين الدقّة فيها و رأينا دلالتها علی هذا المدّعی فليس في إجماع الأصحاب علی الخلاف حجّة علی إعراضهم عنها بل يجب القول به.

لكنّ الحقّ أنّ الروايات المذكورة و إن كان فيها إشعار ما بتلك الدعوی إلّا أنّ في قبالها روايات عديدة اخری تدلّ علی أن لا زكاة في ما عدا التسعة و أنّ العفو عفو جزمي لا مجال معه للمصير إلی خلافه، و هذه الروايات طائفتان:

الطائفة الاولی: ما تتضمّن عفوه صلّی اللّه عليه و آله عمّا عدا التسعة، و مع ذلك تدلّ علی أنّه لا مجال لتوهّم تعلّق الزكاة بشي‏ء غيرها.

1- منها صحيحة جميل بن درّاج المروية في خصال الصدوق قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في كم الزكاة؟ فقال: في تسعة أشياء وضعها رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و عفا عمّا سوی ذلك، فقال الطيّار: إنّ عندنا حبّا يقال له الأرز؛ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و عندنا أيضا حبّ كثير، فقال له: عليه شي‏ء؟ قال عليه السّلام: أ لم أقل لك إنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله عفا عمّا سوی ذلك، منها الذهب و الفضّة و ثلاثة من الحيوان: الإبل و الغنم و البقر و ممّا أنبتت الأرض الحنطة و الشعير و الزبيب و التمر «1». و روی نحوه الشيخ في التهذيبين «2».

إلّا أنّ في سنده جعفر بن محمّد بن حكيم، أو جعفر بن محمّد عن محمّد بن حكيم، و جعفر بن محمّد بن حكيم لم تثبت وثاقته بل و هكذا محمّد بن حكيم، فراجع.

فالصحيحة كما تری و إن تضمّنت أنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله عفا عن الزكاة في ما سوی التسعة إلّا أنّ الإمام عليه السّلام بعد سؤال الطيّار صرّح بأنّه لا مجال بعد عفوه في تخيّل و لا توهّم تعلّق الزكاة بما عداها.

2- و منها ما رواه محمّد (بن جعفر) الطيّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّا

                       

تجب فيه الزكاة فقال: في تسعة أشياء: الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله عمّا سوی ذلك، فقلت:

أصلحك اللّه فإنّ عندنا حبّا كثيرا، قال: فقال: و ما هو؟ قلت: الأرز، قال عليه السّلام: نعم ما أكثره! فقلت: أ فيه الزكاة؟ فزبرني. قال: ثمّ قال عليه السّلام: أقول لك: إنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله عفا عمّا سوی ذلك و تقول: إنّ عندنا حبّا كثيرا أ فيه الزكاة؟! «1».

و دلالته كالصحيحة السابقة واضحة و لعلّه نفس ما جاء نقله في الصحيحة و الاختلاف من باب النقل بالمعنی.

و مثلهما ما أرسله أبو سعيد القمّاط عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام 2، فراجع.

الطائفة الثانية: ما تدلّ علی انحصار ما تجب فيه الزكاة بالتسعة من غير اشتمال علی مسألة العفو المذكور.

1- فمنها ما رواه الشيخ في التهذيبين عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن صدقات الأموال، فقال: في تسعة أشياء ليس في غيرها شي‏ء، في الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم السائمة و هي الراعية، و ليس في شي‏ء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي‏ء، و كلّ شي‏ء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شي‏ء حتّی يحول عليه الحول منذ يوم ينتج «3».

و سند الحديث معتبر فإنّ إسناد الشيخ إلی عليّ بن الحسن بن فضّال معتبر كما مرّ الكلام فيه تفصيلا، و عليّ بن أسباط أيضا ثقة و محمّد بن زياد المذكور فيه الّذي روی عنه ابن أسباط هو محمّد بن أبي عمير فإنّ ابن أسباط قد روی عنه بعنوان محمّد بن زياد بن عيسی كما في جامع الرواة مضافا إلی قرائن اخری مذكورة فيه و لذا عدّ صاحب الجامع هذه الرواية أيضا ممّا رواه ابن أبي عمير عن ترجمته، و سائر الرجال لا كلام فيهم.

و أمّا دلالته فلا ريب في دلالة صدره علی انحصار ما تجب فيه الزكاة في هذه‏

                       

التسعة و أنّه ليس في غيرها شي‏ء.

2- و منها ما رواه الصدوق في عيون الأخبار عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام: أنّ الزكاة علی تسعة أشياء: علی الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم و الذهب و الفضّة «1».

و دلالة هذه الرواية أيضا علی الانحصار واضحة و إن لم تكن بقوّة الاولی، إلّا أنّ سندها غير معتبر لوقوع رجال فيه لم تثبت وثاقتهم.

فهاتان الطائفتان واضحتا الدلالة بل كالصريحة في أنّه ليس في غير هذه الأشياء التسعة زكاة، و قد صرّحت اولاهما بأنّ عفو النبيّ صلّی اللّه عليه و آله عمّا عداها عفو إلزاميّ دائميّ لا مجال بعده حتّی للسؤال عن تعلّق الزكاة بغيرها، فعدم ثبوت الاختيار المذكور لوليّ الأمر واضح و لا مجال لعدّ الزكاة في غير الأشياء التسعة من المنابع المالية.

و نحن نكتفي هنا بهذا المقدار من الكلام في بيان عدم استقامة الدعوی المذكورة. و إلّا فقد ورد في الباب صحيحة عن عليّ بن مهزيار عن أبي الحسن عليه السّلام «2» صدرها مؤيّد للروايات المذكورة و ذيلها ينافيها كما هو ظاهر لمن راجعها و عندي أنّ الصحيحة وردت مورد التقية، فراجع.

و بهذا نختم البحث عن المنابع المالية للدولة الإسلامية، و كان ختام التقرير ليلة السبت الثالث من شهر ذي الحجّة الحرام من السنة 1422 الهجرية القمرية 27/ بهمن/ 1380 الهجرية الشمسية، و الحمد للّه ربّ العالمين و له المنّ عليّ بالتوفيق.

و الصلاة علی محمّد و آله الطاهرين و لا سيّما علی وليّ الأمر و صاحب العصر عجّل اللّه تعالی فرجه الشريف، و لعنة اللّه الدائمة علی أعدائهم أجمعين أبد الآبدين.

العبد: محمّد المدعو بمؤمن القمّي‏

26/ 11/ 1380

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)
محتوای بیشتر در این بخش: « قسمة13

پیام هفته

حاکمیت قانون و ضوابط
قرآن : وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (سوره نور، آیه 2) ترجمه: اگر به خدا و روز بازپسين ايمان داريد در [كار] دين خدا نسبت به آنها (مجرمان) دلسوزى نكنيد. حدیث: انما هم اهل الدنیا مقبلون علیها، و مهطعون الیها و قد عرفوا العدل و راوه، و سمعوه و وعده، و علموا ان الناس عندنا فی الحق فهربوا الی الاثره فبعدا لهم و سحقا. (نهج البلاغه، نامه به سهل بن حنیف استاندار مدینه) ترجمه: آنان دنیا پرستانی هستند که به آن روی آوردند و شتابان در پی آن روانند. عدالت را شناختند و دیدند و شنیدند و به خاطر سپردند و دانستند که همه مردم نزد م...

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید