قسمة12

 

2- و في صحيح محمّد بن مسلم المذكور في روضة الكافي قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قول اللّه عزّ و جلّ: وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّی لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فقال عليه السّلام: لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله رخّص لهم لحاجته و حاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم، لكنّهم‏

                       

يقتلون حتّی يوحّد اللّه عزّ و جلّ و حتّی لا يكون شرك «1».

دلّ علی أنّ ما فعل الرسول من الترخيص بمن كان لا يوحّد اللّه و كان لا يخلو عن شرك فإنّما هو لحاجته و حاجة أصحابه، فأمّا إذا ارتفعت مثل هذه الحاجة لا يسامح في قتل مشرك أصلا، فالمشركون حينئذ يقتلون بالمرّة، و هو المطلوب.

لكنّه غير دالّ، فإنّه ناظر إلی الترخيص الّذي فعله الرسول بهؤلاء و هم كانوا غير خالين عن الشرك، و لا يبعد أنّ المراد بهم أهل الكتاب الّذين قال اللّه فيهم مثلا:

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ «2» فإنّه أخذ من أمثالهم الجزية و ما يقولونه شرك فاغمض عنه و اخذت منهم الجزية، فالصحيحة تقول إنّ هذا الحكم محدود بما إذا لم يجئ تأويل مورد السؤال، فإذا جاء تأويله يقتل كلّ مشرك حتّی يكون الدين كلّه للّه، فلا ربط للصحيحة بمورد الكلام.

3- و مرسل الواسطي الّذي مرّ نقله في عداد القسم الأوّل من روايات أخذ الجزية من المجوس تحت الرقم 1 يدلّ أيضا علی أنّ الجزية لا تؤخذ من مشركي مكّة، بل كما عرفت أنّه يدلّ علی اختصاص الجزية بخصوص أهل الكتاب الّذين يخرج عنهم المشركون كلّا.

4- و خبر الأصبغ الّذي مرّ نقل متنه أيضا يدلّ علی أنّ الجزية لا تؤخذ من غير أهل الكتاب فيدلّ لا محالة علی عدم جواز أخذها من المشركين، و قد مرّ نقل متنه في عداد القسم الأوّل من تلك الروايات تحت الرقم 4.

5- و صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي الّتي قد مرّ نقلها صدر المسألة الثانية تحت الرقم 3 أيضا تدلّ علی أنّ أخذ الجزية و وجوبها مختصّ بأهل الكتاب، فلا مجال لأخذها من غيرهم الّذين يدخل المشركون فيهم.

6- و في خبر وهب بن وهب عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام قال:

القتل قتلان: قتل كفّارة و قتل درجة، و القتال قتالان: قتال الفئة الكافرة حتّی‏

                       

يسلموا و قتال الفئة الباغية حتّی يفيئوا «1».

و ربما يستدلّ بقوله: «قتال الفئة الكافرة حتّی يسلموا» ببيان أنّه جعل غاية الكفّار إسلامهم، فلا محالة لا يرفع اليد عنهم إلّا أن يسلموا و هو بمعنی عدم قبول الجزية منهم بل ليس لهم إلّا الإسلام أو القتل، لكنّه محلّ نظر لاحتمال أن يكون المراد أنّ دخولهم في الإسلام هو الهدف من قتالهم و هو يجتمع مع الإذن بأن يعيشوا تحت لواء الإسلام في قبال أداء الجزية كما في أهل الكتاب، فتأمّل.

مضافا إلی أنّ الحديث ضعيف السند جدّا.

ثمّ إنّه روی مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله كان يقول لمن يبعثهم للقتال تحت عنوان السريّة كلاما و فيه: «و إذا لقيتم عدوّا للمسلمين فادعوهم إلی إحدی ثلاث، فإن دخلوا فيه فاقبلوا منهم و كفّوا عنهم: ادعوهم إلی الإسلام فإن دخلوا فيه فاقبلوا منهم و كفّوا عنهم، و ادعوهم إلی الهجرة بعد الإسلام ... فإن أبوا هاتين فادعوهم إلی إعطاء الجزية عن يد و هم صاغرون، فإن أعطوا الجزية فاقبل منهم و كفّ عنهم ... الحديث «2».

و هو يدلّ علی أنّ عدوّ المسلمين إذا قبل إعطاء الجزية يقبل منه و يكفّ عنه، و عنوان عدوّ المسلمين مطلق يدخل فيه جميع أنواع الأعداء و منهم المشركون، فإطلاقه يدلّ علی قبول الجزية منهم.

و الإنصاف أنّ دلالة الرواية بالبيان المزبور مسلّمة إلّا أنّه يجب تقييد هذا الإطلاق و إخراج المشركين عنه كما كان الأمر كذلك في آية سورة محمّد و معتبرة طلحة.

و في رواية اخری عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: قال عليّ عليه السّلام:

القتال قتالان: قتال أهل الشرك لا ينفر عنهم حتّی يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون، و قتال لأهل الزيغ لا ينفر عنهم حتّی يفيئوا إلی أمر اللّه أو يقتلوا «3».

                       

و دلالتها علی قبول الجزية عن المشركين و ترك القتال معهم حينئذ واضحة إلّا أنّها لم يعتن بها أحد و سندها ضعيف جدّا، فإنّ أبا البختري هو وهب بن وهب الّذي عن النجاشي إنّه كان كذّابا و عن الكشّي عن الفضل بن شاذان أنّه كان أبو البختري من أكذب البرية.

فقد تحصّل من جميع ما مرّ: أنّ المشركين لا تقبل منهم الجزية و أنّهم إذا لم يسلموا فلا محالة يقتلون.

و أمّا الملحدون الّذين لا يعتقدون بوجود الصانع أصلا فهم أخسّ رتبة في الاعتقادات من المشركين، فإنّ المشركين إنّما أشركوا بعبادة اللّه و إلّا فهم يقرّون باللّه تعالی و يعتقدون أنّه خالق السماوات و الأرض و يقولون في أصنامهم الّتي يعبدونها: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَی اللَّهِ زُلْفی‏ «1» و لعلّه لإشراكهم بالعبادة يطلق عليهم المشرك.

فالملحدون يمكن الاستدلال لوجوب قتلهم و عدم قبول إعطاء الجزية منهم بوجهين: فأوّلا بأنّ جريان الحكمين فيهم أولی قطعا من المشركين، فإذا لم يقبل الإسلام حقّ الحياة لمن يعتقد باللّه تعالی و إنّما يجعل له شريكا في العبادة فعدم قبوله لهذا الحقّ لمن ينكر وجود اللّه تعالی بالمرّة أولی.

و ثانيا بأنّ الأخبار الدالّة علی انحصار قبول الجزية بخصوص أهل الكتاب و أنّها لا تقبل من غيرهم كمرسل أبي يحيی الواسطي و حديث الأصبغ بن نباتة و صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي الّتي مضت الإشارة إليها في الروايات الدالّة علی عدم قبول الجزية من أهل الشرك فهذه الأخبار تقتضي أن لا تقبل من الملحدين أيضا و أن يكون مصيرهم مصير المشركين، و هذه الأخبار كما عرفت تقيّد الأدلّة المطلقة أو العامّة الّتي تدلّ علی قبول الجزية من كلّ كافر أو عدوّ للمسلمين، فتذكّر.

و أمّا من كان خارجا عن جميع العناوين السالفة و كان تابعا للكتب المنزلة

                       

علی سائر الأنبياء كإبراهيم و داود علی نبينا و آله و عليهما السلام فيمكن الاستدلال لعدم قبول الجزية منهم أيضا (تارة) بصحيحة عبد الكريم بن عتبة و ذلك أنّها قالت: إنّ المجوس ليسوا من أهل الكتاب و مع ذلك فقالت: «استثناء اللّه تعالی و اشتراطه من أهل الكتاب» فلا محالة يراد من أهل الكتاب المذكور أهل التوراة و الإنجيل و تختصّ الجزية بهما و يكون التابعون لكتب الأنبياء السالفة خارجين عن أهل الكتاب لا تقبل منهم الجزية، و نحن و إن وجّهنا دخول المجوس في حكم أهل الكتاب إلّا أنّه كان مستندا إلی أدلّة معتبرة كما عرفت، و لا دليل علی الخروج في غيرهم، فهذه الصحيحة دالّة علی عدم قبول الجزية منهم و قد مرّ أنّ مثلها يقيّد الإطلاق المقتضي للخلاف.

 (و اخری) يستدلّ له بما مرّ عن العلّامة في التذكرة و المنتهی من: «أنّ هذه الكتب كانت مشتملة علی مجرّد مواعظ أخلاقية لا علی أحكام تكليفية» و مآله إلی دعوی انصراف الكتاب في أهل الكتاب إلی الكتاب الحاوي لأحكام تكليفية إلهية، فهو منصرف عن كتب هؤلاء الأنبياء السالفة.

و قد عرفت دلالة أخبار متعدّدة علی اختصاص الجزية بأهل الكتاب.

و في الوجه الأوّل كفاية. فالمتحصّل: أنّه لا تقبل الجزية إلّا من الطوائف الثلاث الماضية و أنّه لا يقبل من غيرهم إلّا الإسلام، و إن لم يسلموا- بعد إيضاح حقّيته لهم- يقتلون.

 [4- عدّ الأصناف الذين لا تجب عليهم الجزية من الطوائف الثلاث‏]

المسألة الرابعة: أنّ جميع من كان من الطوائف الثلاث لا يجب عليه أداء الجزية، بل قد ذكر الأصحاب أصنافا منهم لا تجب الجزية عليهم و استثنوهم من العموم و هم عدّة أصناف:

فالأوّل و الثاني: النساء و الصبيان،

ذكرهما: المفيد في المقنعة، و الشيخ في النهاية و المبسوط، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي، و سلّار في المراسم، و ابن البرّاج في المهذّب، و ابن زهرة في الغنية، و ابن حمزة في الوسيلة، و الحلبي في إشارة السبق، و الكيدري في إصباح الشيعة، و ابن إدريس في السرائر، و المحقّق‏

                       

في الشرائع و المختصر النافع، و العلّامة في الإرشاد و القواعد و التذكرة مدّعيا فيه الإجماع، و في منتهی المطلب مدّعيا أنّه قول عامّة أهل العلم أو العلماء. و نحن لم نجد في استثنائهما خلافا و قد مضت عبارات هؤلاء الأعاظم قدّس سرّهم.

و أمّا الأدلّة فهي مختلفة بعضها مشترك بينهما و بعضها مختصّ بأحد الفريقين.

أمّا المشتركة:

1- فمنها ما رواه الكليني في الكافي و الصدوق في من لا يحضره الفقيه و البرقي في المحاسن و الشيخ في التهذيب كلّهم عن حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النساء كيف سقطت الجزية و رفعت عنهنّ؟ فقال: لأنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله نهی عن قتل النساء و الولدان في دار الحرب إلّا أن يقاتلن، و إن قاتلت أيضا فامسك عنها ما أمكنك و لم تخف خللا، فلمّا نهی رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله عن قتلهنّ في دار الحرب كان ذلك في دار الإسلام أولی، و لو امتنعت أن تؤدّي الجزية لم يمكن قتلها، فلمّا لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنها، و لو منع الرجال فأبوا [و لو امتنع الرجال- كا] أن يؤدّوا الجزية كانوا ناقضين للعهد و حلّت دماؤهم و قتلهم، لأنّ قتل الرجال مباح في دار الشرك و الذمّة «1» و كذلك المقعد من أهل الشرك* و الذّمة و الأعمی و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض الحرب من [فمن- كا] أجل ذلك رفعت عنهم الجزية.

و رواه الصدوق في علل الشرائع بسنده عن الأوزاعي عن الزهري عن عليّ ابن الحسين عليهما السّلام «2».

و العبارة الّتي نقلناها من الفقيه، و أشرنا إلی موضع اختلاف نسخة العلل و الكافي. و إسناد الصدوق إلی حفص بن غياث صحيح، و حفص و إن كان عامّي المذهب إلّا أنّ عن فهرست الشيخ أنّه له كتاب معتمد، و الظاهر أنّ نقل الصدوق-

                       

بقرينة أنّ له إليه إسنادا واحدا- عن كتابه بل لا يبعد أن يستفاد من كلام الفهرست أنّ نفسه مورد وثوق و اعتماد و لذا كان كتابه معتمدا، و أمّا غير سند الفقيه فليس في الاعتبار بهذا الوضوح و إن كان اتفاق هذه المشايخ علی نقلها لعلّه يكشف عن ثبوت صحّة سندها. و كيف كان فالحديث معتبر السند.

و الحديث صريح في رفع الجزية عن النساء، و ظاهر كالصريح في ارتفاعها عن الصبيان لأنّهم أيضا ذكروا أوّلا مع النساء في أنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله نهی عن قتلهم و قتلهنّ و جعل الإمام عليه السّلام هذا النهي عن القتل بالاستدلال المذكور في الحديث دليلا علی سقوط الجزية، فيشتركان في سقوطها عنهما.

بل الحقّ أنّه يستفاد من الحديث قاعدتان اخريان: إحداهما أنّ كلّ من نهی رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله عن قتله في دار الحرب فلا يجوز قتله في دار الإسلام أيضا بل حرمة قتله في دار الإسلام أولی، و الثانية أنّ كلّ من لا يجوز قتله في دار الإسلام ترتفع الجزية عنه.

و قد بيّن الإمام عليه السّلام كلتا القاعدتين و ذكر الدليل عليهما بأحسن بيان بحيث لا يحتاج بعد إلی بيان أزيد، فهاتان القاعدتان قاعدتان كلّيتان يستفاد منهما في سائر الموارد و منه الصبيان و إن استفاد منهما هنا في خصوص النساء.

2- و منها ما عن دعائم الإسلام عن عليّ عليه السّلام قال: الجزية علی أحرار أهل الذمّة الرجال البالغين، و ليس علی العبيد و لا علی النساء و لا علی الأطفال جزية.

... الحديث «1».

و دلالة الحديث علی انتفاء الجزية عنهما واضحة، و إن كان سنده ضعيفا لا أقلّ بالإرسال.

3- و منها صحيحة جميل بن درّاج و محمّد بن حمران كلاهما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله إذا بعث سريّة دعا بأميرها فأجلسه إلی جنبه و أجلس أصحابه بين يديه ثمّ قال: سيروا بسم اللّه و باللّه و في سبيل اللّه و علی ملّة

                       

رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله، لا تغدروا و لا تغلّوا و لا تمثّلوا و لا تقطعوا شجرة إلّا ان تضطرّوا إليها و لا تقتلوا شيخا فانيا و لا صبيّا و لا امرأة ... الحديث. و روی مثله عن معاوية ابن عمّار- قال: أظنّه- عن أبي حمزة الثمالي عنه عليه السّلام «1».

و الاستدلال بها من حيث إنّها تدلّ علی أنّه صلّی اللّه عليه و آله نهی عن قتل النساء و الصبيان في دار الحرب، فبانضمامها إلی معتبرة حفص بن غياث يستفاد حرمة قتلهما في دار الإسلام و سقوط الجزية عنهما علی ما عرفت من القاعدتين.

4- و منها ما عن دعائم الإسلام عن أبي عبد اللّه عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله كان إذا بعث جيشا أو سريّة أوصی صاحبها بتقوی اللّه في خاصّة نفسه و من معه من المسلمين خيرا و قال: اغزوا بسم اللّه و في سبيل اللّه- إلی أن قال:- و لا تقتلوا وليدا و لا شيخا كبيرا و لا امرأة ... الحديث «2».

فإنّه نهی عن قتل المرأة و الوليد- الّذي هو الطفل- في دار الحرب و إن فسّر الوليد بالطفل غير المميّز فلا يعمّ كلّ صبيّ، و علی أيّ حال فيدلّ- بالبيان الّذي مرّ آنفا- علی سقوط الجزية عنهنّ.

ثمّ إنّ صحيحة جميل و خبر الدعائم و إن كان موردهما السريّة إلّا أنّ الظاهر أنّ هذا حكم الإسلام في الحرب مطلقا.

هذه هي الروايات المشتركة بين النساء و الصبيان.

و أمّا ما تدلّ علی سقوط الجزية عن خصوص النساء فهي ما عن الصدوق في الخصال بسنده عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: ليس علی النساء أذان و لا إقامة- إلی أن قال:- و لا جزية علی النساء «3». و دلالته واضحة.

و أمّا ما تختصّ بالصبيان فهي أيضا روايات و هي علی طائفتين:

 (الطائفة الاولی) ما تدلّ بنفسها و بلا حاجة إلی ضميمة علی المطلوب:

                       

1- فمنها معتبر طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ أولاد المسلمين موسومون عند اللّه شافع و مشفّع، فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت [كانت- خ ل‏] لهم الحسنات فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيّئات «1».

و دلالته علی المطلوب بلحاظ أنّ كتابة السيّئات علی الأطفال الّتي هي من لوازم تنجّز التكليف انيطت ببلوغ الحلم، و بلوغ الحلم إنّما هو دليل بلوغ التكليف فلا يكون تكليف منجّزا علی الطفل قبل بلوغ التكليف، و من التكاليف وجوب أداء الجزية فلا محالة ليس واجبا علی الأطفال. ثمّ إنّ المذكور موضوعا في الحديث و إن كان أولاد المسلمين، فلا يعمّ أولاد الكفّار الّذين هم محلّ الكلام في وجوب الجزية، إلّا أنّ المفهوم عرفا من اشتراط بلوغ الحلم أنّه شرط تعلّق التكليف بالإنسان فيستفاد منه هذا الشرط في أولاد الكفّار أيضا.

2- و منها موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الغلام متی تجب عليه الصلاة؟ قال: إذا أتی عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جری عليه القلم، و الجارية مثل ذلك إن أتی عليها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جری عليها القلم 2.

و عطف جری القلم عليها علی وجوب الصلاة شاهد علی أنّ المراد منها اشتراط تعلّق التكليف بالبلوغ، و هي أيضا لا تختصّ بأولاد المسلمين كما عرفت في سابقها، و دلالتها علی المطلوب واضحة كما مرّ.

3- و عن الصدوق في من لا يحضره الفقيه أنّه قال: و في خبر آخر: علی الصبي إذا احتلم الصيام و علی المرأة إذا حاضت الصيام 3.

4- و روی أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: علی الصبي إذا احتلم الصيام و علی الجارية إذا حاضت الصيام و الخمار ... الحديث «4».

و وجه دلالتها أنّ الاحتلام أو الحيض إنّما ذكر علامة البلوغ فالبلوغ، هو تمام‏

                       

الموضوع، و الصيام و الخمار إنّما ذكرا بما أنّه مصداق للمكلّف به، و إلّا فالمراد الجدّي جميع ما يكلّف به، و قد عرفت أنّ الغرض بيان حدّ البلوغ بلا اختصاص بأولاد المسلمين، فدلالتها تامّة كما مرّ.

5- و منها ما عن الصدوق في الخصال بسنده عن الأعمش عن ابن ظبيان قال: اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر عمر برجمها فقال عليّ عليه السّلام: أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبيّ حتّی يحتلم و عن المجنون حتّی يفيق و عن النائم حتّی يستيقظ «1».

و الحديث كما تری قد حكم برفع القلم عن الصبي غير البالغ و هو مطلق من جهة كونه ولد مسلم أو كافر و صريح بقرينة المورد في شموله للأنثی، فيدلّ علی انتفاء التكليف عن أطفال الكفّار بالجزية و غيرها أيضا، إلّا أنّ سنده غير معتبر.

6- و منها موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن ابن عشر سنين يحجّ، قال عليه السّلام: عليه حجّة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت «2». و مثلها رواية شهاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام 3.

و بيان دلالتهما بعين ما مرّ ذيل مرسل الصدوق و رواية أبي بصير الواردين في وجوب الصيام بالاحتلام أو الحيض.

7- و منها صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة و دخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب علی المسلمين احتلم أم لم يحتلم و كتبت عليه السيّئات و كتبت له الحسنات و جاز له كلّ شي‏ء إلّا أنّ يكون ضعيفا أو سفيها «4». و روی عن الشيخ في التهذيب مثلها إلّا أنّ فيها «علی المحتلمين» بدل قوله: «علی المسلمين» «5».

و بيان الاستدلال بها مثل ما قدّمناه ذيل معتبر طلحة بن زيد غاية الأمر أنّهما

                       

جعلا السنّ الموجب للبلوغ انقضاء ثلاث عشرة سنة، و هو أمر آخر لا يضرّ بدلالتهما علی أنّ مبدأ وجوب الواجبات و حرمة المحرّمات هو الوصول بالبلوغ بالاحتلام أو غيره.

8- و منها موثّقة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله أبي و أنا حاضر عن قول اللّه عزّ و جلّ: حَتَّی إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ قال: الاحتلام. قال: فقال:

يحتلم في ستّ عشرة و سبع عشرة سنة و نحوها، فقال عليه السّلام: لا، إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات و كتبت عليه السيّئات و جاز أمره إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا ... الحديث «1».

و بيان الاستدلال بها مثل ما مرّ في صحيحته، بل إنّ دلالتها علی أنّ تمام الملاك هو البلوغ أوضح، لذكرها الاحتلام أوّلا.

9- و منها ما عن الكليني و الشيخ بسنديهما عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة و كتبت عليه السيّئة و عرقب، و إذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك و ذلك أنّها تحيض لتسع سنين «2».

و موضوع الحكم فيه هو حدوث البلوغ و إن اختلف في الصبي مع فتوی المشهور في السنّ الّذي يكون ملاكا، و صرّح بأنّه مع البلوغ تكتب السيّئات فلا محالة لا تكليف قبله و يكون بإطلاقه دليلا لما نحن فيه.

10- و منها ما عن قرب الإسناد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام أنّه كان يقول في المجنون و المعتوه الّذي لا يفيق و الصبيّ الّذي لم يبلغ:

عمدهما خطأ تحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم «3».

و محلّ الاستشهاد حملته الأخيرة و قد مرّ بيانه، فراجع ما ذكرناه ذيل خبر ابن ظبيان. إلّا أنّ سنده ضعيف بأبي البختري.

                       

11 و 12- و منها رواية بريد [يزيد- خ ل‏] الكناسي «1» و خبر حمزة بن حمران «2»، فراجع.

و منها غير ذلك ممّا يقف عليه المراجع المتتبّع و لا حاجة إلی ذكره بعد ما مرّ من هذه الروايات الكثيرة التامّة الدلالة الّتي فيها معتبرات السند كثيرا. هذه هي الطائفة الاولی.

 (الطائفة الثانية) ما تدلّ علی أنّه يحرم قتل الصبي في الحرب، فإذا انضمّ إلی رواية حفص بن غياث الماضية يستفاد المطلوب كما مرّ.

1- ففي موثّقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام أنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله قال:

اقتلوا المشركين و استحيوا شيوخهم و صبيانهم «3».

فإنّه أمر بقتل المشركين و باستحياء الشيوخ و الصبيان منهم، و الأمر ظاهر في الوجوب، فإذا كان استحياء صبيان المشركين واجبا فأهل الكتاب أولی.

2- و في خبر أبي البختري المروي في التهذيب عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال:

إنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله عرضهم يومئذ علی العانات، فمن وجده أنبت قتله، و من لم يجده أنبت ألحقه بالذراري «4». و في الوسائل عن قرب الإسناد مثله «5».

و إنبات الشعر من علائم البلوغ، فمن أنبت علی عانته فهو بالغ يقتل، و من لم ينبت يلحق بالذراري، و هو في معنی عدم جواز قتله.

3- و في معناه ما عن عوالي اللآلي: و في الحديث أنّ سعد بن معاذ حكم في بني قريظة بقتل مقاتليهم و سبي ذراريهم، و أمر بكشف مؤتزرهم، فمن أنبت فهو

                       

من المقاتلة، و من لم ينبت فهو من الذراري، فصوّبه النبيّ صلّی اللّه عليه و آله «1».

4- و في رواية مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السّلام أنّ رسول اللّه قال لمن يرسلهم في السرايا: «لا تقتلوا وليدا» «2» بناء علی أنّ الوليد مطلق الصبي.

و بالجملة: فعدم وجوب أداء الجزية علی النساء و الصبيان من أهل الكتاب مسلّم و واضح جدّا.

الثالث [المجنون و الأبله‏]

ممّن تسقط عنه الجزية: المجنون و الأبله، فظاهر المقنعة و المراسم اشتراط البلوغ فيمن تجب عليه الجزية، و صريح أبي الصلاح في الكافي و المحقّق في الشرائع و العلّامة في الإرشاد و القواعد و التذكرة و المنتهی أنّه لا تجب الجزية علی المجنون، و صريح الشيخ في النهاية و المبسوط و ابن البرّاج في المهذّب و ابن إدريس في السرائر و المحقّق في المختصر النافع سقوطها عن المجنون و الأبله، و ذكر في الغنية أنّها تجب علی كاملي العقول، و مثلها إصباح الشيعة، فلا محالة يخرج المجنون و إن كان في خروج الأبله منهم تأمّل. و عبارة هؤلاء الأعاظم قدّس سرّهم قد مضت و لم نجد فيه خلافا و لذا قال في الجواهر: لا تؤخذ الجزية من الصبيان و المجانين مطبقا و النساء كما صرّح به غير واحد بل لا أجد فيه خلافا، بل في المنتهی و محكيّ الغنية و التذكرة الإجماع عليه و هو الحجّة «3». و قد مرّت دعوی الإجماع علی سقوط الجزية عن المجنون المطبق عن التذكرة و المنتهی، و أمّا الغنية فالظاهر أنّها لم تدّع الإجماع هنا، و كيف كان فالظاهر أنّه لا حجّية في الإجماع هنا بعد وجود روايات يحتمل استناد المجمعين بها كما ستعرف.

و أمّا الدليل عليه فيمكن الاستدلال له بطائفتين من الأخبار:

 (إحداهما) وردت في خصوص موضوع الكلام، و هي معتبرة طلحة عن أبي‏

                       

عبد اللّه عليه السّلام قال: جرت السنّة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه و لا من المغلوب عليه عقله «1».

فحكی عليه السّلام جريان السنّة علی عدم أخذها لا من المعتوه و لا من المغلوب عليه عقله، و ظاهره أنه في مقام بيان الحكم الشرعي فلا محالة لا يجوز التخلّف عن هذه السنّة و هو لا إشكال فيه.

فلا ينبغي الريب في دلالة الحديث علی أنّها لا تؤخذ من المجنون فإنّه مغلوب عقله عليه فلا عقل له أصلا، و أمّا الأبله الّذي يراد منه ظاهرا من كان عقله ناقصا الّذي لم يبلغ حدّ الجنون لكنّه غير كامل العقل عقلا متعارفا و لعلّه يعبّر عنه في الفارسية ب «خل» فالدليل عليه عنوان المعتوه، فإنّ الخليل في كتاب العين قال:

 «عته الرجل يعته عتها و عتاها فهو معتوه: أي مدهوش من غير مسّ و جنون» و قد فسّر أقرب الموارد المعتوه بمن نقص عقله، قال: «و قيل: فقد. و قيل: دهش من غير مسّ جنون» فبناء علی تفسير المعتوه بناقص العقل يكون في مقابل المجنون، و لا يبعد أن يكون هو الظاهر من الرواية بقرينة جعل العنوانين كلّا مقابلا للآخر و تكرار لفظة «لا» الدالّة علی اثنينيّتهما، فتفسير المعتوه بفاقد العقل لا يكون موافقا للرواية.

هذا مضافا إلی أنّه قد ورد في بعض الأخبار تفسير المعتوه بالأحمق، ففي صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن طلاق المعتوه، قال: و ما هو؟ قال:

قلت: الأحمق الذاهب العقل، قال: لا يجوز ... الحديث «2». و في صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن المعتوه أ يجوز طلاقه؟ فقال: ما هو؟ قال: فقلت:

الأحمق الذاهب العقل، فقال: نعم 3.

و بعد هذا التفسير فلا ينبغي الريب في سقوط الجزية عن المعتوه الأحمق.

 (و الطائفة الثانية) من الأخبار ما تدلّ علی أنّ المجنون لا تكليف عليه، و حيث إنّ وجوب أداء الجزية تكليف فلا محالة ينتفي عنه و هذه الطائفة أخبار متعدّدة:

                       

1 و 2- منها ما مرّ ذيل البحث عن سقوط الجزية عن الصبيّ من خبر ابن ظبيان و خبر أبي البختري، و قد ذكرناهما آنفا تحت الرقم 5 و 10.

3- و منها ما عن المفيد في الإرشاد؛ قال: روت العامّة و الخاصّة أنّ مجنونة فجر بها رجل و قامت البيّنة عليها فأمر عمر بجلدها الحدّ، فمرّ بها عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: ما بال مجنونة آل فلان تقتل؟ فقيل له: إنّ رجلا فجر بها فهرب و قامت البيّنة عليها فأمر عمر بجلدها، فقال لهم: ردّوها إليه و قولوا له: أما علمت أنّ هذه مجنونة آل فلان و أنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله قال: «رفع القلم عن المجنون حتّی يفيق» و أنّها مغلوبة علی عقلها و نفسها، فردّوها إليه، فدرأ عنها الحدّ «1».

و موضع الاستدلال هو قول النبيّ صلّی اللّه عليه و آله: «رفع القلم عن المجنون حتّی يفيق» و دلالتها واضحة و قد مرّ بيانها، فهذه الأخبار الثلاثة هي روايات رفع القلم.

4- و منها صحيحة محمّد بن مسلم- المروية عن الكافي و أمالي الصدوق و المحاسن- عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لمّا خلق اللّه العقل استنطقه ثمّ قال له: أقبل، فأقبل، ثمّ قال له: أدبر، فأدبر، ثمّ قال: و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك، و لا أكملتك إلّا في من أحبّ، أما إنّي إيّاك آمر و إيّاك أنهي و إيّاك اعاقب و إيّاك اثيب «2».

و محلّ الاستدلال هي الجملات الأربع الأخيرة فإنّها تدلّ بوضوح علی أنّ التكليف الإيجابي و التحريمي بل مطلق الأمر و النهي و هكذا الثواب و العقاب يتعلّق بالعقل و بمن كان له عقل بما أنّ له عقلا فلا محالة من لا عقل له لا أمر و لا نهي إليه و هو تمام المطلوب، فإنّ عمومه ينفی تكليف وجوب الجزية أيضا عمّن يكون مجنونا لا عقل له.

5- و منها صحيحة اخری- مروية عن الكافي و المحاسن- لمحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لمّا خلق اللّه العقل قال له: أقبل فأقبل، ثمّ قال له: أدبر فأدبر، فقال:

                       

و عزّتي ما خلقت خلقا أحسن منك؛ إيّاك آمر، و إيّاك أنهی، و إيّاك اثيب، و إيّاك اعاقب «1». و موضع الاستدلال هنا أيضا الجملات الأخيرة، و بيانه بعين ما مرّ.

6- و منها صحيحة هشام- المروية عن محاسن البرقي- قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لمّا خلق اللّه العقل قال له: أقبل فأقبل، ثمّ قال له: أدبر فأدبر، ثمّ قال:

و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك، بك آخذ و بك اعطي و بك اثيب 2.

و موضع الدلالة هي الجملات الثلاث الأخيرة و الأخذ به هو العقاب به كما أنّ الإعطاء به هو الإثابة به، فحصر الثواب و العقاب علی العقل يقتضي أن لا عقاب علی من لا عقل له و هو بمعنی نفي التكليف الموجب للعقاب عنه فيكون دليلا لما نحن فيه.

و مثلها ما عن المحاسن من رواية أبي بصير و مرفوعة بعض أصحابنا و المرسل عن الرصافي 3 بل و غيرها، فراجع.

الرابع [المماليك‏]

ممّن قال بعض الأصحاب بسقوط الجزية عنه العبد المملوك، كما هو صريح المبسوط حيث قال: فأمّا المملوك فلا جزية عليه لقوله عليه السّلام: لا جزية علی العبيد «4». و هو أيضا صريح أبي الصلاح الحلبي في الكافي و ابن حمزة في الوسيلة و العلّامة في الإرشاد و القواعد، و قال ابن إدريس في السرائر: و أمّا مماليك أهل الذمّة فلا جزية عليهم لقوله عليه السّلام: لا جزية علی العبد «5» و نسبه في التذكرة و المنتهی و المختلف إلی المشهور كما نقل في الأوّلين عن قوم أنّها لا تسقط عنه، و لم يختر هو نفسه شيئا من القولين. و نقله المحقّق في الشرائع بقوله: «و قيل: تسقط عن المملوك» و قد مرّت عباراتهم، إلّا أنّ كلمات الآخرين خالية عن هذا الاستثناء و عمومها يقتضي تعلّق الجزية بالعبيد أيضا. نعم إنّ صاحب الجواهر أيضا قوّی سقوطها عنه قائلا أنّه حكی أيضا عن العلّامة في التحرير «6».

و ينبغي التوجّه إلی نكتة هي أنّ المراد بالعبيد هنا ليس ما يسترقّونه المسلمون‏

                       

من اسراء الكفّار فإنّهم بجميع حيثيّاتهم ملك للمسلمين و لا معنی لتعلّق الجزية بهم، بل المراد ما كان عبدا للكفّار أهل الكتاب فظهر المسلمون عليهم و جعلوا علی مواليهم الجزية، فالكلام في أنّه هل تجعل الجزية علی مماليكهم أيضا؟

و كيف كان، فعموم أدلّة إيجاب الجزية عن أهل الكتاب يعمّ مماليكهم أيضا و مضافا إليها، فقد روی الصدوق في من لا يحضره الفقيه بإسناده الصحيح عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي الورد عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

سألته عن مملوك نصراني لرجل مسلم عليه جزية؟ قال عليه السّلام: نعم، إنّما هو مالكه (ماله- خ ل) يفتديه (يفديه- خ ل) «1». و رواه في موضع آخر بإسناده عن أبي الورد [أبي الدرداء- خ ل‏] نحوه «2».

و سند الأوّل كإسناده الثاني إلی أبي الورد معتبر إلّا أنّ أبا الورد نفسه لا طريق إلی وثاقته سوی رواية رواها الكليني في الكافي (ج 4 ص 263) عن سلمة بن محرز ربما تدلّ علی أنّه من الشيعة لكن سلمة بن محرز نفسه لم يثبت وثاقته و أبو الدرداء عوير- أو عويم أيضا- لم يوثّق، فسند الحديث لا يثبت اعتباره إلّا أن يعتمد علی مجرّد نقله في الفقيه.

و أمّا دلالته فلا كلام في أنّه يدلّ علی ثبوت الجزية علی المملوك النصراني و إن كان لرجل مسلم، و بملاحظة ما ذكرناه من أنّ المملوك من أهل الكتاب ممّن أسره المسلمون فلا جزية عليه، فلا محالة هذا النصراني كان مملوكا لغير مسلم فانتقل إلی المسلم فكان عليه الجزية كمولاه الّذي ربما كان من أهل الكتاب، و يؤيّده التعبير في قوله عليه السّلام: «يفتديه، أو يفديه» فإنّه تعبير عن الجزية في صحيح زرارة عن الصادق عليه السّلام حيث قال فيهم: «إنّما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا، فالجزية تؤخذ منهم علی قدر ما يطيقون» «3». و قد مرّ متن‏

                       

الحديث بتمامه. و بالجملة: فلا يبعد أن يكون دلالة الحديث تامّة.

و بالجملة: فالعمومات و الحديث و إن اقتضيا تعلّق الجزية عليه إلّا أنّ المشهور علی ما ذكره العلّامة قالوا بسقوطها عنه، و تمسّك الشيخ قدّس سرّه في المبسوط و بعده ابن إدريس الّذي لا يعمل بأخبار الآحاد علی سقوطه عنه بقوله عليه السّلام: «لا جزية علی العبيد، أو العبد» و هذا الحديث لم نقف له علی سند في مجاميعنا الروائية إلّا ما مرّ عن الدعائم عن عليّ عليه السّلام في حديث: «و ليس علی العبيد و لا علی النساء و لا علی الأطفال جزية» «1» و لا أقلّ من أنّ سند الدعائم مرسل غير معتبر.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ اقتضاء العمومات لتعلّق الجزية بالعبد المؤيّد برواية الصدوق مع ذهاب المشهور إلی الخلاف يكشف عن وجود دليل معتبر عندهم علی الاستثناء و الإعراض و لو كان هذا الدليل هو هذه الرواية الّتي استند إليها حتّی ابن إدريس، و اللّه العالم.

ثمّ إن ثبتت الجزية علی العبد فهي فدية تعلّقت برقبته يؤدّيها مالكها فلا يضرّ بثبوتها عليه أنّه عبد و مال لا مال له علی ما توهّمه بعض الأصحاب.

الخامس [الشيخ الهرم الفاني‏]

ممّن قد يقال بسقوط الجزية عنه الشيخ الهرم الفاني، فقد نقل العلّامة في المختلف القول بسقوطه عن ابن الجنيد. و مال إلی القول بالسقوط المحقّق في الشرائع و جعله الأظهر في المختصر النافع. و صرّح الشيخ في الخلاف و المبسوط بتعلّق الجزية به، و قال به العلّامة في التذكرة، و قد نقل القول بالسقوط عن رأي في القواعد، و اكتفی بنقل القولين من غير ترجيح لأحدهما في المختلف. و مقتضی إطلاق أو عموم كلمات غيرهم ممّن مضت عباراتهم تعلّق الجزية بهم، و قوّاه صاحب الجواهر و الرياض «2».

و لا ينبغي الشكّ في أنّ إطلاقات تعلّق الجزية بأهل الكتاب تقتضي تعلّقها به إلّا أنّه يمكن الاستدلال علی استثنائه من طريقين:

                       

أحدهما: الرجوع إلی مجرّد متن معتبر حفص بن غياث الماضي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام؛ فإنّه عليه السّلام قال في ذيله: «و كذلك المقعد من أهل الشرك و الذمّة و الأعمی و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض الحرب، فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية» «1» فهو عليه السّلام قد ذكر الشيخ الفاني في جملة من لا يجوز قتلهم في دار الحرب و حكم برفع الجزية عنه أيضا.

ثانيهما: الرجوع إلی روايات تدلّ علی حرمة قتل الشيخ الفاني في الحرب و ضمّها إلی القاعدتين الكلّيتين من معتبر حفص و هما: كلّ من يحرم قتله في دار الحرب يحرم قتله أيضا في دار الذمّة، و كلّ من يحرم قتله في دار الذمّة رفعت عنه الجزية. و قد مرّ بيان استفادتهما من معتبره.

1- فمن هذه الروايات موثّق السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام أنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله قال: اقتلوا المشركين و استحيوا شيوخهم و صبيانهم 2 ببيان أنّه إذا وجب استحياء شيوخ المشركين فوجوب استحياء شيوخ أهل الكتاب ثابت بالأولوية القطعية و هو معنی حرمة قتلهم.

2- و منها ما حكاه الصادق عليه السّلام في صحيح جميل بن درّاج الماضي من أنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله كان يقول لمن يبعثهم في السرايا: لا تغلّوا و لا تمثّلوا و لا تغدروا و لا تقتلوا شيخا فانيا و لا صبيّا و لا امرأة «3».

3- و منها ما في رواية الدعائم عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه عليه السّلام قد حكی أنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله كان إذا بعث جيشا أو سريّة قال لهم: لا تقتلوا وليدا و لا شيخا كبيرا و لا امرأة «4».

و النهي دليل الحرمة، و قد مضی أنّ المستفاد من النهي في السرايا أنّ هذا الّذي ينهاهم عنه هو كيفية حرب الإسلام بلا فرق فيها بين السرية و الغزوة، فبانضمامها إلی معتبر حفص يثبت المطلوب. و قد عرفت أنّ بعض اسناد معتبره و إن كان غير

                        

معتبر إلّا أنّ سند الصدوق إليه معتبر و نفسه أيضا قابل للاعتماد، و لعلّ من لم يفت به لم يثبت له صحّة الاعتماد عليه، و عليه فالأظهر سقوطها عن الشيخ الفاني.

السادس [غير السليم‏]

ممّن قيل بسقوط الجزية عنه غير السليم، فإنّ العلّامة في المختلف حكی عن ابن الجنيد أنّ المقعد و الزمن الّذي لا حراك به لا يقتل في الحرب مع قوله أيضا بأن كلّ من لا يقتل فيها لا جزية عليه. و اشترط أبو الصلاح الحلبي في الكافي قيد السليم في من عليه الجزية و قال بأنّها لا تؤخذ من ذوي العاهات من فقرائهم، فظاهر التقييد بالسليم أنّها لا تؤخذ من غير السليم إلّا أنّه قيّد من ليس عليه الجزية من ذوي العاهات بأن يكون من فقراء أهل الكتاب.

و صرّح الشيخ في المبسوط بثبوتها علی الزمن، و مثله العلّامة في التذكرة، كما صرّح المحقّق في الشرائع و العلّامة في القواعد بتعلّقها بالمقعدين، و مقتضی إطلاق أو عموم كلام الآخرين ممّن مضت كلماتهم أيضا وجوبها عليه، و لعلّه لمثل هذا قال صاحب الجواهر عند نقل قول المحقّق بتعلّقها بالرهبان و المقعدين قال: بلا خلاف أجده فيه بيننا إلّا ما سمعته من الإسكافي.

و لا ريب في أنّ مقتضی إطلاق الأدلّة الماضية الدالّة علی وجوب أداء الجزية علی أهل الكتاب تعلّقها بغير السليم و الزمن و المقعد أيضا، إلّا أنّه قد مرّ آنفا أنّ المقعد و الأعمی قد ذكرا في ذيل معتبر حفص بن غياث في عداد من رفعت عنه الجزية، و قد فسّر الخليل في كتاب العين المقعد- بفتح العين- بالّذي لا يطيق المشي، كما فسّره أقرب الموارد بالمصاب بداء القعاد و قال: «القعاد- بالضمّ- داء يقعد من اصيب به». و عليه فلو عمل به لكان اللازم إخراج الأعمی و من لا يطيق المشي لداء القعاد، و لم يقل به أحد، و كأنّ الأصحاب أعرضوا عنه و حيث لا دليل آخر علی السقوط و لذا كان الافتاء بالاستثناء مشكلا بل غير ممكن، و اللّه العالم.

السابع [الفقير]

ممّن قد يقال بسقوط الجزية عنه الفقير الّذي لا كسب و لا مال له، قال بالسقوط عنه الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه إجماع الفرقة. و أسنده العلّامة في المنتهی و في التذكرة إلی المفيد و ابن الجنيد، و في المختلف إلی ابن الجنيد. و قال في المبسوط بوجوبها عليه. و هكذا المحقّق في الشرائع بل و النافع، و هو الّذي‏

                       

يقتضيه إطلاق أو عموم كلام الآخرين.

و قد ذكر ابن إدريس في السرائر كما عرفت كلام الشيخ في كتابيه ثمّ قوّی ما في المبسوط إلّا أنّه في النهاية قال: ولي في ذلك نظر.

و كلمات العلّامة في كتبه مختلفة، فإطلاق الإرشاد و القواعد و صريح المختلف القول بالوجوب، و اكتفی في التذكرة و المنتهی بمجرّد نقل الأقوال، فراجع ما مرّت من عبارات الأعاظم قدّس سرّهم.

و مقتضی إطلاق أدلّة وجوب الجزية علی أهل الكتاب هو وجوبها علی الفقير أيضا، و لا دليل علی سقوطها عنه إلّا ما قد ينقدح في الذهن من أنّ الجزية مال يؤخذ ممّن عليه، و لا معنی لتعلّقها بمن لا مال له، لكنّه يندفع بأنّ من الممكن أن تتعلّق به و تصير ذمّته مشغولة بها ثمّ إذا حصل مال بيده كان عليه أداء ما ثبت عليه في الأزمنة السالفة، مثل ما لو استأجر الفقير دارا أو شيئا آخر. و قد أوضحه الشيخ إجمالا في مبسوطه كما مرّ.

و قال المفيد في المقنعة: و كان أمير المؤمنين عليه السّلام قد جعل علی أغنيائهم ثمانية و أربعين درهما و علی أوساطهم أربعة و عشرين درهما و جعل علی فقرائهم اثني عشر درهما، و كذلك صنع عمر بن الخطّاب قبله، و إنّما صنعه بمشورته عليه السّلام «1».

فهذه الرواية مرسلة توافق العمومات. و قد مرّ مثلها في عبارة المختصر النافع.

الثامن [السفيه‏]

من كان سفيها مفسدا لماله أو دينه، ذكره في الوسيلة و أنّه لا جزية عليه.

و في قباله صرّح الشيخ في المبسوط بأنّه عليه الجزية. و كلمات الآخرين خالية عن ذكره و مقتضی إطلاقها هو المتبع. نعم صرّح العلّامة في المختلف أيضا بالوجوب.

أقول: إن كان سفهه بحيث يصدق عليه الأبله المعتوه كان داخلا في ما دلّت معتبرة طلحة الماضية علی عدم أخذ الجزية عنه، و لعلّها كانت دليلا لابن حمزة، و إلّا فالأدلّة الموجبة لأداء الجزية علی أهل الكتاب تدلّ بالإطلاق أو العموم علی وجوب الجزية عليه كما عليه الأصحاب.

 

                       

التاسع [أصحاب الصوامع و الرهبان‏]

ممّن يمكن القول باستثنائه أصحاب الصوامع و الرهبان، تعرّض لهم الشيخ في الخلاف و أفتی بوجوب أخذ الجزية منهم إلّا أنّه قال: «و في أصحابنا من قال: لا تؤخذ منهم الجزية» و ذكر أيضا أنّ الأخذ منهم أحد قولي الشافعي و تعرّض لهم أيضا المبسوط و الشرائع و القواعد و التذكرة و أفتوا بوجوب الجزية عليهم، و هو مقتضی إطلاق أو عموم كلام الآخرين ممّن مرّت كلماتهم، و لم نجد من استثناهم إلّا ما نقله الشيخ في الخلاف.

و لا ينبغي الريب في أنّ مقتضی عموم أو إطلاق أدلّة ايجاب الجزية علی أهل الكتاب من الآية و الروايات وجوبها عليهم، و به استدلّ الأصحاب فيما رأيناه. إلّا أنّه قد ورد فيما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله كان بعث سرية أوصی أصحابها امورا و ذكر فيها قوله صلّی اللّه عليه و آله: «و لا تقتلوا وليدا و لا متبتّلا في شاهق» «1» فقد نهی عن قتل كلّ متبتّل في شاهق، و التبتّل- علی ما في التبيان و مجمع البيان- هو الانقطاع، و التبتّل إلی اللّه تعالی هو الانقطاع إلی عبادة اللّه عزّ و جلّ و إخلاص العبادة له، و عليه فالمتبتّل هو المنقطع عن الناس إلی اللّه تعالی، و الشاهق اسم فاعل من شهق يشهق- بفتحتين شهوقا، و فسّره في المصباح المنير بقوله: «ارتفع، فهو شاهق، و جبال شاهقة و شاهقات و شواهق».

فالحاصل: أنّ المتبتّل في شاهق هو من انقطع عن الناس إلی عبادة اللّه و سكن في مثل الجبال الشاهقة البعيدة عن الناس، و هو صادق علی بعض أصحاب الصوامع و الرهبان، فالرواية دالّة بظهور النهي علی حرمة قتل هؤلاء في الحرب، و لا يبعد دعوی إلغاء الخصوصية عنهم إلی كلّ من قطع ارتباطه عن الناس و انقطع إلی عبادة اللّه عزّ و جلّ من أهل الكتاب.

فإذا حرم قتلهم بموجب هذه الرواية فانضمام هذه الرواية إلی معتبر حفص ابن غياث يقتضي أن لا تجب الجزية عليهم كما مرّ بيانه.

إلّا أنّ مسعدة بن صدقة لم يوثّق و لم يعمل مشهور الأصحاب علی ما رأيناه‏

                       

بخبره هذا لكي ينجبر بعملهم ضعف سنده، و لذلك فلعلّ الأظهر هو العمل بعموم أو إطلاق أدلّة وجوب الجزية علی أهل الكتاب.

و هذا تمام الكلام في البحث عن شرائط من عليه الجزية من أهل الكتاب.

 [5- مصرف الجزية]

المسألة الخامسة: في أنّه هل للجزية مصرف خاصّ أم هي كالخراج تتعلّق بعموم المسلمين؟

فقد ذكر المفيد قدّس سرّه في المقنعة أنّها لمن قام مقام المهاجرين و يجوز صرفها في سائر مصالح المسلمين. و مثله سلّار في المراسم. و جعلها ابن إدريس في السرائر لهم و جوّز صرفها في الفقراء و المساكين من غيرهم، و خصّها غيرهم من سائر الأعلام الّذين مضت كلماتهم بمن قام مقام المهاجرين عهد النبيّ الأكرم صلّی اللّه عليه و آله و إن اختلفت تعبيراتهم. فالشيخ في النهاية و ابن البرّاج في المهذّب و ابن حمزة في الوسيلة و المحقّق في المختصر النافع جعلوها لمن قام مقام المهاجرين. و الشيخ في المبسوط و الحلبي في إشارة السبق جعلاها للمهاجرين، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي و ابن زهرة في الغنية و الكيدري في إصباح الشيعة جعلوها لأنصار الإسلام. و العلّامة في الإرشاد و التذكرة و المنتهی جعلها للمجاهدين. و التعبيرات الأربع كما تری ترجع إلی معنی واحد. و قد مضی أنّه قال العلّامة في أواخر بحث المهادنة من القواعد:

 «و ما يؤخذ صلحا أو جزية فهو للمجاهدين و مع عدمهم لفقراء المسلمين» فقد جعلهما للمجاهدين و مع عدمهم لفقراء المسلمين، و هو كما تری قول رابع.

فهذه أقوال أربعة لهؤلاء الأعاظم الأعلام قدّس سرّهم في مصرف الجزية و عبارات أكثرهم القريب من الكلّ صريحة في أنّ ما حكموا به هو حكم الجزية بعد الرسول الأعظم صلّی اللّه عليه و آله و في زماننا، و عبارة الآخرين مطلقة بحيث لا مجال لاختصاص ما ذكروه بزمن بسط يد الإمام عليه السّلام بل يستفاد منها أنّ الحكم المذكور هو حكم الإسلام في مصرف الجزية و إن كان أمر مصرفها كسائر ما يتعلّق بإدارة أمر المسلمين بيد الإمام المعصوم عليه السّلام و بعده أيضا لمن جعل اللّه أمر المسلمين بيده من مثل فقيه جامع للشرائط تولّی و تصدّی إدارة امورهم. فما في الجواهر من اختصاص كلامهم أو كلام بعضهم بزمن بسط اليد غير مقبول.

                       

و بالجملة: فحكم مصرف الجزية أيضا كأحد الأحكام الاخر المتعلّقة بولاية أمر المسلمين.

هذا هو مقتضی التأمّل في كلمات الفقهاء، و أمّا مقتضی الأدلّة:

فكتاب اللّه الكريم لم يتعرّض لسوی ما في آية الجزية بقوله تعالی: حَتَّی يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ و هو كما تری إنّما يدلّ علی وجوب إعطائهم للجزية من دون بيان لمصرفها أصلا.

و أمّا الروايات:

1- فقد روی الشيخ في التهذيب بسند صحيح عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن سيرة الإمام في الأرض الّتي فتحت بعد رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله فقال: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قد سار في أهل العراق بسيرة فهي امام لسائر الأرضين. و قال: إنّ أرض الجزية لا ترفع عنهم الجزية، و إنّما الجزية عطاء المهاجرين، و الصدقات لأهلها الّذين سمّی اللّه في كتابه، ليس لهم في الجزية شي‏ء. ثمّ قال: ما أوسع العدل!! إنّ الناس يتّسعون إذا عدل فيهم و تنزل السماء رزقها و تخرج الأرض بركتها بإذن اللّه تعالی «1».

و رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه في باب الخراج و الجزية عن محمّد ابن مسلم عنه عليه السّلام مثله، إلّا أنّ فيه: «إنّ أرض الجزية لا ترفع عنها الجزية، و إنّما الجزية عطاء المجاهدين» «2». هذا و الفرق كما تری لا يوجب تفاوتا في المعنی إلّا أنّه بدّل عنوان «المهاجرين» ب «المجاهدين» و سيأتي إن شاء اللّه أنّهما هنا مساقان. نعم في ذيل الوسائل المحشّاة بحاشية الشيخ الربّاني أنّ في الفقيه: «عطاء المجاهدين و الأنصار» فلعلّ مفاده يختلف مع نسخة التهذيب إلّا أن يفسّر الأنصار بمن ينصر المجاهدين فلا يبعد منها لا أن يفسّر بالأنصار الّذين هم مقابل المهاجرين في الكتاب الكريم و بعض الأخبار فإنّه لا وجه له هنا، لكنّ نسخة

                       

الفقيه المصحّحة المطبوعة أخيرا خالية عنه و لا يكون في تلك النسخة المشار إليها اعتبار و حجّيّة فلا تصير معارضة لما في التهذيب.

مضافا إلی أنّ في إسناد الصدوق إلی محمّد بن مسلم الثقفي عليّ بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه، و هما كما قاله صاحب جامع الرواة غير مذكورين.

ثمّ إنّ الوسائل اسند هذه الصحيحة إلی نقل الكافي أيضا لكنّها لم توجد فيه.

2- و قد روی الكليني في كتاب الزكاة باب صدقة أهل الجزية بسند معتبر- فيه سهل بن زياد- عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ أرض الجزية لا ترفع عنها الجزية، و إنّما الجزية عطاء المهاجرين، و الصدقة لأهلها الّذين سمّی اللّه في كتابه و ليس لهم من الجزية شي‏ء. ثمّ قال: ما أوسع [اللّه- خ ل‏] العدل؟! إنّ الناس يستغنون إذا عدل بينهم و تنزل السماء رزقها و تخرج الأرض بركتها بإذن اللّه تعالی «1». و رواه الشيخ في التهذيب في باب الزيادات عن الكليني 2.

و العبارة كما تری موافقة لما رواه التهذيب عن أبي جعفر عليه السّلام ذيل الحديث الماضي الذكر آنفا. و المشهور بين الأعلام أنّ أمر سهل سهل لكثرة نقل الكليني في الكافي عنه الّتي يكشف عن الاعتماد عليها. و كيف كان فاللازم هو البحث عن مفاد الصحيحة.

فقد قال الباقر عليه السّلام علی ما في صحيح التهذيب، و الصادق عليه السّلام علی ما في معتبر ابن أبي يعفور المرويّ في الكافي و التهذيب: «و إنّما الجزية عطاء المهاجرين» و مفاده أنّ الإسلام قد جعل الجزية عطاء لهم أعطاهم اللّه بها و فضّلهم بها علی غيرهم، و عقّبا عليهما السّلام هذه الجملة بقولهما: «و الصدقات (أو: و الصدقة) لأهلها الّذين سمّی اللّه في كتابه و ليس لهم من الجزية شي‏ء». و توصيف أهل الصدقات بقولهما:

 «الّذين سمّی اللّه في كتابه» فيه دلالة واضحة علی أنّ المراد بالصدقات هي زكاة الأموال المفروضة الّتي قال اللّه تعالی في كتابه فيها: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ

                       

وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها ... الآية فقولهما عليهما السّلام: «ليس لهم من الجزية شي‏ء» يدلّ دلالة قويّة علی أنّه ليس للفقراء و المساكين في الجزية حقّ أصلا. هذا.

و المهاجرون الّذين جعلت في هذين المعتبرين الجزية عطاء لهم طائفة معروفة عند المسلمين مذكورة في الكتاب الكريم و لسان أولياء الدين بأوصاف فاضلة خاصّة يعرفهم المسلمون بها و عرّفهم الإسلام العزيز بها، فمن باب النموذج فقد قال اللّه تعالی فيهم: وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ «1» فجعل اللّه المهاجرين من السابقين الأوّلين و ذكرهم أوّلا و قبل الأنصار و وصف الآخرين بوصف اتّباعهم للسابقين، فلا محالة مرتبتهم متأخّرة، و قد حكم لجميعهم أنّ اللّه رضي عنهم و أعدّ لهم الخلد في الجنات و أنّهم قد رضوا عن اللّه تعالی و عدّ اللّه هذا المقام بأنّه الفوز العظيم. إلی غير ذلك من الآيات المباركات.

ثمّ انّ المهاجرة كانت ممّا جعل اللّه مأمورا بها، فقد قال تبارك و تعالی: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّی يُهاجِرُوا وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ «2».

فحكم علی الّذين آمنوا و لم يهاجروا بأنّه ليس للمؤمنين بالنسبة إليهم ولاية أصلا حتّی يهاجروا، و قد فسّر نفي هذه الولاية لهم في بعض الأخبار بأنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله لم يجعل لهؤلاء الّذين لم يهاجروا حقّ الإرث من المهاجرين إرث الإخاء؛ فقد روی الصدوق في العيون عن الإمام الكاظم عليه السّلام أنّه لمّا سأله هارون الرشيد عن مسائل منها السؤال عن أنّه لم يقول الأئمّة المعصومون عليهم السّلام بأنّهم أهل البيت ورثوا رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و عمّه العبّاس لم يرث و هو بعد كان حيّا حين موت الرسول صلّی اللّه عليه و آله فبعد تأكيد هارون علی الجواب و ذكر جواب أوّل له قال‏

                       

هارون: زدني يا موسی، قلت [و القائل هو الإمام الكاظم عليه السّلام‏]: المجالس بالأمانات و خاصّة مجلسك، قال: لا بأس عليك، فقلت: إنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله لم يورث من لم يهاجر و لا أثبت له ولاية حتّی يهاجر، فقال: ما حجّتك فيه؟ قلت: قول اللّه تبارك و تعالی: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّی يُهاجِرُوا و إنّ عمّي العبّاس لم يهاجر «1».

و قد روی في تفسير البرهان روايات اخر أنّ الصادق و الباقر عليهما السّلام أيضا فسّرا الولاية المنفية بهذا المعنی «2» فراجع.

و لعلّ هذه المهاجرة بهدف أن يكثر المسلمون أوائل ظهور الإسلام بمهاجرتهم عن أوطانهم و اجتماعهم في بلدة واحدة كانت هي المدينة المشرّفة لكي يدفعوا عن الإسلام إذا هجم عليه الكفّار و المشركون و ليكونوا جندا مجنّدا يهاجم بهم و يجاهد علی الكفّار، و لعلّه لذلك ورد في صحيح منصور بن حازم- المروي في الكافي و من لا يحضره الفقيه و أمالي الصدوق- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله قال في حديث: «لا هجرة بعد الفتح» «3» فيراد من الفتح فتح مكّة المكرّمة، و نفي الهجرة بعد فتحها إنّما يكون بملاحظة أنّه بعد فتحها قد كثر جمع المسلمين و ذهب من البين العدوّ الأصيل للإسلام و هو مشركو مكّة بل انقلبوا مسلمين و أصبحوا من عسكر الإسلام، فلذلك لا تكون المهاجرة بعد فتحها مطلوبة فقال صلّی اللّه عليه و آله: «لا هجرة بعد الفتح». بخلافها قبل الفتح.

و كيف كان، فهؤلاء المهاجرون الّذين كانت لهم هذه الفضائل قد أوقفوا أنفسهم لنصرة الدين الحنيف الّذي كان محتاجا إلی النصرة شديدا آن ذاك، فلذلك قد جعل هذه النصرة للدين من أوصافهم و كالهدف من مهاجرتهم حيث قال اللّه‏

                       

تعالی في وصفهم في سورة الحشر: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً وَ يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ* وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلی‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «1».

فالآية الاولی تصف المهاجرين بوصفين: أحدهما أنّهم ابتغوا و يبتغون فضلا من اللّه و رضوانا، و هذا الوصف راجع إلی ما كانوا يبتغون لأنفسهم من نيل المقامات العالية باتّباع الإسلام بعد تعلّم أحكامه و معالمه. و ثانيهما أنّهم ينصرون اللّه و رسوله، و هذه الصفة عبارتها الاخری أنّهم أوقفوا أنفسهم لخدمة الدين الحنيف و يكون مصداقها البيّن أنّهم يجاهدون في لواء الإسلام و إمامة النبيّ الأكرم في دفع من يهاجم علی الإسلام ثمّ يكونون تحت أمره فيجاهدون جهادا ابتدائيّا لدعوة الناس إلی الإسلام و خروجهم عن الكفر.

و الآية الثانية شرح لحال الأنصار الّذين آمنوا قبل مهاجرة اولئك و تبوّءوا لهم الدار و يحبّونهم و ربما جعلوهم أقدم علی أنفسهم.

كما أنّ الآية الثالثة بيان حال من جاء بعدهم و آمنوا بالرسول و دخلوا في الإسلام العزيز.

و قال تعالی أيضا في وصف المهاجرين و الأنصار: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَی النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «2».

فوصف كلتا الطائفتين بأنّهما اتّبعوا رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله في ساعة العسرة، و لا محالة هي ساعات يحوم الأعداء في حدوث الشدائد.

                       

و بالجملة: فالجهاد للدين الحنيف وصف بيّن للمهاجرين يصفهم القرآن به و يذكره أحد الهدفين الأصيلين من مهاجرتهم و لا محالة كان المسلمون أيضا يعرفونهم بهذا الوصف الأصيل.

فإذا قال الإمام عليه السّلام: «إنّما الجزية عطاء المهاجرين» كان المفهوم منه أنّ الجزية قد جعلت عطاء جهادهم و دفاعهم عن الإسلام و حيث إنّ التعرّض لهذا الحكم يكون في لسان الإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام و قد تفضّلا بزيادة بيان أنّ أهل الصدقات الواجبة لا نصيب لهم من الجزية بل حقّهم هو مجرّد تلك الصدقات يعلم من كلامهما، أنّهما ليسا في مقام بيان صرف ما كان حكما في أوّل الإسلام بل غرضهما بيان حكم الإسلام الحكم الدائمي الجاري بعد تلك الأوائل و في زمانهما و زماننا أيضا، و يشهد لهذا العموم أيضا صدر صحيح التهذيب المروي عن الباقر عليه السّلام فإنّ السائل سأل أوّل الأمر عن حكم الأراضي المفتوحة بعد رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و في زمن الخلفاء الثلاث و اجابه الإمام عليه السّلام بسيرة أمير المؤمنين عليه السّلام في أرض العراق الّتي من تلك الأراضي، فيعلم من هذه القرينة أيضا أنّ الحكم المعطوف عليه في الجزية أيضا حكم دائمي يكون حكما عمليا للإسلام بعد وفاة الرسول الأعظم و الأئمّة عليهم السّلام أيضا.

فمن هذه المقدّمة نعرف أنّ المراد بالمهاجرين ليس خصوص اولئك الأشخاص بل كلّ من أوقف نفسه لخدمة الإسلام و الجهاد فيه، فتدلّ الصحيحتان علی أنّ مصرف الجزية هم المجاهدون في سبيل اللّه و تكون نسخة المهاجرين متحدة المعنی لنسخة المجاهدين الّتي نقلها من لا يحضره الفقيه.

و الظاهر أنّ الأصحاب أيضا فهموا هذا المعنی من الصحيحة: فإنّ العلّامة- مثلا في المنتهی استدلّ لقوله بأنّ مصرف الجزية مصرف الغنيمة سواء للمجاهدين بصحيحة محمّد بن مسلم ناقلا لها عن الشيخ و هي صحيح التهذيب و لم يزد علی مجرّد نقل الحديث لفظا و هو لا يكون إلّا لانفهام العموم علی ما بيّنّاه.

و هكذا أنّ التعبير بأنّ الجزية لمن قام مقام المهاجرين كما عرفت التعبير به في كلمات جمع كثير من القدماء إشارة إلی أنّه لا خصوصية لأعيان المهاجرين الّذين‏

                       

عاشوا زمن النبيّ الأعظم صلّی اللّه عليه و آله بل الجزية إنّما هو لمن يفعل فعلهم و يجاهد في لواء الإسلام دفاعا أو ابتداء.

و حينئذ فحمل كلماتهم علی أنّهم بصدد بيان حكم زمن بسط يد الإمام المعصوم عليه السّلام- علی ما ربما يستظهر من الجواهر «1»- فبعيد جدّا و مخالف لظواهر كلماتهم و للمستفاد من الأخبار بعد التدبّر فيها.

ثمّ إنّه قد مضی عن العلّامة في التذكرة و المنتهی أنّه استدلّ أيضا لإثبات أنّ الجزية للمجاهدين بقوله: و لأنّه مال اخذ بالقهر و الغلبة فيكون مصرفه المجاهدين كالغنيمة في دار الحرب.

و نحن بعد التتبّع الأكيد لم نقف علی دليل يستفاد منه الكلّية المذكورة و أدلّة اختصاص غنيمة دار الحرب بمن قاتل عليها و غنمها مختصّة بنفس الغنيمة المنقولة و ليس فيها شائبة عموم بل إنّ من الأموال المأخوذة بالغلبة الأراضي المفتوحة عنوة، و قد عرفت أنّها لا تختصّ بالمقاتلين بل هي من أموال عامّة المسلمين، فالحقّ أنّ الدليل منحصر في الصحيحتين.

ثمّ إنّ الصحيحتين علی ما عرفت صرّحتا بأنّه ليس لأهل الصدقة و الزكاة الواجبة الّذين منهم الفقراء و المساكين من الجزية شي‏ء بل إنّما لهم الصدقات، كما أنّ ظاهر قولهما: «إنّهما الجزية عطاء المهاجرين» انحصار مصرفها بهم لا يجوز صرفها في غيرهم، و حينئذ فتجويز صرفها في سائر مصالح المسلمين- علی ما مرّ من المقنعة و المراسم- أو في الفقراء و المساكين- كما عرفته من السرائر- خلاف ظاهر الصحيحتين و صريحهما.

قال صاحب الرياض- بعد ذكر كلام الشيخ في النهاية بأنّها لمن قام مقام المهاجرين و كلام ابن إدريس بجواز إعطائها للفقراء و المساكين-: و النصّ كما تری خال من ذلك كلّه بل صريح في أنّ الفقراء و المساكين ليس لهم منها شي‏ء، و لعلّه لم يذكره الشيخ و لا الماتن مع موافقتهما له فيما عداه، و لعلّ مستندهم فيما

                       

ذكروه الإجماع أو نصّ لم نقف عليه، و يمكن الاستدلال لهم بنوع من الأخبار «1».

و أنا أقول: أمّا قول الشيخ في النهاية فقد عرفت عدم اختصاصه به، بل إنّ جمعا كثيرا من الأصحاب قد أفتوا فتواه، و قد مرّت دلالة الصحيحتين علی صحّة قولهم فلا حاجة لهم إلی دليل آخر من إجماع أو غيره، و أمّا قول ابن إدريس فهو ممّا تفرّد به في ما تتبّعناه، و حيث إنّه خلاف الأخبار المعتبرة المعمول بها فلا مجال لتقويته و لا للقول به. ثمّ نحن لم نعرف شيئا من هذا النوع من الأخبار الّتي أشار إليه.

ثمّ إنّ مقتضی الصحيحتين و إن كان اختصاص الجزية بالمجاهدين المعبّر عنهم بالمهاجرين و عموم المهاجرين شامل لكلّ من جاهد في سبيل اللّه علی ما عرفت من البيان إلّا أنّه قد قامت أخبار معتبرة علی عدم تعلّقها بمن يكون بدويا ساكنا في البدو و إنّما يشترك في الجهاد حين ما احتيج إلی اشتراكه و دعاه أولياء الامور إلی هذا الاشتراك.

1- ففي صحيح الحلبي- المروي في من لا يحضره الفقيه- قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأعراب أ عليهم جهاد؟ فقال: ليس عليهم جهاد إلّا أن يخاف علی الإسلام فيستعان بهم، فقال: فلهم من الجزية شي‏ء؟ قال: لا «2».

2- و في صحيح هشام بن سالم- المرويّ في الكافي- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الأعراب عليهم جهاد؟ قال: لا، إلّا أن يخاف علی الإسلام فيستعان بهم، قلت: فلهم من الجزية شي‏ء؟ قال: لا «3».

فهاتان الصحيحتان دلّتا علی عدم وجوب الجهاد علی الأعراب إلّا عند الضرورة و علی أنّهم ليس لهم من الجزية شي‏ء، و الأعراب- علی ما في التبيان و مجمع البيان- هم الّذين يسكنون البدو إذا كانوا مطبوعين علی العربية، و في لسان العرب: الأعرابي: البدويّ، و هم الأعراب، و الأعاريب جمع الأعراب. و فيه أيضا: قال- الأزهريّ-: و الأعراب: ساكنو البادية من العرب الّذين لا يقيمون في‏

                       

الأمصار و لا يدخلونها إلّا لحاجة، و العرب: هذا الجيل؛ لا واحد له من لفظه، و سواء أقام بالبادية و المدن: و النسبة إليهما أعرابي و عربي ... قال: و العرب: أهل الأمصار، و الأعراب منهم سكّان البادية خاصّة «1».

فحاصل مفاد الصحيحتين: أنّه ليس لمستوطن البوادي من جيل العرب شي‏ء من الجزية، و لا يبعد أن يستفاد منهما أنّ الجزية مختصّة بمن كان مستعدّا للشركة في الجهاد الابتدائي أو الدفاعي و لا تعمّ من هو مشتغل بأعماله الشخصيّة و إنّما يستعان به في الجهاد إذا حصل الاضطرار. و بعبارة اخری أنّ كون الإنسان من جيل العرب و ساكنا للبادية لا موضوعية له بل المسلم الّذي ليس من جيل العرب إذا سكن البادية كان حكمه حكم الأعراب، و هكذا المسلم سواء كان من العرب أو من العجم إذا سكن الأمصار إلّا أنّه لم يكن معدّا للشركة في أمر الجهاد و لو كان لاختصاص الاشتراك في الجهاد بطائفة خاصّة هم القوی المسلّحة كما في زماننا هذه فلا يجب علی مثله في غير موارد الاضطرار الجهاد و ليس له من الجزية شي‏ء.

فإذا لا حظنا الصحيحتين و طبّقناهما علی مثل زماننا كان حاصل المستفاد منهما أنّ الجزية من الأموال المختصّة بالقوات المسلّحة ليس منها لغيرهم شي‏ء، و هكذا أنّ الاشتراك في الجهاد يكون من وظائف هذه القوات إلّا في مواقع الاضطرار و استعانة أولياء الامور بغيرهم أيضا.

و ممّا ذكرنا تعرف أنّ الحكمين المذكورين لا يختصّان بخصوص من كان في زمن الرسول الأعظم صلّی اللّه عليه و آله أو في زمن الأئمّة المعصومين عليهم السّلام بل هما حكمان للإسلام دائميّان كسائر أحكامه.

و عدم اختصاصهما بزمن النبيّ الأعظم صلّی اللّه عليه و آله واضح فإنّ الإمام الصادق عليه السّلام صرّح بأنّهما حكم الإسلام حتّی في زمانه عليه السّلام، و أمّا عدم اختصاصهما بزمن حضور المعصومين عليهم السّلام فلأنّه مقتضی إطلاق دليلهما كسائر الأحكام.

و يشهد لتعميم الأمر بحسب الأزمان و الأجيال رواية حمّاد بن عيسی المرسلة

                       

المعمول بها عن أبي الحسن موسی بن جعفر عليهما السّلام، فقد جاء فيها: و ليس للأعراب من الغنيمة شي‏ء و إن قاتلوا مع الإمام، لأنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله صالح الأعراب أن يدعهم في ديارهم و لا يهاجروا علی أنّه إن دهم رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله من عدوّه دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم و ليس لهم في الغنيمة نصيب و سنّته جارية فيهم و في غيرهم «1».

فهو عليه السّلام قد حكی حديث مصالحة الرسول صلّی اللّه عليه و آله لجمع من الأعراب علی شرط خاصّ، إلّا أنّه استفاد منها و أفاد أن «ليس للأعراب من الغنيمة شي‏ء إن قاتلوا مع الإمام» فلم يذكر في هؤلاء الأعراب الّذين يعيشون لا محالة بعد الرسول الأعظم عقد هذا الصلح معهم و هم جماعة غير اولئك، و صرّح في ذيل الكلام بقاعدة كلّية هي قوله عليه السّلام: «و سنّته جارية فيهم و في غيرهم» و هذه القاعدة استفادة من سيرة الرسول صلّی اللّه عليه و آله و أنّها جارية في غيرهم بمعنی أنّ مورد سنّته و إن كان أعرابا خاصّا إلّا أنها جارية في غيرهم ممّن كانت أوصافهم أوصاف اولئك الأعراب أيضا، فكلّ من كان في البادية و لم يكن في عداد أهالي الأمصار فلا يجب عليه الحضور في الجهاد و ليس له إذا قاتل مع وليّ الأمر في الغنيمة نصيب، فغير العرب أيضا إذا كانوا ساكنين في البوادي حكمهم حكم اولئك الأعراب، و هو دليل علی عموم مفاد سيرة الرسول الأعظم صلّی اللّه عليه و آله كما بيّنّاه.

بل إنّ هذه السيرة إذا لو حظت في مثل زماننا الّذي يكون أمر الجهاد إلی قوات خاصّة مسلحة استفيد منها أنّ من كان من العرب أو العجم مستوطنا في الأمصار إلّا أنّه مشتغل بأعماله الشخصية و ليس من القوی المسلّحة فلا يجب الجهاد عليه إلّا عند الاضطرار و الاستعانة به، و أنّه إذا اشترك في الجهاد فليس له من الغنيمة نصيب.

و قريب من هذه المرسلة في الدلالة علی التعميم بلحاظ مجرّد الأزمان صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي الواردة في محاجّة أبي عبد اللّه عليه السّلام لقوم من المعتزلة حيث استدلّ بسيرة رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله في الأعراب الّتي صالحهم علی أن لا يشتركوا في الجهاد إلّا في مواقع الضرورة و أن لا يكون لهم إذا اشتركوا أيضا في‏

                       

الغنيمة نصيب علی أنّ سيرته تجري بعده في مطلق الأعراب «1».

و بالجملة: فالمستفاد من الصحيحتين ما ذكرناه من التعميم و هاتان الروايتان أيضا تشهدان له، و اللّه العالم.

و أمّا ما ربما يستفاد من مرسل الدعائم عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّه سئل عن الأعراب هل عليهم جهاد؟ قال: لا إلّا أن ينزل بالإسلام أمر- و أعوذ باللّه- يحتاج فيه إليهم. و قال: ليس لهم من الفي‏ء شي‏ء ما لم يجاهدوا» «2». حيث يمكن أن يقال: إنّ قوله في آخر الحديث: «ما لم يجاهدوا» يدلّ بالمفهوم أنّ الأعراب إذا جاهدوا فلهم من الفي‏ء نصيب، فهو علی تسليمه معارضة له لصحيح عبد الكريم و حديث حمّاد إذ الفي‏ء ظاهر في ما رجع إلی المقاتلين بالقتال و الظفر بالعدوّ و لا يشمل الجزية أصلا مع أنّه مرسل لا اعتبار بسنده و لا اعتماد أصلا.

و ليكن هذا تمام الكلام في البحث عن الجزية. و الحمد للّه ربّ العالمين.

                       

الأمر الثالث و الرابع من الأموال الّتي لعامّة المسلمين الأموال المنقولة الّتي تغتنم من الكفّار و لم تكن ممّا حواه العسكر و هكذا الاسراء الّذين هم أيضا كذلك‏

و توضيح المقام: أنّه لا كلام عند الأصحاب أنّ ما يغتنم من الكفّار بعد أن ظهر عليهم جند الإسلام ممّا كان معهم و حواه عسكرهم من الأموال المنقولة و هكذا كلّ من أخذ منهم ممّن كان يقاتل المسلمين أو كان معهم من النساء و الذراري فاسروا فهي بعد إخراج الخمس و سائر ما يؤخذ من الغنائم فهي كلّها للمقاتلين، و لمكان اختصاصها بهم و لم تكن بيد وليّ الأمر و من أمواله و لا ملكا لعامّة المسلمين فلذلك لم نتعرّض لها.

كما أنّه قد عرفت أنّ غير المنقول من الأراضي و العقار و المساكن و نحوها الّتي تؤخذ منهم فهي داخلة في الأراضي المفتوحة عنوة و هي للمسلمين قاطبة.

و أمّا من اسر منهم من النساء و الذراري و غيرهم ممّن لم يكن في عسكرهم و هكذا الأموال المنقولة الّتي تغتنم منهم و قد كانت في بلادهم و دورهم و لم تحوها العسكر فهل هي مختصّة بعد إخراج الخمس عنها بالمقاتلين أم كانت من أموال المسلمين قاطبة؟

 [نقل كلمات الأصحاب في المسألة]

و اللازم أوّلا ملاحظة أقوال الأصحاب ثمّ التبيّن عمّا تقتضيه الأدلّة فنقول:

إنّ الرجوع إلی كلماتهم يعطي أنّهم هنا علی مسلكين: فجمع منهم أفتوا بأنّ الغنائم الّتي حواها عسكر الكفّار للمقاتلين و الّتي لم يحوها العسكر لعامّة

                       

المسلمين من دون تفريق بين الاساری و الأموال الاخر. كما أنّ جمعا آخر صرّحوا بأنّ الأموال المنقولة سواء فيها الأسری و الأموال الاخر و سواء اخذت من العسكر أو من دورهم و بلادهم فهي للمقاتلة خاصّة و أنّ ما لقاطبة المسلمين هي خصوص الأموال غير المنقولة الّتي قد يعبّر عنها بالمفتوحة عنوة.

و يوجد فيهم جمع آخر عبّروا بأنّ ما حواه العسكر للمقاتلين خاصّة من دون تعرّض، لأنّ ما لم يحوه العسكر لمن هو؟ و إليك نصّ عباراتهم:

أمّا الجمع الأوّل:

1- فقد قال الشيخ في باب من يجب قتاله من جهاد النهاية: كلّ من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفّار يجب مجاهدتهم و قتالهم، غير أنّهم ينقسمون قسمين: قسم لا يقبل منهم إلّا الإسلام و الدخول فيه أو يقتلون و تسبی ذراريهم و تؤخذ أموالهم، و هم جميع أصناف الكفّار إلّا اليهود و النصاری و المجوس.

و القسم الآخر هم الّذين تؤخذ منهم الجزية، و هم الأجناس الثلاثة الّذين ذكرناهم، فإنّهم متی انقادوا للجزية و قبلوها و قاموا بشرائطها لم يجز قتلاهم و لم يسغ سبي ذراريهم، و متی أبوا الجزية أو أخلّوا بشرائطها كان حكمهم حكم غيرهم من الكفّار في أنّه يجب عليهم القتل و سبي الذراري و أخذ الأموال «1».

فهو قدّس سرّه في هذه العبارات قد تعرّض لما يؤخذ من الكفّار من الغنائم و أنّها جميع أموال غير أهل الكتاب بلا شرط و أموال أهل الكتاب أيضا إذا أبوا الجزية أو أخلّوا بشرائها و أنّه يقتل أنفسهم مطلقا أو بالشرط حسب المورد و يؤخذ ذراريهم فيكونون اساری و كانوا من الغنائم و لم يتعرّض لأنّ هذه الغنائم لمن هو؟

ثمّ قال- في باب قسمة الفي‏ء و أحكام الاساری- منها: كلّ ما غنمه المسلمون من المشركين ينبغي للإمام أن يخرج منه الخمس ... و الباقي علی ضربين: ضرب منه للمقاتلة خاصّة دون غيرهم من المسلمين، و ضرب هو عامّ لجميع المسلمين مقاتلتهم و غير مقاتلتهم، فالّذي هو عامّ لجميع المسلمين فكلّ ما عدا ما حواه العسكر من‏

                       

الأرضين و العقارات و غير ذلك فإنّه بأجمعه في‏ء للمسلمين من غاب منهم و من حضر علی السواء. و ما حوی العسكر يقسّم بين المقاتلة خاصّة و لا يشركهم فيه غيرهم «1».

و كلامه هذا إذا ضمّ إلی ما قد سبق ممّا حكيناه يدلّ علی أنّ جميع الغنائم من المشركين ينقسم إلی ما حواه العسكر فيكون للمقاتلة خاصّة و إلی ما لم يحوه فيكون لعامّة المسلمين، و قد صرّح في عبارته السابقة بأن الاسراء أيضا من جملة الغنائم فيجري فيهم أيضا هذا التفصيل.

ثمّ إنّ موضوع كلامه الثاني و إن كان خصوص ما يغنم من المشركين إلّا أنّه قد صرّح في عبارته الاولی بأنّ حكم أهل الكتاب أيضا حكم غيرهم من الكفّار إذا أبوا الجزية أو أخلّوا بشرائطها فلا محالة يجري هذا التفصيل في غنائم أهل الكتاب أيضا.

و كيف كان، فعبارته الثانية شاملة للاسراء و لم يذكر بعدها ما ينافي هذا الشمول، فشمولها متبع كما لا يخفی، هذا كلامه في النهاية.

و أمّا في الخلاف فقال في كتاب الفي‏ء و قسمة الغنائم منه: مال الغنيمة لا يخلو من ثلاثة أحوال: ما يمكن نقله و تحويله إلی بلد الإسلام مثل الثياب و الدراهم و الدنانير و الأثاث و العروض، أو يكون أجساما مثل النساء و الولدان، أو كان ممّا لا يمكن نقله كالأرض و العقار و البساتين. فما يمكن نقله يقسّم بين الغانمين بالسويّة ...- ثمّ نقل خلاف العامّة. ثمّ قال:- دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم «2».

فموضوع كلامه في هذه المسألة ما يمكن نقله إلی بلد الإسلام، و قد حكم عليه بتقسيمه بين خصوص الغانمين و ادّعی عليه إجماع الفرقة، و هو مطلق يشمل ما حواه العسكر و غيره، لا سيّما و قد فسّر الغنيمة في أول الكتاب بقوله: «كلّ ما يؤخذ بالسيف قهرا من المشركين يسمّی غنيمة بلا خلاف» «3». فإنّه أيضا عامّ يشمل ما اخذ و قد حواه العسكر و غيرها، فلا يبعد أن يسند إليه التعميم هنا في ما يمكن نقله كما يأتي عن مبسوطه.

                       

ثمّ قال: الأسير علی ضربين: ضرب يؤسر قبل أن تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ...

و أسير يؤخذ بعد أن تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها- فذكر قتل الأوّل و إبقاء الثاني «1»- و لم يتعرّض لأنّ مالك الاسراء من هو؟

ثمّ قال: ما لا ينقل و لا يحوّل من الدور و العقارات و الأرضين ... إلی آخره «2».

فذكر أنّها مفتوحة عنوة و لجميع المسلمين.

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)
محتوای بیشتر در این بخش: « قسمة11 قسمة13 »

پیام هفته

مصرف گرایی بلای جامعه برانداز
قرآن : وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الأَکْبَرِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ  (سوره سجده، آیه 21)ترجمه: به آنان از عذاب نزدیک (عذاب این دنیا) پیش از عذاب بزرگ (آخرت) مى چشانیم، شاید باز گردند.توضیح : مصرف گرایی بدون تولید مناسب سبب می شود تا قیمت ها در جامعه افزایش پیدا کند و گرانی (که در احادیث به عنوان یکی از عذابهای دنیوی عنوان شده) در جامعه شایع شود.حدیث: وَ لِلّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِبَادٌ مَلاعِينُ مَنَاكِيرُ لا يَعِيشُونَ وَ لا يَعِيشُ النَّاسُ فِي أكْنَافِهِمْ وَ هُمْ فِي عِبَادِهِ بِمَنْزِلَة الْجَرَادِ لا يَقَعُونَ عَلَي شَيْ‏ءٍ إلاّ أتَوْا عَلَيْهِ. (اصول کافی،...

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید