الدرس‌ السادس‌ والاربعون‌

الدرس‌ السادس‌ والاربعون‌:

 الشيعة‌ تري‌ الحاكم‌ جائز الخطأ في‌ حكمه‌ بينما العامّة‌ تري‌ حكمه‌ لازم‌ التنفيذ

 

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ ا لآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی العَظِيمِ

 

 لقد بيّنا فيما سلف‌ أنَّ أحكام‌ الحاكم‌ ومرجع‌ التقليد والقاضي‌ مجرّد أمارة‌ علی الواقع‌، ولاموضوعيّة‌ لها. ولذلك‌ فهم‌ يستطيعون‌ العدول‌ عن‌ الحكم‌ الذي‌ يحكمونه‌ أو النظريّة‌ التي‌ يعطونها؛ فإذا ثبت‌ للحاكم‌ أو القاضي‌ أنَّ حكمه‌ لم‌ يكن‌ مطابقاً للواقع‌ وقد اقتضته‌ بعض‌ الظواهر والقرائن‌ فوقع‌ فيه‌ اشتباه‌، فعليه‌ أن‌ يرجع‌ عنه‌ فوراً ويلتزم‌ بما هو الواقع‌. وكذلك‌ إذا أفتي‌ المرجع‌ بفتوي‌ معيّنة‌ ثمّ اتّضح‌ أنَّ فيها خدش‌ ما، فعليه‌ أن‌ يعدل‌ من‌ نظره‌ ورأيه‌، إذ لا موضوعيّة‌ له‌، وأ نَّه‌ لا يملك‌ سوي‌ الطريقيّة‌. وهذا هو معني‌ الطريقيّة‌ أيضاً.

 والمسألة‌ في‌ القاضي‌ أيضاً بهذا النحو، فلو حكم‌ القاضي‌، ثمّ اتّضح‌ أنَّ ثمّة‌ اشتباه‌ في‌ حكمه‌ هذا. فعليه‌ الرجوع‌.

 الرجوع الي الفهرس

استفادة‌ المحاكم‌ الثلاث‌ من‌ عهد الإمام‌ لمالك‌ الاشتر

 توجد ثلاث‌ محاكم‌ بين‌ المحاكم‌ المتعارفة‌ اليوم‌: المحكمة‌ الابتدائيّة‌، التي‌ يرجع‌ إليها المتداعيان‌ فيقوم‌ القاضي‌ بالحكم‌ لاحدهما علی ا لآخر. ثمّ محكمة‌ الاستئناف‌، وهي‌ مترتّبة‌ علی المحكمة‌ الاُولي‌، بحيث‌ لو اعترض‌ مَنْ عَلَيْهِ الحُكْم‌ فبإمكانه‌ الرجوع‌ إلی محكمة‌ الاستئناف‌ التي‌ هي‌ عبارة‌ عن‌ تجديد نظر ذلك‌ القاضي‌ في‌ حكمه‌ السابق‌. وعليه‌، فأمّا أن‌ يمضي‌ حكمه‌ السابق‌، أو يردّه‌ ويصحّحه‌. وإذا كان‌ الحكم‌ قابلاً للتأمّل‌ في‌ محكمة‌ الاستئناف‌ ـعلی الرغم‌ من‌ ثبوت‌ حكم‌ القاضي‌ الاوّل‌ـ فثمّة‌ محكمة‌ أعلی من‌ جميع‌ هذه‌ المحاكم‌، وهي‌ محكمة‌ التمييز، أو الديوان‌ الع إلی. إذ يوجد في‌ محكمة‌ التمييز والديوان‌ الع إلی أشخاص‌ أعلی رتبة‌ من‌ قضاة‌ المحاكم‌، يقومون‌ بالنظارة‌ علی أحكامهم‌، ويرجع‌ إليهم‌ من‌ عنده‌ اعتراض‌ علی أحكام‌ المحكمة‌ السابقة‌؛ فيقوم‌ المتصدّون‌ بتجديد النظر في‌ الاحكام‌ الصادرة‌. وعندئذٍ، فأمّا أن‌ يبّتوا الحكم‌ السابق‌ أو يصدروا حكماً جديداً.

 وجميع‌ هذه‌ الدواوين‌ الثلاثة‌ مستفادة‌ من‌ كلام‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ عهده‌ لمالك‌ الاشتر. وقد بيّنا أنَّ أصل‌ هذا العهد قد وقع‌ بأيدي‌ الاُوروبّيّين‌ في‌ الاندلس‌ بعد زوال‌ الحكومة‌ الامويّة‌، فقاموا بترجمته‌ إلی اللغات‌ المختلفة‌ قبل‌ أن‌ يصل‌ مضمونه‌ إلينا! وقد شكّلوا محاكمهم‌ وإداراتهم‌ علی أساسه‌. فالمحاكم‌ الموجودة‌ في‌ عالمنا اليوم‌( أعمّ من‌ المحاكم‌ الابتدائيّة‌ والاستئناف‌ والتمييز) ـمنها محاكمنا أيضاً قد بُنيت‌ علی أساس‌ تلك‌ التنظيمات‌ الاُوروبّيّة‌ والغربيّة‌ـ هي‌ في‌ الواقع‌ متّخذة‌ من‌ عهد أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ هذا.

 وهذا يدلّ علی أنَّ القاضي‌ يستطيع‌ أن‌ يعدل‌ عن‌ حكمه‌ فيما إذا وقع‌ في‌ الاشتباه‌، وعليه‌ الرجوع‌ عن‌ حكمه‌ السابق‌، وأنَّ حكم‌ القاضي‌ لاموضوعيّة‌ له‌، وإنَّما هو طريق‌ محض‌ للواقع‌.

 لقد بيّنا هذا العهد إجمالاً فيما مضي‌، وما يهمّنا هنا الفقرة‌ القائلة‌:

 ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي‌ نَفْسِكَ مِمَّنْ لاَتَضِيقُ بِهِ الاُمُورُ، وَلاَتُمْحِكُهُ الخُصُومُ، وَلاَ يَتَمَادَي‌ فِي‌ الزَّلَّةِ، وَلاَيَحْصَرُ مِنَ الفَيْءِ إلَی الحَقِّ إذَا عَرَفَهُ.

 إذ من‌ الممكن‌ للإنسان‌ أن‌ يزلّ، وعندئذٍ فالتمادي‌ في‌ الزلل‌ غيرصحيح‌؛ فإذا فهم‌ القاضي‌ أ نَّه‌ قد زلّ في‌ المسألة‌، فـ لايَتَمادَي‌ فيها، وَلابُدَّ وَأنْ يَرْجِعَ.

 وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الفَي‌ءِ إلَی الحَقِّ إذَا عَرَفَهُ. الحصر بمعني‌ ضيق‌ الصدر، فلاينبغي‌ للقاضي‌ أن‌ يضيق‌ صدره‌ أو ينزعج‌ من‌ الرجوع‌ إلی الحقّ عندما يعرفه‌، ولايقول‌ إنّي‌ قد حكمت‌ ولا أرجع‌ عن‌ حكمي‌، فلاينبغي‌ أن‌ يكون‌ الامر بهذا النحو. فعندما يعلم‌ القاضي‌ أ نَّه‌ قد صدرت‌ منه‌ زلّة‌ فعليه‌ أن‌ يفي‌ء إلی الحقّ، أي‌ يرجع‌ إليه‌ بسرعة‌، وعندما يجد إشارةً ودليلاً علی خلاف‌ حكمه‌ الاوّل‌، أو إذا أقام‌ مَنْ عَلَيْهِ الحَقّ شواهد حيّة‌ لصالحه‌، فعليه‌ أن‌ يرجع‌ عن‌ حكمه‌ الاوّل‌. وهذا نفس‌ عمل‌ ودور محكمة‌ الاستئناف‌ التي‌ قد أُسّست‌ هذه‌ الايّام‌ علی أساس‌ توجيه‌ كلام‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌. ثمّ يستمر الإمام‌ عليه‌ السلام‌ في‌ كلامه‌ إلی أن‌ يقول‌:

 ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ. أي‌ ابذل‌ الجهد واعمل‌ واسْعَ في‌ البحث‌ والتفحّص‌ عن‌ أحكام‌ وقضاء القضاة‌، وانظر في‌ كيفيّة‌ قضاوتهم‌ ومدي‌ صحّتها.

 نعلم‌ بشكل‌ مسلّم‌ أن‌ لا موضوعيّة‌ لصرف‌ وتعاهد القضاء والفحص‌ والمخالفة‌؛ وإنَّما يكون‌ ذلك‌ لرفع‌ الاشتباه‌ فيما لو حصل‌ في‌ حكم‌ القضاة‌، وللاطّلاع‌ والتأكّد من‌ اعتدال‌ حالة‌ القاضي‌ وعدم‌ انفعاله‌ أثناء الحكم‌، وعدم‌ ارتشائه‌ فيه‌. فإذا لم‌ يكن‌ الامر كذلك‌ وكان‌ ثمّة‌ اشتباه‌ ما، فيجب‌ أن‌ يُردّ ذلك‌ الحكم‌. فإنَّما قوله‌ عليه‌ السلام‌: أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ، ليتمّ إصلاح‌ الاشتباه‌ الحاصل‌ من‌ القضاة‌، فيما لو كان‌ قابلاً للإصلاح‌ والرجوع‌ في‌ المحكمة‌ العليا لولي‌ الامر. وليقوم‌ أُولئك‌ القضاة‌ المنصوبين‌ في‌ محكمة‌ التمييز( من‌ ذوي‌ المقام‌ الرفيع‌ والصلاحيّة‌ الواسعة‌ في‌ مجال‌ القضاء) بمراجعة‌ أُولئك‌ القضاة‌ لمعالجة‌ الاشتباه‌ الحاصل‌ منهم‌.

 وعلی هذا، فالمستفاد ممّا ذكر: أنَّ حكم‌ القاضي‌ قابل‌ للردّ، وذلك‌ لا نَّه‌ طريق‌، والطريق‌ تخطي‌ تارة‌ وتصيب‌ أُخري‌، وليس‌ من‌ الصواب‌ التمادي‌ في‌ الاشتباه‌؛ ويجب‌ الرجوع‌ عن‌ حكم‌ القاضي‌ في‌ كلّ مورد اطّلع‌ هو أو اطّلعت‌ المحكمة‌ العليا علی اشتباهه‌ فيه‌.

 وهذا المطلب‌ الذي‌ بيّناه‌ يتعلّق‌ بتتمّة‌ رجوع‌ الحاكم‌ أو الفقيه‌ عن‌ حكمه‌.

 الرجوع الي الفهرس

يعتبر العامّة‌ الولاة‌ الجائرين‌ والظالمين‌ أُولي‌ الامر ويجب‌ اتّباعهم‌

متكلّمو العامّة‌ يُعذرون‌ مَن‌ يمارس‌ الظلم‌ من‌ قِبَل‌ حكام‌ الجور

 أمّا فيما يتعلّق‌ بتلك‌ المسألة‌ التي‌ طُرحت‌، فقد وصلنا بالبحث‌ بذكر رواية‌ عن‌ « الغدير » من‌ طريق‌ العامّة‌ تُفيد أنَّ حكم‌ الحاكم‌ محترم‌ حتّي‌ وإن‌ كان‌ جانياً وجائراً، وحتّي‌ لو كان‌ مغتلساً لاموال‌ الناس‌ ويضربهم‌، وينتهك‌ أعراضهم‌، ويمارس‌ أنواع‌ الفحشاء والمنكرات‌؛ فعلی جميع‌ الاُمّة‌ أن‌ تُطيع‌ أمره‌ وتسمع‌ له‌، ولايحقّ لاحد أن‌ يقوم‌ ضدّه‌، وعلی الجميع‌ أن‌ يكونوا مطيعين‌ له‌ بشكل‌ تامّ.

 الرواية‌ الثانية‌: عن‌ مالك‌ الاشجعي‌ّ؛ قال‌: سمعت‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ يقول‌:

 خيارُ أئِمَّتِكُمُ: الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ؛ وَشِرارُ أئِمَّتِكُمُ: الَّذِينَ تُبْغِضونَهُمْ وَيُبْغِضونَكُمْ، وَتَلْعَنونَهُمْ وَيَلْعَنونَكُمْ.

 قالَ: قُلْنا: يا رَسولَ اللَهِ! أفَلاَ نُنابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قالَ: لاَ! ما أقَامُوا فيكُمُ الصَّلاَةَ. ألاَ وَمَنْ وَلِي‌َ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي‌ شَيْئَاً مِنْ مَعصيَةِاللَهِ فَلْيَكْرَهْ ما يَأْتي‌ مِنْ مَعْصيَةِ اللَهِ وَلاَ تَنْزِعَنَّ يَداً مِنْ طاعَةٍ.[1]

 الرواية‌ الثالثة‌: سأل‌ سلمة‌ بن‌ يزيد الجعفي‌ّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 يا رسول‌ الله‌! إنْ قامَتْ عَلَيْنا أُمَراءُ يَسْأَلونَنا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعونَنا حَقَّنا فَما تَأْمُرُنا؟! قالَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ؛ ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقالَ: اسْمَعوا وَأطِيعُوا! فَإنَّما عَلَيْهِمْ ماحُمِّلوا وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ.[2]

 الرواية‌ الرابعة‌: عن‌ المقداد أنَّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌: أطيعوا أُمَرَاءَكُمْ مَا كَانَ؛ فَإنْ أمَروكُمْ بِما حَدَّثْتُكُمْ بِهِ فَإنَّهُمْ يُؤْجَرونَ عَلَيْهِ وَتُؤْجَرونَ بِطاعَتِكُمْ. وَإنْ أمَروكُمْ بِشَي‌ءٍ مِمَّا لَمْ آمُرْكُمْ بِهِ فَهُوَ عَلَيْهِمْ، وَأنْتُمْ مِنْهُ بُرَاءُ.

 ذَلِكَ بِأَ نَّكُمْ إذا لَقِيتُمُ اللَهَ قُلْتُمْ: رَبَّنَا! لاَ ظُلْمَ. فَيَقولُ: لاَظُلْمَ. فَيَقولونَ: رَبَّنَا أَرْسَلْتَ إلَيْنا رُسُلاً فَأَطَعْنَاهُمْ بِإذْنِكَ؛ وَاسْتَخْلَفْتَ [3] عَلَيْنا خُلَفاءَ فَأَطَعْناهُمْ بِإذْنِكَ؛ وَأمَّرْتَ عَلَيْنا أُمَراءَ فَأَطَعْناهُمْ. قالَ: فَيَقولُ: صَدَقْتُمْ، هُوَ عَلَيْهِمْ وَأنْتُمْ مِنْهُ بُرَاءُ! [4]

 لاحظوا مدي‌ الوضع‌ في‌ هذه‌ الرواية‌! وَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا خُلَفَاَ. فمتي‌ استخلف‌ الله‌ عليهم‌ خلفاء كهؤلاء وأمرهم‌ بإطاعتهم‌؟! لقد تركوا الخلفاء المعصومين‌ جانباً وأتوا بهؤلاء إلی السلطة‌ واعتبروهم‌ واجبي‌ الطاعة‌! فكانت‌ نتيجة‌ عملهم‌ أن‌ يدفعوا ضريبة‌ ما جنوه‌ بأنفسهم‌.

 الخامسة‌: عن‌ سويد بن‌ غفلة‌ قال‌: إنَّ عمر بن‌ الخطّاب‌ قال‌ لي‌:

 يَا أَبَا أُمَيَّةَ! لَعَلَّكَ أنْ تَخْلِفَ بَعْدي‌؛ فَأَطِعِ الإمَامَ وَإنْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيَّاً! إنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإنْ أمَرَكَ بِأَمْرٍ فَاصْبِرْ، وَإنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ، وَإنْ ظَلَمَكَ فَاصْبِرْ؛ وإنْ أمَرَكَ بِأَمْرٍ يُنْقِصُ دينَكَ فَقُلْ: سَمْعٌ وَطَاعَةٌ، دَمِي‌ دُونَ ديني‌.[5]

 فلا عليك‌ أن‌ تبذل‌ دمك‌ حفاظاً للدين‌؛ فإذا رأيت‌ أمراً يوجب‌ نقصان‌ دينك‌ فقل‌ سمعاً وطاعة‌؛ أي‌ يجب‌ أن‌ تظلّ هاتان‌ الكلمتان‌ علی شفتيك‌ حتّي‌ لو كان‌ ذلك‌ يُسبّب‌ نقصان‌ دينك‌!

 فهذه‌ خمس‌ روايات‌ نقلها العلاّمة‌ الاميني‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه[6]‌؛ وأنقل‌ لكم‌ رواية‌ أُخري‌ شبيهة‌ جدّاً بهذه‌ الروايات‌:

 روي‌ الماوردي‌ّ في‌ « الاحكام‌ السلطانيّة‌ والولايات‌ الدينيّة‌ » ص‌5، عن‌ هشام‌بن‌ عروة‌، عن‌ أبي‌ صالح‌، عن‌ أبي‌ هريرة‌، روي‌ عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ أنَّه‌ قال‌:

 سَيَليكُمْ بَعْدي‌ وُلاَةٌ فَيَلِيكُمُ البَرُّ بِبِرِّهِ وَيَليكُمُ الفَاجِرُ بِفجُورِهِ؛ فَاسْمَعوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا في‌ كُلِّ مَا وَافَقَ الحَقَّ. فَإنْ أحْسَنوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ؛ وَإنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ.[7]

 وبعد أن‌ ينقل‌ المرحوم‌ الاميني‌ّ الروايات‌ الخمس‌ عن‌ الباقلاّني‌ّ ينقل‌ أيضاً في‌ ذيلها شرحاً للباقلاّني‌ّ في‌ تفسيرها وبيانها، حيث‌ يقول‌ في‌ تتمّة‌ كلامه‌: لايجوز أن‌ يُعزل‌ الإمام‌ بسبب‌ فسقه‌، فكلّ من‌ كان‌ حاكماً حتّي‌ لو فسق‌ لايجوز عزله‌.

 ثمّ يذكر الباقلاّني‌ّ كلام‌ النووي‌ّ في‌ « شرح‌ مسلم‌ » الذي‌ يذكره‌ في‌ هامش‌ « إرشاد الساري‌ في‌ شرح‌ صحيح‌ البخاري‌ّ » الجزء الثامن‌، الصفحة‌ السادسة‌ والثلاثين‌، في‌ ذيل‌ هذه‌ الاحاديث‌ التي‌ رواها عن‌ طرق‌ مسلم‌، من‌ أ نَّه‌ يُبيّن‌ معني‌ الحديث‌ بهذا النحو:

 لا تَنازَعوا وُلاَةَ الاُمورِ فِي‌ وِلاَيَتِهِمْ، وَلاَ تَعْتَرِضوا عَلَيْهِمْ إلاَّ أنْ تَرَوْا مِنْهُمْ مُنْكَراً مُحَقَّقاً تَعْلَمونَهُ مِنْ قَواعِدِ الإسْلاَمِ. فَإذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْكِروهُ عَلَيْهِمْ؛ وَقُولُوا بِالحَقِّ حَيْثُما كُنْتُمْ. وَأَمَّا الخُروجُ عَلَيْهِمْ وَقِتالُهُمْ فَحَرامٌ بِإجْماعِ المُسْلِمينَ وَإنْ كَانُوا فَسَقَةً ظالِمينَ.

 ويقول‌ في‌ تتمّة‌ كلامه‌: وَقَدْ تَظاهَرَتِ الاَحَادِيثُ بِمَعْنَي‌ مَا ذَكَرْتُهُ؛ وَأجْمَعَ أهْلُ السُّنَّةِ أ نَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ السُّلْطانُ بِالفِسْقِ. إلَی أنْ قَالَ: فَلَوْ طَرَأَ عَلَیالخَليفَةِ فِسْقٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ خَلْعُهُ إلاَّ أنْ تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ وَحَرْبٌ. وَقَالَ جَماهِيرُ أهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ وَالمُتَكَلِّمينَ: لاَيَنْعَزِلُ بِالفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَتَعْطِيلِ الحُقوقِ، وَلاَيُخْلَعُ، وَلاَيَجوزُ الخُروجُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ بَلْ يَجِبُ وَعْظُهُ وَتَخْويفُهُ.

 ثمّ نقل‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ عن‌ التفتازاني‌ّ في‌ « شرح‌ المقاصد » ص‌272 أ نَّه‌: إذا مات‌ الإمام‌ وتصدّي‌ للإمامة‌ مَن‌ يستجمع‌ شرائطها من‌ غيربيعة‌ واستخلاف‌، وقهر الناس‌ بشوكة‌ انْعَقَدَتْ لَهُ الخِلافَةُ، وَكَذا إذَا كَانَ فَاسِقَاً أَوْ جَاهِلاً عَلَیالاَظْهَر.

 قال‌ في‌ البدء: تَصَدَّي‌ لِلإمامَةِ مَنْ يَسْتَجْمِعُ شَرائِطَها؛ حتّي‌ ولو كان‌ بالقهر والقوّة‌. ثمّ قال‌ بعد ذلك‌: حتّي‌ إذا كان‌ غير مستجمع‌ لشرائط‌ الإمامة‌ أيضاً( فلم‌يكن‌ عادلاً ولم‌يكن‌ عالماً)؛ فإذا جاء واستلم‌ الحكومة‌ بقوّة‌ السيف‌، فحكومته‌ وإمامته‌ ممضاة‌ علی الاكثر؛ إلاِّ أ نَّهُ يَعْصي‌ فِيمَا فَعَلَ. وَيَجِبُ طاعَةُ الإمامِ ما لَمْ يُخالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ سَواءٌ كانَ عادِلاً أوْ جائِراً.

 وأضاف‌ قائلاً: إنَّه‌ قد ذكر نظير هذا الامر القاضي‌ الإيجي‌ّ في‌ « المواقف‌ »، وأبو الثناء في‌ « مطالع‌ الانظار »، وكذلك‌ من‌ شرّاح‌ « المواقف‌ »: السيّد الشريف‌ الجرجاني‌ّ، والمولي‌ حسن‌ الچلبي‌ّ، والشيخ‌ مسعود الشيرواني‌ّ، وكذلك‌ الماوردي‌ّ في‌ « الاحكام‌ السلطانيّة‌ »، والجويني‌ّ في‌ « الإرشاد »، والقرطبي‌ّ في‌ تفسيره‌.

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ الاميني‌ّ حول‌ عواقب‌ الالتزام‌ بمعذوريّة‌ حكّام‌ الجور

 يقول‌ المرحوم‌ الاميني‌ّ: لقد حلّ في‌ الإسلام‌ كلّ هذه‌ المشاكل‌ والمصائب‌ بسبب‌ هذه‌ الروايات‌، ثمّ يقوم‌ بشرح‌ مُشبع‌ عن‌ العواقب‌ الفاسدة‌ لهذا الامر.

 وهذه‌ الروايات‌ التي‌ تقول‌: إنَّ الحاكم‌ إذا كان‌ جائراً فإنَّه‌ لاينعزل‌، ولاحقّ للناس‌ بالاعتراض‌، وحتّي‌ لو قام‌ بضربهم‌ وأخذ أموالهم‌ والاعتداء علی شرفهم‌، فلاحقّ لهم‌ بالخروج‌ عليه‌، وإنَّما عليهم‌ أن‌ يكونوا تحت‌ أمره‌ بالسمع‌ والطاعة‌. كانت‌ نتيجتها مجي‌ء هؤلاء الخلفاء واحداً بعد ا لآخر، وارتكابهم‌ لاي‌ّ جريمة‌ شاؤوا.

 وهنا يكرّر المرحوم‌ الاميني‌ّ القول‌: علی هذا الاساس‌ صار الامر بهذا النحو، وعلی هذا الاساس‌ جرت‌ الاُمور بهذا الشكل‌.

 وَعلی هَذا الاَساسِ تَمَكَّنَ مُعاوِيَةُ بنُ أبي‌ سُفْيانَ مِنْ أنْ يَجْلِسَ بِالكُوفَةِ لِلبَيْعَةِ وَيُبايِعَهُ النَّاسُ عَلَیالبَراءَةِ مِنْ علی بْنِ أبي‌ طالِبٍ.[8]

 فقد كان‌ هذا هو شرط‌ بيعة‌ معاوية‌، إذ جاء وتسلّط‌ علی الناس‌ بالقوّة‌، وبيعته‌ هذه‌ أيضاً ـ بناءً علی هذه‌ الروايات‌ـ بيعة‌ شرعيّة‌ وممضاة‌، وعلی الناس‌ أيضاً أن‌ يسمعوا ويطيعوا، وبما أ نَّه‌ حكم‌ حاكم‌ فلا حقّ لهم‌ بالخروج‌ عليه‌ وقتاله‌، وعليهم‌ أن‌ يقولوا سمعاً وطاعة‌، وإن‌ كان‌ قد اشترط‌ في‌ بيعته‌ سبّ علیبن‌ أبي‌ طالب‌!

 وعلی هذا الاساس‌ أقرّ عبد الله‌ بن‌ عمر بيعة‌ يزيد الخمور؛ وعندما أراد أهل‌ المدينة‌ نقض‌ بيعة‌ يزيد جمع‌ خدمه‌ وحشمه‌ وأولاده‌ ومعارفه‌ وقال‌: لقد سمعت‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ يقول‌: ينصب‌ لكلّ غادر لواء يوم‌ القيامة‌. وإنَّ أعظم‌ الغدر نكث‌ البيعة‌، ولست‌ براضٍ أن‌ ينقض‌ أي‌ّ واحد منكم‌ بيعته‌ ليزيد، وإذا قام‌ أحد منكم‌ بذلك‌ فإنَّه‌ ليس‌ منّي‌.

 وعلی هذا الاساس‌ يقوم‌ حميد بن‌ عبد الرحمن‌: دخلت‌ علی يُسَيْر الانصاري‌ّ( أحد صحابة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌) عندما كانوا قد جعلوا يزيدبن‌ معاوية‌ خليفة‌؛ فَقالَ: إنَّهُمْ يَقولونَ: إنَّ يَزيدَ لَيْسَ بِخَيْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأنَا أقولُ ذَلِكَ؛ وَلَكِنْ لإنْ يَجْمَعِ اللَهُ أمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ، أحَبُّ إلَيَّ مِنْ أنْ يَفْتَرِقَ. قالَ النَّبي‌ُّ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ: لاَ يَأْتِيكَ فِي‌ الجَمَاعَةِ إلاَّ خَيْرٌ.[9]

 ثمّ يقوم‌ المرحوم‌ الاميني‌ّ بنقل‌ عدّة‌ قضايا أُخري‌ في‌ هذا النحو، إلی أن‌ يصل‌ حيث‌ يقول‌: وَعلی هَذا الاَساسِ يَتِمُّ اعْتِذارُ شِمْرِبْنِ ذِي‌ الجَوْشَنِ قاتِلِ الإمامِ السِّبْطِ فيما رَواهُ أبو إسْحَقَ.

 الرجوع الي الفهرس

دفاع‌ الشمر عن‌ فعله‌ مستنداً إلی رواياتهم‌ في‌ وجوب‌ طاعة‌ الولاة‌

 عندما قتل‌ الشمر الإمام‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌، اعتذر بهذا العذر قائلاً: إنَّه‌ أمر الو إلی، وإنَّ ولاتنا المعيّنين‌ لنا قد أمروني‌ بذلك‌، وأمر الو إلی واجب‌ الطاعة‌. بناء علی هذا، فلسنا في‌ قتل‌ الإمام‌ الحسين‌ غيرمُذنبين‌ فحسب‌، بل‌ وسننال‌ الثواب‌ بسبب‌ إطاعتنا لامر الو إلی..

 يروي‌ أبو إسحاق‌: كانَ شِمْرُ بْنُ ذِي‌ الجَوْشَنِ يُصَلِّي‌ مَعَنا ثُمَّ يَقولُ: اللَهُمَّ إنَّكَ شَريفٌ تُحِبُّ الشَّرَفَ، وَإنَّكَ تَعْلَمُ أ نِّي‌ شَريفٌ فَاغْفِرْ لي‌! قُلْتُ: كَيْفَ يَغْفِرُ اللَهُ لَكَ وَقَدْ أعَنْتَ عَلَیقَتْلِ ابْنِ رَسولِاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ؟!

 قَالَ: وَيْحَكَ! كَيْفَ نَصْنَعَ؟ إنَّ أُمَراءَنا هَؤُلاَءِ أمَرُونَا بِأَمْرٍ فَلَمْ نُخالِفْهُمْ؛ وَلَوْ خالَفْناهُمْ كُنَّا شَرَّاً مِنْ هَذِهِ الحُمُرِ الشِّقَاةِ.[10]

 وفي‌ لفظ‌ آخر يقول‌ الشمر: اللَهُمَّ اغْفِرْ لي‌ فَإنِّي‌ كَريمٌ، لَمْتَلِدْني‌ اللِئَامُ! فَقُلْتُ لَهُ: إنَّكَ لَسَيِّي‌ُ الرَّأْي‌ِ وَالفِكْرِ! تُسارِعُ إلَی قَتْلِ ابْنِ بِنْتِ رَسولِاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ وَتَدْعُو بِهَذا الدُّعاءِ؟! فَقالَ: إلَيْكَ عَنّي‌! فَلَوْ كُنَّا كَمَا تَقولُ أنْتَ وَأصْحابُكَ لَكُنَّا شَرَّاً مِنَ الحُمُرِ في‌ الشِّعَابَ.[11]

 هذه‌ جملة‌ من‌ الروايات‌ التي‌ نُقلت‌ عن‌ أهل‌ السنّة‌؛ فلنرَ ا لآن‌ إلی أين‌ ينتهي‌ هذا النمط‌ من‌ التفكير بالاُمّة‌ الإسلاميّة‌، و إلی أين‌ يسير بها؟ وما الذي‌ سيحلّ علی الإسلام‌ والمسلمين‌؟ وكيف‌ سيقوم‌ ولاة‌ الامر بإدارة‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌، وعملهم‌ بمنهج‌ معاكس‌ لمنهج‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، الذي‌ جعل‌ الطاعة‌ منحصرة‌ في‌ اتّباع‌ الحقّ؟

 وإنَّما يُتّبع‌ كلام‌ المعصوم‌ لانطباقه‌ علی الحقّ لا لموضوعيّته‌، ونحن‌ إنَّما نقبل‌ كلام‌ المعصوم‌ لا نَّه‌ معصوم‌ وعين‌ الحقّ، وإلاّ فلاموضوعيّة‌ لكلام‌ أي‌ٍّ كان‌ في‌ مقابل‌ الحقّ. وهذه‌ كلّها أمارات‌ وطرق‌.

 وا لآن‌ مع‌ وجود حديث‌ الغدير وحديث‌ الثقلين‌ وحديث‌ المنزلة‌ وأمثال‌ ذلك‌، فهل‌ يكون‌ هناك‌ معني‌ لقولهم‌: اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنا أُمَراءَ؟!

 فالله‌ تع إلی يقول‌ لهؤلاء: يا أيُّها الكاذبون‌! هل‌ جعلت‌ عليكم‌ هؤلاء الاُمراء أئمّة‌ وخلفاء، وقلت‌ لكم‌ لا تثريب‌ عليكم‌ في‌ كلّ ظلم‌ يقومون‌ به‌؟! فسوف‌ تطالبون‌ أنتم‌ أيضاً يوم‌ القيامة‌ بادّعائكم‌ أنَّ هؤلاء قد ظلموكم‌، وخروجكم‌ عن‌ الدين‌ اتّباعاً لهم‌، وبادّعاء أنَّ الله‌ هو الذي‌ أمركم‌ بإطاعتهم‌، وأ نَّه‌ المسؤول‌ عن‌ جميع‌ هذه‌ المظالم‌!

 ومن‌ هنا يتّضح‌ السرّ في‌ مدي‌ قلق‌ الدول‌ الاجنبيّة‌ من‌ التشيّيع‌ بشكل‌ خاصّ وعدم‌ خشيتهم‌ من‌ أهل‌ السنّة‌! لِمَ؟ لانَّ حكومة‌ أهل‌ السنّة‌ حكومة‌ وضعيّة‌ وغيرأصيلة‌ وقد أقرّوا هم‌ هذا الشكل‌، لانَّ الولاة‌ الذين‌ يطلبونهم‌ هم‌ كولاة‌ السنّة‌، ممّن‌ يأمرون‌ الناس‌ بكلّ شي‌ء يُريدونه‌. ويعتبرهم‌ الناس‌ أُولي‌ الامر.

 لكنَّ ذلك‌ المذهب‌ الملتزم‌ بالحقّ، والذي‌ لا يرضي‌ بأدني‌ تجاوز لحدود الحقّ، هو مذهب‌ الشيعة‌ الذي‌ يقول‌ بلزوم‌ جعل‌ الحقّ ميزاناً لجميع‌ الاُمور، والرضا بالحقّ أينما كان‌، والابتعاد عن‌ أي‌ّ انحراف‌ حيثما كان‌، وأنَّ علی الحاكم‌ الرجوع‌ عن‌ حكمه‌ فيما إذا حكم‌ وكان‌ في‌ حكمه‌ أي‌ّ اشتباه‌، وإلاّ فهو مسؤول‌، وعلی القاضي‌ أن‌ يرجع‌ عن‌ حكمه‌، وعلی مرجع‌ التقليد أن‌ يرجع‌ عن‌ فتواه‌ بمجرّد التفاته‌ إلی اشتباهه‌، وإلاّ فهو في‌ جهنّم‌.

 وقد نقلنا عبارة‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ينهي‌ فيها عن‌ الثناء عليه‌،ويقول‌ فيها بأنَّ كلّ هذه‌ الجهود المضنية‌ التي‌ يبذلها إنَّما هي‌ للخروج‌ من‌ عهدة‌ المسؤوليّات‌ الملقاة‌ علی عاتقه‌ من‌ الله‌ تع إلی تجاه‌ الناس‌؛ ويبيِّن‌ فيها أ نَّه‌ لم‌يتمكّن‌ حتّي‌ ا لآن‌ من‌ أداء حقوق‌ الناس‌ والخروج‌ من‌ عهدة‌ الفرائض‌! فعلامَ يثنون‌ عليه‌؟!

 وعلی كلّ تقدير، فمن‌ الواضح‌ لنا أ نَّه‌: لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي‌ مَعْصِيَةِ الخَالِقِ، وَلاَطَاعَةَ لِمَنْ عَصَي‌ اللَهَ، وأمثال‌ هذه‌ العبارات‌ التي‌ وردت‌ عن‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ الدالّة‌ علی لزوم‌ كون‌ أوامر ونواهي‌ الحاكم‌( الذي‌ يحكم‌ باسم‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ بأي‌ّ صورة‌ وكيفيّة‌ كانت‌) غيرمخالفة‌ للشرع‌، وإلاّ فاعتبارها ساقط‌، ولا ينبغي‌ تنفيذها.

 الرجوع الي الفهرس

الحقّ الثاني‌ للو الی علی الرعيّة‌: حقّ النصح‌

 والحقّ الثاني‌ الذي‌ للو إلی علی الرعيّة‌، وللحاكم‌ والدولة‌ الإسلاميّة‌ علی الاُمّة‌ ـوعلی جميع‌ أبناء الاُمّة‌ أن‌ يحترموا هذا الحقّ بالنسبة‌ للجهاز الحاكم‌، سواء كان‌ لنفس‌ الحاكم‌ أم‌ لموظّفيه‌ ومَن‌ يندبه‌ـ هو حقّ النُّصح‌.

 والنصح‌ يعني‌ إرادة‌ الخير، فعلی الناس‌ أن‌ يكونوا مُريدين‌ لخير الحكومة‌، ومُحبّين‌ وأعوان‌ ومساعدين‌ لحكومة‌ الإسلام‌ عن‌ صدق‌ وصفاء وواقعيّة‌. وقد تكرّر ذكر كلمة‌ النصح‌ في‌ القرآن‌ المجيد والاحاديث‌ النبويّة‌. وهذه‌ الكلمة‌ أفضل‌ بمراتب‌ من‌ كلمتي‌ لُوياليسم‌ [12] و نياليسم‌، وتعنيان‌ الولاء والإخلاص‌ للدولة‌ زمن‌ الثورة‌؛ وكلمة‌ آليجَنس‌ [13] التي‌ تعني‌ في‌ الإنجليزيّة‌ الوفاء والبيعة‌.

 لقد استعمل‌ الإسلام‌ النصح‌ وبيَّن‌ هذه‌ الحقيقة‌ بشكل‌ لطيف‌ وجميل‌ جدّاً، وقال‌: علی الاُمّة‌ أن‌ تكون‌ نصوحة‌ ومخلصة‌ لمسؤوليها في‌ حكومة‌ الإسلام‌، كالاب‌ في‌ نصحه‌ وعطفه‌ علی ولده‌ لما فيه‌ خيره‌، ويستفاد هذا الحقّ من‌ الخطبة‌ 14 حول‌( حقّ الو إلی علی الرعيّة‌).

 يقول‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: وَلَكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللَهِ عَلَیالعِبَادِ، النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ. فلم‌ يقل‌ عليه‌ السلام‌ عليهم‌ أن‌ ينصحوا فحسب‌، بل‌ قال‌: بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ؛ أي‌ عليهم‌ أن‌ يعملوا بكلّ طاقاتهم‌ لإصلاح‌ الاُمّة‌.

 عندما يمرض‌ الابن‌ فمن‌ الممكن‌ أن‌ يأمر الاب‌ بإرساله‌ إلی طبيب‌، كما أنَّ من‌ الممكن‌ أيضاً أن‌ يذهب‌ الاب‌ بنفسه‌ فيأخذه‌ إلی الطبيب‌، وأحياناً يمكن‌ أن‌ يكون‌ المرض‌ خطيراً بشكل‌ يعمل‌ فيه‌ الاب‌ علی نجاة‌ ولده‌ بمختلف‌ الطرق‌ والوسائل‌، فينهض‌ من‌ فراشه‌ منتصف‌ الليل‌ ويتحمّل‌ كلّ الصعاب‌ من‌ أجل‌ سلامة‌ طفله‌، وهو ما يسمّي‌ بـ: مَبلَغ‌ الجُهْد؛ أي‌ حيث‌ لايتواني‌ عن‌ بذل‌ أي‌ّ جهد أو القيام‌ بأيّة‌ حركة‌، مادام‌ فيه‌ عِرق‌ ينبض‌ وهو قادر.

 وجاءت‌ آية‌: فَأَعْرِضْ عَن‌ مَّن‌ تَوَلَّي‌' عَن‌ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَو'ةَ الدُّنْيَا* ذَ ' لِكَ مَبْلَغُهُم‌ مِّنَ الْعِلْمِ [14] بهذا المعني‌ أيضاً. أي‌ علی الاُمّة‌ أداء النصيحة‌ بكلّ ما يمكن‌، سواء باللسان‌ أم‌ بالقلم‌ أم‌ بالعمل‌، ولاينبغي‌ الاكتفاء بذكر مساوي‌ الحاكم‌ وما في‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ من‌ نواقص‌ وأمثال‌ ذلك‌. فلو نُسب‌ لابن‌ أحدكم‌ عيوباً معيّنة‌، فهل‌ تنشرونها وتشيعونها بين‌ الناس‌، أم‌ تحاولون‌ التستّر عليها وتسعون‌ لإظهار محاسنه‌ وإصلاحه‌ قولاً وفعلاً؟ فعلی الاُمّة‌ أن‌ تسعي‌ لإصلاح‌ الحكومة‌؛ وهذا هو معني‌ مبلغ‌ الجهد.

 الرجوع الي الفهرس

الحقّ الثالث‌ للو الی علی الرعيّة‌: التعاون‌

 والحقّ الثالث‌ للو إلی علی الرعيّة‌: التعاون‌؛ فعلی الاُمّة‌ أن‌ تُعِين‌ الحاكم‌ في‌ تنفيذ غاياته‌ وأهدافه‌ الإسلاميّة‌( تلك‌ الاهداف‌ التي‌ ترشح‌ عن‌ فكره‌) فعلی الاُمّة‌ أن‌ تسعي‌ لتحقيق‌ تلك‌ الاهداف‌ وتبذل‌ الجهود لذلك‌؛ وهو حقّ للو إلی علی الرعيّة‌.

 وقد ورد هذا الحقّ أيضاً في‌ الخطبة‌ 214، وكذلك‌ في‌ الخطبة‌ 34. أمّا في‌ الخطبة‌ 214 فيقول‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: وَالتَّعَاوُنُ عَلَیإقَامَةِ الحَقِّ بَيْنَهُمْ؛ وأمّا في‌ الخطبة‌ 34، فقد ذكر ذلك‌ بعنوان‌: الوَفَاءُ بِالبَيْعَةِ. ومع‌ أ نَّه‌ قد ذكر الإطاعة‌ والسمع‌ بعبارة‌: وَالإجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ، لكنّه‌ لم‌يذكر التعاون‌ بهذا التعبير، وإنّما قال‌: علی الاُمّة‌ أن‌ تكون‌ وفيّة‌ في‌ بيعتها للحاكم‌، الذي‌ هو أنا.

 ويختلف‌ عنوان‌ الوفاء بالبيعة‌ عن‌ عنوان‌ التعاون‌، وإن‌ كانت‌ حقيقتهما واحدة‌. فالبيعة‌ للحاكم‌ تعني‌ بيع‌ الروح‌( باع‌ يبيع‌ من‌ باع‌ يبيعُ بَيْعاً). فالبائع‌ يبيع‌ نفسه‌ وروحه‌ وإرادته‌ وشخصيّته‌ وتصرّفه‌ للحاكم‌، ويجعل‌ إرادة‌ واختيار الحاكم‌ فوق‌ إرادته‌ واختياره‌، ويتخلّي‌ عن‌ ذلك‌ فيما يقوم‌ به‌ من‌ أعمال‌ ونشاطات‌ تنفيذاً لاوامر ونواهي‌ الحاكم‌ وتطبيقاً لمشيئته‌. وهذا هو المعني‌ التطبيقي‌ّ للبيعة‌. فالوفاء بالبيعة‌ يعني‌ قبول‌ رأي‌ واختيار الحاكم‌ كيفما كان‌ وارتضاءه‌ بالقلب‌ والروح‌. وهذا هو معني‌ التعاون‌ في‌ الاُمور الحكوميّة‌، سواء الجزئيّة‌ منها أم‌ الكلّيّة‌، والذي‌ هو في‌ عهدة‌ جميع‌ الاُمّة‌ من‌ أجل‌ حفظ‌ كيان‌ الإسلام‌، وحفظ‌ شخصيّة‌ الحاكم‌، وتنفيذ البرامج‌ التي‌ يريدها.

 هذه‌ هي‌ الحقوق‌ الثلاثة‌ التي‌ للو إلی علی الرعيّة‌، وثمّة‌ ثلاثة‌ حقوق‌ أُخري‌ للرعيّة‌ علی الو إلی، يأتي‌ التعرّض‌ لها إن‌ شاء الله‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

 

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

مصرف گرایی بلای جامعه برانداز
قرآن : وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الأَکْبَرِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ  (سوره سجده، آیه 21)ترجمه: به آنان از عذاب نزدیک (عذاب این دنیا) پیش از عذاب بزرگ (آخرت) مى چشانیم، شاید باز گردند.توضیح : مصرف گرایی بدون تولید مناسب سبب می شود تا قیمت ها در جامعه افزایش پیدا کند و گرانی (که در احادیث به عنوان یکی از عذابهای دنیوی عنوان شده) در جامعه شایع شود.حدیث: وَ لِلّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِبَادٌ مَلاعِينُ مَنَاكِيرُ لا يَعِيشُونَ وَ لا يَعِيشُ النَّاسُ فِي أكْنَافِهِمْ وَ هُمْ فِي عِبَادِهِ بِمَنْزِلَة الْجَرَادِ لا يَقَعُونَ عَلَي شَيْ‏ءٍ إلاّ أتَوْا عَلَيْهِ. (اصول کافی،...

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید