الدرس‌ الثامن‌ والعشرون‌

الدرس‌ الثامن‌ والعشرون‌:

 ولاية‌ عدول‌ المؤمنين‌ وبيان‌ حقيقة‌ ولاية‌ الفقيه‌

 

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّی اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی‌ِّ العَظِيمِ

معني‌ حقيقة‌ الولاية‌ وولاية‌ الحيوانات‌ والبهائم‌ علی‌ أبنائها

 يدور البحث‌ حول‌ حقيقة‌ ولاية‌ الفقيه‌ وحدودها سعة‌ وضيقاً، أي‌ حول‌ مقدار سعة‌ دائرة‌ الولاية‌. وأمّا حقيقة‌ معني‌ الولاية‌ فهي‌ كما مرّ في‌ أوائل‌ البحث‌: حُصولُ الشَّيْئَيْنِ فَصاعِداً حُصولاً لَيْسَ بَيْنَهُما ما لَيْسَ مِنْهُما.

 أي‌ أن‌ يقترب‌ شيئان‌ من‌ بعضهما ويتّحدان‌ بنحو لا يكون‌ بينهما شي‌ء آخر غير ذاتيّاتهما وهويّتهما.

 وبناء علی‌ هذا، فكلّ موجود يمتلك‌ في‌ ذاته‌ ارتباطاً واتّصالاً وهو هويّة‌ مع‌ الذات‌ المقدّسة‌؛ وليس‌ ثمّة‌ فاصلة‌ بين‌ كلّ موجود وعلّته‌ الفاعلیة‌ وعلّة‌ علله‌. وعلیه‌، فلازم‌ وجود كلّ موجود ما، أن‌ يوجد هو، وجود ولاية‌، وذلك‌ بمعني‌ أنَّ الموجودات‌ هي‌ ربط‌ محض‌ بالنسبة‌ إلی‌ الذات‌ المقدّسة‌ لحضرة‌ الحقّ.

 فالولاية‌ إذَن‌ بهذا المعني‌ موجودة‌ في‌ جميع‌ الموجودات‌، وآثارها متفاوتة‌ فيها بحسب‌ سعة‌ وضيق‌ الموجودات‌، فيتحقّق‌ معني‌ الولاية‌ بنحو أكبر في‌ بعض‌ الموجودات‌ التي‌ تكون‌ ماهيّتها أكبر وأقوي‌ وسعة‌ وجودها أكثر. بينما يكون‌ وجود الولاية‌ أقلّ في‌ بعض‌ الموجودات‌ الاُخري‌ التي‌ تكون‌ في‌ مرحلة‌ الذات‌ والماهيّة‌ أضعف‌، ومحدوديّتها أكثر من‌ حيث‌ السعة‌.

 وعلی‌ كلّ تقدير، فلازم‌ وجود خلقة‌ كلّ موجود من‌ الموجودات‌ هو التوأمة‌ مع‌ الولاية‌. ومن‌ آثار تلك‌ الولاية‌ الاختيار، ومالكيّة‌ الامر، والحاكميّة‌، والتسلّط‌ في‌ الحدود التي‌ تقتضيها تلك‌ الولاية‌.

 إنَّ هذه‌ الولاية‌ موجودة‌ في‌ جميع‌ الموجودات‌؛ وأساساً، لايمكن‌ أن‌ يكون‌ هناك‌ موجود من‌ دون‌ ولاية‌. وعلیه‌، فالولاية‌ تنتشر في‌ جميع‌ الموجودات‌، وَلاَ تَشُذُّ عَنْ حيطَةِ هُويَّتِها وَإنِّيَّتِها ذَرَّةٌ أبَداً.

 فالقطّة‌ التي‌ تحمل‌ أبناءها بأسنانها وتنتقل‌ بهم‌ من‌ بيت‌ إلی‌ بيت‌ لاجل‌ حفظهم‌ من‌ شرّ العدوّ، تقوم‌ بعملها هذا علی‌ أساس‌ الولاية‌، لا نَّها تري‌ نفسها ولي‌ّ أُولئك‌ الابناء، وتري‌ في‌ وجودها سيطرة‌ وهيمنة‌ تُملي‌ علیها القيام‌ بهذا العمل‌. واستعدادها للدفاع‌ بجميع‌ قواها عندما يحاول‌ عدوّ ما الهجوم‌ علی‌ أبنائها، إنَّما يكون‌ علی‌ أساس‌ هذه‌ الولاية‌.

 والدجاجة‌ التي‌ تحتضن‌ البيضة‌ حتّي‌ تنمو، إنّما تقوم‌ بهذا العمل‌ بمقتضي‌ تلك‌ الولاية‌ أيضاً. وأخيراً، فإنَّ تحوّل‌ أي‌ّ موجود من‌ الموجودات‌ هو علی‌ أساس‌ الولاية‌. وحتّي‌ ـعلی‌ سبيل‌ المثال‌ـ تلك‌ النواة‌ التي‌ تزرعها في‌ باطن‌ الارض‌ ليمتدّ طرف‌ من‌ جذورها بعد أن‌ تنمو في‌ الارض‌، بينما يرتفع‌ الطرق‌ الآخر نباتاً، فهو علی‌ أساس‌ الولاية‌، إذ لو لم‌يكن‌ لديها ولاية‌ لما كان‌ بإمكانها التحرّك‌ من‌ مكانها، أو الإتيان‌ بأي‌ّ تحوّل‌ أو تحرّك‌.

 ولو لم‌ يكن‌ العالَم‌ علی‌ أساس‌ الولاية‌، لما كان‌ عالماً يتحرّك‌، ولكان‌ عالماً معدوماً.

 أي‌ كان‌ عالم‌ العدم‌ والفناء. فجميع‌ هذه‌ الموجودات‌ التي‌ ترونها قد صارت‌ علی‌ هذه‌ الصور بواسطة‌ الولاية‌، وكذلك‌ عمل‌ الإنسان‌ أيضاً، فكلّ ما يأتي‌ به‌ الإنسان‌، وكلّ سعة‌ يراها في‌ ذاته‌ إنّما تكون‌ علی‌ أساس‌ الولاية‌. فالاب‌ الذي‌ يقوم‌ بحفظ‌ أبنائه‌ وحراستهم‌، فبلحاظ‌ الولاية‌. وهذه‌ الولاية‌ التكوينيّة‌ والفطريّة‌ التي‌ أعطاها الله‌ له‌.

 والشاهد علی‌ هذا المطلب‌ هو أ نَّه‌ لو منعناه‌ من‌ العمل‌ ونهيناه‌ عن‌ حماية‌ أبنائه‌ وأمرناه‌ بترك‌ ابنه‌ الوليد في‌ الصحراء، لما انصاع‌ لهذا الكلام‌؛ أو لو طلبنا من‌ القطّة‌ التخلّي‌ عن‌ حماية‌ أبنائها وعدم‌ مراقبتهم‌ والانتقال‌ بهم‌ من‌ بيت‌ إلی‌ بيت‌ لرفضت‌ ذلك‌، ولو أمرنا بخلاف‌ هذا الامر ( كأن‌ نأمرها بأخذ أبنائها إلی‌ وكرالعدوّ) لرفضت‌ ذلك‌ أيضاً.

 يدل‌ هذا الامر علی‌ نشوء الافعال‌ الولايتيّة‌ في‌ الموجودات‌ من‌ غريزتهم‌ وفطرتهم‌، وذلك‌ أمر لا يتبدّل‌ ولا يتغيّر.

 والولاية‌ التي‌ للرجال‌ علی‌ النساء بمقتضي‌ الآية‌ الشريفة‌: الرِّجَالُ قَوَّ ' مُونَ عَلَیالنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَهُ بَعْضَهُمْ علی‌' بَعْضٍ[15]، هي‌ ولاية‌ تكوينيّة‌ وفطريّة‌، لانَّ الرجل‌ يمتلك‌ عقلاً أقوي‌ من‌ القوّة‌ العاقلة‌ عند المرأة‌، ولذا كانت‌ المرأة‌ بالنسبة‌ له‌ ضعيفة‌، وكانت‌ تحت‌ هيمنته‌ وإدارته‌ وعصمته‌. وكان‌ الرجل‌ هو المسؤول‌ عن‌ المحافظة‌ علیها. ولذا، يكون‌ هو الآمر وهي‌ المأمورة‌، وهو الناهي‌ وهي‌ المنهيّة‌، ويكون‌ علیها أن‌ تطيعه‌ في‌ جميع‌ الاُمور.

 الرجوع الي الفهرس

ولاية‌ عدول‌ المؤمنين‌، وولاية‌ فسّاقهم‌ عند عدم‌ وجود العدول‌

 وكذلك‌ ولاية‌ عدول‌ المؤمنين‌ علی‌ أساس‌ أموال‌ الغُيَّب‌ و القُصَّر وأمثال‌ ذلك‌ من‌ الموارد التي‌ نعتقد ولاية‌ عدول‌ المؤمنين‌ فيها، إذ تعلن‌ الآية‌ الكريمة‌: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـ'تُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ [16] هذه‌ الحقيقة‌، وهذه‌ الولاية‌ هي‌ في‌ عدول‌ المؤمنين‌ أقوي‌، لانَّ إيمانهم‌ أقوي‌ وتقواهم‌ أكثر، ونفس‌ هذه‌ الوحدة‌ الموجودة‌ بين‌ قلوب‌ المؤمنين‌ توجب‌ أن‌ يكون‌ لهم‌ ولاية‌ علی‌ بعضهم‌ في‌ صورة‌ عدم‌ وجود ولي‌ّ أعلی‌ كالإمام والفقيه‌ الاعلم‌، وتوجب‌ علیهم‌ حماية‌ وإدارة‌ أُمور المؤمنين‌ الضعفاء والعاجزين‌ والذين‌ لايتمكّنون‌ من‌ القيام‌ بأعمالهم‌ ( كالمجانين‌ والسفهاء والايتام‌ وما شابه‌ ).

 وكذلك‌ الولاية‌ التي‌ تكون‌ لفسّاق‌ المؤمنين‌ في‌ حالة‌ عدم‌ وجود عدولهم‌، لا نَّهم‌ في‌ نفس‌ الوقت‌ الذي‌ هم‌ فيه‌ فسقة‌ فهم‌ مقدّمون‌ علی‌ غيرالمؤمنين‌، لا نَّهم‌ يمتلكون‌ الإيمان‌ وهم‌ مشمولون‌، لعموم‌ الولاية‌: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـ'تُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ. ولايصحّ تسليم‌ الولاية‌ للكافر مع‌ وجود فُسّاق‌ المؤمنين‌، لا نّه‌ لا ولاية‌ للكافر علی‌ المسلم‌ بأي‌ّ وجه‌ كانت‌.

 إنَّ ولاية‌ الكافر علی‌ المسلم‌ « سبيل‌ »، ولم‌ يجعل‌ الله‌ تعإلی‌ للكافرين‌ علی‌ المؤمنين‌ سبيلاً. فتلك‌ الولاية‌ إذَن‌ تكون‌ علی‌ أساس‌ التكوين‌ والفطرة‌ أيضاً.

 وعلی‌ كلّ تقدير، فجميع‌ أقسام‌ هذه‌ الولاية‌ تكوينيّة‌ وفطريّة‌ ممضاة‌ من‌ قِبَل‌ الشارع‌، لانَّ أوامر الشرع‌ هي‌ علی‌ أساس‌ الفطرة‌ أيضاً، وقد سار علی‌ هذا المسلك‌، ففي‌ كلّ موضع‌ أيّد فيه‌ العقل‌ والفطرة‌ الولاية‌ قام‌ الشرع‌ بتصحيح‌ ذلك‌ أيضاً.

 وكذلك‌ ولاية‌ الفقيه‌ فهي‌ من‌ هذا القبيل‌، غاية‌ الامر هي‌ في‌ مرحلة‌ أعلی‌ وأكبر وأوسع‌.

 فللولي‌ّ الفقيه‌ وظيفتان‌:

 الاُولي‌: بيان‌ الاحكام‌ التي‌ وصلت‌ إلیه‌ من‌ الشرع‌، والإفتاء بما يجتهد فيه‌، ولن‌ نخوض‌ في‌ هذا البحث‌ حإلیاً، فتلك‌ المسائل‌ ترجع‌ إلی‌ الاحكام‌ الكلّيّة‌ التي‌ يقوم‌ الفقيه‌ ببيانها، ومحلّ بحثها في‌ « الاجتهاد والتقليد » من‌ كتاب‌ الاُصول‌.

 الرجوع الي الفهرس

معني‌ الولاية‌ إنشاء الحكم‌ في‌ الموارد الجزئيّة‌

 الثانية‌: وظيفة‌ الولي‌ّ الفقيه‌ من‌ لحاظ‌ أعمال‌ الولاية‌. وهذا هو محلّ بحثنا، أي‌ ما معني‌ أن‌ يُعمل‌ الفقيه‌ ولايته‌ في‌ بعض‌ الاُمور ( خصوصاً الموارد الجزئيّة‌ ) فيقوم‌ بالحكم‌ والامر والنهي‌؟ إنَّ معني‌ ومفاد حكم‌ الفقيه‌ في‌ هذه‌ الموارد هو الإنشاء. أي‌ أنَّ الفقيه‌ بعد أن‌ يلاحظ‌ جميع‌ الاحكام‌ والادلّة‌ الواردة‌ في‌ الشرع‌ المقدّس‌ ( الاعمّ من‌ الاحكام‌ الكلّيّة‌ والاستثناءات‌ والتخصيصات‌ والاحكام‌ الثانويّة‌، مثل‌ الاحكام‌ الإكراهيّة‌ والاضطراريّة‌ والاحكام‌ الواردة‌ في‌ صورة‌ النسيان‌ وعدم‌ الطاقة‌ والاستطاعة‌ ) وبعد جمعها وضمّها إلی‌ بعضها يقوم‌ بالحكم‌ في‌ تلك‌ الواقعة‌ الخاصّة‌ علی‌ موضوع‌ خاصّ بالشروط‌ الخاصّة‌، وذلك‌ بحسب‌ قدرته‌ النفسانيّة‌ وطهارته‌ الباطنيّة‌ التي‌ حصّلها، وبحسب‌ المدارج‌ النفسيّة‌ التي‌ عرج‌ فيها، ونيله‌ لذلك‌ العالم‌ من‌ التجرّد والإطلاق‌، وبقدر ارتوائه‌ من‌ مَعِين‌ الشريعة‌، فتنشأ من‌ ذلك‌ أحكامه‌ في‌ الموارد المختلفة‌.

 وذلك‌ خلافاً للفقيه‌ في‌ مقام‌ الفتوي‌، إذ لا يكون‌ له‌ في‌ ذلك‌ المقام‌ شغل‌ بالجزئيّات‌، وإنمّا هو يفتي‌ هناك‌ باستمرار في‌ صياغ‌ الحكم‌ الكلّي‌ّ الذي‌ عيّنته‌ له‌ شريعة‌ الإسلام، كأن‌ يقول‌ مثلاً: الميتة‌ حرام‌، لانَّ القرآن‌ يقول‌: حُرِّمَتْ علیكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَهِ بِهِ [17]؛ ثمّ يكون‌ له‌ حكم‌ كلّي‌ّ آخر وهو: كلّ حرام‌ اضطرّ إلیه‌ يصير حلالاً [18]. وأمّا كون‌ هذا المورد الخاصّ من‌ موارد الاضطرار أو لا، فهذا لا علاقة‌ له‌ بالمفتي‌، إذ علیه‌ أن‌ يبيّن‌ الحكم‌ الكلّي‌ّ فقط‌.

 وليس‌ الولي‌ّ الفقيه‌ كذلك‌، فهو يتدخّل‌ في‌ جميع‌ الجزئيّات‌ ويَعمل‌ نظره‌ في‌ الموضوعات‌ الخاصّة‌ والمصاديق‌ ويصدر الحكم‌. فلو سئل‌ مثلاً عن‌ جواز تناول‌ الميتة‌ في‌ الوقت‌ الذي‌ تحلّ فيه‌ مجاعة‌ وقحط‌، فإنَّه‌ يحكم‌ بجواز أكل‌ الميتة‌، مع‌ علمه‌ بالحكم‌ الكلّي‌ّ، ومن‌ ثمّ يحكم‌ بجواز أكل‌ الميتة‌. فمعني‌ ولايته‌ هو تشخيص‌ الموضوع‌، وأنَّ الزمان‌ هو زمان‌ محنة‌ وابتلاء ومجاعة‌، وإذا لم‌ يأكل‌ الإنسان‌ فإنَّه‌ معرَّض‌ للموت‌، وبعد أن‌ يعتبر أكل‌ الميتة‌ ـعلی‌ أساس‌ ولايته‌ـ جائزاً، وأحياناً واجباً، فهو يأمر الجميع‌ بذلك‌.

 فقد لاحظ‌ في‌ هذا الموضوع‌ جميع‌ تلك‌ الاحكام‌ بشكل‌ مترابط‌، وتوصّل‌ إلی‌ هذا الحكم‌ الجزئي‌ّ الذي‌ أصدره‌ للناس‌، هذا هو معني‌ ولاية‌ الفقيه‌.

 وبناء علی‌ ما مرَّ، يكون‌ هناك‌ تفاوت‌ بين‌ الإفتاء والولاية‌، إذ معني‌ الولاية‌ هو الامر والنهي‌ والإيجاد والإعدام‌ للموضوعات‌ الخارجيّة‌ في‌ عالم‌ الاعتبار. فالذين‌ تحت‌ ولاية‌ الولي‌ّ الفقيه‌ محكومون‌ بتنفيذ أحكامه‌ علی‌ أساس‌ حكمه‌. وهو يقول‌ بإعمال‌ الولاية‌ والحكم‌ في‌ جميع‌ الموضوعات‌ الجزئيّة‌ بناء علی‌ تلك‌ المدركات‌ التي‌ يمتلكها والاحكام‌ التي‌ يستنبطها من‌ المدارك‌ الشرعيّة‌، وانطلاقاً من‌ ذلك‌ الصفاء والنور والتجرّد الذي‌ وصلت‌ نفسه‌ إلیه‌. وحيث‌ إنَّه‌ يمتلك‌ القدرة‌ علی‌ تشخيص‌ هذا الحكم‌ الخاصّ لعامّة‌ المكلّفين‌ أو لبعضهم‌ ويكون‌ أمر ذلك‌ بيده‌، وهذه‌ مسألة‌ مهمّة‌ جدّاً.

 إذ تارة‌ يجعل‌ الشارع‌ المقدّس‌ الحكم‌ علی‌ الموضوعات‌ الخارجيّة‌، مثل‌: المَاءُ طاهِرٌ و الخَمْرُ حَرامٌ و البَيْعُ حَلالٌ؛ فالحكم‌ في‌ هذه‌ الامثال‌ قد جري‌ علی‌ الموضوعات‌ الخارجيّة‌.

 وتارة‌ أُخري‌ يُجعل‌ الحكم‌ علی‌ الموضوعات‌ الاعمّ من‌ الخارجيّة‌ والاعتباريّة‌، فيسمح‌ لنا الشارع‌ بفرض‌ موضوع‌ اعتباري‌ّ في‌ مقابل‌ الموضوع‌ الخارجي‌ّ، بمعني‌ أن‌ نقوم‌ بترتيب‌ الاثر إذا ما رأينا موضوعاً اعتباريّاً إلی‌ جنب‌ الموضوع‌ الخارجي‌ّ.

 ويستطيع‌ الشارع‌ القيام‌ بعمل‌ كهذا، إذ عندما يكون‌ أصل‌ الحكم‌ بيده‌ فسعته‌ وضيقه‌ بيده‌ أيضاً، وسعة‌ وضيق‌ الحكم‌ تتبع‌ سعة‌ وضيق‌ الموضوع‌.

 فيستطيع‌ في‌ مورد ما فرض‌ الحكم‌ علی‌ الموضوع‌ الخارجي‌ّ، كما يستطيع‌ في‌ مورد آخر أن‌ يعتبره‌ علی‌ الاعمّ من‌ الخارجي‌ّ والاعتباري‌ّ، فيقول‌: صُومُوا لِلرُّؤْيَةِ وَأَفْطِرُوا لِلرُّؤْيَةِ. فصوموا عندما ترون‌ هلال‌ شهر رمضان‌ في‌ السماء، وأفطروا عندما ترون‌ هلال‌ شوّال‌.

 وعلی‌ هذا، فموضوع‌ دخول‌ شهر رمضان‌ وحكمه‌ الذي‌ هو «صُومُوا» رؤية‌ الهلال‌؛ والموضوع‌ لحكم‌ الإفطار في‌ شوّال‌ هو رؤية‌ الهلال‌ أيضاً. فنفس‌ رؤية‌ الهلال‌ في‌ السماء إذَن‌ لها موضوعيّة‌؛ ثمّ يضمّ الشارع‌ حكم‌ الحاكم‌ برؤية‌ الهلال‌ إلی‌ هذا الموضوع‌ الخارجي‌ّ ويقول‌ [19]: إذا حكم‌ حاكم‌ الشرع‌ أيضاً بحلول‌ الشهر أو انقضائه‌ فيصدق‌ كذلك‌: «صُومُوا وَأَفْطِرُوا»، مع‌ أنَّ الحاكم‌ لم‌ يكن‌ قد رأي‌ الهلال‌ بنفسه‌، ولا يكون‌ أيضاً مُخبراً برؤيته‌ الهلال‌ لكي‌ تتحقّق‌ البيّنة‌ بضميمية‌ شاهد عادل‌ وتكون‌ في‌ حكم‌ العلم‌. كلاّ وإنَّما الملاك‌ هو نفس‌ حكم‌ الحاكم‌ بأنَّ إلیوم‌ هو أوّل‌ الشهر، إذ الحاكم‌ بحكمه‌ يجعل‌ الهلال‌ في‌ السماء، ويعتبر وجوده‌.

 فعندما يمتلك‌ الحاكم‌ شأنيّة‌ الحكم‌ ويحكم‌ برؤية‌ الهلال‌ ودخول‌ الشهر ـولاعلاقة‌ لنا بمستنده‌، فمهما كان‌ مستنده‌ ومن‌ أي‌ّ مصدر كان‌ـ فمعني‌ عمله‌ هذا أ نَّه‌ قد جعلتُ لكم‌ هلالاً في‌ السماء وفرضته‌ وأوجدته‌، وكما يجب‌ علیكم‌ الإفطار أو الصيام‌ علی‌ أساس‌ وجود الهلال‌ الخارجي‌ّ، فعلیكم‌ أيضاً أن‌ تصوموا وتفطروا علی‌ أساس‌ هذا الهلال‌ الجعلی‌ّ. وحكم‌ الحاكم‌ في‌ هذه‌ الصورة‌ صحيح‌، ويقرّه‌ العقلاء من‌ دون‌ إشكال‌ ولِمَ ذلك‌؟ لا نَّه‌ يترتّب‌ علیه‌ أثر من‌ الناحية‌ الشرعيّة‌، وهو الإفطار أو الصيام‌.

 أمّا لو قال‌ شخص‌ في‌ عالم‌ الاعتبار: إنِّي‌ جعلتُ هذه‌ العمارة‌ معدومة‌ اعتباراً. فلافائدة‌ تترتّب‌ علی‌ ذلك‌، لا نَّه‌ لا يترتّب‌ علی‌ اعتباره‌ أي‌ّ أثر. أمّا حين‌ يكون‌ نفس‌ هذا الاعتبار منشأً للحكم‌ ويترتّب‌ علیه‌ أثر، فلاإشكال‌ في‌ ذلك‌.

 وهنا أيضاً قد جعل‌ الشارع‌ الحكم‌ علی‌ رؤية‌ الهلال‌ ( الاعمّ من‌ الخارجي‌ّ والاعتباري‌ّ )، أي‌ كان‌ حكم‌ الحاكم‌ بمنزلة‌ جعل‌ هلال‌ اعتباري‌ّ في‌ السماء، وهذا له‌ نتيجة‌ شرعيّة‌. فالحكم‌ بِيَدِ الشارع‌، وهو يستطيع‌ أن‌ يجري‌ حكمه‌ علی‌ الموضوع‌ الخارجي‌ّ فقط‌، كما يستطيع‌ أن‌ يجريه‌ علی‌ الاعمّ من‌ الموضوع‌ الخارجي‌ّ والاعتباري‌ّ، وليس‌ هناك‌ أي‌ّ إشكال‌ في‌ ذلك‌.

 وبعبارة‌ أُخري‌: كما يقول‌ الشارع‌: صُومُوا لِلرُّؤْيَةِ وَأَفْطِرُوا لِلرُّؤْيَةِ، كذلك‌ يصحّ أن‌ يقول‌: صوموا بِحُكْمِ الحاكِمِ وَأفْطِروا بِحُكْمِه‌؛ وأمثال‌ هذه‌ التعابير ترجع‌ في‌ النهاية‌ إلی‌ توسعة‌ تلك‌ الرؤية‌ للهلال‌ الواقعي‌ّ الخارجي‌ّ وجعلها تشمل‌ عالم‌ الاعتبار أيضاً. فهذا هو معني‌ الجعل‌ وحكم‌ الحاكم‌.

 إنَّ حقيقة‌ الجعل‌ الاعتباري‌ّ ليست‌ أمراً غير مأنوس‌ أو غيرعرفي‌ّ وغيرعادي‌ّ، لانَّ الاعتبارات‌ تشكّل‌ أساساً للكثير من‌ أعمالنا في‌ الخارج‌، كأن‌ يقول‌ شخص‌ مثلاً: بعتك‌ هذا المتاع‌، ويقول‌ الآخر: قبلت‌، فهل‌ بعتُ و قبلتُ سبب‌ للانتقال‌ الواقعي‌ّ لذلك‌ المتاع‌ بالنحو الذي‌ ينتقل‌ فيه‌ ذلك‌ الشي‌ء واقعاً من‌ وجود البائع‌ إلی‌ وجود المشتري‌؟

 الجواب‌ كلاّ، الامر ليس‌ كذلك‌، فالثَّمَن‌ والمُثمن‌ محفوظان‌ في‌ محلّهما، وإنَّما انتقل‌ اختيار التصرّف‌ بالثمن‌ للمشتري‌ في‌ عالم‌ الاعتبار فقط‌، وهذا النقل‌ والانتقال‌ إنشاءٌ، ويكون‌ إنشاء الانتقال‌ في‌ عالم‌ الاعتبار، والاعتبار محلّ لقبول‌ جميع‌ العقلاء.

 وكذا الامر في‌ الابواب‌ المختلفة‌ من‌ الفقه‌، ففي‌ النكاح‌ مثلاً حيث‌ تقول‌ الزوجة‌: أنْكَحْتُكَ نَفْسي‌، ويقول‌ الرجل‌ أيضاً: قَبِلْتُ، لايكون‌ ذلك‌ سوي‌ إنشاء للنكاح‌ في‌ عالم‌ الاعتبار، إذ إنَّ معني‌ النكاح‌ هو الوط‌ء، فمعني‌ كلام‌ الزوجة‌ إذَن‌ هو: جَعَلْتُ نَفْسي‌ لَكَ مَوْطوءَةً؛ علی‌ الرغم‌ من‌ عدم‌تحقّق‌ النكاح‌ بهذا المعني‌ في‌ عالم‌ الخارج‌، فلم‌ يحصل‌ الوقاع‌ والجماع‌، لكنَّ الزوجة‌ تري‌ نفسها موطوءة‌ في‌ عالم‌ الاعتبار فقط‌، كما يري‌ الرجل‌ نفسه‌ واطئاً كذلك‌، والشرع‌ أيضاً يمضي‌ هذا الإنشاء. وذلك‌ العمل‌ الذي‌ يتمّ في‌ الخارج‌ فيما بعد، والذي‌ هو النكاح‌ الواقعي‌ّ الخارجي‌ّ ( أي‌ الوط‌ء الخارجي‌ّ ) يكون‌ مترتّباً علی‌ هذا الإنشاء القَبْلِي‌ّ، والإنشاء أمر جعلی‌ّ اعتباري‌ّ يترتّب‌ علیه‌ الحكم‌ الشرعي‌ّ وجميع‌ أحكام‌ مسائل‌ المعاملات‌ والإيقاعات‌ من‌ هذا القبيل‌.

 وعلی‌ هذا، فأمر الحاكم‌ بالنسبة‌ لرؤية‌ الهلال‌ مثلاً أو للتعبئة‌ العامّة‌ وتحريك‌ الناس‌ أو بالصلح‌ أو بالتوقّف‌. وبشكل‌ عامّ فكلّ أمر يقوم‌ به‌، هو إنشاء في‌ عالم‌ الاعتبار. وهو يشخّص‌ الوظيفة‌ من‌ باب‌ كونه‌ يري‌ في‌ نفسه‌ سعة‌ وولاية‌ علی‌ الناس‌. وعلی‌ أساس‌ الاحكام‌ الشرعيّة‌ الكلّيّة‌ التي‌ حصل‌ علیها من‌ الكتاب‌ والسنّة‌ وروايات‌ المعصومين‌ علیهم‌ السلام‌. وبعد مراعاته‌ ـبصفاء قلبه‌ ونورانيّته‌ وتجرّده‌ الباطني‌ّـ لجميع‌ أُصول‌ وقواعد الحاكم‌ والمحكوم‌، والوارد والمورود، والعامّ والخاصّ، والمطلق‌ والمقيّد، والناسخ‌ والمنسوخ‌ من‌ حيث‌ المجموع‌ في‌ هذا الموضوع‌ الخارجي‌ّ، وجمعه‌ لنتيجة‌ ذلك‌ كلّه‌، فلا يختلف‌ الامر عنده‌ سواء قام‌ بتعيين‌ الوظيفة‌ بلفظ‌ « حَكَمْتُ » أم‌ بأي‌ّ لفظ‌ آخر، فما أن‌ يُحدّد التكليف‌، فيعني‌ ذلك‌ الحكم‌. هذا هو معني‌ ولاية‌ الفقيه‌ والحكم‌ والحاكم‌.

أهمّيّة‌ هذه‌ الولاية‌، الرَّادُّ علیهِ، الرَّادُّ علینَا

 وبالطبع‌ فهذه‌ حقيقة‌ ذات‌ أبعاد وآثار وامتداد، فعندما يحكم‌ الحاكم‌ فإنَّ حكمه‌ الاعتباري‌ّ يمتلك‌ الاهمّيّة‌ إلی‌ درجة‌ يكون‌ عند الشارع‌: الرَّادُّ علیهِ، الرَّادُّ علینَا؛ وَالرَّادُّ علینَا، الرَّادُّ عَلَیاللَهِ؛ وَهُوَ عَلَی حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَهِ.

 الرجوع الي الفهرس

بيان‌ الائمّة‌ للاحكام‌ علی‌ أساس‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ والإحاطة‌ النفسانيّة‌

 إنَّ الحاكم‌ لا يحكم‌ ما لم‌ يَرَ جميع‌ أطراف‌ وجوانب‌ المسألة‌ ويلاحظها، وتستقرّ في‌ قلبه‌، ويتيقّنها، ويطمئنّ منها ويسكن‌، لا نَّه‌ يترتّب‌ علی‌ حكمه‌ مسؤوليّة‌ كبيرة‌ علی‌ الناس‌، فالذي‌ يخالف‌ حكم‌ الحاكم‌ يُخالف‌ حكم‌ الله‌، وهو في‌ حدّ الشرك‌ بالله‌. هذا هو معني‌ حكم‌ الحاكم‌.

 ومن‌ هنا نحصل‌ علی‌: أنَّ حكم‌ الحاكم‌ ينبثق‌ من‌ ولايته‌ وسعته‌ النفسانيّة‌، لاأ نَّه‌ قد وصلته‌ بعض‌ الروايات‌ فحسب‌ واستنتج‌ تلك‌ النتيجة‌ طبقاً للقواعد والضوابط‌ كما يُتعامل‌ مع‌ القواعد الرياضيّة‌، ومن‌ ثمّ قام‌ بالحكم‌ علی‌ أساسها، بل‌ ـوكما بيّناـ فإنَّ نفس‌ الحاكم‌ ذات‌ سعة‌ وتجد أ نَّها مسيطرة‌ علی‌ الناس‌ المولَّي‌ علیهم‌، فللحاكم‌ الحقّ في‌ إلزام‌ الناس‌ بحكمه‌ علی‌ ضوء ما تقدّم‌.

 فإذا كان‌ ثمّة‌ حاكم‌ يري‌ في‌ نفسه‌ سيطرة‌ كهذه‌ فبإمكانه‌ أن‌ يحكم‌، وإلاّ فلا. فحكم‌ الحاكم‌ يكون‌ علی‌ أساس‌ سعته‌ النفسيّة‌ وقدرته‌ الوجدانيّة‌ ونظرته‌ الواقعيّة‌، ويجب‌ أن‌ يكون‌ الاعلم‌ والاقوي‌ في‌ تنفيذ ذلك‌ الحكم‌.

 وأن‌ يكون‌ الاعلم‌، أي‌ أن‌ يكون‌ قادراً علی‌ تشخيص‌ المصالح‌ والموارد بنحو أفضل‌ من‌ جميع‌ الناس‌؛ وأن‌ يكون‌ الاقوي‌ أي‌ أن‌ يتمكّن‌ من‌ تنفيذ هذا الحكم‌ في‌ الخارج‌ بواسطة‌ سعة‌ نفسه‌؛ فهذا هو معني‌ الولاية‌ في‌ الحاكم‌. والحاكم‌ إنَّما يتمكّن‌ من‌ القيام‌ بأي‌ّ عمل‌ بواسطة‌ ولايته‌ هذه‌ فيما لو لم‌يتجاوز حدود الشريعة‌ ولم‌ يخرج‌ عن‌ حدود الكتاب‌ والسنّة‌.

 وولاية‌ الائمّة‌ المعصومين‌ علیهم‌ السلام‌ هي‌ بهذا النحو، لكنّها تقع‌ في‌ مرحلة‌ علیا وأكثر دقّة‌ وظرافة‌، وذلك‌ لانَّ توحيدهم‌ أقوي‌ وولايتهم‌ أرقي‌ وسعتهم‌ أكثر؛ فأوامرهم‌ ونواهيهم‌ الولائيّة‌ أيضاً تكون‌ في‌ الخارج‌ لازمة‌ وواجبة‌ الاتّباع‌ بطريق‌ أولي‌. ونفس‌ هذا المعني‌ موجود فيهم‌ أيضاً، لا نَّهم‌ يحكمون‌ في‌ الخارج‌ بالنسبة‌ لجميع‌ المكلّفين‌ من‌ خلال‌ تلك‌ السعة‌ والإحاطة‌ النفسيّة‌ المختصّة‌ بهم‌.

 وبالطبع‌ وكما بيّنا، فالائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ ليسوا مشرّعين‌ للحكم‌، إذ التشريع‌ للاحكام‌ الكلّيّة‌ مختصّ بالله‌ عزّ وجلّ، وفي‌ الاحكام‌ الجزئيّة‌ هو لرسول‌الله‌، والائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ إنَّما يمتلكون‌ الولاية‌ في‌ الاُمور الولايتيّة‌ ( المختصّ بالسياسة‌ وإدارة‌ العلاقات‌ الاجتماعيّة‌ بما يقتضي‌ ) وأوامرهم‌ في‌ حكم‌ أمرالله‌ وأمر رسول‌ الله‌.

 فمن‌ هنا نحصل‌ علی‌: أنَّ تلك‌ الطائفة‌ من‌ الروايات‌ التي‌ نُقلت‌ عن‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌، وكلّ منها يبيّن‌ لنا حقائق‌ معيّنة‌، هي‌ عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، فهم‌ لم‌ يأخذوا جزئيّات‌ تلك‌ المسائل‌ أباً عن‌ جدّ وصولاً إلی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، بل‌ إنَّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قد أعطاهم‌ ولاية‌ كلّيّة‌ ( وقد كان‌ إعطاؤها أيضاً دفعيّاً وآنيّاً ) وجميع‌ هذه‌ المسائل‌ تنبع‌ من‌ تلك‌ الولاية‌ الكلّيّة‌. أجل‌؛ فجميع‌ المسائل‌ الجزئيّة‌ من‌ أوّل‌ باب‌ الطهارة‌ إلی‌ آخر باب‌ الديات‌ ـحيث‌ يوجد في‌ خصوص‌ مسائل‌ الصلاة‌ أربعة‌ آلاف‌ مسألة‌ـ إنَّما تنشأ من‌ تلك‌ الولاية‌، وليس‌ من‌ الصحيح‌ أن‌ نتصوّر أنَّ جميع‌ تلك‌ المسائل‌ الجزئيّة‌ قد بيّنها الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ حضوريّاً لاميرالمؤمنين‌ صلوات‌ الله‌ علیه‌، وقام‌ أمير المؤمنين‌ أيضاً بحفظها أو كتابتها، ومن‌ ثمّ رواها لابنائه‌ الإمام الحسن‌ والإمام الحسين‌ علیهما السلام‌، وقاما هما بدورهما بنقل‌ ذلك‌ للائمّة‌ من‌ بعدهما إلی‌ أن‌ انتهي‌ الامر إلی‌ القائم‌ عجّل‌ الله‌ تعإلی‌ فرجه‌ الشريف‌.

 والصحيح‌ هو أنَّ كلّ واحد من‌ الائمّة‌ قد أعطي‌ عالَماً كلّيّاً من‌ الولاية‌ وعِلماً كلّيّاً لمن‌ يأتي‌ من‌ بعده‌، ويري‌ الإمام التإلی‌ جميع‌ المسائل‌ بواسطة‌ تلك‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ فيشرحها ويبيّن‌ حقائقها.

 وهذه‌ المسألة‌ عين‌ وجود الملكة‌ وعدمها، فما لم‌ يمتلك‌ الشخص‌ مثلاً ملكة‌ الرسم‌ فلا يستطيع‌ أن‌ يرسم‌ صور الاشياء واحدة‌ واحدة‌، بل‌ لايكون‌ قادراً علی‌ رسم‌ صورة‌ واحدة‌. أمّا إذا كان‌ حائزاً علی‌ ملكة‌ الرسم‌، فإنَّه‌ يعدّ رسّاماً كاملاً ويستطيع‌ رسم‌ أيّة‌ صورة‌ يريدها فوراً، وليس‌ من‌ تحديد ونهاية‌ لمجموعة‌ الصور التي‌ يمكنه‌ رسمها.

 وتلك‌ الولاية‌ أيضاً التي‌ يودعها كلّ واحد من‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ إلی‌ الآخر عند وفاته‌ هي‌ نفس‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ التي‌ تنبع‌ منها جميع‌ العلوم‌. ومع‌ وجود معني‌ كهذا، لا يكون‌ الإمام علیه‌ السلام‌ محتاجاً لسؤال‌ أبيه‌ عن‌ جزئيّات‌ المسائل‌ والموضوعات‌ واحداً واحداً. وإنَّما يقوده‌ الإمام علیه‌ السلام‌ إلی‌ مصادر التشريع‌ ومحلّ نزول‌ القرآن‌ ومهبط‌ الوحي‌ علی‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، ويوصله‌ إلی‌ ذلك‌ العالَم‌ ويجعله‌ في‌ متناوله‌ بنحو تحصل‌ لنفسه‌ أيضاً الهيمنة‌ والسيطرة‌ علی‌ ذلك‌ العالم‌ وتنكشف‌ له‌ جميع‌ الحقائق‌ دون‌ أي‌ّ ذرّة‌ من‌ الاشتباه‌ والخطأ.

 وبناء علی‌ هذا، فلا فرق‌ بين‌ أن‌ يبيّن‌ الإمام لابنه‌ حكماً في‌ موضوع‌ خاصّ، أو أن‌ يقوده‌ إلی‌ ذلك‌ العالَم‌ الكلّي‌ّ حتّي‌ يُبيّن‌ نفس‌ الابن‌ الحكم‌ في‌ تلك‌ الواقعة‌. ولذا، نري‌ في‌ كثير من‌ الروايات‌ أنَّ نفس‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ كانوا يرجعون‌ المسائل‌ إلی‌ أبنائهم‌، وعندما كان‌ الابناء يجيبون‌ كان‌ ذلك‌ يثير تعجّب‌ الناس‌ ويقولون‌ للائمّة‌ إنَّكم‌ قلتم‌ إنَّكم‌ لم‌ تسمعوا هذه‌ المسألة‌ من‌ آبائكم‌، فكيف‌ أمكنكم‌ بيان‌ الحكم‌ بهذه‌ الخصوصيّة‌ من‌ الوضوح‌ والجلاء؟!

 لقد وردنا حول‌ الإمام صاحب‌ الزمان‌ عجّل‌ الله‌ فرجه‌ الشريف‌ أ نَّه‌ وصل‌ إلی‌ مقام‌ الإمامة‌ في‌ الرابعة‌ من‌ عمره‌، كما وصلنا حول‌ الإمام محمّدالتقي‌ّ علیه‌ السلام‌ أ نَّه‌ كان‌ في‌ التاسعة‌ أو السابعة‌ من‌ عمره‌ عندما روي‌ عنه‌ مسائل‌ كثيرة‌، ولدينا حول‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أ نَّه‌ كان‌ يبيّن‌ المسائل‌ في‌ طفولته‌، مع‌ أنَّ الإمام الباقر علیه‌ السلام‌ لم‌يكن‌ قد بيّن‌ له‌ جزئيّات‌ المسائل‌.

 فجميع‌ ذلك‌ إذَن‌ من‌ هذا القبيل‌، فعندما يعطي‌ لهم‌ ذلك‌ الاصل‌ والمنهج‌ وحقيقة‌ القرآن‌ وحقيقة‌ روح‌ النبوّة‌ وتفوّض‌ لهم‌ حقيقة‌ روح‌ الولاية‌ الكلّيّة‌، فإنَّهم‌ يبيّنون‌ الاحكام‌ الجزئيّة‌ للناس‌ من‌ تلك‌ العوالم‌ الكلّيّة‌، ولاتكون‌ هذه‌ الاحكام‌ من‌ عندهم‌، وإنَّما هي‌ نفس‌ الاحكام‌ التي‌ كان‌ ينشئها رسول‌الله‌، سواء كانت‌ قد أُنشأت‌ في‌ حياة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أم‌ لا. لكن‌ لو فُرض‌ حصول‌ موضوع‌ كهذا في‌ زمان‌ رسول‌الله‌ لكان‌ رسول‌الله‌ قد أنشأ الحكم‌ أيضاً بهذا النحو، حيث‌ يتّفق‌ أن‌ لايُسأل‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ عن‌ مسألة‌، فتكون‌ غير مبيّنة‌ من‌ قبله‌. وهناك‌ الكثير من‌ المسائل‌ لم‌ يبيّنها النبي‌ّ الاكرم‌ بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

      

ارجاعات

[1] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 173؛ ومن‌ طبعة‌ مصر بتعلیقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 1، ص‌ 324 و 325.

[2] ـ «الوافي‌» الطبعة‌ الحجريّة‌، سنة‌ 1324 هجريّة‌، ج‌ 1، ص‌ 8؛ و الطبعة‌ الحروفيّة‌، إصفهان‌، ج‌ 1، ص‌ 11.

[3] ـ «الاُصول‌ الاصيلة‌» بتصحيح‌ وتعلیق‌ المحدّث‌ الاُرموي‌ّ، ص‌ 167.

[4] ـ يقول‌ السيّد جلال‌ الدين‌ المحدّث‌ الاُرموي‌ّ في‌ تعلیقة‌ ص‌ 167 من‌ «الاُصول‌ الاصيلة‌»: إنَّ نسبة‌ هذه‌ الاشعار للإمام السجّاد علیه‌ السلام‌ مشهورة‌، وهي‌ في‌ غالب‌ كتب‌ المصنّف‌ مأثورة‌ عن‌ الإمام علیه‌ السلام‌، وحتّي‌ الغزّإلی‌ّ قد نقلها في‌ كتبه‌ ونسبها إلی‌ الإمام السجّاد علیه‌ السلام‌.

[5] ـ «المحجّة‌ البيضاء في‌ تهذيب‌ الإحياء» ج‌ 1، ص‌ 65،كتاب‌ العلم‌ من‌ ربع‌ العبادات‌.

[6] ـ «الكلمات‌ المكنونه‌» انتشارات‌ فراهاني‌، ص‌ 8.

[7] ـ السيّد محمود البغدادي‌ّ الآلوسي‌ّ في‌ تفسير «روح‌ المعاني‌» ج‌ 6، ص‌ 190.

[8] ـ «الغدير» ج‌ 7، ص‌ 35 و 36؛ من‌ تفسير الآلوسي‌ّ، ج‌ 6، ص‌ 190.

[9] ـ لقد نسب‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 11، ص‌ 222، طبعة‌ دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌، هذه‌ الاشعار للحسين‌ بن‌ منصور الحلاّج‌. وهذه‌ النسبة‌ خاطئة‌، وذلك‌ أوّلاً: لانَّ الحسين‌ بن‌ منصور لم‌ يكن‌ من‌ أهل‌ التقيّة‌ والكتمان‌، وقد أفشي‌ الاسرار ممّا أدّي‌ إلی‌ قتله‌. يقول‌ حافظ‌ الشيرازي‌ّ علیه‌ الرحمة‌ (في‌ ديوانه‌، طبعة‌ حسين‌ پژمان‌، ص‌ 51،في‌ الغزل‌الرقم‌111 ):

 مشكل‌ خويش‌ بر پير مغان‌ بردم‌ دوش                        ‌ كو به‌ تأييد نظر حلّ معمّا ميكرد

 ديدمش خرّم‌ وخندان قدح‌ باده‌ به دست      ‌                واندر آن‌ آينه‌ صد گونه‌ تماشا ميكرد

 گفت‌ آن‌ يار كزو گشت‌ سرِدار بلند                              جرمش‌ آن‌ بود كه‌ أسرار هويدا ميكرد

 يقول‌: « ليلة‌ أمس‌ حملتُ مشكلتي‌ إلی‌ شيخ‌ المجوس‌ (المرشد).. فهو قادر علی‌ أن‌ يحلّ اللغز بتأييد من‌ نظره‌.

 فرأيته‌ فرحاً باسماً وفي‌ يده‌ كأس‌ الشراب‌.. وكان‌ يتفرّج‌ في‌ مرآتها علی‌ مئات‌ الاشكال‌.

 قال‌: إنَّ هذا الصديق‌ (يقصد الحلاّج‌) الذي‌ ارتفعت‌ به‌ قمّة‌ المشنقة‌.. كان‌ جرمه‌ أ نَّه‌ أذاع‌ الاسرار».

 ثَانياً: ما هي‌ مناسبة‌ قوله‌:

 وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي‌ هَذَا أَبُو حَسَنٍ         إلی‌ الحُسَيْنِ وَأَوْصَي‌ قَبْلَهُ الحَسَنَا

 مع‌ أنَّ الحلاّج‌ الذي‌ بينه‌ وبين‌ أُولئك‌ الائمّة‌ أكثر من‌ قرنين‌ من‌ الزمان‌؟

 ثالثاً: لم‌ يكن‌ الحلاّج‌ من‌ أهل‌ أتباع‌ الشيخ‌ والمراد ليعتبر نفسه‌ في‌ هذه‌ الابيات‌ تابعاً لهؤلاء الائمّة‌. فالحلاّج‌ قد التقي‌ بأكثر من‌ أربعمائة‌ شيخ‌، لكنّه‌ لم‌ يخضع‌ للتربية‌ والتعلیم‌، وهذا الامر هو الذي‌ جعله‌ يظهر ويبرز مطالب‌ يحرم‌ إظهارها ممّا أدّي‌ إلی‌ إضلال‌ الخلق‌ وهدر دمه‌.

[10] ـ «مستدرك‌ الوسائل‌» ج‌ 3، ص‌ 331، الفائدة‌ الثانية‌ من‌ الخاتمة‌ في‌ شرح‌ أحوال‌ الكتب‌ ومؤلّفيها، من‌ آخر السطر السابع‌ إلی‌ السطر الحادي‌ عشر وَلَيْسَ لِمَنْ تَقَدَّمَ الصَّادِقَ علیهِ السَّلاَمُ مِنَ الصُّوفِيَّةِ، كَطاوُوسِ إلیمَانِي‌ِّ وَمَالِكِبْنِ دِيْنَارِ وَثابِتِ البُنَانِي‌ِّ وَأَيُّوبَ السَّجِسْتَانِي‌ِّ وَحَبِيبِ الفَارِسِي‌ِّ وَصَالِحِ المُرّي‌ِّ وَأمْثَالِهِمْ كِتَابٌ يُعْرَفُ مِنهُ: أَنَّ «المِصْباحَ» عَلَی أُسْلُوبِهِ. وَمِنَ الجَائِزِ أن‌ يَكونَ الاَمْرُ بِالعَكْسِ؛ فَيَكونُ الَّذِينَ عَاصَرُوهُ علیهِ السَّلاَمُ مِنْهُمْ أوْ تَأَخَّرُوا عَنْهُ سَلَكُوا سَبِيلَهُ علیهِ السَّلاَمُ فِي‌ هَذَا المَقْصَدِ، وَأخَذُوا ضِغْثاً مِنْ كَلِمَاتِهِ الحَقَّةِ وَمَزَجُوهَا بِضِغْثٍ مِنْ أَبَاطِيلِهِمْ كَمَا هُوَ طَرِيقَةُ كُلِّ مُبْدِعٍ مُضِلٍّ. وَيُؤَيِّدُهُ اتِّصَالُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ إلیهِ وَإلی‌ الاَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ كَشَقِيقٍ البَلْخي‌ِّ وَمَعْرُوفٍ الكَرْخي‌ِّ، وَأَبُو يَزيدَ البَسْطَامِي‌ِّ (طَيْفُورِ السَّقَّاء) كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَراجِمِهِمْ فِي‌ كُتُبِ الفَرِيقَيْنِ فَيَكُونُ مَا أُلِّفَ بَعْدَهُ عَلَی أُسْلوبِهِ وَوَتيرَتِهِ.

[11] ـ «كشف‌ المراد في‌ شرح‌ تجريد الاعتقاد» ص‌ 249،طبعة‌ صيدا، سنة‌ 1353.

[12] ـ يقول‌: الصوفي‌ّ بمعني‌ الزاهد عن‌ الدنيا والراغب‌ في‌ الآخرة‌ والملتزم‌ بتطهير الباطن‌، وكان‌ جميع‌ علماء الإسلام‌ الاعلام‌ صوفيّين‌. ومن‌ جملة‌ من‌ ذكرهم‌: الخواجة‌ نصيرالدين‌ الطوسي‌ّ، ورّام‌ الكندي‌ّ، السيّد رضي‌ الدين‌ علی‌ّ بن‌ طاووس‌، السيّد محمود الآملي‌ّ صاحب‌ كتاب‌ «نفائس‌ الفنون‌»، والسيّد حيدر الآملي‌ّ صاحب‌ تفسير «بحر الابحار»، وابن‌ فهد الحلّي‌ّ، والشيخ‌ ابن‌ أبي‌ جمهور الاحسائي‌ّ، والشيخ‌ الشهيد مكّي‌، والشيخ‌ بهاءالدين‌ العاملي‌ّ، والقاضي‌ نور الله‌ الشوشتري‌ّ الذي‌ هو من‌ السلسلة‌ العلیة‌ النوربخشيّة‌. ويثبت‌ في‌ كتاب‌ «مجالس‌ المؤمنين‌» بالدلائل‌ القويّة‌ أنَّ جميع‌ المشائخ‌ المشهورين‌ كانوا من‌ الشيعة‌.

 ويقول‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ في‌ كتاب‌ الإمامة‌ من‌ «شرح‌ التجريد»: قد نقل‌ متواتراً أنَّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ كان‌ سيّد ورئيس‌ الابدال‌، وكانوا يأتون‌ إلیه‌ من‌ جميع‌ أنحاء العالم‌ لاجل‌ تعلّم‌ آداب‌ السلوك‌ والرياضات‌ وطريق‌ الزهد وترتيب‌ الاحوال‌ وذكر مقامات‌ العارفين‌. والشيخ‌ أبو يزيد البسطامي‌ّ كان‌ يفتخر بأ نَّه‌ كان‌ سقّاء في‌ بيت‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، والشيخ‌ معروف‌ الكرخي‌ّ قدّس‌ سرّه‌ العزيز كان‌ شيعيّاً خالصاً وبوّاباً لدار الرضا علیه‌ السلام‌ إلی‌ أن‌ مات‌ (ملخّص‌ الصفحات‌ 10 إلی‌ 15 ).

[13] ـ «بحار الانوار» ج‌ 1، ص‌ 101، باب‌ النهي‌ عن‌ القول‌ بغير علم‌ والإفتاء بالرأي‌.

[14] ـ الآيات‌ 44 إلی‌ 47، من‌ السورة‌ 69: الحاقّة‌.

[15] ـ صدر الآية‌ 34، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[16] ـ صدر الآية‌ 71، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[17] ـ صدر الآية‌ 3، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[18] ـ روي‌ في‌ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 2، ص‌ 462، المطبعة‌ الحيدريّة‌، بإسناده‌ المتّصل‌ عن‌ عمروبن‌ مروان‌، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ علیهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي‌ أَرْبَعُ خِصَالٍ: خَطَاؤُهَا، وَنِسْيَانُهَا، وَمَا أُكْرِهُوا علیهِ، وَمَا لَمْيُطِيقُوا؛ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ: «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن‌ نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ علینَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ و عَلَی الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ» وَقَوْلُهُ: «إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ و مُطْمَئِنٌّ بِالإيَم'نِ».

 وكذلك‌ ذُكر مرفوعاً عن‌ أبي‌ عبد الله‌ علیه‌ السلام‌: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي‌ تِسْعُ خِصَالٍ: الخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا لاَ يَعْلَمُونَ، وَمَا لاَيُطِيقُونَ، وَمَا اضْطُرُّوا إلیهِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا علیهِ، وَالطِّيَرَةُ، وَالوَسْوَسَةُ فِي‌ التَّفَكُّرِ فِي‌ الخَلْقِ، والحَسَدُ مَا لَمْيُظْهَرْ بِلِسَانٍ أَوْ يَدٍ.

 وفي‌ «تحف‌ العقول‌» ص‌ 50، طبعة‌ المطبعة‌ الحيدريّة‌، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: قَالَ: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي‌ ] تِسْعٌ [: الخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا أُكْرِهُوا علیهِ، وَمَا لاَيَعْلَمُونَ، وَمَا لاَيُطِيقُونَ، وَمَا اضْطُرُّوا إلیهِ، وَالحَسَدُ، وَالطِّيَرَةُ، وَالتَّفَكُّرُ فِي‌ الوَسْوَسَةِ فِي‌ الخَلْقِ مَا لَمْيُنْطَقُ بِشَفَةٍ وَلاَ لِسَانٍ.

 وذُكر في‌ «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 4، ص‌ 690، حديث‌ رقم‌ 7120 (ج‌ 2 من‌ كتاب‌ الصلاة‌) أبواب‌ القيام‌): 6 ـ وَبِالإسْنَادِ عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي‌ عَيْنَيْهِ المَاءُ فَيَنْتَزِعُ المَاءَ مِنْهَا فَيَسْتَلْقِي‌ عَلَیظَهْرِهِ الاَيَّامَ الكَثِيرَةَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ فَيُمْتَنَعُ مِنَ الصَّلاَةِ الاَيَّامَ إلاَّ إيمَاءً وَهُوَ عَلَیحَالِهِ. فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ؛ وَلَيْسَ شَي‌ءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَهُ إلاَّ وَقَدْ أَحَلَّهُ لِمَنِ اضْطُرَّ إلیهِ. وحديث‌ رقم‌ 7121 بهذا النحو: 7 ـ عَنِ الحُسيْنِ بْنِ سَعِيد، عَنْ فِضَالَةَ، عَنْ حُسَيْن‌، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبي‌ بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللَهِ علیهِ السَّلامُ عَنِ المَرِيضِ، هَلْ تُمْسِكُ لَهُ المَرْأَةُ شَيْئاً فَيَسْجُدُ علیهِ؟! فَقَالَ: لاَ! إلاَّ أَنْ يَكُونَ مُضْطَرَّاً لَيْسَعِنْدَهُ غَيْرُهَا؛ وَلَيْسَ شَي‌ءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَهُ إلاَّ وَقَدْ أَحَلَّهُ لِمَنِ اضْطُرَّ إلیهِ.

[19] ـ هذا القول‌ مستفاد من‌ أدلّة‌ ولاية‌ الفقيه‌.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب ولایة الفقیه فی حکومة الاسلام / المجلد الثالث / القسم الرابع: شرط الاقوائیة فی الفقیه، شرائط الحاکم الاسلامی، اهل الذ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

      

الصفحة السابقة

مفاد: مَا مِنْ شَي‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ...

 وما يُستفاد من‌ كلامه‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: مَا مِنْ شَي‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ إلَی‌ الجَنَّةِ إلاَّ وَقَدْ دَعَوْتُكُمْ بِهِ؛ وَمَا مِنْ شَي‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ إلاًّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ [1]، هو أنَّ مراده‌ المسائل‌ الكلّيّة‌، والتي‌ من‌ جملتها نصب‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ للولاية‌، حيث‌ قد فُتحت‌ جميع‌ طرق‌ الجنّة‌ وأُغلقت‌ جميع‌ طرق‌ جهنّم‌ بواسطته‌ علیه‌ السلام‌، لا أنَّ مراده‌ علیه‌ السلام‌ هو: أ نِّي‌ قد بيّنت‌ لكم‌ جزئيّات‌ جميع‌ الاحكام‌، مثل‌ سائر التصرّفات‌ التفصيليّة‌ في‌ الصلاة‌، كرفع‌ إلید أو وضع‌ الإبهام‌ في‌ السجود.

 صحيح‌ أ نَّه‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ قد قال‌: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي‌ أُصَلِّي‌ [2]؛ لكن‌ لم‌ يوفّق‌ جميع‌ الناس‌ لرؤية‌ جميع‌ حركات‌ النبي‌ّ وجزئيّات‌ صلاته‌، وبعد وفاة‌ النبي‌ّ اختلف‌ أصحابه‌ اختلافاً كبيراً، حتّي‌ في‌ صلاة‌ الميّت‌، حيث‌ اختلفوا في‌ عدد تكبيراتها، أهي‌ أربع‌ أو خمس‌ أو ستّ، مع‌ أنَّ النبي‌ّ كان‌ يصلّي‌ صلاة‌ الميّت‌ باستمرار؛ لكن‌ بما أنَّ الناس‌ كانوا مطمئنّين‌ لوجوده‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ فقد كانوا يرون‌ أنفسهم‌ غيرمحتاجين‌ إلی‌ تعلّم‌ المسائل‌، ولذا لم‌ يكونوا مطّلعين‌ حتّي‌ علی‌ كيفيّة‌ صلاة‌ الميّت‌. وعندئذٍ، فكيف‌ يمكننا القول‌ إنَّ النبي‌ّ قد بيّن‌ جميع‌ هذه‌ المسائل‌ لاُمّته‌؟!

 إضافة‌ إلی‌ هذا، فليس‌ من‌ الكمال‌ أن‌ يتعلّم‌ الإمام من‌ أبيه‌ جميع‌ جزئيّات‌ المسائل‌ ليقوم‌ بدوره‌ بتعلیم‌ ما تعلّمه‌ للإمام الذي‌ يليه‌.

 ولو تجاوزنا ذلك‌، فلو أراد الإنسان‌ بيان‌ الامر بهذا النحو لاحتاج‌ إلی‌ سنوات‌ طويلة‌ ليتمكّن‌ من‌ تعلّم‌ كتاب‌ الصلاة‌ فقط‌، فضلاً عن‌ سائر الكتب‌. وكم‌ كان‌ عمر الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ لكي‌ يتمكّنوا من‌ ذلك‌؟ فهل‌ كان‌ الإمام محمّدالتقي‌ّ علیه‌ السلام‌ ـ لذي‌ وصل‌ إلی‌ مقام‌ الإمامة‌ وهو في‌ السابعة‌ أو التاسعة‌ من‌ عمره‌ـ يجلس‌ باستمرار عند أبيه‌ فيعلّمه‌ الاحكام‌ واحداً واحداً؟!

 من‌ المسلّم‌ أنَّ الامر لم‌ يكن‌ كذلك‌، والإمام الرضا علیه‌ السلام‌ قد أعطي‌ الولاية‌ للإمام محمّد التقي‌ّ، أي‌ أ نَّه‌ قد فتح‌ قلبه‌ لذلك‌ العالَم‌ الكلّي‌ّ ( الذي‌ تترشّح‌ وتنزل‌ منه‌ الاحكام‌ الكلّيّة‌ والجزئيّة‌، والذي‌ له‌ إحاطة‌ علی‌ جميع‌ العوالم‌ وعلی‌ جميع‌ الموضوعات‌ والاحكام‌ ). وعلی‌ هذا، فمن‌ الممكن‌ أن‌ يكون‌ الإمام محمّد التقي‌ّ قد وصل‌ إلی‌ ذلك‌ العالَم‌ في‌ لحظة‌ واحدة‌. وهذا هو معني‌ حقيقة‌ الولاية‌.

 إنَّ تلك‌ السعة‌ التي‌ يمتلكها أُولئك‌ العظام‌ علیهم‌ السلام‌ ويرون‌ بواسطتها أنَّ أمرهم‌ أمر الله‌، ويقولون‌ بقاطعيّة‌: إنَّ الرادّ علینا رادّ علی‌ الله‌، إنَّما هي‌ بسبب‌ وصولهم‌ إلی‌ تلك‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ الإلهيّة‌، إذ عند ذلك‌ تكون‌ المخالفة‌ لتلك‌ الولاية‌ مخالفة‌ لعين‌ ولاية‌ الله‌، وسعتهم‌ توجب‌ أن‌ يطيعهم‌ جميع‌ أفراد البشر من‌ دون‌ اعتراض‌، لا نَّهم‌ يمتلكون‌ الولاية‌ الكلّيّة‌، والولاية‌ الكلّيّة‌ عين‌ ولاية‌ الله‌، كما في‌ القرآن‌ الكريم‌: هُنَالِكَ الْوَلَـ'يَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ. [3]

 وفي‌ مقابل‌ هذه‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ هناك‌ الإمارات‌ والقيادات‌ والولايات‌ المجازيّة‌ التي‌ يظهرها بعض‌ الناس‌ بالنسبة‌ لبعضهم‌ الآخر مع‌ كون‌ ولايتهم‌ باطلة‌. فالملوك‌ وأُمراء الجور والظلم‌ وإن‌ كانوا يرون‌ أنفسهم‌ أولياء للامر، لكنَّ ولايتهم‌ ولاية‌ باطلة‌.

 هنالك‌ ( أي‌ عالَم‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ ) الولاية‌ الحقّ، وأُولئك‌ المطهّرون‌ المتّصلة‌ قلوبهم‌ بعالم‌ الولاية‌ الإلهيّة‌ الكلّيّة‌ ولايتهم‌ ولاية‌ الحقّ ولها سعة‌ مستمدّة‌ من‌: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضَ[4]، وولاية‌ الفقيه‌ الولي‌ّ الذي‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ أعلم‌ الاُمّة‌ حتماً أقلّ من‌ ذلك‌ بدرجة‌. وسائر الولايات‌ أيضاً كلّ منها يستفيد من‌ تلك‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ بسبب‌ استعدادها وقابليّتها وماهيّتها.

 الرجوع الي الفهرس

يشترط‌ في‌ الفقيه‌ إضافة‌ إلی‌ أعلميّته‌ أقوائيّته‌ في‌ أداء الاُمور

بيان‌ ومفاد: زَادَهُ و بَسْطَةً فِي‌ الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ

 والمطلب‌ الآخر هو: وجوب‌ كون‌ الفقيه‌ الولي‌ّ قوي‌ّ النفس‌ إضافة‌ إلی‌ أعلميّته‌؛ فإذا كان‌ هناك‌ فقيه‌ ضعيف‌ النفس‌ ولا يمتلك‌ القدرة‌ علی‌ إجراء القوانين‌ والحدود مع‌ كونه‌ أعلم‌ الاُمّة‌، فهو لا يستطيع‌ أن‌ يكون‌ وليّاً. كما أ نَّه‌ إذا كان‌ هناك‌ فقيه‌ قوي‌ّ النفس‌ لكنّه‌ ليس‌ الاعلم‌ فلا يستطيع‌ أيضاً أن‌ يكون‌ وليّاً، لانَّ قوّة‌ النفس‌ وحدها لا تكفي‌؛ فكم‌ من‌ الفقهاء يمتلكون‌ قوّة‌ النفس‌ لكنّهم‌ يستعملون‌ قوّة‌ النفس‌ تلك‌ في‌ الطرق‌ والاعمال‌ غيرالصحيحة‌! فيجب‌ أن‌ تجتمع‌ قوّة‌ النفس‌ مع‌ الاعلميّة‌ لكي‌ تجتمع‌ شرائط‌ ولاية‌ الفقيه‌، ولذا يقول‌ القرآن‌ الكريم‌:

 أَلَمْ تَرَ إلَی‌ الْمَلاَءِ مِن‌ بَنِي‌´ إِسْرَ ' ´ءِيلَ مِن‌ بَعْدِ مُوسَي‌'´ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَـ'تِلْ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن‌ كُتِبَ علیكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَـ'تِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَـ'تِلَ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن‌ دِيَـ'رِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ علیهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَهُ علیمٌ بِالظَّـ'لِمِينَ. [5]

 وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُو´ا أَنَّي‌' يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ علینَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَهَ اصْطَفَـ ' هُ علیكُمْ وَزَادَهُ و بَسْطَةً فِي‌ الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَهُ يُؤْتِي‌ مُلْكَهُ و مَن‌ يَشَآءُ وَاللَهُ وَ ' سِعٌ علیمٌ. [6]

 تقول‌ الآية‌ الاخيرة‌: إنَّ هؤلاء الذين‌ يظنّون‌ أنَّ ذلك‌ القائد الذي‌ يجب‌ أن‌ يخضعوا له‌ ويكونوا تحت‌ ولايته‌ ويقاتلوا لتحصيل‌ حقّهم‌ ويتمكّنوا من‌ الرجوع‌ إلی‌ ديارهم‌ وأبنائهم‌، يجب‌ أن‌ يكون‌ شخصاً متموّلاً يملا أعين‌ الناس‌ وأسماعهم‌ ويكون‌ باستمرار علی‌ مرأي‌ ومنظر منهم‌، الشخص‌ الفلاني‌ يمتلك‌ الشأن‌ والجاه‌ والمقام‌ والمال‌، فيستطيع‌ إذَن‌ أن‌ يكون‌ قائداً ويمسك‌ بزمام‌ الامر! ولذا قالوا: إنَّ طالوت‌ هذا الذي‌ تقول‌ بأنَّ الله‌ قد انتخبه‌ لكم‌ لا يمتلك‌ القابليّة‌ وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ؛ وليكن‌ هو الخاضع‌ لنا! فقال‌ النبي‌ّ: إِنَّ اللَهَ اصْطَفَـ'هُ؛ فلم‌ أنتخب‌ لكم‌ هذا الشخص‌ بنفسي‌، وإنَّما اختاره‌ الله‌.

 وهذا يعني‌ أوّلاً: أنَّ هذه‌ الحكومة‌ حكومة‌ إلهيّة‌، ولايستطيع‌ أي‌ّ شخص‌ أن‌ ينتخب‌ للناس‌ حاكماً إلاّ الذي‌ قد اختاره‌ الله‌ إِنَّ اللَهَ اصْطَفـ'هُ؛ فالحكومة‌ هي‌ إلهيّة‌، والله‌ قد اصْطِفاه‌ وانتخبه‌ ( فهو صافٍ مصفّي‌ ولائق‌ لهذه‌ المهمّة‌ ).

 و ثانياً: لقد كان‌ علمه‌ كثيراً وجسمه‌ قويّاً، والله‌ تعإلی‌ يُعطي‌ ملكه‌ وقوّته‌ لمن‌ يريد، وبما أنَّ هذا الرجل‌ يمتلك‌ علماً كثيراً وجسماً قويّاً فقد انتخبه‌ الله‌ وزاده‌ في‌ العلم‌ والجسم‌؛ وَاللَهُ وَ ' سِعٌ علیمٌ؛ فالله‌ قد انتخب‌ لكم‌ طالوت‌ الذي‌ يمتلك‌ بسطة‌ في‌ العلم‌ والجسم‌ علی‌ أساس‌ علمه‌ وسعته‌.

 والشاهد في‌ هذه‌ الفقرة‌ هو استدلال‌ ذلك‌ النبي‌ّ حيث‌ يقول‌: زَادَهُ و بَسْطَةً فِي‌ الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ؛ فعِلم‌ طالوت‌ أكثر وجسمه‌ أقوي‌.

 أمّا أنَّ علمه‌ أكثر، فلانَّ زيادة‌ العلم‌ توضّح‌ مسار تقدّم‌ الإنسان‌. أمّا لو كان‌ علمه‌ أقلّ، وكان‌ عاجزاً عن‌ رؤية‌ خفايا الاُمور وبواطنها، ومفتقراً للاطّلاع‌ علی‌ الوقائع‌، وغير قادر علی‌ تقدير المصالح‌ والمفاسد بشكل‌ جيّد، في‌ حال‌ عدم‌ وجود من‌ هو أعلم‌ منه‌ في‌ الاُمّة‌، فستكون‌ حركته‌ عندئذٍ في‌ مستوي‌ مُتَدَنٍّ.

 وأمّا كونه‌ أقوي‌ جسماً، فيعني‌ أنَّ قدرته‌ أشدّ، إذ إنَّه‌ بطل‌ حرب‌، يسعي‌ إلی‌ ميدان‌ القتال‌ فيحمل‌ بجسمه‌، ويطيح‌ برؤوس‌ الاعداء وقادتهم‌ في‌ الارض‌، وإذا كان‌ القائد نحيفاً ضعيف‌ المزاج‌ وجاءه‌ بطل‌ من‌ قادة‌ العدوّ يطلب‌ مبارزته‌، فإنَّه‌ لن‌ يستطيع‌ القيام‌ بذلك‌، وسوف‌ يُقتل‌ من‌ أوّل‌ الهجوم‌، وهذا يعطي‌ لزوم‌ القدرة‌ الجسميّة‌ أيضاً.

 والعلم‌ هنا كناية‌ عن‌ المعرفة‌، والجسم‌ أيضاً إشارة‌ إلی‌ القدرة‌، أي‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ القائد في‌ المستوي‌ المطلوب‌ من‌ حيث‌ العلم‌ والجسم‌ والمعرفة‌ والقدرة‌؛ ففي‌ ذلك‌ الزمان‌ الذي‌ كان‌ فيه‌ علی‌ القائد الذهاب‌ إلی‌ ميدان‌ القتال‌، حيث‌ كان‌ القتال‌ يجري‌ وجهاً لوجه‌، كان‌ علی‌ القائد أن‌ يكون‌ بأعلی‌ مستويات‌ القدرة‌ البدنيّة‌، ومن‌ أبطال‌ ذلك‌ الزمان‌، كأميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ الذي‌ كان‌ بطلاً في‌ الظاهر أيضاً.

 وأمّا في‌ الزمان‌ الذي‌ لم‌ يعدّ فيه‌ القتال‌ مبارزة‌ وجهاً لوجه‌ ( وصارت‌ الحرب‌ فيه‌ عبارة‌ عن‌ صراع‌ فكر، وقدرة‌ عمل‌ خارجيّة‌، وعدم‌ انخداع‌ أمام‌ العدوّ، وهيمنة‌ علیهم‌، وقدرة‌ سلوك‌ الطرق‌ التي‌ يتقنها العدوّ والتفوّق‌ علیهم‌ فيها ) فيكون‌ المراد من‌ القوّة‌ القدرة‌. وباختصار فالجسم‌ هنا يطلق‌ علی‌ القدرة‌، أي‌ يصير هذا الشخص‌ حاكماً علیكم‌ فيما لو كان‌ ممتلكاً لقدرة‌ النفوذ والتقدّم‌، ولم‌ يكن‌ جباناً وخائفاً، وإنَّما شجاعاً وبطلاً. ولايتراجع‌ خوفاً من‌ العدوّ، ولا يخشي‌ تهديداته‌، ولا يفرّ من‌ الحرب‌ لبكاء وضجيج‌ عائلته‌ وأقربائه‌ وأصدقائه‌ وقومه‌ وأبنائه‌، فلا يفرّ من‌ الزحف‌، ويكون‌ قوي‌ّ القلب‌. والخلاصة‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ في‌ العلم‌ أعلم‌ الناس‌ إجمالاً، وفي‌ الجسم‌ أيضاً أقدر الناس‌. فيحوي‌ جهتي‌ العلم‌ والقدرة‌ الخارجيّة‌، المعرفة‌ والقدرة‌ معاً.

 فالآية‌ تدلّ علی‌ أنَّ ولاية‌ المسلمين‌ يجب‌ أن‌ تكون‌ لمن‌ يمتلك‌ القدرة‌ علی‌ التنفيذ، ويستطيع‌ أن‌ يأمر الناس‌ وتعبئتهم‌ وأن‌ يكون‌ الناس‌ مطيعين‌ له‌، ولا ينهزم‌ أمام‌ العدوّ، ولا يخاف‌ أو يجبن‌، بل‌ يكون‌ شجاعاً، ولايهن‌ ولايتراجع‌ أمام‌ تهديدات‌ العدوّ وإعلامه‌ وإشاعاته‌. وهذا من‌ شرائط‌ ولاية‌ الفقيه‌.

 وقد ورد في‌ رواية‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ أ نَّه‌ قال‌ فيمن‌ يتولّي‌ الامر: أَقْوَاهُمْ علیهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ فِيهِ [7]؛ أي‌ يكون‌ أقوي‌ الاُمّة‌ في‌ إنجاز العمل‌ والاعلم‌ بأمر الله‌ في‌ تلك‌ المسألة‌.

 بناء علی‌ ما تقدّم‌، فشرائط‌ ولاية‌ الفقيه‌ المستفادة‌ من‌ الروايات‌ إلی‌ الآن‌ ثلاثة‌، هي‌: «الاعلميّة‌»، «الاورعيّة‌»، «الاقوائيّة‌»، يجب‌ علی‌ الولي‌ّ الفقيه‌ أن‌ يكون‌ في‌ ورعه‌ وتقواه‌ أكثر من‌ درجة‌ العدالة‌ ـالتي‌ هي‌ الملكة‌ القدسيّة‌ وصفاء الباطن‌ والتجرّد النفسي‌ّـ.

 وأضاف‌ البعض‌ « الاشجعيّة‌ » أيضاً، كما رأيته‌ في‌ بعض‌ الكتابات‌، ولم‌يرد خصوص‌ هذا العنوان‌ في‌ آية‌ أو رواية‌، ولكن‌ يمكننا استنتاج‌ الاشجعيّة‌ والابصريّة‌ في‌ الاُمور وأمثال‌ ذلك‌ من‌ جملة‌: أَقْوَاهُمْ علیهِ، فنقول‌: إنَّ الولي‌ّ الفقيه‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ الاقوي‌، ويمكن‌ أن‌ نستفيد عنوان‌ الاقوائيّة‌ هذا من‌ جملة‌ وَ زَادَهُ و بَسْطَةً فِي‌ الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ، كما يمكن‌ استفادته‌ كذلك‌ من‌ رواية‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ حيث‌ قال‌: أَقْوَاهُمْ علیهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ فِيهِ. ولازم‌ عنوان‌ القوي‌ّ هو أن‌ تكون‌ شجاعته‌ أكثر وبصيرته‌ في‌ الاُمور ثاقبة‌، حيث‌ تدخل‌ جميع‌ هذه‌ الجهات‌ في‌ عنوان‌ القوي‌ّ.

 وعلی‌ هذا، فيُستفاد من‌ مجموع‌ البحث‌: يجب‌ أن‌ يكون‌ الولي‌ّ الفقيه‌ هو الاعلم‌ والاورع‌ والاقوي‌. وليس‌ المراد من‌ الاقوي‌ في‌ هذه‌ الازمنة‌ أن‌ يكون‌ بدنه‌ أقوي‌، كأن‌ يكون‌ بطل‌ البلاد مثلاً، بل‌ المقصود هو أن‌ يكون‌ الولي‌ّ الفقيه‌ ممتلكاً للقدرة‌ والتمكّن‌ ويستطيع‌ إنفاذ أمره‌ في‌ الخارج‌ ومقابل‌ العدوّ، وإن‌ كان‌ عجوزاً ضعيفاً ومريضاً أيضاً.

 أمّا الذي‌ لا يمتلك‌ القدرة‌ السياسيّة‌ واتّخاذ القرار، وإن‌ كان‌ بطلاً وقوي‌ّ الجسم‌، بل‌ وإن‌ كان‌ الاعلم‌ والاورع‌ أيضاً، فلا يمكنه‌ أن‌ يكون‌ وليّاً وحاكماً، لا نَّه‌ لا يعرف‌ كيفيّة‌ إيقاع‌ الهزيمة‌ بالعدوّ، ولاكيفيّة‌ التعامل‌ مع‌ أُولئك‌ الذين‌ يريدون‌ مصّ دماء المسلمين‌ واستغلال‌ أرواحهم‌ ونواميسهم‌ وأموالهم‌.

 يجب‌ أن‌ يكون‌ الحاكم‌ شخصاً يهدي‌ الجميع‌ إلی‌ الصراط‌ المستقيم‌ بأحسن‌ السبل‌ وأتقنها، ويكون‌ فكره‌ وسياسته‌ بقوّة‌ الإلهام‌ الإلهي‌ّ بنحو يتمكّن‌ من‌ تطبيق‌ خططه‌ وإظهار ولايته‌ في‌ الخارج‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ  وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

 

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

مصرف کردن بدون تولید
آیه شریفه : وَ لَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ ... (سوره مبارکه سجده ، آیه 21)ترجمه : و ما به جز عذاب بزرگتر (در قیامت) از عذاب این دنیا نیز به آنان می چشانیم ...روایت : قال أبي جعفر ( ع ): ... و لله عز و جل عباد ملاعين مناكير ، لا يعيشون و لا يعيش الناس في أكنافهم و هم في عباده بمنزله الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .  (اصول کافی ، ج 8 ، ص 248 )ترجمه : امام باقر(ع) مي‌فرمايد: ... و خداوند بدگانی نفرین شده و ناهنجار دارد که مردم از تلاش آنان بهره مند نمی شوند و ایشان در میان مردم مانند ملخ هستند که به هر جیز برسند آن را می خورند و نابود می کنند.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید