الدرس‌ السادس‌ عشر

الدرس‌ السادس‌ عشر:

 بحث‌ حول‌: فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ...

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

 

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِي‌ِّ العَظِيمِ

 

بمجرّد إطلاق‌ اللفظ‌ والظهور في‌ المعني‌، فله‌ الحجّيّة‌ في‌ المفاد

 من‌ الضروري‌ّ أن‌ نُذَكِّر ـ قبل‌ الدخول‌ بالبحث‌ـ بما يتعلّق‌ بالإطلاق‌ من‌ حيث‌ معناه‌ والاخذ به‌ باعتباره‌ فرعاً أُصوليّاً، لكي‌ تتّضح‌ هذه‌ المباحث‌ إلی حدّ ما ولا تسبّب‌ اختلاط‌ المسائل‌ بعضها ببعض‌، ولكي‌ تتّضح‌ أيضاً كيفيّة‌ استخدام‌الإطلاق‌ الصحيحة‌ في‌ الاحكام‌.

الإطلاق‌ اللفظي‌ّ، الذي‌ يكون‌ حجّة‌ في‌ قبال‌ بعض‌ الظواهر الاُخري‌: هو ذلك‌ الظهور الذي‌ يتحصّل‌ من‌ حاقّ اللفظ‌، وهذا الظهور له‌ حجّيّة‌، ويُبحَث‌ عنه‌ في‌ مبحث‌ حجّيّة‌ الظواهر.

 فإذا كان‌ اللفظ‌ مطلقاً، أي‌ لم‌ يكن‌ مقيّداً بأي‌ّ قيد، فله‌ ظهور في‌ الإطلاق‌، ويكون‌ ظهوره‌ حجّة‌، ولا نستطيع‌ أن‌ نرفع‌ اليد عنه‌ إلاّ بقرينة‌ تصرفنا عن‌ ذلك‌ الظهور إلی معني‌ آخر، سواء كان‌ ذلك‌ المعني‌ خلاف‌ المعني‌ الموضوع‌ له‌ كالمجازات‌، أم‌ كان‌ من‌ أفراد ذلك‌ المعني‌، وفي‌ النتيجة‌ فإنَّ رفع‌ اليد عن‌الإطلاق‌ يحتاج‌ إلی قرينة‌ صارفة‌ أو معيّنة‌.

 وما قاله‌ البعض‌ من‌ إنَّه‌ يجب‌ للاخذ بالإطلاق‌ أن‌ تكون‌ مقدّمات‌ الحكمة‌ جارية‌، والتي‌ منها عدم‌ وجود قدر متيقّن‌ في‌ مقام‌ التخاطب‌ أو بشكل‌ عامّ ( كما أفاد ذلك‌ المرحوم‌ صاحب‌ « الكفاية‌ » رحمة‌ الله‌ علیه) غيرتامّ، لانَّ مقدّمات‌ الحكمة‌ وإن‌ كانت‌ تجري‌ في‌الإطلاق‌، لكنَّ عدم‌وجود القدر المتيقّن‌ ( في‌ مقام‌ التخاطب‌ أو بشكل‌ عامّ ) ليس‌من‌ مقدّماتها، لانَّ العرف‌ يأخذ بالظهورات‌ في‌ كلّ موضوع‌ من‌ الموضوعات‌ وفي‌ المحاورات‌ والاحكام‌ ومجال‌ الفقه‌، بشكل‌ عامّ، من‌ دون‌ ملاحظة‌ أي‌ّ نوع‌ من‌ القدر المتيقّن‌ ( في‌ مقام‌ التخاطب‌ أو بشكل‌ عامّ ). وإذا أردنا أن‌ نأخذ بالقدر المتيقّن‌ فيلزم‌ من‌ ذلك‌ فقه‌ جديد.

 ليس‌ هناك‌ أيّة‌ مسألة‌ من‌ المسائل‌ الفقهيّة‌ أو العرفيّة‌ أو الاجتماعيّة‌ إلاّ وفيها قدر متيقّن‌. فإذا تقرّر أن‌ يرفع‌ الإنسان‌ اليد عن‌الإطلاق‌ والظهور بأخذه‌ بالقدر المتيقّن‌ فلا يُبنَي‌ حجر علی حجر. فلو قال‌ مولي‌ لعبده‌: أعْطِ زَيداً دِرهَماً، فامتنع‌ العبد، فسيقول‌ المولي‌: لِمَ امتنعت‌؟ فيقول‌ العبد: لانَّ القدر المتيقّن‌ من‌ كلامك‌ هو احتياجه‌، ولانـّي‌ لم‌ أرَهُ في‌ حاجة‌، فلم‌ أعطه‌! فهذا جوابٌ غير صحيح‌ أبداً، لانَّ المولي‌ سيقول‌ له‌: لقد أمرتك‌ بنحوالإطلاق‌ اللفظي‌ّ أعْطِهِ دِرْهَماً،ولم‌ أُخصّص‌ ذلك‌ بمورد الحاجة‌، فقد كان‌ لكلامي‌ إطلاق‌، وكان‌ يجب‌ علی ك‌ أن‌ تأخذ به‌ وتنفّذه‌؛ فَلِمَ لم‌ تعمل‌ به‌؟!

 نعم‌؛ في‌ تلك‌ الادلّة‌ غير المبيّنة‌ والتي‌ ليس‌ بإمكانها أن‌ تبيّن‌ لنا مقدار سعتها وضيقها مثل‌:: الادلّة‌ اللُّبِّيَّة‌ من‌ قبيل‌ الإجماع‌، فيلزم‌ فيها الاخذ بالقدر المتيقّن‌، لانَّ الإجماع‌ لا يبيّن‌ لنا مفاده‌ لفظاً، إذ ليس‌ له‌ ظهور لفظي‌ّ لكي‌ يكون‌ حجّة‌ لنا، فقد كان‌ له‌ قبلاً كاشفيّة‌ عن‌ قول‌ المعصوم‌ أو عن‌ دليل‌ متيقّن‌ لكنَّه‌ لم‌ يصل‌ إلينا، ومهما يكن‌ دليل‌ حجّيّته‌، فالنتيجة‌ هي‌ أنَّ الإجماع‌ كاشف‌ عن‌ واقع‌ غير مبيّن‌. ولذا ينبغي‌ أن‌ نأخذ هناك‌ بالقدر المتيقّن‌، لانـّه‌ لم‌ يصل‌ إلينا بالفعل‌ أكثر من‌ القدر المتيقّن‌، والمقدار الزائد مشكوك‌؛ فالحجّة‌ إذَن‌ في‌ ذلك‌ المقدار المتيقّن‌.

 أمَّا الادلّة‌ اللفظيّة‌ المبيّنة‌ والظاهرة‌ ـوالظهور حجّة‌ـ فينبغي‌ أن‌ نأخذ بها بمقدار ظهورها سواء كان‌ الظهور في‌ التقييد أم‌ في‌الإطلاق‌، وعلينا التمسّك‌ بحجّيّة‌ ذلك‌ المقدار من‌ الظهور.

 ومن‌ الموارد التي‌ ذكروها في‌ جواز الاخذ بالإطلاق‌ هي‌: أن‌ يكون‌الإطلاق‌ في‌ حال‌ لا يكون‌ احتمال‌ القرينة‌ فيه‌ علی التقييد، لانَّ المولي‌ إذا تكلّم‌ بنحو مطلق‌، وأراد منه‌ المقيّد، ولم‌ يأتِ بقرينة‌ علی التقييد، فقد أغري‌ الإنسان‌ بالجهل‌، أو ألقاه‌ في‌ خطر المفسدة‌.

 فإذا صدر أمر من‌ المولي‌، وكان‌ مراده‌ المطلق‌، وظاهر كلامه‌ كذلك‌ بحيث‌ نعلم‌ أنَّ مراده‌ المطلق‌، فعلينا الاخذ بالظاهر. أمّا إذا تكلّم‌ بكلام‌ مطلق‌ وأراد المقيّد، فلابدّ هنا من‌ الإتيان‌ بقرينة‌، وإلاّ كان‌ قد أغري‌ المكلّف‌ بالجهل‌، أو ألقاه‌ في‌ خطر المفسدة‌.

 وعليه‌، فإحدي‌ مقدّمات‌ الحكمة‌ عدم‌ احتمال‌ نصب‌ قرينة‌، لكي‌ لايصير ذلك‌ موجباً للإغراء بالجهل‌ والإلقاء في‌ المفسدة‌. ولذا قال‌ البعض‌ إنَّه‌ يجب‌ أن‌ نري‌ هل‌ المولي‌ نصب‌ قرينة‌ مقيّدة‌ أو صارفة‌ لاجل‌ صرف‌ الظهور أم‌ لا؟ ويجب‌ الصبر إلی مجي‌ء زمان‌ العمل‌، ومحلّ الامتثال‌، واستعمال‌ مفاد كلامه‌. وإن‌ لم‌ ينصب‌ قرينة‌، فالاخذ بالإطلاق‌ عند حلول‌ زمان‌ العمل‌.

 وهذا الاستدلال‌ غير تامّ، لانَّ القاعدة‌ المطّردة‌ بين‌ الموالي‌ والعبيد أنـَّهم‌ يأخذون‌ بالإطلاق‌، مِنْ دونِ انْتِظارِ مُدَّةٍ لِمَجي‌ءِ قَرينَةٍ عَلَی التَّقْييد. فعندما يطلق‌ لفظ‌ بين‌ الموالي‌ والعبيد في‌ المحاكمات‌ والمرافعات‌ والمحاورات‌، ويقع‌ حوار ما وينعقد ظهور للفظ‌ ما، فبمجرّد إطلاق‌ اللفظ‌ يحصل‌ ظهور لذلك‌ اللفظ‌ في‌الإطلاق‌ فيصير حجّة‌ ويعملون‌ بظهوره‌، ويعاقبون‌ بمجرّد التخلّف‌ أيضاً.

 فلا يستطيع‌ العبد أن‌ يقول‌: بما أنـّه‌ لم‌ تقم‌ قرينة‌ فيجب‌ الصبر لنري‌ هل‌ تأتي‌ قرينة‌ صارفة‌ ـولو بعد ساعة‌ـ في‌ الكلام‌ أم‌ لا؟ وإنَّما بمجرّد استعمال‌ اللفظ‌ في‌ معني‌ ما ( سواء كان‌ وضعيّاً أم‌ غير وضعي‌ّ) وبمجرّد أن‌ يتحقّق‌ له‌ ظهور في‌ المعني‌ المستعمل‌ فيه‌، فذلك‌ الظهور حجّة‌. إذَن‌، فمقدّمة‌ الإغراء بالجهل‌ أو الإلقاء في‌ المفسدة‌ ليست‌ خالية‌ من‌ السداد.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

      

ارجاعات

[1] ـ «معاني‌ الاخبار» ص‌ 374 و 375، طبعة‌ المطبعة‌ الحيدريّة‌، سنة‌ 1379 ه.

[2] ـ «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 3، ص‌ 385، باب‌ 11 من‌ أبواب‌ صفات‌ القاضي‌، طبعة‌ البهادري‌ّ.

[3] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 298، حديث‌ 26، الطبعة‌ الحجريّة‌.

 ونقل‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ في‌ «الغدير» ج‌ 1، ص‌ 197 عن‌ الحافظ‌ الكبير ابن‌ عقدة‌ عين‌ هذه‌ العبارة‌ أيضاً عن‌ الاءمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ عليه‌ السلام‌ من‌ غير كلمة‌ «قَطُّ» وكلمة‌ «تركوه‌» مع‌ ضمير المفرد الغائب‌ بدلاً عن‌ كلمة‌ «تَرَكُوا». وكذلك‌ نقل‌ الشيخ‌ سليمان‌ القندوزي‌ّ في‌ «ينابيع‌ المودّة‌» ص‌ 482، الباب‌ 90 من‌ التفسير المنسوب‌ لائمّه‌ أهل‌ البيت‌ الطيّبين‌ عليهم‌ السلام‌، عن‌ الاءمام‌ جعفر الصادق‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ جدّه‌ الاءمام‌ الحسن‌ عليهم‌ السلام‌ جميعاً.

[4] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 299، حديث‌ 27.

[5] ـ «كتاب‌ سُلَيم‌ بن‌ قيس‌ الهلالي‌ّ الكوفي‌ّ» ص‌ 147 و 148، طبعة‌ النجف‌.

[6] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 42 و 43، باب‌ كيفيّة‌ غصب‌ لُصوص‌ الخلافة‌ ï ïوأهل‌الجلافة‌، طبعة‌ الكمباني‌.

[7] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 42 و 43، باب‌ كيفيّة‌ غصب‌ لُصوص‌ الخلافة‌ وأهل‌ الجلافة‌، طبعة‌ الكمباني‌.

[8] ـ «تنقيح‌ المقال‌» ج‌ 1، ص‌ 198 إلي‌ 200، الفائدة‌ الثانية‌ عشر من‌ مقدّمة‌ الكتاب‌.

[9] ـ اسْتَنَدَ، استِناداً إلَيهِ: لَجَأَ إلَيهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيهِ.

[10] ـ فَزِعَ يَفْزَعُ، فَزْعاً إليه‌: لَجَأَ.

[11] ـ «الرجال‌» للبرقي‌ّ، ص‌ 64.

[12] ـ كتاب‌ «النقض‌» المعروف‌ بـ «بعض‌ مثالب‌ النواصب‌ في‌ نقض‌ بعض‌ فضائح‌ الروافض‌» ص‌ 659.

[13] ـ «الاحتجاج‌» ج‌ 1، ص‌ 100، طبعة‌ النجف‌.

[14] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 9، حديث‌ 41 عن‌ الخاصّة‌. وقد وردت‌ هذه‌ الرواية‌ عن‌ الاءمام‌ موسي‌بن‌ جعفر عليه‌ السلام‌ ضمن‌ حديث‌ طويل‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، وقد أوردناه‌ في‌ «امام‌ شناسي‌» (= معرفة‌ الاءمام‌) ج‌ 13، ص‌ 269 ضمن‌ الدرس‌ 191 إلي‌ 195 (رقم‌ 2 ) من‌ دورة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الاءسلاميّة‌.

[15] ـ «بحار الانوار» ج‌ 12، ص‌ 124، طبعة‌ الكمباني‌ عن‌ «عيون‌ المعجزات‌»: لَمَّا قُبِضَ الرِّضا عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ سِنُّ أبي‌ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلامُ نَحْوَ سَبْعِ سِنينَ، فَاخْتُلِفَتِ الكَلِمَةُ مِنَ النَّاسِ بِبَغْدادٍ وَفي‌ الاَمْصَارِ، الرواية‌ (وكانَتْ طويلةً في‌ الجُملة‌).

[16] ـ «بحار الانوار» ج‌ 12، ص‌ 120، طبعة‌ الكمباني‌.

[17] ـ «الاختصاص‌» ص‌ 102، تحت‌ عنوان‌: حديث‌ محمّد بن‌ علي‌ّ بن‌ موسي‌ الرضا عليهم‌ السلام‌ وعمّه‌ عبد الله‌ بن‌ موسي‌، طبعة‌ مكتبة‌ الصدوق‌، سنة‌ 1379.

[18] ـ «بحار الانوار» ج‌ 12، ص‌ 121، طبعة‌ الكمباني‌.

[19] ـ «المناقب‌» لابن‌ شهرآشوب‌ ج‌ 2، ص‌ 429، الطبعة‌ الحجريّة‌، عن‌ «الجلاء والشفاء» في‌ خبر: أنـّه‌ لمّا مضي‌ الرضا جاء محمّد بن‌ جمهور العمِّي‌ّ والحسن‌بن‌ راشد وعلي‌ّبن‌ مُدرك‌ وعلي‌ّ بن‌ مهزيار...

[20] ـ صدر الآية‌ 68، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌؛ وتتمّة‌ الآية‌ هو: وَاللَهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ.

[21] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الحكمة‌ 96 من‌ باب‌ الحِكَم‌؛ وفي‌ طبعة‌ مصر مع‌ تعليقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 2، ص‌ 157 و 158؛ و تتمّة‌ الحكمة‌: (ثُمَّ قَالَ) إنَّ وَلِي‌َّ مُحَمَّدٍ مَنْ أَطَاعَ اللَهَ وَإنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ؛ وَإنَّ عَدُوَّ مُحَمَّدٍ مَنْ عَصَي‌ اللَهَ وَإنْ قَرُبَتْ قَرَابَتُهُ.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب ولاية الفقيه/ المجلد الثالث/ القسم الثالث: الفهم العرفی، مفاد: من کان من الفقهاء صائنا لنفسه، حجیة العقل، یجب للولی ا...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

 

      

الصفحة السابقة

لا يجوز الاخذ بالإطلاق‌ إذا كان‌ أصل‌ المعني‌ اللغوي‌ّ وسعته‌ مشكوكاً

 نعم‌؛ لا يمكن‌ الاخذ بالإطلاق‌ إذا ما شككنا في‌ أصل‌ المعني‌ اللغوي‌ّ، أو إذا كنّا نجهل‌ سعة‌ أو ضيق‌ دائرة‌ استعمال‌ ذلك‌ اللفظ‌ لغة‌ أو عرفاً، مثل‌ لفظ‌ « الماء » الذي‌ نشكّ في‌ كونه‌ هل‌ يصدق‌ علی ماء الزاج‌ والكبريت‌ أيضاً أو لا؟ ومع‌ أنَّ الماء من‌ أظهر المفاهيم‌ العرفيّة‌، ولكن‌ وكما أفاد المرحوم‌ الشيخ‌ الانصاري‌ّ في‌ كتاب‌ « الطهارة‌ » فإنَّا نشكّ في‌ بعض‌ الاحيان‌ في‌ صدق‌ « الماء » علی ماء الزاج‌ والكبريت‌، وأنـّه‌ هل‌ يسمّي‌ ماء الكبريت‌ وماء الزاج‌ بالماء أو لا؟ أي‌ هل‌ يصدق‌ إطلاق‌ الماء علی ها أو لا؟ ففي‌ مثل‌ هذه‌ الصورة‌ لايمكن‌ أن‌ نأخذ بالإطلاق‌ ولا يمكن‌ التمسّك‌ بدليل‌: الماءُ طاهِرٌ، أو: الماءُ طَهورٌ، لاستنتاج‌ أنَّ ماء الزاج‌ والكبريت‌ طهور ورافع‌ للحدث‌ والخَبَث‌ أيضاً باعتبارهما من‌ مصاديق‌ الماء، لانـّنا نجهل‌ حقيقة‌: هل‌ يقال‌ لهذا الشي‌ء الخارجي‌ّ ماء أو لا!

 أو كما جاء في‌ القرآن‌ الكريم‌ في‌ قوله‌ تعالي‌: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [1].إذا لم‌ تجدوا ماءً فتيمّموا بالصعيد الطيّب‌، وشككنا في‌ المراد الاستعمالي‌ّ الفعلي‌ّ من‌ الصعيد من‌ ناحية‌ سعة‌ وصدق‌ مفهومه‌، فهل‌ المراد مطلق‌ وجه‌ الارض‌ أو خصوص‌ التراب‌ الخالص‌؟ فهنا لا يمكننا الاخذ بالإطلاق‌ أيضاً، لانـّنا نشكّ في‌ نفس‌ صدق‌ المفهوم‌ علی هذا المورد.

 أمّا لو تجاوزنا هذه‌ الموارد فيجب‌ الاخذ بالإطلاق‌ مطلقاً، وفي‌ كلّ مورد أُطلق‌ لفظ‌ ما، وتحقّق‌ له‌ ظهور في‌ معني‌ الماء، فذلك‌ الظهور حجّة‌.

 وما قاله‌ البعض‌ بأنَّ اللفظ‌ الفلاني‌ّ منصرف‌ إلی المعني‌ الفلاني‌، فهذا الكلام‌ لا دليل‌ علیهإن‌ لم‌ يكن‌ ثمّة‌ وجه‌ وشاهد للانصراف‌.

 وعليه‌، ف الانصراف‌ يحتاج‌ إلی الشاهد، فإذا كان‌ الشاهد فيؤخذ به‌، وإلاّفيجب‌ الاخذ بالظهور.

 وإنِ ادّعي‌ شخص‌ الانصراف‌ بينما يدّعي‌ آخر منعه‌ بقوله‌: إنَّ الانصراف‌ بَدْوِي‌ٌّ ويَزُولُ بِالتَّأَمُّلِ. فهذا الكلام‌ لا أساس‌ له‌، ولا يصل‌ بنا إلی نتيجة‌. وبشكل‌ عامّ فإنَّ أمثال‌ هذه‌ الاحتجاجات‌ في‌ العبارات‌ إن‌ لم‌تعتمد علی القرينة‌ الصارفة‌ فإنَّها لا تكون‌ مطابقة‌ لاُصول‌ البرهان‌.

 نعم‌؛ إذا ورد لفظ‌ ما وأُقيمت‌ قرينة‌ علی انصرافه‌ إلی بعض‌ الافراد ـ بشكل‌ عامّ أو في‌ هذا الموضع‌ـ فلا كلام‌، لكنّ ذلك‌ أيضاً يحتاج‌ إلی شاهد فيجب‌ أن‌ يقوم‌ ذلك‌ الانصراف‌ بنزع‌ ظهور اللفظ‌ عن‌ سعة‌ المعني‌ وعموميّته‌ وحصره‌ في‌ مورد خاصّ ليكون‌ المطلب‌ تامّاً.

 ولاجل‌ حلّ هذه‌ المسألة‌ بشكل‌ عامّ ينبغي‌ الالتفات‌ إلی أنَّ أسماء الاجناس‌ ـ أيَّاً كانت‌ـ مثل‌ لفظ‌: الماء و الصعيد و الارض‌ و البَيع‌ و الهِبَة‌ وأمثالها قد وضعت‌ لنفس‌ الطبيعة‌ بنحو لا بشرط‌ قسم‌، المُعَبَّر عنها بلسان‌ الاعتبار بـ الطبيعة‌ المُهْمَلة‌. فلفظ‌ « الماء » قد وضع‌ للماء المهمل‌، أي‌ الطبيعة‌ المهملة‌ لا بشرط‌ قسم‌ وكلّ لفظ‌ في‌ أصل‌ وضعه‌ إنَّما يُفهِم‌ هذه‌ الطبيعة‌ المهملة‌ فقط‌. فإذا قصد المتكلّم‌ نفس‌ هذه‌ الطبيعة‌ فالامر واضح‌. وإذا قصد الطبيعة‌ المطلقة‌ لا بشرط‌ قسم‌ أو الطبيعة‌ المقيّدة‌ بشرطِ شَي‌ء أو بشرط‌لا، فهنا علیهأن‌ يأتي‌ بقرينة‌ علی مراده‌.

 وفي‌ قرينة‌ « التقييد » يقوم‌ المتكلّم‌ غالباً ببيان‌ مراده‌ من‌ خلال‌ ذكر شاهد يدلّ علی حصر ذلك‌ المطلق‌ في‌ الفرد المقيّد، ويشير بذلك‌ الوضع‌ إلی أنَّ المطلق‌ غير مقصود، بل‌ خصوص‌ الفرد هو المقصود. هذا في‌ قرينة‌ التقييد.

 وأمّا في‌ قرينة‌ «الإطلاق‌ » فالامر ليس‌ كذلك‌، وإنَّما تتمّ قرينة‌الإطلاق‌ بالسكوت‌، وتنعقد بواسطة‌ عَدَم‌ إيرادِ شَي‌ْءٍ في‌ الْكَلام‌ يدلّ علی خصوصيّة‌ من‌ خصوصيّات‌ هذا اللفظ‌ المطلق‌.

 فإذا أتي‌ بتلك‌ الطبيعة‌ المهملة‌ ولا بشرط‌ قسم‌ كمراد استعمالي‌ّ للّفظ‌، ولم‌ينصب‌ قرينة‌ علی التقييد، فنستفيد من‌ سكوته‌الإطلاق‌ ( أي‌ لابشرط‌ قسم‌ ).

 بناءً علی هذا، فعلي‌ الإنسان‌ أن‌ يلاحظ‌ جميع‌ الخصوصيّات‌، والمقامات‌، ومناسبات‌ الحكم‌ والموضوع‌، وحال‌ المتكلّم‌ والمخاطب‌، والظروف‌ التي‌ ورد فيها الحكم‌، والظروف‌ التي‌ يمكن‌ للإنسان‌ أن‌ يأتي‌ فيها بالمأمور به‌، وسائر القرائن‌ المحفوف‌ بها الكلام‌، لكي‌ يتّضح‌ مقدار سعة‌ انطباق‌ دائرة‌ هذا السكوت‌ عَلَی ما يَنْطَبِقُ عَلَیهِ المَفْهُوم‌. لنحصل‌ علی: ما يمكننا استفادة‌الإطلاق‌ من‌ سكوت‌ المتكلّم‌، في‌ حال‌ ذكره‌ مطلباً ولم‌يأت‌ بقرينة‌. لانَّ حجّيّة‌ اللفّظ‌ في‌ ذلك‌ المقدار من‌ المعني‌ المطلق‌ الذي‌ لايمكن‌ تقييده‌ بموردٍ خاصّ. وصرفه‌ عن‌ ظهوره‌ بادّعاء الانصراف‌ وعدم‌الإرادة‌، وما إلی ذلك‌.

 الرجوع الي الفهرس

الفهم‌ العرفي‌ّ علی أساس‌ ضوابط‌ عميقة‌ ليس‌ للعقل‌ من‌ طرق‌لها

 فعندما يقترن‌ اللفظ‌ بالسكوت‌ ويفيد ظهور معناه‌ الاوّلي‌ّ، فمهما كان‌ ذلك‌ الظهور فهو حجّة‌. ويدرك‌ الإنسان‌ هذا الامر، لكونه‌ عرفي‌ّ ووجداني‌ّ، بِما أنـَّهُ مُدْرِكٌ لِلحَقائِقِ العُرْفيَّةِ وِجْداناً بِالذَّوْقِ الدَّقيق‌.

 يقولون‌: إنَّ المسألة‌ الفلانيّة‌ عرفيّة‌. نعم‌؛ تسليمها للعرف‌ أمر سهل‌ جدّاً. ولكنَّ ملاك‌ تشخيص‌ العرف‌ دقيق‌ إلی درجة‌ أنَّ العقل‌ لايدركه‌ أيضاً، ولذا لا يستطيع‌ العقل‌ أن‌ يتدخّل‌ في‌ عمل‌ العرف‌، ويزيد فيه‌ أو ينقص‌. فالامر أمر عرفي‌ّ، لكنَّ ملاكه‌ ومناطه‌ دقيق‌ إلی درجة‌ أنـّه‌: لايُمْكِنُ أنْ يُزاحِمَهُ أوْ يُعارِضَهُ أي‌ُّ شَي‌ْءٍ.

 وتتفاوت‌ القرينة‌ التي‌ تقام‌ لاجل‌ التقييد أو الانصراف‌ إلی المراد بحسب‌ اختلاف‌ الاحوال‌ والخصوصيّات‌. ففي‌ بعض‌ الاوقات‌ تكون‌ قرينة‌ علی المجاز الذي‌ يري‌ البعض‌ أنـّه‌ « عشرون‌ » مورداً، بينما يراه‌ البعض‌ الآخر « خمسة‌ وعشرين‌ » مورداً، وذهب‌ بعض‌ المحقّقين‌ إلی أنـّه‌: لايَكادُ يَنْحَصِرُ تَحْتَ عَدٍّ، وَلا يَنْضَبِطُ تَحْتَ ضابِطَة‌.

 فقرائن‌ المجازات‌ قائمة‌ علی أساس‌ الذوق‌ العرفي‌ّ، ولا تنحصر في‌ حساب‌ أو ضابطة‌. فإذا قامت‌ قرينة‌ ما فذلك‌ المعني‌ المطلق‌ منصرف‌، وإلاّ فلا. ففي‌ موضع‌ ما تكون‌ القرينة‌ صارفة‌، وفي‌ موضع‌ آخر معيّنة‌. فنحن‌ نتبع‌ القرينة‌، ومهما كانت‌ سواء مقاليّة‌ أم‌ مقاميّة‌ ( لفظيّة‌ أم‌ حاليّة‌ ) لافرق‌.

 ويدور الكلام‌ فيما لو ورد لفظ‌ ولم‌ يكن‌ ثمّة‌ قرينة‌ في‌ الكلام‌ تدلّ علی التخصيص‌ أو الانصراف‌ إلی بعض‌ الافراد أو الصرف‌ عن‌ المعني‌ الظاهري‌ّ، وانتهي‌ الكلام‌ بذلك‌ السكوت‌ الذي‌ يدلّ علی عدم‌ وجود القرينة‌، فيتحقّق‌ لهذا اللفظ‌ ظهور في‌ معناه‌ المطلق‌، وسيكون‌ ذلك‌الإطلاق‌ حجّة‌ في‌ تلك‌ الطبيعة‌ المهملة‌، وبإلحاق‌ السكوت‌ في‌ الطبيعة‌ المطلقة‌ ( لابشرط‌ قسم‌ ).

 الرجوع الي الفهرس

لا فرق‌ في‌ الاخذ بالإطلاق بين‌ الإطلاقين‌ الموضوعي‌ّ والمحمولي‌ّ

 ولقد ظنّ البعض‌ أنـّه‌ يجب‌ التفصيل‌ في‌ الاخذ بالإطلاق‌ بين‌ الموضوع‌ والمحمول‌. أي‌ يمكن‌ الاخذ بالإطلاق‌ في‌ ناحية‌ الموضوع‌ مثلاً: الْماءُ سَيّالٌ، فـ « الماء » له‌ إطلاق‌، حيث‌ يشمل‌ كلّ نوع‌ من‌ الماء، ولكن‌ لايمكن‌ الاخذ بالإطلاق‌ في‌ حكم‌ « سيّال‌ ». فالإطلاق‌ عموماً لايجري‌ في‌ المحمولات‌، ويكون‌ الإهمال‌ في‌ ناحية‌ الحمل‌، دون‌ الإطلاق‌.

 فإذا قلنا: زيدٌ عالمٌ، فزيد معلوم‌ ومحدّد، ولكن‌ لا نستطيع‌ أن‌ نقول‌ إنَّ لفظ‌ عالم‌ يعني‌ أنـّه‌ عالِمٌ بِكُلِّ شَي‌ْءٍ؛ أي‌ أنَّ زيداً عنده‌ جميع‌ علوم‌ العالم‌، مع‌ أنـّه‌ لم‌ يرد قيد في‌ ناحية‌ المحمول‌، وقد ذكر عالِمٌ علی نحو الإطلاق‌.

 أو إذا قلنا: هَذَا الدَّواءُ نافِعٌ، فلا يمكننا أن‌ نقول‌: نافِعٌ لِكُلِّ مَرَض‌. فكلمة‌ « هذا الدواء » موضوع‌ ومحدّد؛ ولكن‌ لا يمكننا أن‌ نأخذ بإطلاق‌ « نافع‌ » ونقول‌: نافِعٌ لِكُلِّ مَرَضٍ في‌ العالَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَی كُلِّ فَرْدٍ، مِنَ الصَّغيرِ وَالكَبيرِ، وَالشَّابِّ وَالهَرِمِ، والمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، إلَی غَيْرِ ذَلِكَ.

 بناءً علی هذا، ففي‌ مثل‌ رواية‌: أُولَئِكَ هُمْ خُلَفَائِي‌، لانستطيع‌ الاخذ بإطلاق‌ خُلَفَائِي‌. لانَّ الكلام‌ ( أولئك‌ هم‌ خلفائي‌ ) يفيد الإجمال‌. فلاي‌ّ شي‌ء هم‌ خلفاء؟ أفي‌ القضاء؟ أم‌ في‌ الحكومة‌ والولاية‌؟ أم‌ أنـّهم‌ خلفاء في‌ الاحكام‌ لرجوع‌ الناس‌ إليهم‌ في‌ أخذ معالم‌ الدين‌ والسنّة‌ وتفسير الكتاب‌؟ فهناك‌ إهمال‌ من‌ هذه‌ الجهة‌، ولا نستطيع‌ التمسّك‌ بإطلاقها.

 وَقَد ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرنَا: أنَّ هذا الكلام‌ ليس‌ له‌ أساس‌ صحيح‌ بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌، لانـّه‌ لا فرق‌ في‌ الاخذ بالإطلاق‌ بين‌ جهة‌ الموضوع‌ والمحمول‌. واللفظ‌ الصادر من‌ المتكلّم‌ من‌ دون‌ نصب‌ قرينة‌ علی معني‌ محدّد إنَّما يدلّ علی معناه‌ الظاهري‌ّ، والمعني‌ الظاهري‌ّ مطلق‌. ونصب‌ القرينة‌ دلالة‌ علی التقييد، ولا فرق‌ بين‌ الموضوع‌ والمحمول‌ أبداً. ونستفيدالإطلاق‌ من‌ جهة‌ المحمول‌ بنفس‌ الصورة‌ التي‌ نستفيد منهاالإطلاق‌ في‌ جهة‌ الموضوع‌ بواسطة‌ مقدّمات‌ الحكمة‌.

 أمّا السبب‌ في‌ كوننا لا نستفيدالإطلاق‌ من‌ زَيدٌ عالِمٌ و الدَّواءُ نافِعٌ، لانَّ نفس‌ اللفظ‌ لا يدلّ علی ‌الإطلاق‌، فكلمة‌ « عالِمٌ » تدلّ علی صرف‌ الانتساب‌ إلی العلم‌. ولو كان‌ اللفظ‌ بنحو يفيدالإطلاق‌ لكنّا استفدنا ذلك‌ منه‌ أيضاً، كأن‌ نقول‌:: زَيدٌ الْعالِمُ؛ أي‌: أنَّ زيداً عالم‌ بجميع‌ أفراد العلم‌. فدخول‌ الالف‌ واللام‌ دليل‌ علی ‌الإطلاق‌. أي‌ هو عالم‌ بكلّ ما للكلمة‌ من‌ معني‌، وكذلك‌: زيدٌ الشُّجاعُ، زيدٌ البَطلُ المُحامي‌، وأمثال‌ ذلك‌.

 وينسب‌ النفع‌ إلی الدواء بنحو الإهمال‌ في‌ «هَذا الدَّواءُ نافِعٌ» فقط‌. ولو قلنا: هَذا الدَّواءُ النَّافِعُ، نستفيد من‌ الالف‌ واللام‌الإطلاق‌. ولهذاالإطلاق‌ لابدّ أيضاً من‌ التمسّك‌ بمقدّمات‌ الحكمة‌.

 وكذا الحال‌ في‌ الموضوع‌ أيضاً. فلو قيل‌: الماءُ بارِدٌ، فَيُعلَم‌ من‌ الالف‌ واللام‌، الدالّة‌ علی العهد الذهني‌ّ، أنَّ لازم‌ ذلك‌ هو سراية‌ برودة‌ الماء إلی كلّ ما ينطبق‌ علیهلفظ‌ « الماء » ( مصاديقه‌ ) في‌ العالم‌. لانَّ لفظ‌ الماء يفيد أنَّ هذه‌ الطبيعة‌، بهذا الوصف‌ والعنوان‌ يصدق‌ علی ها مفهوم‌ « بارد » حيثما وجدت‌.

 أمّا لو أبدلنا كلمة‌ « الماء » بكلمة‌ « ماء » بدون‌ ألف‌ ولام‌، أو مثل‌: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرادَة‌، أو: رَجُلٌ خَيْرٌ مِنْ مَرْأَة‌؛ فلا يستفاد منهاالإطلاق‌ إلاّ بتلك‌ الشروط‌ المذكورة‌. فكيف‌ نستفيدالإطلاق‌ من‌: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرادَة‌ و رَجُلٌ خَيْرٌ مِنْ مَرْأَة‌؟! وهذا بخلاف‌ ما لو قيل‌: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ المَرْأة‌.

 وخلاصة‌ المطلب‌: لا فرق‌ في‌ الاخذ بالإطلاق‌ بين‌ الموضوع‌ والمحمول‌، وأينما كان‌ للفظ‌ ظهور في‌الإطلاق‌، فذلك‌ الظهور حجّة‌.

 فليس‌ من‌ فرق‌ بين‌ الموضوع‌ والمحمول‌ علی ‌الإطلاق‌ في‌ جميع‌ الامثلة‌ التي‌ ذكرناها، وكذلك‌ بقيّة‌ المسائل‌ والاحكام‌ والاوامر الواردة‌ في‌ الشرع‌، مثل‌: النَّاسُ ثَلاَثَةٌ، أو: قَائِمٌ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ إمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً أَوْ خَائِفاً مَغْمُوراً، أو: أُولَئِكَ خُلَفَائِي‌، أو: أُولَئِكَ رُوَاةُ حَدِيثِي‌ يَرْوُونَ أَحَادِيثِي‌، وأمثال‌ ذلك‌ ممّا كان‌الإطلاق‌ فيه‌ محفوظاً في‌ محلّه‌، ويدلّ علی المراد بالدلالة‌ اللفظيّة‌. فلا الاخذ بالقدر المتيقّن‌ هنا له‌ معني‌، ولاانتظار القرينة‌، فاللفظ‌ حجّة‌ في‌ المعني‌ الذي‌ يتحقّق‌ له‌ ظهور فيه‌ وحسب‌. كانت‌ هذه‌ مقدّمة‌ لبيان‌ المطلب‌، وقد طالت‌ إلی حدّ ما علی ما يبدو.

 الرجوع الي الفهرس

الرواية‌ الواردة‌ في‌ «الاحتجاج‌» عن‌الإمام‌ الحسن‌ العسكري‌ّ

تفسيرالإمام‌ لآية‌: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَـ'بَ إِلآ أَمَانِيَّ

 ونرجع‌ الآن‌ إلی أصل‌ البحث‌ المتعلّق‌ بولاية‌ الفقيه‌، فنقول‌: إحدي‌ الروايات‌ التي‌ يُستدلّ بها علی ولاية‌ الفقيه‌ هي‌ الرواية‌ التي‌ ينقلها الشيخ‌ الطَّبَرسي‌ّ في‌ « الاحتجاج‌ » عن‌ « التفسير المنسوب‌ للإمام‌ الحسن‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌ » في‌ ] تَفْسيرِ [ قَوْلِهِ تَعالَي‌: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَـ'بَ إِلآ أَمَانِيَّ ] وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ * فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَـ'بَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـ'ذَا مِنْ عِندِ اللَهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم‌ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم‌ مِّمَّا يَكْسِبُونَ [[2].

 ففي‌ هذه‌ الرواية‌ يتمسّك‌ الإمام العسكري‌ّ علیه السلام‌ بقول‌ الإمام الصادق‌ علیه السلام‌ في‌ جوابه‌ لرجل‌ سأل‌ عن‌ الفرق‌ بين‌ عوامّ اليهود وعوامّنا؛ فيقول‌ الإمام علیه السلام‌ ضمن‌ كلامه‌:

 فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ، حَافِظاً لِدِينِهِ، مُخَالِفاً عَلَی هَوَاهُ، مُطِيعاً لاَِمْرِ مَوْلاَهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ.

 التقليد بمعني‌ وضع‌ القلادة‌ في‌ عنق‌ الغير، وليس‌ بمعني‌ أن‌ يضع‌ المقلِّد قلادة‌ الامر والنهي‌ والالتزام‌ بطاعة‌ مقلَّده‌ علی رقبته‌، فهذا تَقَلُّد وليس‌ تقليداً. فالتقليد هو وضع‌ القلادة‌ في‌ رقبة‌ الغير، أي‌ أنَّ المقلِّد يضع‌ ثقله‌ في‌ عنق‌ المجتهد، فيضيف‌ المجتهد حمل‌ أثقال‌ مقلّديه‌ إلی حمل‌ أثقاله‌. «فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ» أي‌ يضعون‌ قلادة‌ العمل‌ والاعتماد والوساطة‌ في‌ العلم‌ وأخذ أحكام‌ الكتاب‌ والسنّة‌ في‌ رقبته‌، وذلك‌ مِنْ قَلَّدَهُ السَّيْفَ.

 فحين‌ يقال‌: قلَّد الملك‌ وزيرَه‌ سيفاً، فيعني‌ أنـّه‌ قد جعله‌ متحمّلاً لمسؤوليّة‌ حمل‌ السيف‌.

 ثمّ يقول‌ علیه السلام‌: وَذَلِكَ لاَ يَكُوُنُ إلاَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ لاَجَمِيعَهُمْ، فَإنَّهُ مَنْ رَكِبَ مِنَ القَبَائِحِ وَالفَوَاحِشِ مَرَاكِبَ فَسَقَةِ العَامَّةِ، فَلاَتَقْبَلُوا مِنَّا عَنْهُ شَيْئاً وَلاَ كَرَامَةَ.

 ورد هذا الحديث‌ بكامله‌ في‌ الجزء الثاني‌ من‌ « الاحتجاج‌ » للطبرسي‌ّ في‌ ثلاث‌ صفحات‌، وهو حديث‌ طويل‌ ويحتوي‌ علی دقائق‌ ولطائف‌ ونكات‌. وبيّن‌ الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌ مطالباً نفيسة‌ عند تفسيره‌ للآية‌ المذكورة‌.

 أمّا الشيخ‌ رحمه‌ الله‌ في‌ رسائله‌، فلم‌ يذكر جميع‌ الرواية‌، واكتفي‌ بما نقله‌ الإمام العسكري‌ّ علیه السلام‌ من‌ ذلك‌ المقدار الذي‌ يحتوي‌ علی كلام‌ الإمام الصادق‌ في‌ جواب‌ ذلك‌ السائل‌.

 وعلي‌ الرغم‌ من‌ احتواء « التفسير المنسوب‌ للإمام‌ العسكري‌ّ » علی مطالب‌ غيرحقّة‌ ( ولا يمكن‌ للإنسان‌ نسبة‌ ذلك‌ الكتاب‌ إلی الإمام علی نحو اليقين‌، إذ كما هو ظاهر قد تصرّف‌ فيه‌ وأُلحقت‌ به‌ إضافات‌، ولذلك‌ لانستطيع‌ أن‌ نعدّ جميع‌ هذا التفسير ـمن‌ ناحية‌ المجموع‌ـ معتبراً ) لكنّه‌ إجمالاً يتضمّن‌ روايات‌ في‌ أعلي‌ درجات‌ المتانة‌ والدقّة‌، ومن‌ ضمنها رواية‌ تشتمل‌ علی مضامين‌ عالية‌ جدّاً وراقية‌.

 ولتبيان‌ جميع‌ المطالب‌ والاستدلال‌ بها، ننقل‌ هذه‌ الرواية‌ إن‌ شاء الله‌ تعالي‌، عن‌ أصل‌ « الاحتجاج‌ » ليتبيّن‌ محلّ استدلال‌ الإمام العسكري‌ّ علیه السلام‌، ومن‌ ثمّ كلام‌ الإمام الصادق‌ علیه السلام‌.

 يقول‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ: وَبِالإسْنادِ الَّذي‌ مَضَي‌ ذِكْرُهُ عَنْ أبي‌ مُحَمَّدٍ العَسْكَرِي‌ِّ عَلَیهِ  السَّلامُ في‌ قَوْلِهِ تَعالَي‌: «وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَـ'بَ إِلآ أَمَانِيَّ» [3].

 إنَّ الاُمِّي‌َّ، مَنْسُوبٌ إلَی «أُمِّهِ» أَي‌ْ: هُوَ كَمَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لاَيَقْرَأُ وَلاَيَكْتُبُ.

 «لاَ يَعْلَمُونَ الكِتَابَ» المُنْزَلِ مِنَ السَّمَاءِ وَلاَ المُتَكَذَّبِ بِهِ؛ وَلاَيُمَيِّزُونَ بَيْنَهُمَا «إلاَّ أَمَانِيَّ» أَي‌ْ: إلاَّ أَنْ يُقْرَأَ عَلَیهِ مْ وَيُقَالَ لَهُمْ: إنَّ هَذَا كِتَابُ اللَهِ وَكَلاَمُهُ.

 أي‌ أنَّ اليهود والنصاري‌ لا يعلمون‌ شيئاً من‌ كتابهم‌ ( الإنجيل‌ والتوراة‌ ) ولايفرّقون‌ بين‌ الكتاب‌ النازل‌ من‌ السماء والكتاب‌ الكاذب‌ الذي‌ يُنسب‌ إلی الله‌ ( لا يفرّقون‌ بين‌ النبي‌ّ الحقيقي‌ّ الذي‌ من‌ عند الله‌ والنبي‌ّ الكاذب‌ الذي‌ ينسب‌ ذلك‌ الكتاب‌ إلی الله‌ ) ولا يدركون‌ عنه‌ شيئاً أبعد من‌ كونه‌ كتاباً له‌ صفحات‌ ولا يميّزون‌ بين‌ واقع‌ ذلك‌ الكتاب‌ الباطل‌ وواقع‌ الكتاب‌ الحقّ إلاّ أماني‌ّ، فتمييزهم‌ وتشخيصهم‌ إنَّما هو علی أساس‌ الاماني‌ّ فقط‌.

 أي‌ أنـّه‌ ليس‌ هناك‌ مميّز في‌ أذهانهم‌ بين‌ هذا الكتاب‌ وبين‌ الكتب‌ الباطلة‌ إلاّ أن‌ يقرأ علی هم‌ هذا الكتاب‌، ويقال‌ لهم‌: هذا كتاب‌ الله‌ وكلامه‌، لتفرح‌ قلوبهم‌ ويبنوا علی ذلك‌ أمانيّهم‌ وأفكارهم‌ وآمالهم‌.

 لاَ يَعْرِفُونَ إنْ قُرِي‌َ مِنَ الكِتَابِ خِلاَفَ مَا فِيهِ.

 فأصل‌ الكتاب‌ حقّ ولكن‌ عندما يقرأه‌ علماء النصاري‌ أو اليهود يقرأه‌ علی أحدهم‌ بشكل‌ مُحَرَّف‌، لا يفقه‌ ذلك‌ المسكين‌، فيتوهّم‌ أنَّ ما يقرأه‌ ذلك‌ العالم‌ من‌ الكتاب‌ هو ذلك‌ المُنَزَّلِ مِنَ السَّماءِ.

 «وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ» أَي‌ مَا يَقْرَأُ عَلَیهِ مْ رُؤَسَاؤُهُمْ مِنْ تَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌اللَهُ عَلَیهِ  وَآلِهِ فِي‌ نُبُوَّتِهِ وَإمَامَةِ علی ‌ٍّ سَيِّدِ عِتْرَتِهِ.

 وَهُمْ يُقَلِّدُونَهُمْ مَعَ أَنـَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَیهِ مْ تَقْلِيدُهُمْ.

 فحرامٌ تقليد العالم‌ الخائن‌ الذي‌ قد حرّف‌ كتاب‌ الله‌ وراح‌ يطرح‌ ما فيه‌ بخلاف‌ ما هو علی ه‌.

 «فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَـ'بَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـ'ذَا مِنْ عِندِ اللَهِ» [4] ] لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم‌ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم‌ مِّمَّا يَكْسِبُونَ [[5].

 تتحدّث‌ هذه‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ عن‌ قوم‌ من‌ اليهود قلّدوا علماءهم‌، وكان‌ أُولئك‌ العلماء ينسبون‌ إلی النبي‌ّ أُموراً مخالفة‌ للواقع‌ ولمضامين‌ التوراة‌، ويذكرونها لعوامّهم‌، فيقطعون‌ بهذه‌ الوسيلة‌ الطريق‌ علی هم‌ في‌ الوصول‌ إلی النبي‌ّ والإيمان‌ به‌.

 يقول‌ الإمام العسكري‌ّ علیه السلام‌: هَذَا القَوْمُ اليَهُودُ كَتَبُوا صِفَةً زَعَمُوا أَنـَّهَا صِفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ  وَآلِهِ وَهِي‌َ خِلاَفُ صِفَتِهِ، وَقَالُوا لِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْهُمْ: هَذِهِ صِفَةُ النَّبِي‌ِّ المَبْعُوثِ فِي‌ آخِرِ الزَّمَانِ: إنَّهُ طَوِيلٌ عَظِيمُ البَدَنِ وَالبَطْنِ، أَهْدَفُ، أَصْهَبُ الشَّعْرِ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ  وَآلِهِ بِخِلاَفِهِ، وَهُوَ يَجِي‌ءُ بَعْدَ هَذَا الزَّمَانِ بِخَمْسِمِائةِ سَنَةٍ.

 ( الاَصْهَب‌ بمعني‌ الاَشْقَر والاشقر لون‌ بين‌ الاحمر والاصفر. وهناك‌ كثير من‌ الخيول‌ لها لون‌ خاصّ، لا هو أحمر ولا هو أصفر، تسمّي‌ بالخيول‌ الشقر ).

 وَإنَّمَا أَرَادُوا بِذَلِكَ أَنْ تَبْقَي‌ لَهُمْ عَلَی ضُعَفَائِهِمْ رِيَاسَتُهُمْ، وَتَدُومَ لَهُمْ إصَابَاتُهُمْ، وَيَكُفُّوا أَنْفُسَهُمْ مَؤُونَةَ خِدْمَةِ رَسُولِاللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ  وَآلِهِ وَخِدْمَةِ علی ‌ٍّ عَلَیهِ  السَّلاَمُ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَخَاصَّتِهِ.

 فالسبب‌ في‌ قيام‌ علماء اليهود بهذا العمل‌ أمام‌ عوامّهم‌ هو: أنـّهم‌ إذا آمنوا فعليهم‌ أن‌ يكونوا كسائر المسلمين‌ العاديّين‌، وأن‌ يخضعوا لامر النبي‌ّ، فيجاهدوا ويصلّوا ويؤدّوا الخمس‌ والزكاة‌، وعليهم‌ الطاعة‌ والالتزام‌. وبما أنـّهم‌ يطمحون‌ بالقيادة‌، فلذلك‌ لا يؤمنون‌ بما جاء به‌ الإسلام‌ ويحاولون‌ تحريف‌ الحقائق‌ لصرف‌ ضعفاءهم‌ عن‌ النبي‌ّ.

 فَقَالَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ: «فَوَيْلٌ لَّهُم‌ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم‌ مِّمَّا يَكْسِبُونَ» مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ المُحَرَّفَاتِ وَالمُخَالِفَاتِ لِصَفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌اللَهُ عَلَیهِ  وَآلِهِ وَعَلِي‌ٍّ عَلَیهِ  السَّلاَمُ!

 الشِّدَّةُ لَهُمْ مِنَ العَذَابِ فِي‌ أَسْوَإِ بِقَاعِ جَهَنَّمَ «وَوَيْلٌ لَّهُم‌» الشِّدَّةُ فِي‌ العَذَابِ ثَانِيَةً مُضَافَةً إلَی الاُولَي‌ بِمَا يَكْسِبُونَهُ مِنَ الاَمْوَالِ الَّتِي‌ يَأْخُذُونَهَا إذْ أَثْبَتُوا عَوَامَّهُمْ عَلَی الكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ  وَآلِهِ وَالحُجَّةِ لِوَصِيِّهِ وَأَخِيهِ علی ‌ِّ بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ عَلَیهِ  السَّلاَمُ وَلِي‌ِّاللَهِ.

 كان‌ هذا بيان‌ الإمام العسكري‌ّ علیه السلام‌ لهذه‌ الآية‌ القرآنيّة‌، وتوضيح‌ لتفسير آية‌: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَـ'بَ إِلآ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّيَظُنُّونَ، ثمّ يستشهد الإمام علیه السلام‌ بكلام‌ الإمام الصادق‌ علیهما السلام‌ ( حيث‌ قام‌ الشيخ‌ في‌ « الرسائل‌ » بنقل‌ الكلام‌ من‌ هذا الموضع‌ فما بعد ).

 الرجوع الي الفهرس

بين‌ علمائنا وعوامّنا وعلماء اليهود وعوامّهم‌ فرق‌ وتسوية‌

 ثُمَّ قَالَ عَلَیهِ  السَّلاَمُ: قَالَ رَجُلٌ لِلصَّادِقِ عَلَیهِ  السَّلاَمُ: فَإذَا كَانَ هَؤُلاَءِ القَوْمُ مِنَ اليَهُودِ لاَ يَعْرِفُونَ الكِتَابَ إلاَّ بِمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، لاَسَبِيلَ لَهُمْ إلَی غَيْرِهِ، فَكَيْفَ ذَمَّهُمْ بِتَقْلِيدِهِمْ وَالقَبُولِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ؟ وَهَلْ عَوَامُّ اليَهُودِ إلاَّ كَعَوَامِّنَا يُقَلِّدُونَ عُلَمَاءَهُمْ؟

 بناءً علی هذا، فعلامَ يكون‌ عوامّ اليهود خاطئين‌ ويذمّهم‌ الله‌ مع‌ أنـّهم‌ أُمّيون‌ وجهلة‌ لاَ يَقْرَؤونَ وَلاَ يَكْتُبُونَ، ولا يفرّقون‌ بين‌ القرآن‌ وبين‌ التوراة‌ والإنجيل‌ ولا بين‌ الكتب‌ الضالّة‌ الاُخري‌، ولا يميّزن‌ بعضها عن‌ بعض‌؟

 فما ذنب‌ هؤلاء المساكين‌ إذا لم‌ يكن‌ لهم‌ من‌ طريق‌ لتحصيل‌ معارفهم‌ الدينيّة‌ سوي‌ علمائهم‌، وعلماؤهم‌ لا يعطوهم‌ سوي‌ الحقائق‌ المزيّفة‌؟ وهل‌ عوامّ اليهود إلاّ مثل‌ عوامّنا الذين‌ يقلّدون‌ علماءنا ويعملون‌ بما يأمرونهم‌ به‌؟

 هذا هو إشكال‌ ذلك‌ السائل‌ علی الإمام العسكري‌ّ علیه السلام‌.

 فَقَالَ عَلَیهِ  السَّلاَمُ: بَيْنَ عَوَامِّنَا وَعُلَمَائِنَا وَعَوَامِّ اليَهُودِ وَعُلَمَائِهِمْ فَرْقٌ مِنْ جَهَةٍ وَتَسْوِيَةٌ مِنْ جَهَةٍ.

 أَمَّا مِنْ حَيْثُ اسْتَوَوْا: فَإنَّ اللَهَ قَدْ ذَمَّ عَوَامَّنَا بِتَقْلِيدِهِمْ عُلَمَاءَهُمْ، كَمَا ذَمَّ عَوَامَّهُمْ؛ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ افْتَرَقُوا،فَلاَ[6].

 فلا يختصّ ذمّ الله‌ في‌ الجهة‌ المشتركة‌ بعوامّ اليهود، بل‌ يشمل‌ عوامّنا أيضاً، فحين‌ يقلّدون‌ العلماء الذين‌ يبدون‌ لهم‌ خلاف‌ الواقع‌ ويقبلون‌ منهم‌ ذلك‌، فسيقعون‌ تحت‌ طائلة‌ الذمّ، ويكونون‌ عرضة‌ للعقوبة‌.

 أي‌ عندما يعرف‌ عوامّنا عالماً له‌ سوابق‌ سيّئة‌ ومن‌ أهل‌ الخيانة‌، ومعروف‌ بحبّه‌ للدنيا وجمع‌ المال‌ والرئاسة‌، فيتبعونه‌ وهو بهذه‌ الحال‌، فالذمّ نصيبهم‌ والعقوبة‌ حصيلتهم‌، لانـّهم‌ سيُسألون‌ عن‌ سبب‌ اتّباعهم‌ ذلك‌ الشخص‌ علی الرغم‌ من‌ معرفتهم‌ بخيانته‌ بوجدانهم‌ ونورهم‌ القلبي‌ّ، وكذا الحال‌ بالنسبة‌ لعوامّ اليهود فإنَّهم‌ سيتعرّضون‌ للسؤال‌ والمؤاخذة‌.

 أمّا من‌ جهة‌ اتّباع‌ عوامّنا للعلماء الصالحين‌، بعد التفحّص‌ عن‌ أحوالهم‌، فهنا يكمن‌ الفرق‌ بين‌ عوامّنا وعوامّ اليهود، لانـّه‌ لو قلّد عوامّنا علماءهم‌ في‌ أُمور مشتبه‌ بها، فليس‌ علی عاتقهم‌ من‌ وزر، بخلاف‌ تقليد عوامّ اليهود لعلمائهم‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

مصرف کردن بدون تولید
آیه شریفه : وَ لَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ ... (سوره مبارکه سجده ، آیه 21)ترجمه : و ما به جز عذاب بزرگتر (در قیامت) از عذاب این دنیا نیز به آنان می چشانیم ...روایت : قال أبي جعفر ( ع ): ... و لله عز و جل عباد ملاعين مناكير ، لا يعيشون و لا يعيش الناس في أكنافهم و هم في عباده بمنزله الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .  (اصول کافی ، ج 8 ، ص 248 )ترجمه : امام باقر(ع) مي‌فرمايد: ... و خداوند بدگانی نفرین شده و ناهنجار دارد که مردم از تلاش آنان بهره مند نمی شوند و ایشان در میان مردم مانند ملخ هستند که به هر جیز برسند آن را می خورند و نابود می کنند.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید