الدرس‌ الخامس‌ عشر

الدرس‌ الخامس‌ عشر:

 مَا وَلَّتْ أُمَّـةٌ أَمْرَهَا رَجُلاً قَطُّ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ...

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

 

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِي‌ِّ العَظِيمِ

 

 إحدي‌ الروايات‌ المهمّة‌ جدّاً التي‌ تدلّ علی ولاية‌ الفقيه‌ ولزوم‌ أعلميّة‌ الفقيه‌ الذي‌ يكون‌ في‌ مصدر الولاية‌، هي‌ الرواية‌ المعروفة‌ التي‌ نقلت‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیهوآله‌ وسلّم‌ بأسانيد مختلفة‌ وهي‌ قوله‌:

 مَا وَلَّتْ أُمَّـةٌ أَمْرَهَا رَجُلاً قَطُّ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، إلاَّ لَمْيَزَلْ أَمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفَالاً حَتَّي‌ يَرْجِعُوا إلَی مَا تَرَكُوا.

 نقلت‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ عدّة‌ موارد، فقد رُوِيَت‌ عن‌الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ علیه السلام‌ بنحوين‌ مختلفين‌، وذكرها أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌ في‌ مورد آخر، واحتجّ بها سلمان‌ الفارسي‌ّ في‌ مورد ثالث‌، كما رُويت‌ أيضاً في‌ أحد المواضع‌ عن‌الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیه السلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

رواية‌الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ عن‌ الرسول‌ الاكرم‌

 وأمّا رواية‌الإمام‌الحسن‌المجتبي‌ علیه السلام‌، فقد رويت‌ في‌ « الامالي‌ » للشيخ‌ الطوسي‌ّ، وفي‌ « غاية‌ المرام‌ » للسيّد هاشم‌ البحراني‌ّ نقلاً عن‌  «الامالي‌»  بسندين‌ مختلفين‌.

 وأمّا سندها الاوّل‌: فيقول‌ الشيخ‌ في‌ « الامالي‌ »: أخْبَرَنا جَماعَةٌ عَنْ أبي‌ المُفَضَّلِ قالَ: حَدَّثَني‌ أبو العَبَّاسِ أحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهَمْداني‌ُّ بِالكُوفَةِ؛ وَقالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِبْنِ إبْراهيمَبْنِ القَيْسِ الاَشْعَري‌ُّ قالَ: حَدَّثَنا علی ‌ُّ بْنُ حَسَّانِ الوَاسِطِي‌ُّ قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدُالرَّحْمَنِ ابْنُكَثيرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ علی ‌ِّبْنِ الحُسَيْنِ عَلَیهِمُ السَّلامُ قالَ: لَمَّا أَجْمَعَ الحَسَنُ بْنُ علی ‌ٍّ عَلَیهِ مَا السَّلاَمُ عَلَی صُلْحِ مُعَاوِيَةَ، خَرَجَ حَتَّي‌ لَقِيَهُ. فَلَمَّا اجْتَمَعَا قَامَ مُعَاوِيَةُ خَطِيباً...

 ثمّ ذكرالإمام‌ علیه السلام‌ الخطبة‌ إلی أن‌ يقول‌:

 فَقَامَ الحَسَنُ عَلَیهِ  السَّلاَمُ فَخَطَبَ فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ المُسْتَحْمِدِ بِالآلاَءِ وَتَتَابُعِ النَّعْمَاءِ... فيذكرالإمام‌ علیه السلام‌ خطبة‌ جامعة‌ وطويلة‌، وبعد ذلك‌ يورد هذه‌ الجملة‌:

 وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَهِ ] صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ [: مَا وَلَّتْ أُمَّـةٌ أَمْرَهَا رَجُلاً قَطُّ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، إلاَّ لَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفَالاً حَتَّي‌ يَرْجِعُوا إلَی مَا تَرَكُوا.[3]

 وأمّا السند الثاني‌: فينقل‌ أيضاً في‌ « غاية‌ المرام‌ » [4] عن‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ في‌ « الامالي‌ » مختصر هذه‌ الخطبة‌. وفي‌ تلك‌ الرواية‌ يأتي‌الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ علیه السلام‌ بعين‌ هذه‌ العبارة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ كشاهد.

 فالعبارتان‌ هما عبارة‌ واحدة‌ عن‌الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ علیه السلام‌، وأصل‌ الخطبة‌ عن‌الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ علیه السلام‌ مقبول‌ عند الجميع‌، حتّي‌ أنَّ العامّة‌ قد نقلوا ذلك‌ أيضاً. ولكنَّ هذه‌ الجملة‌ بالخصوص‌ قد تفرّد بها « غاية‌ المرام‌ » نقلاً عن‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ، ولها سندان‌ أيضاً، وكلا سنديها جيّد جدّاً.

 الرجوع الي الفهرس

رواية‌ أمير المؤمنين‌ هذا الحديث‌ عن‌ الرسول‌ الاكرم‌

 وأمّا الرواية‌ التي‌ نقلوها عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌ مع‌ هذه‌ الجملة‌ الخاصّة‌ فهي‌ في‌ كتاب‌ «سُلَيْم‌ بن‌ قَيْسِ الهِلالِي‌ّ».

 يروي‌ أبان‌ ( راوي‌ هذا الحديث‌ )، عن‌ سُليم‌ بن‌ قيس‌ أنـّه‌ قال‌: سمعت‌ علی ‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه السلام‌ ـقبل‌ وقعة‌ صفّين‌ـ يقول‌: إنَّ هَؤُلاَءِ القَوْمَ لَنْ يُنِيبُوا إلَی الحَقِّ...

 ثمّ يتابع‌الإمام‌ كلامه‌ إلی أن‌ يقول‌:

 إنَّ العَجَبَ كُلَّ العَجَبِ مِنْ جُهَّالِ هَذِهِ الاُمَّةِ وَضُلاَّلِهَا وَقَادَتِهَا وسَاقَتِهَا إلَی النَّارِ! إنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوا رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ  وَآلِهِ يَقُولُ عَوْدَاً وَبَدْءاً: مَا وَلَّتْ أُمَّـةٌ رَجُلاً قَطُّ أَمْرَهَا وَفِيهِمْ أَعْلَمُ مِنْهُ، إلاَّ لَمْيَزَلْ أَمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفَالاً حتَّي‌ يَرْجِعُوا إلَی مَا تَرَكُوا.[5]

 وردت‌ هذه‌ الرواية‌ التي‌ اختصرناها وذكرناها كشاهد، في‌ كتاب‌ « سُليم‌بن‌ قيس‌ ». وهذا الكتاب‌ من‌ أكثر الكتب‌ اعتباراً، لانَّ سُليم‌بن‌ قيس‌ شخصيّة‌ مرموقة‌ عند الشيعة‌ والسنّة‌، ومن‌ المعروفين‌ في‌ رجال‌ الرواية‌، وكتابه‌ أيضاً في‌ منتهي‌ الإتقان‌ والاعتبار. وكثيراً ما ينقل‌ كبار علماء الشيعة‌ كالمجلسي‌ّ والسيّد بن‌ طاووس‌ وأمثالهما في‌ كتبهم‌ عن‌ سليم‌بن‌ قيس‌، ولايوجد أي‌ّ شكّ أو شبهة‌ في‌ صحّة‌ كتابه‌.

 وكان‌ سلمان‌ أوّل‌ من‌ استدلّ بهذه‌ الرواية‌ ـرَدًّا عَلَی مَنْ شاغَلَ مَنْصِبَ الاَعْلَم‌ـ بناءً علی ما فحصناه‌ واستنتجناه‌. فسلمان‌ من‌ الرجال‌ الاثني‌ عشر الذين‌ ذهبوا إلی المسجد واعترضوا علی أبي‌ بكر بعد أحداث‌ السقيفة‌ ودفن‌ الرسول‌ صلّي‌ الله‌ علیهوآله‌ وسلّم‌، فخاطبوا أبا بكر واحداً واحداً متسائلين‌ عن‌ الامر، ورفضوا خلافته‌. وجاء في‌ أكثر كتب‌ التأريخ‌: أنَّ هؤلاء الاشخاص‌ قد اعترضوا علی أبي‌بكر واحتجّوا علیه بشدّة‌ وحزم‌، ولم‌يَقْوَ أبو بكر بالإجابة‌ علی اعتراضاتهم‌.

 وبالطبع‌ فلهذه‌ القصّة‌ التأريخيّة‌ مجال‌ واسع‌، وما يهمّنا منها هو تلك‌ العبارة‌ التي‌ تشكّل‌ شاهداً علی لزوم‌ تصدّي‌ الاعلم‌ لمناصب‌ الولاية‌.

 ومن‌ هؤلاء الاشخاص‌ الاثني‌ عشر: سلمان‌، أبو ذرّ، عمّار، حذيفة‌، ابن‌التَّيِّهان‌، وأبو أيّوب‌ الانصاري‌ّ، الذين‌ ذهبوا إلی مسجد رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه وآله‌ وسلّم‌ وقاموا بمحاججة‌ أبي‌ بكر لَمَّا صَعَدَ المِنْبَرَ وَيُريدُ الخُطْبَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ خِلافَةً عَنْ رَسولِ اللَهِ بَعْدَ البَيْعَةِ.

 وَقامَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُم‌ واحِدًا بَعْدَ الآخَرِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَی إمامَةِالإمام أميرِالمؤْمِنينَ عَلَیهِ السَّلامُ، رَدّاً عَلَی خِلافَةِ الخَليفَةِ الاِنْتِخابي‌ِّ، وَإنْكاراً عَلَی تَشاغُلِهِ مَنْصِبَ الرَّسولِ صلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّم‌. أورد هذه‌ القضيّة‌ أحمد بن‌ محمّد بن‌ خالد البَرقي‌ّ في‌ كتابه‌ « الرجال‌»، و عَبد الجليل‌ القزويني‌ّ في‌ كتاب‌ « النقض‌ »،و الشيخ‌ الصدوق‌ في‌ « الخصال‌ »، و أبو منصور أحمد بن‌ أبي‌ طالب‌ الطبرسي‌ّ في‌ «الاحتجاج‌ »، والسيّد الاجلّ علی ‌ّ بن‌ طاووس‌ في‌ كتاب‌ « كشف‌ اليقين‌ ».[6]

 وينقل‌ ذلك‌ المجلسي‌ّ في‌ « بحار الانوار » [7]، والمامقاني‌ّ في‌ « تنقيح‌ المقال‌ » [8]، عن‌ الشيخ‌ الصدوق‌، وعن‌ الطبرسي‌ّ، ولا يشيران‌ إلی رواية‌ البرقي‌ّ والقزويني‌ّ التي‌ ننقلها عنهما هنا، مع‌ ما في‌ كتابي‌ أحمدبن‌ محمّدبن‌ خالد البرقي‌ّ وعبد الجليل‌ القزويني‌ّ في‌ نقل‌ هذه‌ الرواية‌ من‌ مطالب‌ عالية‌ وسامية‌ جدّاً.

 وقد يكون‌ سبب‌ عدم‌ الإشارة‌ من‌ قبل‌ المجلسي‌ّ والمامقاني‌ّ إلی ما في‌ « النقض‌ » و « الرجال‌ » هو عدم‌ حصولهما علی هذين‌ الاثرين‌، وعدم‌ اطّلاعهما بهما؛ فلم‌ يشيرا إلی ذلك‌ علی الرغم‌ من‌ أهمّيّة‌ وقيمة‌ روايتهما من‌ حيث‌ متانة‌ المحتوي‌ ودقّة‌ المطالب‌ فيهما نسبةً إلی ما في‌ الخبر المنقول‌ عن‌ ابن‌ طاووس‌ والطبرسي‌ّ والشيخ‌ الصدوق‌.

 ومن‌ جملة‌ البراهين‌ التي‌ اعتمد علی ها سلمان‌ حين‌ محاججة‌ الخليفة‌ الغاصب‌ هو عدم‌ جواز تصدّي‌ غير الاعلم‌ لمقام‌ الولاية‌ مع‌ وجود الاعلم‌. ويتلخّص‌ احتجاج‌ سلمان‌ بـ: بأي‌ّ دليل‌ تصعد أنت‌ علی منبر رسول‌الله‌ وتغصب‌ الخلافة‌ مع‌ كون‌ أعلم‌ الاُمَّة‌ موجوداً؟! وقام‌ كلّ شخص‌ من‌ الاشخاص‌ الاثني‌ عشر بإيراد دليل‌ خاصّ لم‌ يرتبط‌ بأدلّة‌ الآخرين‌، ومن‌ أراد الاطّلاع‌ فليرجع‌ إلی الكتب‌ التي‌ ذكرناها.

 ونذكر الآن‌ عبارة‌ سلمان‌ الواردة‌ في‌ كتاب‌ « الرجال‌ » للبرقي‌ّ، إذ يقول‌:

 ثُمَّ قامَ سَلْمانُ فَقالَ: يا أبا بَكْرٍ إلَی مَنْ تَسْتَنِدُ [9] أمْرَكَ إذَا المَوْتُ نَزَلَ بِكَ؟! وَإلَي‌ مَنْ تَفْزَعُ [10] إذَا سُئِلْتَ عَنْ أحْكامِ الاُمَّةِ عَمَّا لاتَعْلَمُ؟! أتَكونُ إمَامَاً لِمَنْ هُوَ أعْلَمُ مِنْكَ؟ قَدِّمْ مَنْ قَدَّمَهُ اللَهُ وَقَدَّمَهُ رَسُول ُاللَهِ فِي‌ حَياتِهِ...[11]

 وأمّا الشيخ‌ عبد الجليل‌ القزويني‌ّ فقد أورد في‌ كتاب‌ « النقض‌ » هذه‌ العبارة‌:

 يا أبا بَكْر! إلَی مَنْ تَسْنَدُ أمْرَكَ إذا نَزَلَ بِكَ القَضاءُ؟ وَإلَي‌ مَنْ تَفْزَعُ إذا سُئِلْتَ عَمَّا لا تَعْلَمُ؟ ] وَما عُذْرُكَ في‌ التَّقَدُّمِ [ وَفي‌ القَوْمِ مَنْ هُوَ أعْلَمُ مِنْكَ؟!... [12]

 وأورد الشيخ‌ الصدوق‌ في‌ كتاب‌ « الخصال‌ » عين‌ العبارة‌ التي‌ نقلناها من‌ كتاب‌ « النقض‌ »، ولكنّه‌ لم‌ يذكر جملة‌ «وَما عُذْرُكَ في‌ التَّقَدُّمِ».

 وأمّا رواية‌ « الاحتجاج‌ » فبهذه‌ العبارة‌:

 يا أبا بَكْرٍ! إلَی مَنْ تَسْنَدُ أمْرَكَ إذا نَزَلَ بِكَ ما لا تَعْرِفُهُ؟! وَإلَي‌ مَنْ تَفْزَعُ إذا سُئِلْتَ عَمَّا لا تَعْلَمُهُ؟ وَما عُذْرُكَ في‌ تَقَدُّمِكَ عَلَی مَنْ هُوَ أعْلَمُ مِنْكَ، وأقْرَبُ إلَی رَسولِ اللَهِ، وَأعْلَمُ بِتَأْويلِ كِتابِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ نَبيِّهِ؟! [13]

 وأورد هذه‌ الرواية‌، التي‌ نقلت‌ عن‌ سلمان‌ بطرق‌ مختلفة‌ سبعة‌ أشخاص‌ من‌ كبار العلماء في‌ كتبهم‌ ( البرقي‌ّ، القزويني‌ّ، الطبرسي‌ّ، ابن‌ طاووس‌، المجلسي‌ّ، المامقاني‌ّ والصدوق‌ ).

 الرجوع الي الفهرس

رواية‌الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر عن‌ الرسول‌ الاكرم‌

 ومن‌ جملة‌ روايات‌ إمامة‌ الاعلم‌، الرواية‌ المروية‌ عن‌ الكاظم‌ علیه السلام‌، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیهوآله‌ وسلّم‌ في‌ آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَها حالَ مَرَضِهِ الَّذي‌ تُوُفِّي‌َ فيها، في‌ المَسْجِد:

 أَلاَ وَمَنْ أَمَّ قَوْماً عَمْياً وَفِي‌ الاُمَّةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرَ!

 ينقل‌ هذه‌ الرواية‌ السيّد هاشم‌ البحراني‌ّ في‌ « غاية‌ المرام‌ » عن‌ السيّد ابن‌ طاووس‌ في‌ « الطرائف‌ » في‌ الطريفة‌ الثالثة‌ والثلاثين‌. [14] وقد علم‌ أنَّ أصل‌ الحديث‌ مروي‌ٌّ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیهوآله‌ وسلّم‌ أيضاً.

 فهذه‌ الرواية‌ تفيد بنحو الإطلاق‌ أيضاً أنَّ أمر الحكومة‌ والولاية‌ مختصّ بالاعلم‌ من‌ بين‌ الاُمّة‌ دوماً، وما دام‌ الاعلم‌ موجوداً في‌ الاُمّة‌ فليس‌لغير الاعلم‌ أن‌ يتسلّم‌ الحكومة‌، وإذا قام‌ قوم‌ بأمر كهذا فإنَّما يكونون‌ قد أخرجوا المجتمع‌ عن‌ طريق‌ الصلاح‌ وساروا به‌ نحو الهلكة‌، وستستمرّ الهلكة‌، حتّي‌ يرجعوا ويسلّموا زمام‌ الامر إلي‌الإمام‌.

 وعلي‌ هذا الاساس‌، نري‌ في‌ الروايات‌ أنَّ الائمّة‌ الطاهرين‌ علیهم السلام‌ كثيراً ما حاججوا العامّة‌ بـ: ما هو دليل‌ تسلّم‌ الخلفاء زمام‌ الاُمور مع‌ موجود الاعلم‌ بين‌ الاُمّة‌، مع‌ أنَّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیهوآله‌ وسلّم‌ قال‌ بوجوب‌ تسلّم‌ الاعلم‌ من‌ أُمّتي‌ لزمام‌ الحكومة‌؟!

 وكان‌ بيد الشيعة‌ دائماً حربة‌ ثابتة‌ وقويّة‌ مقابل‌ أهل‌ السنّة‌ مفادها: مع‌ وجود العقل‌ القوي‌ّ والعلم‌ القوي‌ّ فتسليم‌ الاُمور لغير الاعلم‌ لاينسجم‌ مع‌ منطق‌ الفطرة‌ والعقل‌ وأوامر رسول‌ الله‌. أي‌: أنَّ وجوب‌ حكومة‌ الاعلم‌ جارٍ في‌ الاُمور الثلاثة‌: حكم‌ الفطرة‌، وحكم‌ العقل‌، وحكم‌ الشرع‌.

 وشاهدنا في‌ هذه‌ الروايات‌ فقط‌ تلك‌ الجملة‌ من‌ الرواية‌ النبويّة‌ التي‌ نُقلت‌ بهذه‌ الطريق‌ المختلفة‌ لا سائر الادلّة‌ النقليّة‌ التي‌ كلّ منها باقٍ في‌ محلّه‌.

 الرجوع الي الفهرس

التهديد والخطاب‌ الموجّه‌ من‌الإمام‌ الجواد لعمّه‌ عبد الله‌ بن‌ موسي‌

أسناد ومضامين‌ هذا الحديث‌ الشريف‌ المختلفة‌

 ومن‌ جملة‌ الروايات‌ التي‌ يمكن‌ أن‌ يستفاد منها بشكل‌ جيّد وجوب‌ تقليد الاعلم‌ لا ولايته‌، الرواية‌ التي‌ ينقلها المرحوم‌ المجلسي‌ّ في‌ « بحار الانوار » في‌ أحوال‌الإمام‌ محمّد التقي‌ّ جواد الائمّة‌ علیه السلام‌، من‌ كتاب‌ « عيون‌ المعجزات‌ » لَمَّا أفْتَي‌ عَمُّهُ عَبْدُ اللَهِ بْنُ موسَي‌ بِفُتْيا غَيْرِصَحيْحَة‌ فَقَالَ ] عَلَیهِ  السَّلامُ [: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، يَا عَمُّ! إنَّهُ عَظِيمٌ عِنْدَ اللَهِ أَنْ تَقِفَ غَداً بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ لَكَ: لِمَ تُفْتِي‌ عِبَادِي‌ بِمَا لَمْ تَعْلَمْ وَفِي‌ الاُمَّةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ [15]

 وإن‌ كان‌ ظاهر الرواية‌ النهي‌ عن‌ الفتوي‌ من‌ غير علم‌ إلاّ أنـّه‌ يتحصّل‌ بعد التأمّل‌ في‌ محتواها أنَّ هذا الظاهر ليس‌ هو المراد. وإنَّما المستفاد منها هو النهي‌ عن‌ الفتوي‌ مع‌ وجود الاعلم‌ في‌ الاُمّة‌، وذلك‌ لانَّالإمام‌ علیه السلام‌ بعد أن‌ نهاه‌ وآخذه‌ علی الفتوي‌ بغير علم‌ خصّص‌ مورد نهيه‌ بمورد وجود الاعلم‌ في‌ الاُمّة‌. وكما تعلم‌ فإنَّه‌ لا فرق‌ في‌ الفتوي‌ من‌ غير علم‌ بين‌ أن‌ يكون‌ الاعلم‌ موجوداً في‌ الاُمّة‌ أو غير موجود، لذا يستفاد من‌ كلام‌الإمام‌ علیه السلام‌ اخْتِصاصُ النَّهْي‌ِ بِصورَةِ وُجودِ الاَعْلَم‌، ويكون‌ المفتي‌ ممنوعاً من‌  الإفتاء عند وجود الاعلم‌ مطلقاً سواء كانت‌ فتواه‌ بعلم‌ أم‌ بغيرعلم‌، وتكون‌ تلك‌ الفتوي‌ التي‌ تصدر في‌ مقابل‌ فتوي‌ الاعلم‌ غيرصحيحة‌ ولا محقّة‌، حتّي‌ لو كان‌ المفتي‌ قاطعاً بصحّتها.

 الرجوع الي الفهرس

نتيجة‌ الاستدلال‌ الحاصلة‌ من‌ هذا الحديث‌ الشريف‌

 ومحصّل‌ الكلام‌ أنـّه‌ لا يجوز  الإفتاء مع‌ وجود الاعلم‌، لانَّ ذلك‌ إفتاء بغيرحقّ. ولقد جعل‌الإمام‌ علیه السلام‌ في‌ هذه‌ الرواية‌ المدار علی فتوي‌ الاعلم‌، وعليه‌ تكون‌ كلّ فتوي‌ مخالفة‌ لفتوي‌ الاعلم‌ مَعَ وُجودِ الاَعْلَم‌، فتوي‌ بِما لا يَعْلَمُ أنـَّهُ حَقٌّ، ومخالفة‌ للحقّ. وهذا هو الاستظهار الذي‌ قلنا إنَّه‌ يتحصّل‌ من‌ الرواية‌.

 بناءً علی هذا، فمفاد الرواية‌ هو: يجب‌ أن‌ يكون‌ مصدر الفتوي‌ في‌ الاُمّة‌ مختصّاً بالاعلم‌، وَلا يَجوزُ لاِحَدٍ في‌ قِبالِهِ أنْ يُفْتي‌َ بِشَي‌ْء.

 ويريدالإمام‌ علیه السلام‌ أن‌ يقول‌ في‌ هذه‌ الجملة‌: لِمَ تُفْتِي‌ عِبَادِي‌ بِمَا لَمْ تَعْلَمْ وَفِي‌ الاُمَّةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، إنَّ الله‌ يؤاخذ العبد علی إفتائه‌ مع‌ وجود الاعلم‌ منه‌ في‌ الاُمّة‌، فهو لا يريد القول‌ إنَّه‌ لِمَ أفتيت‌ بما لا تعلم‌، لانَّ  الإفتاء بما لا يعلم‌ ليس‌ جائزاً علی الإطلاق‌، وهو محرّم‌، سواء كان‌ الاعلم‌ في‌ الاُمّة‌ موجوداً أم‌ لم‌ يكن‌.

 وعلي‌ هذا، فعبارة‌ لِمَ تُفْتِي‌ عِبَادِي‌ بِمَا لَمْ تَعْلَمْ وَفِي‌ الاُمَّةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، تفيد أنَّ وجود مَنْ هُوَ أعْلَمُ مِنْكَ في‌ الاُمَّة‌، يمنع‌ من‌ فتواك‌. ففي‌ هذه‌ الصورة‌ لا ينبغي‌ لك‌ أن‌ تفتي‌، سواء كانت‌ فتواك‌ عن‌ علم‌ أم‌ عن‌ غيرعلم‌. ف الإفتاء في‌ مقابل‌ فتوي‌ الاعلم‌ ـإذن‌ـ غير جائز.

 نُكتةٌ دقيقَة‌: لقد جُعل‌ النهي‌ المباشر هنا علی فتوي‌ غير الاعلم‌، سواء كانت‌ الفتوي‌ عن‌ علم‌ أم‌ عن‌ غير علم‌. فمهما تكن‌ فتواه‌ فهي‌ عن‌ غير علم‌، لانـّها ستكون‌ في‌ قبال‌ فتوي‌ الاعلم‌.

 فالإمام‌ علیه السلام‌ لم‌ يقل‌: لِمَ تُفْتي‌ عِبادي‌ بِما تَعْلَمُ وَما لاتَعْلَمُ وَفي‌ الاُمَّةِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ؟ لانـّه‌ لو تكلّم‌ بهذا النحو لكان‌ المعني‌: أنـّه‌ لو كان‌ الاعلم‌ موجوداً في‌ الاُمّة‌ فلا تُفتي‌ لا بعلم‌ ولا بغير علم‌. ولكنّه‌ أورد كلمة‌ «بَمَا لَمْ تَعْلَمْ» لكي‌ تُفهم‌ هذا المعني‌. أي‌: عندما يكون‌ هناك‌ أعلم‌ في‌ الاُمّة‌ ففتواك‌ مهما كانت‌ فهي‌ فتوي‌ بغير علم‌، وعن‌ جهل‌. فعندما يكون‌ هناك‌ شخص‌ أعلم‌ لا يكون‌ ثمّة‌ إمضاء لكلامك‌ ولا حجّيّة‌ له‌، فعندما يكون‌ هناك‌ طبيب‌ أخصّائي‌ّ حاذق‌ فلا تُبرز علمك‌، وذلك‌ لانَّ هذا العلم‌ إنَّما يكون‌ علماً بالنسبة‌ لك‌، وأمّا بالنسبة‌ للآخرين‌ فهو جهل‌. وقد يستتبع‌ خطراً في‌ حالة‌ وجود شخص‌ أعلم‌ في‌ الاُمّة‌، فالفتوي‌ التي‌ تصدرها تكون‌ فتوي‌ بما لاتعلم‌، وحتّي‌ لو كانت‌ في‌ واقعها مستقيمة‌ أيضاً، لكنّها في‌ قبال‌ ذلك‌ الحقّ وتلك‌ الحقيقة‌ التي‌ نالت‌ الحجّيّة‌ ـوالتي‌ هي‌ فتوي‌ الاعلم‌ـ تكون‌ إظهاراً للنظر وفتوي‌ عن‌ غير علم‌.

 ولو أرادالإمام‌ علیه السلام‌ بهذه‌ ] الإشارة‌ [ اللطيفة‌ أن‌ يُفهم‌ أنـّه‌ مع‌ وجود الاعلم‌ في‌ الاُمّة‌ ف الإفتاء من‌ غيره‌ غير صحيح‌ مطلقاً، سواء كانت‌ فتوي‌ ذلك‌ المفتي‌ مطابقة‌ للواقع‌ أم‌ غير مطابقة‌. نعم‌؛ ففتوي‌ كلّ شخص‌ حجّة‌ له‌. وأمّا  الإفتاء للغير الذي‌ هو بمثابة‌ توجيه‌ عملي‌ّ لهم‌، فهو منفي‌ّ.

 هذا هو محصّل‌ النتيجة‌ التي‌ توصّلنا إليها، والرواية‌ كما بيّنا هي‌ في‌ « بحار الانوار » نقلاً عن‌ « عيون‌ المعجزات‌ ». لكنّ إشكال‌ رواية‌ « عيون‌ المعجزات‌ » هو إرسالها فقط‌.

 وهناك‌ رواية‌ أُخري‌ ينقلها المرحوم‌ المجلسي‌ّ في‌ « بحار الانوار » [16] في‌ أحوال‌الإمام‌ الجواد علیه السلام‌ عن‌ كتاب‌ « الاختصاص‌ » للشيخ‌ المفيد [17]، مسنداً عن‌ علی ‌ّ بن‌ إبراهيم‌، عن‌ أبيه‌، بهذه‌ العبارة‌:

 يَاعَمُّ! اتَّقِ اللَهَ؛ اتَّقِ اللَهَ! إنَّهُ لَعَظِيمٌ أَنْ تَقِفَ يَوْمَ القِيَامَةِ بَيْنَ يَدَي‌ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ لَكَ: لِمَ أَفْتَيْتَ النَّاسَ بِمَا لاَ تَعْلَمُ؟!... وحيث‌ إنَّه‌ لاتوجد في‌ هذه‌ الرواية‌ عبارة‌: وَفِي‌ الاُمَّةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ فلاتكون‌ شاهداً لنا.

 نعم‌؛ يمكن‌ أن‌ تكون‌ رواية‌ « عيون‌ المعجزات‌ » شاهداً، لكنّها ـ كما قلناـ مرسلة‌، بينما هذه‌ الرواية‌ مسندة‌ وسندها جيّد، علی الرغم‌ من‌ عدم‌وجود هذه‌ الجملة‌ فيها.

 ويحكي‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ في‌ « بحار الانوار » [18] رواية‌ ثالثة‌ في‌ نفس‌ هذا الباب‌ عن‌ « المناقب‌ » [19] لابن‌ شهرآشوب‌، عن‌ كتاب‌ « الجلاء والشفاء » وإن‌ لم‌ تحو علی فقررة‌ «وَفِي‌ الاُمَّةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ»، لكنَّ صاحب‌ « المناقب‌ » يقول‌ في‌ نهاية‌ الرواية‌: الخَبَر. ولا ندري‌ إلی أي‌ّ شي‌ء تشير كلمة‌ «الخَبَر»، فإن‌ كانت‌ إشارة‌ إلی بقيّة‌ الخبر الذي‌ هو «وَفِي‌ الاُمَّةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ» فالمطلب‌ تامّ، لانَّ الرواية‌ تكون‌ مسندة‌، وتامّة‌ من‌ ناحية‌ الدلالة‌ أيضاً.

 لكنَّ كلمة‌ «الْخَبَر» قد تكون‌ أحياناً إشارة‌ إلی بقيّة‌ الخبر الذي‌ هو شي‌ء آخر.

 وعلي‌ كلّ تقدير، فما دمنا لم‌ نحصل‌ علی كتاب‌ « الجلاء والشفاء » ولم‌نرَ أنَّ هذه‌ الجملة‌ موجودة‌ فيه‌، فلا يمكننا القطع‌ بأنَّ لفظة‌ «الخَبَر» إشارة‌ إلی عبارة‌: وَفِي‌ الاُمَّةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ.

 ومحصّل‌ الكلام‌ أنَّ هاتين‌ الروايتين‌ جيّدتان‌، لكنَّهما غير تامّتين‌ من‌ ناحية‌ الدلالة‌. ورواية‌ « عيون‌ المعجزات‌ » تامّة‌ من‌ ناحية‌ الدلالة‌، لكنّها مرسلة‌، والتمسّك‌ بهذه‌ الرواية‌ وحدها لاستفادة‌ انحصار الحجّيّة‌ في‌ فتوي‌ الاعلم‌ مشكل‌.

 الرجوع الي الفهرس

بحث‌ حول‌ شرح‌ حديث‌ «نهج‌ البلاغة‌»: إنَّ أَوْلَي‌ النَّاسِ بِالاَنْبِياءِ...

 نعم‌؛ لدينا رواية‌ أُخري‌ في‌ المقام‌ قد استُدِلَّ بها علی انحصار الحجّيّة‌ في‌ فتوي‌ الاعلم‌ دون‌ مقام‌ الولاية‌، حيث‌ يشكل‌ الشيخ‌ في‌ « المكاسب‌ » في‌ مقام‌ الولاية‌، ويقول‌ إنَّها غير كافية‌ في‌ إثبات‌ ولاية‌ الفقيه‌. وأمّا الفتوي‌ فيستحسن‌ أن‌ نقول‌: إنَّه‌ إنَّما يستطيع‌ أن‌ يفتي‌ من‌ يكون‌ الاعلم‌.

 والرواية‌ في‌ « نهج‌ البلاغة‌ » حيث‌ يقول‌ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌: أَوْلَي‌ النَّاسِ بالاَنْبِيَاءِ أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاؤوا بِهِ. ثُمَّ تَلاَ: «إِنَّ أَوْلَي‌ النَّاسِ بِإِبْرَ' هِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـ'ذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا.» [20] و [21]

 أَوْلَي‌ النَّاسِ بِالاَنْبِيَاءِ؛ أقربهم‌ إليهم‌ ومَن‌ تكون‌ ولايته‌ بالانبياء أكثر وأقرب‌ ( الولاية‌ بذلك‌ المعني‌ الذي‌ مرَّ في‌ الدرس‌ الاوّل‌ ) فهو أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ.

 ثمّ يستشهد أميرالمؤمنين‌ بعد ذلك‌ بهذه‌ الآية‌: إِنَّ أَوْلَي‌ النَّاسِ بِإِبْرَ ' هِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـ'ذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا.

 ذكر المرحوم‌ الشيخ‌ الانصاري‌ّ رحمة‌ الله‌ علیهفي‌ « المكاسب‌ » في‌ بحث‌ الولاية‌ كلامَ أمير المؤمنين‌ في‌ « نهج‌ البلاغة‌ » هذا، وقال‌: لانستطيع‌ أن‌ نستدلّ بهذه‌ الرواية‌ علی ولاية‌ الفقيه‌ في‌ التصرّف‌ في‌ أموال‌ الغيّب‌ والقصّر ومجهول‌ المالك‌، والاوقاف‌، وسائر الاُمور التي‌ تحتاج‌ إلی ولي‌ّ وليس‌لها ولي‌ّ خاصّ، ولا مالك‌ خاصّ أيضاً.

 ومراد الشيخ‌ هنا أنَّ هذه‌ الرواية‌ في‌ مقام‌ بيان‌ وظيفة‌ العلماء من‌ ناحية‌ بيان‌ الاحكام‌ التي‌ هي‌ عبارة‌ عن‌  الإفتاء، وذلك‌ مختصّ بالاعلم‌، ولايستفاد منها ثبوت‌ سائر مناصب‌ الانبياء لهم‌، لانـّه‌ ليست‌ هناك‌ مناسبة‌ بين‌ الاعلميّة‌ في‌ الاحكام‌ وبين‌ التصدّي‌ في‌ أخذ الزكوات‌ والاخماس‌ وتولّي‌ الموقوفات‌ والتصدّي‌ لاُمور الغيّب‌ والقصّر. بينما المناسبة‌ موجودة‌ بين‌ الاعلميّة‌ وبين‌ بيان‌ الاحكام‌.

 وعبارة‌ الشيخ‌ بعد بحث‌ طويل‌ هي‌: لَكِنَّ الإنْصافَ بَعْدَ مُلاحَظَةِ سِياقِها أوْصَدْرِها أوْ ذَيْلِها يَقْتَضي‌ الجَزْمَ بِأَنَّها في‌ مَقامِ بَيانِ وَظيفَتِهِمْ مِنْ حَيْثُ الاَحْكامِ الشَّرْعيَّةِ؛ لاَ كَوْنِهِمْ كَالنَّبي‌ِّ وَالاَئِمَّةِ صَلَواتُ اللَهِ عَلَیهِ مْ في‌ كَوْنِهِمْ أَوْلَي‌ النَّاسِ في‌ أمْوالِهِمْ. فَلَوْ طَلَبَ الفَقيهُ الزَّكَاةَ وَالخُمْسَ مِنَ المُكَلَّفِ فَلا دَليلَ عَلَی وُجوبِ الدَّفْعِ إلَيهِ شَرْعاً.

 وبناء علی هذا، فلا يمكننا أن‌ نستفيد من‌ هذه‌ الرواية‌ وجوب‌ دفع‌ الخمس‌ أو الزكاة‌ إلی الفقيه‌ الذي‌ يطالب‌ بذلك‌، والذي‌ يدّعي‌ لزوم‌ دفع‌ ذلك‌ إليه‌ حتّي‌ يصرفه‌ في‌ مصارفه‌، لانَّ الرواية‌ في‌ مقام‌ إثبات‌ أولويّة‌ الفقيه‌ من‌ ناحية‌ بيان‌ الاحكام‌ و الإفتاء ومن‌ ناحية‌ الدلالة‌ والإرشاد.

 نعم‌؛ لو سئل‌ فقيه‌ في‌ مسألة‌ ما، فالرواية‌ تدلّ علی حجّيّة‌ قوله‌.

 وكلام‌ المرحوم‌ الشيخ‌ في‌ مورد هذه‌ الرواية‌ متين‌، حيث‌ لامناسبة‌ بين‌ أعلميّة‌ رجل‌ بِما جاءَ بِهِ الاَنْبِياء، وبين‌ أخذ الزكوات‌. فما هي‌ المناسبة‌ بين‌ التصدّي‌ لاُمور الغيّب‌ والقصّر ودفع‌ الزكوات‌ إلی بعض‌ الاشخاص‌ وبين‌ أن‌ يكون‌ ذلك‌ الشخص‌ أعلم‌ بِما جاءَ بِهِ الاَنْبِياء؟ وذلك‌ بخلاف‌ المناسبة‌ بين‌ الاعلميّة‌ وبين‌ بيان‌ الاحكام‌.

 ولكن‌ هناك‌ إشكال‌ في‌ هذه‌ الرواية‌، وهو عدم‌ وضوح‌ وجه‌ المناسبة‌ في‌ الاستشهاد الذي‌ قدّمه‌الإمام‌ علیه السلام‌، فبعد أن‌ قال‌: أَوْلَي‌ النَّاسِ بِالاَنْبِياءِ أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ، استشهد بهذه‌ الآية‌: إِنَّ أَوْلَي‌ النَّاسِ بِإِبْرَ ' هِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـ'ذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا. فما وجه‌ المناسبة‌ بين‌ هذه‌ الجملة‌ وجملة‌ «أَوْلَي‌ النَّاسِ بِالاَنْبِيَاءِ، أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ»؟

 فقد بيّن‌الإمام‌ علیه السلام‌ في‌ صدر الرواية‌ أنَّ الاعلميّة‌ ميزان‌ الاقربيّة‌ إلی الانبياء علیهم السلام‌، ثمّ استشهد بالقرآن‌ علی أنَّ: اتّباع‌ النبي‌ّ إبراهيم‌، وهذا النبي‌ّ، والمؤمنين‌ هم‌ أقرب‌ الناس‌ إلی إبراهيم‌. والمناسبة‌ هنا غير واضحة‌، ولذا قال‌ المرحوم‌ الشهيدي‌ّ في‌ « حاشية‌ المكاسب‌ »: إنَّه‌ قد نُقلت‌ هذه‌ الرواية‌ بنحو آخر أيضاً: إنَّ أَوْلَي‌ النَّاسِ بِالاَنْبِياءِ أَعْمَلُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ. فإذا كانت‌ العبارة‌ «أَعْمَلُهُم‌» يتّضح‌ وجه‌ المناسبة‌، لانَّالإمام‌ علیه السلام‌ يقول‌ أَعْمَلُهُمْ بَمَا جَاءُوا بِهِ، ثمّ يستشهد علی أنَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وهذا النبي‌ّ، والمؤمنين‌ الذين‌ اتّبعوا إبراهيم‌ في‌ العمل‌ هم‌ أَولي‌ به‌. أي‌ أقرب‌. وبهذا يتّضح‌ وجه‌ مناسبة‌ الاستشهاد. لكنَّ الرواية‌ تسقط‌ عن‌ الحجّيّة‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ ( حيث‌ إنَّ متن‌ الحديث‌ قد نقل‌ بلفظين‌ ) لظهور اضطراب‌ فيها، والاضطراب‌ في‌ المتن‌ يوجب‌ التعارض‌ فيما لو لم‌يكن‌ سند تلك‌ الرواية‌ قويّاً مثل‌ « نهج‌ البلاغة‌ ».

 ومحصّل‌ الكلام‌ أنَّ سند « نهج‌ البلاغة‌ » قوي‌ّ، بينما مناسبة‌ ذلك‌ الاستشهاد غير واضحة‌ لنا. فيبقي‌ أصل‌ الاستدلال‌ أَوْلَي‌ النَّاسِ بِالاَنْبِيَاءِ أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ ويجب‌ الاخذ به‌. وهذا ليس‌ من‌ أدلّة‌ ولاية‌ الفقيه‌، بل‌ من‌ أدلّة‌ لزوم‌ أعلميّة‌ الفقيه‌ في‌ باب‌  الإفتاء، وهو من‌ الادلّة‌ الاجتهاديّة‌، وليس‌من‌ الاُصول‌.

 فإذا أردنا الاستدلال‌ علی لزوم‌ أعلميّة‌ الفقيه‌ في‌ باب‌  الإفتاء بلحاظ‌ الادلّة‌ الاجتهاديّة‌ فيمكننا الاستدلال‌ برواية‌ « نهج‌ البلاغة‌ » هذه‌، حيث‌ يقول‌الإمام‌ علیه السلام‌:

 أَوْلَي‌ النَّاسِ بِالاَنْبِيَاءِ أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ.

 كما يمكننا الاخذ بذلك‌ الخبر الوارد عن‌الإمام‌ محمّد التقي‌ّ علیه السلام‌ حيث‌ يقول‌: يَاعَمُّ! إنَّهُ عَظِيمٌ عِنْدَ اللَهِ أَنْ تَقِفَ غَداً بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُوُلُ لَكَ:لِمَ تُفْتِي‌ عِبَادِي‌ بِمَا لَمْ تَعْلَمْ وَفِي‌ الاُمَّةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ؟

 وإذا قصرت‌ أيدينا عن‌ الادلّة‌ الاجتهاديّة‌ ووصول‌ الدور إلی الاُصول‌، فمن‌ المعلوم‌ أنَّ الاصل‌ هنا هو الاشتغال‌، لانَّ الشكّ هو في‌ المكلّف‌ به‌ لا في‌ مقام‌ التكليف‌، والامر دائر بين‌ التخيير والتعيين‌، ومن‌ المسلّم‌ به‌ أنَّ العقل‌ حاكم‌: أنـّه‌ ما لم‌ يرفع‌ الإنسان‌ اليد عن‌ الإطلاق‌ يعمل‌ بالمورد المعيّن‌، فلا يحصل‌ له‌ قطع‌ بفراغ‌ الذمّة‌.

 وهكذا الحال‌ في‌ جميع‌ الموارد والمسائل‌ الشبيهة‌ بهذا المورد، فيستلزم‌ الاشتغال‌، ويسمّي‌: التعيين‌.

 ففي‌ باب‌ تقليد المجتهد، إذا دار الامر مثلاً بين‌ تقليد المجتهد الحي‌ّ وتقليد المجتهد الميّت‌ ابتداءً أو بقاءً ولم‌تجرِ الادلّة‌ الاجتهاديّة‌ ولاالاستصحاب‌، ويحصل‌ شكّ بين‌ التعيين‌ والتخيير، فبمقتضي‌ الاشتغال‌، يتعيّن‌ تقليد المجتهد الحي‌ّ.

 والامر كذلك‌ بين‌ الاعلم‌ وغير الاعلم‌، فإذا لم‌ نتمكَّن‌ من‌ تحصيل‌ الادلّة‌ الاجتهاديّة‌، ولم‌ يكن‌ هذان‌ الدليلان‌ كافيان‌ في‌ إثبات‌ لزوم‌ تقليد الاعلم‌، ووصل‌ الدور إلی الاصل‌، فالاصل‌ يحكم‌ بالاشتغال‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

مصرف کردن بدون تولید
آیه شریفه : وَ لَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ ... (سوره مبارکه سجده ، آیه 21)ترجمه : و ما به جز عذاب بزرگتر (در قیامت) از عذاب این دنیا نیز به آنان می چشانیم ...روایت : قال أبي جعفر ( ع ): ... و لله عز و جل عباد ملاعين مناكير ، لا يعيشون و لا يعيش الناس في أكنافهم و هم في عباده بمنزله الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .  (اصول کافی ، ج 8 ، ص 248 )ترجمه : امام باقر(ع) مي‌فرمايد: ... و خداوند بدگانی نفرین شده و ناهنجار دارد که مردم از تلاش آنان بهره مند نمی شوند و ایشان در میان مردم مانند ملخ هستند که به هر جیز برسند آن را می خورند و نابود می کنند.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید