قسمت السادس

و أمّا ما يدلّ علی ثبوت الولاية بهذا المعنی لبعض خاصّ منهم عليهم السّلام بلا انعقاد مفهوم الخلاف عن غيره فعدّة أخبار:

1- منها ما رواه الصدوق في الخصال ضمن أخبار عنوان «كانت لعليّ عليه السّلام من رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله عشر خصال» عن أبي خالد عمرو (بن خالد القرشي) عن زيد ابن عليّ بن الحسين عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال: كان لي عشر من رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله لم يعطهنّ أحد قبلي و لا يعطاهنّ أحد بعدي، قال لي: يا عليّ أنت أخي في الدنيا و الآخرة، و أنت أقرب الناس منّي موقفا يوم القيامة، و منزلي و منزلك في الجنّة متواجهين كمنزل الأخوين، و أنت الوصيّ، و أنت الوليّ، و أنت الوزير، و عدوّك عدوّي و عدوّي عدوّ اللّه، و وليّك وليّ و وليّي وليّ اللّه «1».

فتری أنّه جعل إحدی هذه الخصال أنّه الوليّ، و إذا كانت الولاية ظاهرة في المعنی المطلوب تمّت دلالة الرواية علی ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

2- و منها ما رواه أيضا في الخصال تحت عنوان «احتجاج أمير المؤمنين عليه السّلام علی أبي بكر بثلاث و أربعين خصلة» بإسناده عن أبي سعيد الورّاق عن أبيه عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال: لمّا كان من أمر أبي بكر و بيعة الناس له و فعلهم بعليّ بن أبي طالب عليه السّلام ما كان لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط و يری منه انقباضا، فكبر ذلك علی أبي بكر، فأحبّ لقاءه و استخراج ما عنده و المعذرة إليه لمّا اجتمع الناس عليه و تقليدهم إيّاه أمر الامّة و قلّة رغبته في ذلك و زهده فيه أتاه في وقت غفلة و طلب منه الخلوة و قال له: و اللّه يا أبا الحسن ما كان هذا الأمر مواطاة منّي، و لا رغبة في ما وقعت فيه، و لا حرصا عليه و لا ثقة بنفسي فيما

                       

تحتاج إليه الامّة، و لا قوّة لي لمال و لا كثرة العشيرة، و لا ابتزاز «1» له دون غيري، فما لك تضمر عليّ ما لم أستحقّه منك، و تظهر لي الكراهة فيما صرت إليه، و تنظر إليّ بعين السأمة منّي؟ قال: فقال عليه السّلام له: فما حملك عليه إذا لم ترغب فيه و لا حرصت عليه و لا وثقت بنفسك في القيام به و بما يحتاج منك فيه؟ فقال أبو بكر:

حديث سمعته من رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله «إنّ اللّه لا يجمع أمّتي علی ضلال» و لمّا رأيت اجتماعهم اتّبعت حديث النبيّ صلّی اللّه عليه و آله و أحلت أن يكون اجتماعهم علی خلاف الهدی، و أعطيتهم قود الإجابة، و لو علمت أنّ أحدا يتخلّف لامتنعت. قال: فقال عليّ عليه السّلام: أمّا ما ذكرت من حديث النبيّ صلّی اللّه عليه و آله «إنّ اللّه لا يجمع أمّتي علی ضلال» أ فكنت من الامّة أو لم أكن؟ قال: بلی، قال: و كذلك العصابة الممتنعة عليك من سلمان و عمّار و أبي ذرّ و المقداد و ابن عبادة و من معه من الأنصار؟ قال: كلّ من الامّة، فقال عليّ عليه السّلام: فكيف تحتجّ بحديث النبيّ صلّی اللّه عليه و آله و أمثال هؤلاء قد تخلّفوا عنك، و ليس للأمّة فيهم طعن، و لا في صحبة الرسول صلّی اللّه عليه و آله و نصيحته منهم تقصير؟! قال: ما علمت بتخلّفهم إلّا من بعد إبرام الأمر و خفت إن دفعت عنّي الأمر أن يتفاقم إلی أن يرجع الناس مرتدّين عن الدين، و كان ممارستكم إليّ أن أجبتم أهون مؤنة علی الدين، و أبقی له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعوا كفّارا، و علمت أنّك لست بدوني في الإبقاء عليهم و علی أديانهم، قال عليّ عليه السّلام: أجل، و لكن أخبرني عن الّذي يستحقّ هذا الأمر بما يستحقّه؟ فقال أبو بكر: بالنصيحة و الوفاء، و رفع المداهنة و المحاباة، و حسن السيرة و اظهار العدل، و العلم بالكتاب و السنّة و فصل الخطاب، مع الزهد في الدنيا و قلّة الرغبة فيها، و إنصاف المظلوم من الظالم القريب و البعيد، ثمّ سكت. فقال عليّ عليه السّلام: انشدك باللّه يا أبا بكر أ في نفسك تجد هذه الخصال أو فيّ؟ قال: بل فيك يا أبا الحسن.

                       

ثمّ أنشده بخصال ذكر الصدوق أنّها ثلاث و أربعون خصلة و أجاب أبو بكر بأنّها فيه عليه السّلام و منها قوله عليه السّلام:

انشدك باللّه ألي الولاية من اللّه مع ولاية رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله في آية زكاة الخاتم أم لك؟ قال: بل لك. قال: انشدك باللّه أنا المولی لك و لكلّ مسلم بحديث النبيّ صلّی اللّه عليه و آله يوم الغدير أم أنت؟ قال: بل أنت. قال: انشدك باللّه ألي الوزارة من رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و المثل من هارون من موسی أم لك؟ قال: بل لك ... قال: فانشدك باللّه أنا الّذي بشّرني رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين علی تأويل القرآن أم أنت؟ قال: بل أنت ... قال: فانشدك باللّه أنا الّذي أمر رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله أصحابه بالسلام عليه بالإمرة في حياته أم أنت؟ قال: بل أنت ....

إلی أن قال أبو بكر: فبهذا و شبهه يستحقّ القيام بامور أمّة محمّد صلّی اللّه عليه و آله، فقال له عليّ عليه السّلام: فما الّذي غرّك عن اللّه و عن رسوله و عن دينه و أنت خلو ممّا يحتاج إليه أمر دينه؟ قال: فبكی أبو بكر و قال: صدقت يا أبا الحسن أنظرني يومي هذا، فادبّر ما أنا فيه و ما سمعت منك. قال: فقال له عليّ عليه السّلام: لك ذلك يا أبا بكر، فرجع من عنده و خلا بنفسه يومه و لم يأذن لأحد إلی الليل، و عمر يتردّد في الناس لما بلغه من خلوته بعليّ عليه السّلام.

فبات في ليلته فرأی رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله في منامه متمثّلا له في مجلسه، فقام إليه أبو بكر ليسلّم عليه، فولّی وجهه، فقال أبو بكر: يا رسول اللّه هل أمرت بأمر فلم أفعل؟ فقام رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله: أردّ السلام عليك و قد عاديت اللّه و رسوله؟! و عاديت من والی اللّه و رسوله؟ ردّ الحقّ إلی أهله. قال: فقلت: من أهله؟ قال: من عاتبك عليه و هو عليّ قال: فقد رددت عليه يا رسول اللّه بأمرك. قال: فأصبح و بكی، و قال لعليّ عليه السّلام: أبسط يدك، فبايعه و سلّم إليه الأمر و قال له: أخرج إلی مسجد رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله فاخبر الناس بما رأيت في ليلتي و ما جری بيني و بينك، فاخرج نفسي من هذا الأمر و اسلّم عليك بالإمرة. قال: فقال له عليّ عليه السّلام: نعم.

                       

فخرج من عنده متغيّرا لونه، فصادفه عمر و هو في طلبه، فقال له: ما حالك يا خليفة رسول اللّه؟ فأخبره بما كان منه و ما رأی و ما جری بينه و بين عليّ عليه السّلام، فقال له عمر: انشدك باللّه يا خليفة رسول اللّه أن تغترّ بسحر بني هاشم، فليس هذا بأوّل سحر منهم، فما زال به حتّی ردّه عن رأيه و صرفه عن عزمه و رغّبه فيما هو فيه، و أمره بالثبات عليه و القيام به.

قال: فأتی عليّ عليه السّلام المسجد للميعاد، فلم ير فيه منهم أحدا، فأحسّ بالشرّ منهم، فقعد إلی قبر رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله فمرّ به عمر فقال: يا عليّ دون ما تروم خرط القتاد، فعلم بالأمر، و قام و رجع إلی بيته «1».

و الحديث بنفسه وارد في أنّ حقّ الولاية بالمعنی المطلوب كان لعليّ عليه السّلام، و أنّ عليّا عليه السّلام قد أثبت للطاغوت الغاصب الأوّل هذا المعنی بأبلغ بيان، و قد ذكرنا خمسا من هذه الخصال الّتي كانت له عليه السّلام و كلّ منها دليل له علی هذا الاستحقاق، و الأسف من نهاية الأمر أنّ عمر منع من رجوع الحقّ إلی موطنه و جری علی الإسلام الشريف بفعلهم ما جری.

3- و منها ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن زيد بن موسی بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال في حديث: قال لي رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله: فإنّك تخاصم الناس بعدي بستّ خصال فتخصمهم، ليست في قريش منها شي‏ء: إنّك أوّلهم إيمانا باللّه، و أقومهم بأمر اللّه عزّ و جلّ، و أوفاهم بعهد اللّه، و أرأفهم بالرعية، و أعلمهم بالقضية، و أقسمهم بالسوية، و أفضلهم عند اللّه عزّ و جلّ «2».

و وجه دلالته علی ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام هو قوله صلّی اللّه عليه و آله في خصاله الخاصّة:

 «أرأفهم بالرعية ... و أقسمهم بالسوية» فإنّ الرأفة بالرعية فرع لا تكون واليا عليهم حتّی يكون أرأف قريش بهم و هكذا أقسميّته بالسوية إنّما تتوقف علی أن‏

                       

تكون الغنائم و الصدقات و عوائد المسلمين تحت يده عليه السّلام حتّی يكون أقسمهم بالسوية، فدلالة الحديث تامّة، إلّا أنّ رجال سنده ضعاف أو مجاهيل.

4- و منها ما رواه فيه بإسناده عن عباية بن ربعي قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: احاجّ الناس يوم القيامة بسبع: إقام الصلاة، و ايتاء الزكاة، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، و القسم بالسوية، و العدل في الرعية، و إقام الحدود «1».

و بيان دلالته اشتماله علی الثلاثة الأخيرة الّتي لا تكون إلّا لمن اليه أمر الامّة و الرعية، إلّا أنّ سنده أيضا غير تامّ.

5- و منها ما رواه فيه أيضا بإسناده عن معاذ بن جبل قال: قال النبيّ صلّی اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام: اخاصمك بالنبوّة و لا نبيّ بعدي، و تخاصم الناس بسبع و لا يحاجّك فيه أحد من قريش؛ لأنّك أنت أوّلهم إيمانا، و أوفاهم بعهد اللّه، و أقومهم بأمر اللّه، و أقسمهم بالسوية، و أعدلهم في الرعية، و أبصرهم في القضية، و أعظمهم عند اللّه مزية 2.

و وجه دلالته أيضا اشتماله علی الأقسمية بالسوية و الأعدلية في الرعية الّذي عرفت اقتضاء كلّ منهما أن يكون أمر الامّة إليه، إلّا أنّ سنده أيضا غير تامّ.

و يمكن الإيراد علی تمامية دلالة هذه الروايات الثلاث بأنّها و إن دلّت علی قيامه عليه السّلام بإدارة أمر الامّة و الرعية و علی أنّ هذا القيام منه عليه السّلام بحقّ و لذلك كان يحاجّ الناس و يخاصمهم بها إلّا أنّه لا دلالة فيها علی أنّ هذا القيام كان بجعل اللّه تعالی أو رسوله، فلعلّه كان لبيعة الناس و تفويضهم الأمر إليه دخل في ثبوت هذه الولاية.

6- و منها ما رواه فيه أيضا بإسناده عن يزداد بن إبراهيم عمّن حدّثه من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: و اللّه لقد أعطاني اللّه تبارك و تعالی تسعة أشياء لم يعطها أحدا قبلي خلا النبيّ صلّی اللّه عليه و آله: لقد فتحت لي السبل،

                       

و علّمت الأنساب، و اجري لي السحاب، و علّمت المنايا و البلايا و فصل الخطاب، و لقد نظرت في الملكوت بإذن ربّي فما غاب عنّي ما كان قبلي و ما يأتي بعدي، و أنّ بولايتي أكمل اللّه لهذه الامّة دينهم، و أتمّ عليهم النعم و رضي إسلامهم، إذ يقول يوم الولاية لمحمّد صلّی اللّه عليه و آله: يا محمّد أخبرهم أنّي أكملت لهم اليوم دينهم و رضيت لهم الإسلام دينا و أتممت عليهم نعمتي، كلّ ذلك منّ منّ اللّه عليّ، فله الحمد «1».

و الرواية ناظرة إلی نصبه عليه السّلام بالولاية يوم الغدير، و دلالتها واضحة. و في الحقيقة هي من الروايات الّتي ينبغي أن تذكر في أخبار تكملة آية الغدير، إلّا أنّها مع ذلك كلّه فسندها غير تامّ بالإرسال و غيره.

7- و منها ما رواه فيه أيضا بسند صحيح عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بينما أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة و الناس عليه متراكمون فمن بين مستفت و من بين مستعد، إذ قام إليه رجل فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته، فنظر إليه أمير المؤمنين عليه السّلام بعينيه هاتيك العظيمتين ثمّ قال: و عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته من أنت؟ فقال: أنا رجل من رعيّتك و أهل بلادك، قال:

ما أنت من رعيّتي و أهل بلادي، و لو سلّمت عليّ يوما واحدا ما خفيت عليّ، فقال:

الأمان يا أمير المؤمنين، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: هل أحدثت في مصري هذا حدثا منذ دخلته؟ قال: لا، قال: فلعلّك من رجال الحرب؟ قال: نعم، قال: إذا وضعت الْحَرْبُ أَوْزارَها فلا بأس، قال: أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفّلا لك، أسألك عن شي‏ء بعث فيه ابن الأصفر «2» و قال له: إن كنت أحقّ بهذا الأمر و الخليفة بعد محمّد صلّی اللّه عليه و آله فأجبني عمّا أسألك، فإنّك إذا فعلت ذلك اتّبعتك و أبعث إليك بالجائزة، فلم يكن عنده جواب، و قد أقلقه ذلك، فبعثني إليك لأسألك عنها.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: قاتل اللّه ابن آكلة الأكباد، ما أضلّه و أعماه و من معه،

                       

و اللّه لقد أعتق جارية فما أحسن أن يتزوّج بها، حكم اللّه بيني و بين هذه الامّة، قطعوا رحمي، و أضاعوا أيّامي، و دفعوا حقّي، و صغّروا عظيم منزلتي، و أجمعوا علی منازعتي، عليّ بالحسن و الحسين و محمّد، فاحضروا، فقال: يا شامي هذان ابنا رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله، و هذا ابني، فاسأل أيّهم أحببت، قال: أسأل ذا الوفرة «1» يعني الحسن عليه السّلام و كان صبيّا «2»، فقال له الحسن عليه السّلام: سلني عمّا بدا لك، فقال الشامي: ... فقال الحسن بن عليّ عليهما السّلام: ... فذكر جواب كلّ أسئلته ... فقال الشامي:

أشهد أنّك ابن رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله حقّا، و أنّ عليّا عليه السّلام أولی بالأمر من معاوية، ثمّ كتب هذه الجوابات و ذهب بها إلی معاوية، فبعثها معاوية إلی ابن الأصفر، فكتب إليه ابن الأصفر: يا معاوية لم تكلّمني بغير كلامك و تجيبني بغير جوابك؟! اقسم بالمسيح ما هذا جوابك، و ما هو إلّا من معدن النبوّة و موضع الرسالة، و أمّا أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك «3».

فهذه الصحيحة دالّة علی تمام المطلوب فإنّ قول عليّ عليه السّلام في جواب الشامي: «حكم اللّه بيني و بين هذه الامّة ... دفعوا حقّي و صغّروا عظيم منزلتي و أجمعوا علی منازعتي» لا ريب في أنّه أراد منه دفع الامّة حقّ ولايته المنصوص بها في كلام الرسول الأعظم صلّی اللّه عليه و آله و منازعتهم إيّاه فيها و تصغيرهم لعظمة منزلته المباركة.

8- و منها ما رواه فيه أيضا بإسناده عن زيد بن وهب- الّذي قيل في ترجمته: له كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السّلام- قال: كان الّذين أنكروا علی أبي بكر جلوسه في الخلافة و تقدّمه علی عليّ بن أبي طالب عليه السّلام اثني عشر رجلا من المهاجرين و الأنصار، و كان من المهاجرين خالد بن سعيد «4» بن العاص و المقداد

                       

ابن الأسود و ابيّ بن كعب و عمّار بن ياسر و أبو ذرّ الغفاريّ و سلمان الفارسي و عبد اللّه بن مسعود و بريدة الأسلمي، و كان من الأنصار خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين و سهل بن حنيف و أبو أيّوب الأنصاري و أبو الهيثم بن التيهان و غيرهم.

فلمّا صعد المنبر تشاوروا في أمره، فقال بعضهم: هلّا نأتيه فننزله عن منبر رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله، و قال آخرون: إن فعلتم ذلك أعنتم علی أنفسكم و قال اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَی التَّهْلُكَةِ و لكن امضوا بنا إلی عليّ بن أبي طالب عليه السّلام نستشيره و نستطلع أمره.

فأتوا عليّا عليه السّلام فقالوا: يا أمير المؤمنين ضيّعت نفسك و تركت حقّا أنت أولی به، و قد أردنا أن نأتي الرجل فننزله عن منبر رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله فإنّ الحقّ حقّك و أنت أولی بالأمر منه، فكرهنا أن ننزله من دون مشاورتك.

فقال لهم عليّ عليه السّلام: لو فعلتم ذلك ما كنتم إلّا حربا لهم، و لا كنتم إلّا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، و قد اتّفقت عليه الامّة التاركة لقول نبيّها و الكاذبة علی ربّها، و لقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلّا السكوت، لما تعلمون من وغر «1» صدور القوم و بغضهم للّه عزّ و جلّ و لأهل بيت نبيّه صلّی اللّه عليه و آله، و أنّهم يطالبون بثارات الجاهلية، و اللّه لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدّين للحرب و القتال، كما فعلوا ذلك حتّی قهروني و غلبوني علی نفسي و لبّبوني «2» و قالوا لي: بايع و إلّا قتلناك، فلم أجد حيلة إلّا أن أدفع القوم عن نفسي، و ذاك أنّي ذكرت قول رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله: «يا عليّ إنّ القوم نقضوا أمرك و استبدّوا بها دونك، و عصوني فيك، فعليك بالصبر حتّی ينزل الأمر، ألا و إنّهم سيغدرون بك لا محالة، فلا تجعل لهم سبيلا إلی إذلالك و سفك دمك، فإنّ الامّة ستغدر بك بعدي، كذلك أخبرني جبرئيل‏

                       

عن ربّي تبارك و تعالی» و لكن ائتوا الرجل، فأخبروه بما سمعتم من نبيّكم، و لا تجعلوه في الشبهة من أمره، ليكون ذلك أعظم للحجّة عليه [و أزيد] و أبلغ في عقوبته إذا أتی ربّه، و قد عصی نبيّه و خالف أمره.

قال: فانطلقوا حتّی حفّوا بمنبر رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله يوم جمعة، فقالوا للمهاجرين:

إنّ اللّه عزّ و جلّ بدأ بكم في القرآن فقال: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَی النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ فبكم بدأ.

و كان أوّل من بدأ و قام خالد بن سعيد بن العاص بإدلاله ببني اميّة فقال: يا أبا بكر اتّق اللّه فقد علمت ما تقدّم لعليّ عليه السّلام من رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله، ألا تعلم أنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله قال لنا و نحن محتوشوه «1» في يوم بني قريظة و قد أقبل علی رجال منّا ذوي قدر فقال: «يا معشر المهاجرين و الأنصار اوصيكم بوصيّة فاحفظوها، و إنّي مؤدّ إليكم أمرا فاقبلوه، ألا إنّ عليّا عليه السّلام أميركم من بعدي و خليفتي فيكم، أوصاني بذلك ربّي، و أنّكم إن لم تحفظوا وصيّتي فيه و تأووه و تنصروه اختلفتم في أحكامكم، و اضطرب عليكم أمر دينكم، و ولي عليكم الأمر شراركم، ألا و إنّ أهل بيتي هم الوارثون أمري، القائلون بأمر أمّتي، اللّهمّ فمن حفظ فيهم وصيّتي فاحشره في زمرتي، و اجعل له من مرافقتي نصيبا يدرك به فوز الآخرة، اللّهمّ و من أساء خلافتي في أهل بيتي فأحرمه الجنّة الّتي عرضها السماوات و الأرض».

فذكر توهين عمر له و جوابه إلی أن قال: فأسكته خالد فجلس.

ثمّ قام أبو ذرّ رحمة اللّه عليه فقال بعد أن حمد اللّه و أثنی عليه: أمّا بعد يا معشر المهاجرين و الأنصار لقد علمتم و علم خياركم أنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله قال:

 «الأمر لعليّ بعدي، ثمّ للحسن و الحسين، ثمّ في أهل بيتي من ولد الحسين» فأطرحتم قول نبيّكم، و تناسيتم ما أوعز إليكم، و اتّبعتم الدنيا، و تركتم نعيم الآخرة الباقية الّتي لا تهدم بنيانها و لا يزول نعيمها، و لا يحزن أهلها و لا يموت سكّانها،

                       

و كذلك الامم الّتي كفرت بعد أنبيائها بدّلت و غيّرت فحاذيتموها حذو القذّة بالقذّة و النعل بالنعل فعمّا قليل تذوقون و بال أمركم و ما اللّه بظلّام للعبيد.

 [ثمّ قال:] ثمّ قام سلمان الفارسي رحمه اللّه فقال: يا أبا بكر إلی من تستند أمرك إذا نزل بك القضاء؟ و إلی من تفزع إذا سئلت عمّا لا تعلم و في القوم من هو أعلم منك و أكثر في الخير أعلاما و مناقب منك و أقرب من رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله قرابة و قدمة في حياته؟

قد أو عز إليكم فتركتم قوله و تناسيتم وصيّته، فعمّا قليل يصفو لكم الأمر حين تزور القبور، و قد أثقلت ظهرك من الأوزار، لو حملت إلی قبرك لقدمت علی ما قدّمت، فلو راجعت إلی الحقّ و أنصفت أهله لكان ذلك نجاة لك يوم تحتاج إلی عملك و تفرد في حضرتك بذنوبك عمّا أنت له فاعل، و قد سمعت كما سمعنا و رأيت كما رأينا، فلم يردعك ذلك عمّا أنت له فاعل، فاللّه اللّه في نفسك، فقد أعذر من أنذر.

ثمّ قام المقداد بن الأسود رحمة اللّه عليه فقال: يا أبا بكر اربع علی نفسك «1»، و قس شبرك بفترك «2»، و الزم بيتك، و ابك علی خطيئتك، فإنّ ذلك أسلم لك في حياتك و مماتك، و ردّ هذا الأمر إلی حيث جعله اللّه عزّ و جلّ و رسوله، و لا تركن إلی الدنيا، و لا يغرّنّك من قد تری من أوغادها «3» فعمّا قليل تضمحلّ عنك دنياك، ثمّ تصير إلی ربّك فيجزيك بعملك، و قد علمت أنّ هذا الأمر لعليّ عليه السّلام و هو صاحبه بعد رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و قد نصحتك إن قبلت نصحي.

ثمّ قام بريدة الأسلميّ فقال: يا أبا بكر نسيت أم تناسيت أم خادعتك نفسك؟! أما تذكر إذا أمرنا رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله فسلّمنا علی عليّ عليه السّلام بإمرة المؤمنين و نبيّنا صلّی اللّه عليه و آله بين أظهرنا، فاتّق اللّه ربّك و ادرك نفسك قبل أن لا تدركها، و انقذها من هلكتها، ودع هذا الأمر و وكّله إلی من هو أحقّ به منك، و لا تماد في غيّك، و ارجع و أنت‏

                       

تستطيع الرجوع، فقد نصحتك نصحي، و بذلت لك ما عندي، فإن قبلت وفّقت و رشدت.

ثمّ قام عبد اللّه بن مسعود فقال: يا معشر قريش قد علمتم و علم خياركم أنّ أهل بيت نبيّكم أقرب إلی رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله منكم، و إن كنتم إنّما تدّعون هذا الأمر بقرابة رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و تقولون إنّ السابقة لنا فأهل بيت نبيّكم أقرب إلی رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله منكم، و أقدم سابقة منكم، و عليّ بن أبي طالب عليه السّلام صاحب هذا الأمر بعد نبيّكم، فأعطوه ما جعله اللّه له و لا ترتدّوا علی أعقابكم فتنقلبوا خاسرين.

ثمّ قام عمّار بن ياسر فقال: يا أبا بكر لا تجعل لنفسك حقّا جعله اللّه عزّ و جلّ لغيرك، و لا تكن أوّل من عصی رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و خالفه في أهل بيته، و أردد الحقّ إلی أهله تخفّ ظهرك و تقلّ وزرك و تلقی رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و هو عنك راض ثمّ تصير إلی الرحمن فيحاسبك بعملك و يسألك عمّا فعلت.

ثمّ قام خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقال: يا أبا بكر أ لست تعلم أنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله قبل شهادتي وحدي و لم يرد معي غيري؟ قال: نعم، قال: فأشهد باللّه أنّي سمعت رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله يقول: «أهل بيتي يفرّقون بين الحقّ و الباطل، و هم الأئمّة الّذين يقتدی بهم».

ثمّ قام أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا أبا بكر أنا أشهد علی النبيّ صلّی اللّه عليه و آله أنّه أقام عليّا عليه السّلام، فقالت الأنصار: ما أقامه إلّا للخلافة، و قال بعضهم: ما أقامه إلّا ليعلم الناس أنّه وليّ من كان رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله مولاه، فقال صلّی اللّه عليه و آله: «إنّ أهل بيتي نجوم أهل الأرض فقدّموهم و لا تقدموهم».

ثمّ قام سهل بن حنيف فقال: أشهد أنّي سمعت رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله قال علی المنبر:

 «إمامكم من بعدي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و هو أنصح الناس لأمّتي».

ثمّ قام أبو أيّوب الأنصاريّ فقال: اتّقوا اللّه في أهل بيت نبيّكم، و ردّوا هذا الأمر إليهم، فقد سمعتم كما سمعنا في مقام بعد مقام من نبيّ اللّه صلّی اللّه عليه و آله «أنّهم أولی به منكم» ثمّ جلس.

                       

ثمّ قام زيد بن وهب «1» فتكلّم، و قام جماعة من بعده فتكلّموا بنحو هذا.

فأخبر الثقة من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله أنّ أبا بكر جلس في بيته ثلاثة أيّام، فلمّا كان اليوم الثالث أتاه عمر بن الخطّاب و طلحة و الزبير و عثمان بن عفّان و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقّاص و أبو عبيدة بن الجرّاح، مع كلّ واحد منهم عشرة رجال من عشائرهم، شاهرين السيوف، فأخرجوه من منزله، و علا المنبر، و قال قائل منهم: و اللّه لئن عاد منكم أحد فتكلّم بمثل الّذي تكلّم به لنملأنّ أسيافنا منه، فجلسوا في منازلهم و لم يتكلّم أحد بعد ذلك «2».

فهذا الحديث و إن كان ضعيف الاسناد إلّا أنّه مشتمل علی كلمات عالية من هؤلاء أعاظم أصحاب الرسول استندوا بها لإظهار بطلان تصدّي أبي بكر و أمثاله- غير عليّ و أولاده المعصومين عليهم السّلام- لأمر إدارة أمر الامّة و بلاد الإسلام، و هو نصّ في الدلالة علی أنّ ولاية أمر المسلمين إنّما هو لعليّ عليه السّلام و لأولاده العظام عليهم صلوات اللّه. و قد تضمّن ذيل الحديث ذكر شرارة اولئك المذكورين الّذين كانوا قد قاموا علی وجه الحقّ و عزموا علی عدم العمل بأمر اللّه و رسوله، فبليت الامّة الإسلامية بل البشرية كلّها بهذا البلاء العظيم و المصائب الفاجعة، و ستستمرّ إلی أن يملأ اللّه تعالی بقائمهم الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.

9- و منها ما رواه فيه في أبواب السبعة بإسناده عن محمّد ابن الحنفية و بإسناده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: أتی رأس اليهود عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عند منصرفه عن وقعة النهروان و هو عليه السّلام جالس في مسجد الكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إنّي اريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ،

                       

قال عليه السّلام: سل عمّا بدا لك يا أخا اليهود، قال: إنّا نجد في الكتاب أنّ اللّه عزّ و جلّ إذا بعث نبيّا أوحی إليه أن يتّخذ من أهل بيته من يقوم بأمر امّته من بعده و أن يعهد إليهم فيه عهدا يحتذی عليه و يعمل به في امّته من بعده، و أنّ اللّه عزّ و جلّ يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء و يمتحنهم بعد وفاتهم، فأخبرني كم يمتحن اللّه الأوصياء في حياة الأنبياء؟ و كم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرّة؟ و إلی ما يصير آخر أمر الأوصياء إذا رضي محنتهم؟

فقال له عليّ عليه السّلام: و اللّه الّذي لا إله إلّا غيره، الّذي فلق البحر لبني إسرائيل و أنزل التوراة علی موسی عليه السّلام لئن أخبرتك بحقّ عمّا تسأل عنه لتقرّنّ به؟ قال:

نعم، قال: و الّذي فلق البحر لبني إسرائيل و أنزل التوراة علی موسی عليه السّلام لئن أجبتك لتسلمنّ؟ قال: نعم.

فقال له عليّ عليه السّلام: إنّ اللّه عزّ و جلّ يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم، فإذا رضي طاعتهم و محنتهم أمر الأنبياء أن يتخذوهم أولياء في حياتهم و أوصياء بعد وفاتهم، و يصير طاعة الأوصياء في أعناق الامم ممّن يقول بطاعة الأنبياء، ثمّ يمتحن الأوصياء بعد وفاة الأنبياء عليهم السّلام في سبعة مواطن ليبلو صبرهم، فإذا رضي محنتهم ختم لهم بالسعادة ليلحقهم بالأنبياء و قد أكمل لهم السعادة.

قال له رأس اليهود: صدقت يا أمير المؤمنين، فأخبرني كم امتحنك اللّه في حياة محمّد من مرّة، و كم امتحنك بعد وفاته من مرّة؟ و إلی ما يصير أمرك؟

فأخذ عليّ عليه السّلام بيده و قال: انهض بنا انبّئك بذلك- إلی أن قال:- فقام جماعة من أصحابه عليه السّلام منهم الأشتر و رضي عليه السّلام بحضورهم في مجلس الجواب أيضا- و أقبل علی اليهودي فقال: يا أخا اليهود إنّ اللّه عزّ و جلّ امتحنني في حياة نبيّنا محمّد صلّی اللّه عليه و آله في سبعة مواطن فوجدني فيهنّ- من غير تزكية لنفسي- بنعمة اللّه له مطيعا، قال: و فيم و فيم يا أمير المؤمنين؟

                       

قال: أمّا أوّلهنّ: فذكر عليه السّلام كونه أوّل الناس إسلاما في دعوة العشيرة الأقربين.

و كونه فداه بنفسه و نام في بيت النبيّ في قضية دار الندوة. و كونه المقاتل الّذي بقتاله غلب المسلمون في غزوة بدر. و كونه المقاتل الدافع الوحيد عن النبيّ في غزوة احد. و كونه المقاتل الفاتح في غزوة الخندق و قتل عمرو بن عبد ودّ. و كونه المقاتل الفاتح الوحيد في غزوة خيبر. و كونه مندوب الرسول و قارئ سورة البراءة علی المشركين في مقدّمة فتح مكّة، فهو عليه السّلام عدّ هذه المواطن السبعة، و صدّقه أصحابه الكرام، و طلبوا منه عليه السّلام أن يذكر السبعة مواطن الّتي امتحنه اللّه بها بعد وفاة النبيّ الأكرم صلّی اللّه عليه و آله فقال:

يا أخا اليهود إنّ اللّه عزّ و جلّ امتحنني بعد وفاة نبيّه صلّی اللّه عليه و آله في سبعة مواطن فوجدني فيهنّ- من غير تزكية لنفسي- بمنّه و نعمته صبورا.

و أمّا أوّلهنّ يا أخا اليهود- فذكر أنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله ربّاه في الدنيا و الدين، فراجع- ثمّ قال عليه السّلام:

و أمّا الثانية يا أخا اليهود فإنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله أمّرني في حياته علی جميع امّته و أخذ علی جميع من حضر منهم البيعة و السمع و الطاعة لأمري، و أمرهم أن يبلّغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدّي إليهم عن رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله أمره إذا حضرته و الأمير علی من حضرني منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شي‏ء من الأمر في حياة النبيّ صلّی اللّه عليه و آله و لا بعد وفاته، ثمّ أمر رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله بتوجيه الجيش الّذي وجّهه مع اسامة بن زيد عند الّذي أحدث اللّه به من المرض الّذي توفّاه فيه، فلم يدع النبيّ أحدا من أفناء العرب و لا من الأوس و الخزرج و غيرهم من سائر الناس ممّن يخاف علی نقضه و منازعته، و لا أحدا ممّن يراني بعين البغضاء ممّن قد و ترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلّا وجّهه في ذلك الجيش، و لا من المهاجرين و الأنصار و المسلمين و غيرهم و المؤلّفة قلوبهم و المنافقين، لتصفو قلوب من يبقی معي بحضرته، و لئلّا يقول قائل شيئا ممّا أكرهه،

                       

و لا يدفعني دافع من الولاية و القيام بأمر رعيّته من بعده، ثمّ كان آخر ما تكلّم به في شي‏ء من أمر امّته أن يمضي جيش اسامة و لا يتخلّف عنه أحد ممّن أنهض معه، و تقدّم في ذلك أشدّ التقدّم، و أوعز فيه أبلغ الإيعاز «1»، و أكّد فيه أكثر التأكيد، فلم أشعر بعد أن قبض النبيّ عليه السّلام إلّا برجال من بعث اسامة بن زيد و أهل عسكره قد تركوا مراكزهم و أخلوا مواضعهم، و خالفوا أمر رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله فيما أنهضهم له و أمرهم به و تقدّم إليهم من ملازمة أميرهم و السير معه تحت لوائه، حتّی ينفذ لوجهه الّذي أنفذه إليه، فخلّفوا أميرهم مقيما في عسكره، و أقبلوا يتبادرون علی الخيل ركضا إلی حلّ عقدة عقدها اللّه عزّ و جلّ لي و لرسوله صلّی اللّه عليه و آله في أعناقهم، فحلّوها، و عهد عاهدوا اللّه و رسوله فنكثوه، و عقدوا لأنفسهم عقدا ضجّت به أصواتهم، و اختصّت به آراؤهم، من غير مناظرة لأحد منّا بني عبد المطّلب، أو مشاركة في رأي، أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك و أنا برسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله مشغول، و بتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود، فإنّه كان أهمّها و أحقّ ما بدئ به منها، فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد علی قلبي، مع الّذي أنا فيه من عظيم الرزيّة و فاجع المصيبة، و فقد من لا خلف منه إلّا اللّه تبارك و تعالی، فصبرت عليها إذ أتت بعد اختها، علی تقاربها و سرعة اتّصالها.

ثمّ التفت عليه السّلام إلی أصحابه، فقال: أ ليس كذلك؟ قالوا: بلی يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السّلام: و أمّا الثالثة يا أخا اليهود فإنّ القائم بعد النبيّ صلّی اللّه عليه و آله كان يلقاني معتذرا في كلّ أيّامه و يلوم غيره [و يلزم غيره- خ ل‏] ما ارتكبه من أخذ حقّي و نقض بيعتي و يسألني تحليله، فكنت أقول: تنقضي أيّامه ثمّ يرجع إليّ حقّي الّذي جعله اللّه لي عفوا «2» هنيئا من غير أن احدث في الإسلام مع حدوثه و قرب عهده بالجاهلية حدثا في طلب حقّي بمنازعة، لعلّ فلانا يقول فيها: نعم، و فلانا يقول: لا،

                       

فيؤول ذلك من القول إلی الفعل، و جماعة من خواصّ أصحاب محمّد صلّی اللّه عليه و آله أعرفهم بالنصح للّه و لرسوله و لكتابه و دينه الإسلام يأتوني عودا و بدءا و علانية و سرّا فيدعوني إلی أخذ حقّي، و يبذلون أنفسهم في نصرتي ليؤدّوا إليّ بذلك بيعتي في أعناقهم، فأقول: رويدا و صبرا قليلا، لعلّ اللّه يأتيني بذلك عفوا بلا منازعة و لا إراقة الدماء، فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبيّ صلّی اللّه عليه و آله، و طمع في الأمر بعده من ليس له بأهل، فقال كلّ قوم: منّا أمير، و ما طمع القائلون في ذلك إلّا لتناول غيري الأمر.

فلمّا دنت وفاة القائم و انقضت أيّامه صيّر الأمر بعده لصاحبه، فكانت هذه اخت اختها، و محلّها منّي مثل محلّها، و أخذا منّي ما جعله اللّه لي، فاجتمع إليّ من أصحاب محمّد صلّی اللّه عليه و آله ممّن مضی و ممّن بقی ممّن أخّره اللّه من اجتمع، فقالوا لي فيها مثل الّذي قالوا في اختها، فلم يعد قولي الثاني قولي الأوّل، صبرا و احتسابا و يقينا، و اشفاقا من أن تفنی عصبة تألّفهم رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله باللين مرّة و بالشدّة اخری، و بالنذر مرّة و بالسيف اخری، حتّی لقد كان من تألّفه لهم أن كان الناس في الكرّ و الفرار و الشبع و الريّ و اللباس و الوطاء و الدثار، و نحن أهل بيت محمّد صلّی اللّه عليه و آله لا سقوف لبيوتنا، و لا أبواب و لا ستور إلّا الجرائد و ما أشبهها، و لا وطاء لنا و لا دثار علينا، يتناول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا، و نطوي الليالي و الأيّام عامّتنا، و ربما أتانا الشي‏ء ممّا أفاءه اللّه علينا و صيّره لنا خاصّة دون غيرنا و نحن علی ما وصفت من حالنا فيؤثر به رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله أرباب النعم و الأموال تألّفا منه لهم، فكنت أحقّ من لم يفرّق هذه العصبة الّتي ألّفها رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و لم يحملها علی الخطّة «1» الّتي لا خلاص لها منها دون بلوغها أو فناء آجالها، لأنّي لو نصبت نفسي فدعوتهم إلی نصرتي كانوا منّي و في أمري علی إحدی منزلتين: أمّا تتّبع مقاتل، و أمّا مقتول إن لم يتّبع الجميع، و أمّا خاذل يكفر بخذلانه أن قصّر في نصرتي أو

                       

أمسك عن طاعتي، و قد علم اللّه أنّي منه بمنزلة هارون من موسی، يحلّ به في مخالفتي و الإمساك عن نصرتي ما أحلّ قوم موسی بأنفسهم في مخالفة هارون و ترك طاعته، و رأيت تجرّع الغصص و ردّ أنفاس الصعداء و لزوم الصبر حتّی يفتح اللّه أو يقضي بما أحبّ أزيد لي في حظّي، و أرفق بالعصابة الّتي وصفت أمرهم وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً و لو لم اتّق هذه الحالة- يا أخا اليهود- ثمّ طلبت حقّي لكنت أولی ممّن طلبه، لعلم من مضی من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و من بحضرتك منهم بأنّي كنت أكثر عددا و أعزّ عشيرة و أمنع رجالا و أطوع أمرا و أوضح حجّة و أكثر في هذا الدين مناقب و آثارا، لسوابقي و قرابتي و وراثتي، فضلا عن استحقاقي ذلك بالوصية الّتي لا مخرج للعباد منها، و البيعة المتقدّمة في أعناقهم ممّن تناولها، و قد قبض محمّد صلّی اللّه عليه و آله و أنّ ولاية الامّة في يده و في بيته، لا في يد الاولی تناولوها و لا في بيوتهم، و لأهل بيته الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا أولی بالأمر من بعده من غيرهم في جميع الخصال.

ثمّ التفت إلی أصحابه فقال عليه السّلام: أ ليس كذلك؟ قالوا: بلی يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السّلام: و أمّا الرابعة يا أخا اليهود فإنّ القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الامور فيصدرها عن أمري، و يناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحدا و لا يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري، و لا يطمع في الأمر بعده سواي، فلمّا [أن‏] أتته منيّته علی فجأة بلا مرض كان قبله و لا أمر كان أمضاه في صحّة من بدنه لم أشكّ أنّي قد استرجعت حقّي في عافية، بالمنزلة الّتي كنت أطلبها، و العاقبة الّتي كنت ألتمسها، و أنّ اللّه سيأتي بذلك علی أحسن ما رجوت و أفضل ما أمّلت، و كان من فعله أن ختم أمره بأن سمّی قوما أنا سادسهم، و لم يستوني بواحد منهم، و لا ذكر لي حالا في وراثة الرسول و لا قرابة و لا صهر و لا نسب، و لا لواحد منهم مثل سابقة من سوابقي و لا أثر من آثاري، و صيّرها شوری بيننا، و صيّر ابنه فيها حاكما علينا، و أمره أن يضرب أعناق النفر الستّة الّذين صيّر

                       

الأمر فيهم إن لم ينفذوا أمره، و كفی بالصبر علی هذا يا أخا اليهود صبرا، فمكث القوم أيّامهم كلّها، كلّ يخطب لنفسه و أنا ممسك عن أن يسألوني عن أمري فناظرتهم في أيّامي و أيّامهم و آثاري و آثارهم، و أوضحت لهم ما لم يجهلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم، و ذكّرتهم عهد رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله إليهم و تأكيد ما أكّده من البيعة لي في أعناقهم، دعاهم حبّ الإمارة و بسط الأيدي و الألسن في الأمر و النهي و الركون إلی الدنيا و الاقتداء بالماضين قبلهم إلی تناول ما لم يجعل اللّه لهم، فإذا خلوت بالواحد ذكّرته أيّام اللّه و حذّرته ما هو قادم عليه و صائر إليه ألتمس منّي شرطا أن اصيّرها له بعدي، فلمّا لم يجدوا عندي إلّا المحجّة البيضاء و الحمل علی كتاب اللّه عزّ و جلّ و وصيّة الرسول و إعطاء كلّ امرئ منهم ما جعله اللّه له و منعه ما لم يجعل اللّه له أزالها إلی ابن عفّان طمعا في الشحيح معه فيها، و ابن عفّان رجل لم يستو به و بواحد ممّن حضره حال قطّ، فضلا عمّن دونهم؛ لا ببدر الّتي هي سنام فخرهم و لا غيرها من المآثر الّتي أكرم اللّه بها رسوله و من اختصّه معه من أهل بيته عليهم السّلام، ثمّ لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتّی ظهرت ندامتهم و نكصوا علی أعقابهم و أحال بعضهم علی بعض، كلّ يلوم نفسه و يلوم أصحابه.

ثمّ لم تطل الأيّام بالمستبدّ بالأمر ابن عفّان حتّی أكفروه و تبرّءوا منه، و مشی إلی أصحابه خاصّة و سائر أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله عامّة، يستقيلهم من بيعته و يتوب إلی اللّه من فلتته، فكانت هذه يا أخا اليهود أكبر من اختها و أفظع و أحری أن لا يصبر عليها، فنالني منها الّذي لا يبلغ وصفه و لا يحدّ وقته، و لم يكن عندي إلّا الصبر علی ما أمضّ و أبلغ منها ... إلی أن قال عليه السّلام:

و ما سكتني عن ابن عفّان و حثّني علی الإمساك عنه إلّا أنّي عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه بما لن يدعه حتّی يستدعي الأباعد إلی قتله و خلعه، فضلا عن الأقارب، و أنا في عزلة، فصبرت حتّی كان ذلك، لم أنطق فيه بحرف من «لا» و لا «نعم». ثمّ أتاني القوم و أنا علم اللّه كاره لمعرفتي بما تطاعموا به من‏

                       

اعتقال الأموال و المرح في الأرض، و علمهم بأنّ و تلك ليست لهم عندي، و شديد عادة منتزعة، فلمّا لم يجدوا عندي تعلّلوا الأعاليل.

ثمّ التفت إلی أصحابه فقال عليه السّلام: أ ليس كذلك؟ فقال: بلی يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السّلام: و أمّا الخامسة يا أخا اليهود فإنّ المتابعين لي لمّا لم يطمعوا في تلك منّي وثبوا بالمرأة عليّ، و أنّا وليّ أمرها و الوصيّ عليها، فحملوها علی الجمل و شدّوها علی الرحال ... في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الاولی في حياة النبيّ صلّی اللّه عليه و آله حتّی أتت أهل بلدة قصيرة أيديهم طويلة لحاهم ... و هم جيران بدو و روّاد بحر ... و دعوت المرأة إلی الرجوع إلی بيتها و القوم الّذين حملوها علی الوفاء ببيعتهم لي، و الترك لنقضهم عهد اللّه عزّ و جلّ فيّ ... ثمّ أقبلت علی الناس بمثل ذلك فلم يزدادوا إلّا جهلا و تماديا و غيّا، فلمّا أبوا إلّا هي ركبتها منهم فكانت عليهم الدبرة و بهم الهزيمة ....

ثمّ التفت إلی أصحابه فقال عليه السّلام: أ ليس كذلك؟ قالوا: بلی يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السّلام: و أمّا السادسة يا أخا اليهود فتحكيمهم [الحكمين‏] و محاربة ابن آكلة الأكباد و هو طليق معاند للّه عزّ و جلّ و لرسوله و للمؤمنين منذ بعث اللّه محمّدا صلّی اللّه عليه و آله إلی أن فتح اللّه عليه مكّة عنوة، فاخذت بيعته و بيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم و في ثلاثة مواطن بعده ... و أعجب العجب أنّه لمّا رأی ربّي تبارك و تعالی قد ردّ إليّ حقّي و أقرّ في معدنه و انقطع طمعه أن يصير في دين اللّه رابعا و في أمانة حمّلناها حاكما كرّ علی العاصي بن العاص، فاستماله فمال إليه ... و إنّي نهضت إليه بأصحابي، انفذ إليه من كلّ موضع كتبي و اوجّه إليه رسلي أدعوه إلی الرجوع عمّا هو فيه، و الدخول فيما فيه الناس معي، فكتب يتحكّم عليّ، و يتمنّی عليّ الأماني، و يشترط عليّ شروطا لا يرضاها اللّه عزّ و جلّ و رسوله و لا المسلمون ... فلمّا لم اجب إلی ما اشترط من ذلك كرّ مستعليا في نفسه بطغيانه و بغيه، بحمير لا عقول لهم و لا بصائر ... ثمّ ذكر عليه السّلام قصّة غزوة صفّين و غلبة جنده‏

                       

عليهم و عزمه عليه السّلام علی قطع أصلهم و التجاء معاوية بحيلة رفع المصاحف و تحميل من معه عليه السّلام له علی قبوله ثمّ قبول التحكيم ثمّ قبول حكمية من كان لا يراه أهلا لذلك و كان حكم معاوية ابن العاص ... إلی أن قال عليه السّلام: فخدعه ابن العاص خديعة ظهرت في شرق الأرض و غربها، و أظهر المخدوع عليها ندما ثمّ أقبل عليه السّلام علی أصحابه، فقال عليه السّلام: أ ليس كذلك؟ قالوا: بلی يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السّلام: و أمّا السابعة يا أخا اليهود فإنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله كان عهد إليّ أن اقاتل في آخر الزمان من أيّامي قوما من أصحابي يصومون النهار و يقومون الليل و يتلون الكتاب، يمرقون بخلافهم عليّ و محاربتهم إيّاي من الدين مروق السهم من الرمية، فيهم ذو الثدية، يختم لي بقتلهم بالسعادة، فلمّا انصرفت إلی موضعي هذا- يعني بعد الحكمين- أقبل بعض القوم علی بعض باللائمة فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين، فلم يجدوا لأنفسهم من ذلك مخرجا، إلّا أن قالوا: كان ينبغي لأميرنا أن لا يبايع من أخطأ، و أن يقضي بحقيقة رأيه علی قتل نفسه و قتل من خالفه منّا، فقد كفر بمتابعته إيّانا و طاعته لنا في الخطأ، و أحلّ لنا بذلك قتله و سفك دمه، فتجمّعوا علی ذلك و خرجوا راكبين رءوسهم ينادون بأعلی أصواتهم: لا حكم إلّا للّه، ثمّ تفرّقوا؛ فرقة بالنخيلة و اخری بحروراء و اخری راكبة رأسها تخبط الأرض شرقا حتّی عبرت دجلة، فلم تمرّ بمسلم إلّا امتحنته؛ فمن تابعها استحيته، و من خالفها قتلته، فخرجت إلی الاوليين ... فقتل اللّه هذه و هذه ... ثمّ كتبت إلی الفرقة الثالثة و وجّهت رسلي تتری ... فأبت إلّا اتّباع اختيها و الاحتذاء علی مثالهما و أسرعت في قتل من خالفها من المسلمين ... فلمّا أبوا إلّا تلك ركبتها منهم فقتلهم اللّه ...

فاستخرجت ذا الثدية من قتلاهم بحضرة من تری، له ثدي كثدي المرأة.

ثمّ التفت إلی أصحابه فقال عليه السّلام: أ ليس كذلك؟ قالوا: بلی يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السّلام: قد وفيت سبعا و سبعا يا أخا اليهود و بقيت الاخری، و أو شك بها فكان قد.

                       

فبكی أصحاب عليّ عليه السّلام و بكی رأس اليهود و قالوا: يا أمير المؤمنين أخبرنا بالاخری.

فقال عليه السّلام: و الاخری أن تخضب هذه (و أومأ بيده إلی لحيته) من هذه (و أومأ بيده إلی هامته).

قال: و ارتفعت أصوات الناس في المسجد الجامع بالضجّة و البكاء، حتّی لم يبق بالكوفة دار إلّا خرج أهلها فزعا، و أسلم رأس اليهود علی يدي عليّ عليه السّلام من ساعته، و لم يزل مقيما حتّی قتل أمير المؤمنين عليه السّلام، و اخذ ابن ملجم لعنه اللّه فأقبل رأس اليهود حتّی وقف علی الحسن عليه السّلام و الناس حوله و ابن ملجم لعنه اللّه بين يديه، فقال له: يا أبا محمّد اقتله قتله اللّه، فإنّي رأيت في الكتب الّتي انزلت علی موسی عليه السّلام أنّ هذا أعظم عند اللّه عزّ و جلّ جرما من ابن آدم قاتل أخيه و من القدار عاقر ناقة ثمود «1».

فهذا الحديث المبارك الطويل و إن لم يكن سنده تامّ الاعتبار، إلّا أنّه مشتمل علی مطالب عالية و حاك لأمور واقعة زمن النبيّ الأعظم صلّی اللّه عليه و آله و بعده بأحسن بيان، و هو صريح في أنّ عليّا أمير المؤمنين عليه السّلام قد نصّب من اللّه عزّ و جلّ لإدارة أمر الامة بعد رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و أنّ الرسول قد بيّن ذلك لأمّته و أخذ البيعة منهم لولايته و أمارته و توسّل لاستقامة الأمر بعد وفاته بتجهيز جيش اسامة و أمر الناس لا سيّما ملأهم بخروجهم معه إلی خارج المدينة، و أنّ الغادرين قد تخلفوا عن أمره و عصوه و في حين اشتغال عليّ عليه السّلام بتجهيز جنازة الرسول اجتمعوا و تخلّفوا أمر اللّه و جعلوا من عند أنفسهم رجلا أميرا و هذا الأمير الطاغي و إن كان ربما يعترف بخطائه زمن حياته- إلّا أنّه مع ذلك أو كل أمر ولاية الامّة إلی الثاني القائم بالأمر بعده عصيانا،

                        

و هذا القائم الثاني مع أنّه كان يشاوره في أمر ادارة الامّة و يصدر عن توجيهه إلّا أنّه أو كل أمر الولاية إلی ستّة جعل أمرها بيد ابنه الّذي كان منهم، فانتقل برأيهم أمر الولاية إلی عثمان بن عفّان، و كلّ ذلك كان خلافا لأمر اللّه و أمر الرسول، و اشترك القائمون بذلك في فعل هذه المعصية الكبيرة الّتي هدم بها أعظم أركان الإسلام، الركن الّذي به أكمل اللّه الدين و أتمّ بها نعمته، و رضی به الإسلام للمسلمين دينا.

فبعد هذه المصائب و إن رجع المسلمون إلی وليّ الأمر الالهيّ لهم عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام إلّا أنّه عليه السّلام مع عادة الملأ بالخلاف و توقّعهم للوصول إلی غايات دنياوية لا يمكن لهم الوصول إليها في حكومة إلهيّة فلذلك كان كارها بقول الولاية إلّا أنّه عليه السّلام لمكان وجوب تصدّيه بها من اللّه عزّ و جلّ تصدّاها و ابتلی بمخالفة الملأ المتعادين في غزوة الجمل ثمّ باعتداء معاوية بن آكلة الأكباد و غزوة صفّين و قبول الحكمين علی خلاف ما كان يراه و ثمّ بعده ابتلي بمخالفة المارقين عن ولايته من أصحابه حتّی قتلهم بفرقهم الثلاث.

و من الواضح أنّ كلّا من هذه المراتب من نصبه عليه السّلام وليّا و أخذ البيعة له و من تصدّی هؤلاء الثلاثة الغاصبين كان يدور حول معنی الولاية بإرادة تصدّي امور المسلمين و هو عليه السّلام يصرّح في الحديث مرارا أنّها كانت حقّا له من اللّه و رسوله كما أنّ الغزوات و النقاشات الواقعة زمن قيامه بأمر الولاية كانت حول الولاية بهذا المعنی، و هو عليه السّلام قد دفع عن هذا الحقّ الإلهي، و قاتل و قتل العصاة الطاغين بما أنّه وظيفة إلهيّة له.

و بالجملة: فدلالة الحديث علی المطلوب كاملة واضحة، و هو مشتمل علی ذكر بعض النكات و الخبايا و الأسرار الّذي من اللازم للمسلم المحقّق الاطّلاع عليها، و نحن نحمد اللّه تعالی علی الاهتداء بنور ولاية محمّد و آله المعصومين عليهم السّلام، و نسأله أن يوفّقنا لبذل تمام طاقتنا في خدمتها إنّه سميع الدعاء قريب مجيب.

10- و منها ما رواه في أبواب الأربعين و ما فوقه من الخصال بإسناده عن‏

                       

عامر بن وائلة قال: كنت في البيت يوم الشوری فسمعت عليّا عليه السّلام و هو يقول:

استخلف الناس أبا بكر و أنا و اللّه أحقّ بالأمر و أولی به منه، و استخلف أبو بكر عمر و أنا و اللّه أحقّ بالأمر و أولی به منه، إلّا أنّ عمر جعلني مع خمسة نفر أنا سادسهم لا يعرف لهم عليّ فضل، و لو أشاء لاحتججت عليهم بما لا يستطيع عربيّهم و لا عجميّهم المعاهد منهم و المشرك تغيير ذلك. ثمّ قال: نشدتكم باللّه أيّها النفر هل فيكم أحد وحّد اللّه قبلي؟ قالوا: اللّهمّ لا، قال: نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسی إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» غيري؟

قالوا: اللّهمّ لا ... فذكر مناشدته لهم بأكثر من أربعين فضيلة، فراجع «1».

و لا يبعد اعتبار سند الحديث، و قد صرّح عليه السّلام مقسما عليه باللّه بأحقّيته بأمر إدارة أمر الامّة من أبي بكر و عمر و استشهد لا حقّيته به من كلّ أحد بهذه الخصال العديدة.

ثمّ إنّ هنا أخبارا خاصّة اخر تدلّ علی ثبوت حقّ الولاية لعليّ أمير المؤمنين عليه السّلام نذكرها قريبا تحت عنوان «تتمّة مستدركة للطائفة الخامسة من الأخبار».

و بالجملة: فدلالة أخبار هذه الطائفة أيضا علی المطلوب واضحة تامّة.

تتمّة مستدركة للطائفة الخامسة من الأخبار: [و هي 10 أخبار]

قد مرّ عند عدّ هذه الطائفة من الأخبار روايات عشر قد دلّت علی ثبوت الولاية بالمعنی المطلوب المبحوث عنه لعليّ أمير المؤمنين عليه السّلام و نلحق بها هاهنا أحاديث اخر:

11- فمنها مرسل ابن أبي عمير- الّذي رواه الصدوق في علل الشرائع- عن بعض أصحابنا أنّه سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما بال أمير المؤمنين عليه السّلام لم يقاتلهم؟ قال: الّذي سبق في علم اللّه أن يكون، و ما كان له أن يقاتلهم و ليس معه إلّا ثلاثة رهط من المؤمنين «2».

                       

12- و منها ما رواه فيه أيضا بإسناده عن الهيثم بن عبد اللّه الرمّاني قال: سألت عليّ بن موسی الرضا عليه السّلام فقلت له: يا بن رسول اللّه أخبرني عن عليّ بن أبي طالب لم لم يجاهد أعداءه خمسا و عشرين سنة بعد رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله ثمّ جاهد في أيّام ولايته؟ فقال: لأنّه اقتدی برسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله في تركه جهاد المشركين بمكّة ثلاثة عشرة سنة بعد النبوّة، و بالمدينة تسعة عشر شهرا، و ذلك لقلّة أعوانه عليهم و كذلك عليّ عليه السّلام ترك مجاهدة أعدائه لقلّة أعوانه عليهم، فلمّا لم تبطل نبوّة رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله مع تركه الجهاد ثلاثة عشرة سنة و تسعة عشر شهرا كذلك لم تبطل إمامة عليّ عليه السّلام مع تركه الجهاد خمسا و عشرين سنة، إذ كانت العلّة المانعة لهما من الجهاد واحدة «1».

و مرسل ابن أبي عمير معتبر السند إلّا أنّ الهيثم لم يوثّق كما أنّ الحسن بن عليّ العدوي الّذي روی عن الهيثم لم يذكر.

13- و منها ما رواه فيه أيضا بإسناده عن ابن مسعود قال: احتجّوا في مسجد الكوفة فقالوا: ما بال أمير المؤمنين عليه السّلام لم ينازع الثلاثة كما نازع طلحة و الزبير و عائشة و معاوية؟ فبلغ ذلك عليّا عليه السّلام فأمر أن ينادي بالصلاة جامعة، فلمّا اجتمعوا صعد المنبر فحمد اللّه و أثنی عليه ثمّ قال: معاشر الناس إنّه بلغني عنكم كذا و كذا، قالوا: صدق أمير المؤمنين عليه السّلام قد قلنا ذلك، قال: فإنّ لي بسنّة الأنبياء اسوة فيما فعلت، قال اللّه عزّ و جلّ في كتابه: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. قالوا: و من هم يا أمير المؤمنين عليه السّلام؟ قال: أوّلهم إبراهيم علی نبيّنا و آله و عليه السلام، إذ قال لقومه: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فإن قلتم: إنّ إبراهيم اعتزل قومه لغير مكروه أصابه منهم فقد كفرتم، و إن قلتم: اعتزلهم لمكروه أصابه منهم فالوصيّ أعذر.

                       

ولي بابن خالته لوط اسوة: إذ قال لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلی‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ فإن قلتم: إنّ لوطا كانت له بهم قوّة فقد كفرتم، و إن قلتم: لم يكن له قوّة فالوصيّ أعذر.

ولي بيوسف علی نبيّنا و آله و عليه السلام اسوة إذ قال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ فإن قلتم: إنّ يوسف دعا ربّه و سأله السجن لسخط ربّه فقد كفرتم، و إن قلتم: إنّه أراد بذلك لئلّا يسخط ربّه عليه فاختار السجن فالوصيّ أعذر.

ولي بموسی علی نبيّنا و آله و عليه السلام اسوة، إذ قال: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فإن قلتم: إنّ موسی فرّ من قومه بلا خوف كان له منهم فقد كفرتم، و إن قلتم: إنّ موسی خاف منهم فالوصيّ أعذر.

ولي بأخي هارون علی نبيّنا و آله و عليه السلام اسوة: إذ قال لأخيه: ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فإن قلتم: لم يستضعفوه و لم يشرفوا علی قتله فقد كفرتم، و إن قلتم: استضعفوه و أشرفوا علی قتله فلذلك سكت عنهم فالوصيّ أعذر.

ولي بمحمّد صلّی اللّه عليه و آله اسوة، حين فرّ من قومه و لحق بالغار من خوفهم و أنا مني علی فراشه، فإن قلتم: فرّ من قومه لغير خوف منهم فقد كفرتم، و إن قلتم: خافهم و أنا مني علی فراشه و لحق هو بالغار من خوفهم فالوصيّ أعذر «1».

و هذا الحديث أيضا ليس بمعتبر السند.

فهذه الأحاديث الثلاثة تدلّ بوضوح علی أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يقاتل الطواغيت الثلاثة الاول لعدم عدّة لازمة له و لقلّة أعوانه عليهم و لكونه عليه السّلام علی خوف و عذر في ذلك كما ذكره في عدد من الأنبياء و نبيّ الإسلام عليهم السّلام، فقد دلّت‏

                       

علی أنّ الإمامة علی المسلمين بمعنی ما تصدّوه هؤلاء الثلاثة كانت حقّا له عليه السّلام و إنّما لم يقاتلهم للعذر المذكور، و من الواضح أنّ ما تصدّوه كانت ولاية لأمور المسلمين، فتدلّ الأحاديث علی أنّ هذه الولاية كانت حقّا خاصّا له عليه السّلام.

14- و منها ما رواه فيه أيضا بسند صحيح عن ابن أبي عمير عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: ما بال أمير المؤمنين عليه السّلام لم يقاتل فلانا و فلانا و فلانا؟ قال: لآية في كتاب اللّه عزّ و جلّ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً قال: قلت: و ما يعني بتزايلهم؟ قال: ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين، و كذلك القائم عليه السّلام لن يظهر أبدا حتّی تخرج ودائع اللّه تعالی، فإذا خرجت ظهر علی من ظهر من أعداء اللّه فقتلهم «1».

15- و منها ما رواه فيه أيضا عن إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، أو قال له رجل: أصلحك اللّه أ لم يكن عليّ عليه السّلام قويّا في دين اللّه عزّ و جلّ؟ قال:

بلی، قال: فكيف ظهر عليه القوم و كيف لم يدفعهم و ما منعه من ذلك؟ قال: آية في كتاب اللّه عزّ و جلّ منعته، قال: قلت: و أيّ آية؟ قال: قوله تعالی: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً إنّه كان للّه عزّ و جلّ ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين و منافقين، فلم يكن عليّ عليه السّلام ليقتل الآباء حتّی تخرج الودائع، فلمّا خرج الودائع ظهر عليّ عليه السّلام علی من ظهر فقاتله، و كذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتّی تظهر ودائع اللّه عزّ و جلّ، فإذا ظهرت ظهر علی من ظهر فقتله 2.

فهذان الحديثان قد ذكرا سرّا آخر لقعوده عن قتال الطواغيت الثلاثة الاول، و يدلّان أيضا علی أنّ الولاية علی امور المسلمين كانت حقّا له و إنّما منعه القتال معهم مثل هذا السرّ.

16- و منها ما رواه فيه أيضا بسنده عن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما

                       

منع أمير المؤمنين عليه السّلام أن يدعو الناس إلی نفسه؟ قال: خوفا أن يرتدّوا.

قال عليّ بن حاتم «شيخ الصدوق في هذه الرواية»: و أحسب في الحديث:

و لا يشهدوا أنّ محمّدا صلّی اللّه عليه و آله رسول اللّه «1».

17- و منها ما رواه فيه أيضا بسند صحيح عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ عليّا عليه السّلام لم يمنعه من أن يدعو الناس إلی نفسه إلّا أنّهم أن يكونوا ضلّالا لا يرجعون عن الإسلام أحبّ إليه من أن يدعوهم فيأبوا عليه فيصيرون كفّارا كلّهم 2.

18- و منها ما رواه الكافي في كتاب الروضة بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ الناس لمّا صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبا بكر لم يمنع أمير المؤمنين عليه السّلام من أن يدعو إلی نفسه إلّا نظرا للناس و خوفا عليهم أن يرتدّوا عن الإسلام فيعبدوا الأوثان و لا يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و كان الأحبّ إليه أن يقرّهم علی ما صنعوا من أن يرتدّوا عن جميع الإسلام ...

الحديث «3». فهذا الحديث أيضا مثل الخبرين السابقين.

فهذه الأخبار الثلاثة أيضا قد ذكرت سرّا آخر لعدم دعوته عليه السّلام للناس إلی نفسه و هو أنّه لو كان يدعوهم لما أجابوه فيوجب كفرهم و ارتدادهم، و كيف كان فيدلّ علی أنّ تصدّي أمر الامّة كان له عليه السّلام و إنّما ترك دعوة الناس إلی نفسه لمثل هذا السرّ.

فهذه الأخبار الثمانية أيضا و إن اشتملت أسرارا ثلاثة لعدم قيامه عليه السّلام قبالهم و عدم قتاله لهم إلّا أنّها متفقة الدلالة علی المطلوب، أعني أنّ أمر تصدّي ولاية امور المسلمين كان له و قد غصبوه الطواغيت منه. و من المعلوم أنّه لا منافاة بين أن يكون لأمر واحد أسرار متعدّدة و اكتفی بعض الأحاديث بذكر بعض و بعضها بذكر بعض آخر، بل و لعلّ لهذا الأمر الّذي بحثت الأحاديث عنه سرّا

                       

و أسرارا اخر لم يذكر، و اللّه العالم.

19- و من قبيل هذه الأخبار الثمانية ما رواه في كتاب تمام نهج البلاغة من أنّ عليّا عليه السّلام كتب في كتاب طويل أمر أن يقرأ علی الناس كلّ يوم جمعة ما نصّه: و قد كان رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله عهد إليّ عهدا فقال: يا ابن أبي طالب لك ولاء أمّتي من بعدي، فإن ولّوك في عافية و أجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، و إن اختلفوا عليك فدعهم و ما هم فيه، فإنّ اللّه سيجعل لك مخرجا، فنظرت فإذا ليس لي معين و لا رافد و لا ذابّ، و لا معي ناصر و لا مساعد إلّا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت و المنيّة «1».

فإنّ صدر هذه الفقرة المنقولة عن الرسول الأعظم صلّی اللّه عليه و آله دالّ بوضوح علی ولايته عليه السّلام علی أمّة الإسلام بعد نبيّه، و ذيلها أيضا دليل علی أنّ عدم قيامه عليه السّلام بأخذ هذا الحقّ إنّما هو لعدم ناصر له و معين إلّا أهل بيته، و أنّه لو قام به بهم لأوجب قتلهم فضنّ بهم عن الموت، و هو أيضا دليل علی المطلوب.

ثمّ إنّ في ما قبل هذه الفقرة أيضا عبارات تامّة الدلالة و واضحتها علی المطلوب سيأتي إن شاء اللّه تعالی ذكرها.

20- و من قبيلها أيضا ما في الكتاب المذكور من أنّه عليه السّلام ذكر ضمن كتاب له عليه السّلام إلی معاوية ما لفظه: و لقد كان أبوك أبو سفيان أتاني حين قبض رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و ولّی الناس أبا بكر، فقال: لأنت أحقّ بمقام محمّد صلّی اللّه عليه و آله و أولی بهذا الأمر من الناس كلّهم، و أنا زعيم لك بذلك علی من خالف عليك، ابسط يدك ابايعك؛ فأنت أعزّ العرب دعوة، فلم أقبل ذلك، و أنت تعلم أنّ أباك قد كان قال ذلك و أراده، حتّی كنت أنا الّذي أبيت عليه، لقرب عهد الناس بالكفر و الجاهلية، مخالفة الفرقة بين أهل الإسلام و شقّ عصا هذه الامّة، فإن تعرف من حقّي ما كان يعرف أبوك تصب رشدك، و إن أبيت استعنت باللّه عليك، و نعم المستعان، و عليه توكّلت و إليه انيب 2.

                       

و هذه الرواية أيضا تامّة الدلالة علی أنّه كان له الولاية علی الامّة و لذلك قام مقام القتال لمعاوية إذا أباها، و تدلّ أيضا علی أنّ عدم قيامه عليه السّلام من أوّل الأمر لأخذها من الطواغيت الاول إنّما هو لئلّا تفترق الامّة الّتي كانت قريبة عهد بالإسلام، فهي أيضا من قبيل هذه الأخبار السبعة.

ثمّ إنّك بالرجوع إلی نهج البلاغة للشريف الرضيّ قدّس سرّه و إلی تمام نهج البلاغة الّذي ألّفه بعض الفضلاء و طبع و انتشر أخيرا تظفر بموارد عديدة كثيرة تدلّ علی أنّه عليه السّلام قد ذكر أنّ له هذا الحقّ من اللّه تعالی و إن كان لم يقم بأخذه المحاذير ذكر بعضها و لعلّ بعضها الآخر يذكر في بعض هذه الموارد أيضا.

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

مصرف کردن بدون تولید
آیه شریفه : وَ لَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ ... (سوره مبارکه سجده ، آیه 21)ترجمه : و ما به جز عذاب بزرگتر (در قیامت) از عذاب این دنیا نیز به آنان می چشانیم ...روایت : قال أبي جعفر ( ع ): ... و لله عز و جل عباد ملاعين مناكير ، لا يعيشون و لا يعيش الناس في أكنافهم و هم في عباده بمنزله الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .  (اصول کافی ، ج 8 ، ص 248 )ترجمه : امام باقر(ع) مي‌فرمايد: ... و خداوند بدگانی نفرین شده و ناهنجار دارد که مردم از تلاش آنان بهره مند نمی شوند و ایشان در میان مردم مانند ملخ هستند که به هر جیز برسند آن را می خورند و نابود می کنند.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید