الطائفة الثالثة من الروايات [و هي ما تدلّ على أنّهم أئمّة عدل من اللّه، و هي 8 أخبار]

هي الأخبار الّتي تدلّ على أنّ الأئمّة إمامان إمام عادل من اللّه و إمام هو من أئمّة الضلالة، و كيفيّة دلالة هذه الطائفة هي أنّها قد قابلت بين القسمين من الأئمّة و حكمت بفسق و ضلال طائفة و بعدل و اهتداء الطائفة الاخرى، و حيث إنّ المعلوم أنّ أئمّة الضلال المتصدّين لأمر الناس كانوا يتصدّون إدارة أمر الامّة و يرون الامّة رعاياهم و كان ضلّالهم بأنّهم ادّعوا هذا الّذي لم يجعل اللّه لهم فيفهم من علمهم أنّ أئمّة الحقّ أيضا في مقام تصدّي امور الناس، و قد جعل اللّه هذا الحقّ لهم فيتصدونه و يعملون بما يحكم اللّه به و يعلّمهم اللّه سبحانه.

1- فمن أخبار هذه الطائفة صحيحة جابر عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:

قال عليه السّلام: لمّا نزلت هذه الآية: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال المسلمون: يا رسول اللّه أ لست إمام الناس كلّهم أجمعين؟ قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أنا رسول اللّه إلى الناس أجمعين، و لكن سيكون من بعدي أئمّة على الناس من اللّه من أهل بيتي‏

                       

يقومون في الناس فيكذّبون و يكلّمهم أئمّة الكفر و الضلال و أشياعهم، فمن والاهم و اتّبعهم و صدّقهم فهو منّي و معي و سيلقاني، ألا و من ظلمهم و كذّبهم فليس منّي و لا معي و أنا منه بري‏ء «1».

فهي واضحة الدلالة على أنّ مقصوده صلّى اللّه عليه و آله من أئمّة الكفر و الضلال هم الّذين غصبوا مقام أئمّة الحقّ و ادّعوا جهرا و غصبا خلافة الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و أخذوا بيدهم أمر إدارة امور الامّة مع أنّها كانت من اللّه و من رسوله موكولة إلى أئمّة الحقّ من أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

2- و منها معتبر طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: إنّ الأئمّة في كتاب اللّه عزّ و جلّ إمامان، قال اللّه تبارك و تعالى: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لا بأمر الناس، يقدّمون أمر اللّه قبل أمرهم و حكم اللّه قبل حكمهم، قال:

وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ يقدّمون أمرهم قبل أمر اللّه و حكمهم قبل حكم اللّه، و يأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللّه عزّ و جلّ 2.

و تقريب دلالته يعرف ممّا مرّ في سابقته. و رواه في الاختصاص بإسناد فيه محمّد بن سنان عن طلحة «3».

3- و منها معتبرة حبيب السجستاني عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال اللّه تبارك و تعالى: لأعذّبنّ كلّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام جائر ليس من اللّه، و إن كانت الرعية في أعمالها برّة تقيّة، و لأعفونّ عن كلّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام عادل من اللّه و إن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مسيئة «4».

4- و مثل هذه المعتبرة ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال عليه السّلام: إنّ اللّه لا يستحي أن يعذّب أمّة دانت بإمام ليس من اللّه و إن كانت في‏

                       

أعمالها برّة تقيّة، و إنّ اللّه ليستحي أن يعذّب أمّة دانت بإمام من اللّه و إن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة «1». و في السند ابن جمهور الّذي لم يوثّق و أبوه حسن بن جمهور الّذي لم يذكر ترجمته.

5- و مثلهما ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي اخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولّونكم و يتولّون فلانا و فلانا، لهم أمانة و صدق و وفاء، و أقوام يتولّونكم ليس لهم تلك الأمانة و الوفاء و الصدق، قال:

فاستوى أبو عبد اللّه عليه السّلام جالسا فأقبل عليّ كالغضبان، ثمّ قال: لا دين لمن دان اللّه بولاية إمام جائر ليس من اللّه، و لا عتب على من دان بولاية إمام عادل من اللّه، قلت: لا دين لأولئك و لا عتب على هؤلاء؟! قال: نعم، لا دين لأولئك و لا عتب على هؤلاء، ثمّ قال: ألا تسمع لقول اللّه عزّ و جلّ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني [من‏] ظلمات الذنوب إلى نور التوبة و المغفرة، لولايتهم كلّ إمام عادل من اللّه، و قال: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ إنّما عنى بهذا أنّهم كانوا على نور الإسلام، فلمّا أن تولّوا كلّ إمام جائر ليس من اللّه عزّ و جلّ خرجوا بولايتهم [إيّاه‏] من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر، فأوجب اللّه لهم النار مع الكفّار، ف أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ 2.

و دلالتها على المطلوب واضحة، إلّا أنّ في سندها عبد العزيز العبدي الّذي لم يذكر توثيقه.

6- و منها معتبر جابر بن يزيد الجعفي، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ قال: هم و اللّه أولياء فلان و فلان، اتخذوهم أئمّة دون الإمام الّذي جعله اللّه للناس إماما،

                       

فلذلك قال: وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ* إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ* وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام:

هم و اللّه يا جابر أئمّة الظلمة و أشياعهم «1».

7- و منها ما رواه محمّد بن منصور قال: سألت عبدا صالحا عن قول اللّه عزّ و جلّ: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ قال: فقال: إنّ القرآن له ظهر و بطن؛ فجميع ما حرّم اللّه في القرآن هو الظاهر، و الباطن من ذلك أئمّة الجور، و جميع ما أحلّ اللّه في الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك أئمّة الحقّ 2.

و دلالة الرواية تعلم ممّا قلناه، إلّا أنّ في السند أبا وهب الّذي لم يوثّق، و محمّد بن منصور أيضا متعدّد لم يوثّق جميعهم.

و يأتي ذكر صحيحة اخرى من هذه الطائفة بعد ذكر الطائفة الرابعة، فراجع.

فهذه الأخبار نبذ من هذه الطائفة و المتتبّع يظفر بأكثر منها.

الطائفة الرابعة [و هي ما تدلّ على الأمر بتولّيهم عليهم السّلام، و هي 7 أخبار]

أخبار متعدّدة أمرت بالتولّي لعليّ عليه السّلام و الأئمّة الأوصياء من بعده و هي دالّة على ولايتهم عليهم السّلام و بناء على ظهور الولاية في معناها المطلوب لنا هنا تكون دلالتها تامّة، مضافا إلى أنّ في كثير منها قرينة اخرى تدلّ على أنّ التسليم لهم في ما يرونه و يأمرون به لازم و هو عبارة اخرى عن المطلوب و بعناية هذه القرينة ربما يمكن جعل هذه الأخبار في عداد الأخبار الدالّة على وجوب طاعتهم الّتي قد مرّت تحت عنوان الطائفة الثانية.

                       

1- فمن هذه الأخبار ما رواه في الكافي بإسناده عن سعد بن طريف عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أحبّ أن يحيا حياة تشبه حياة الأنبياء و يموت ميتة تشبه ميتة الشهداء و يسكن الجنان الّتي غرسها الرحمن فليتولّ عليّا عليه السّلام و ليوال وليّه و ليقتد بالأئمّة من بعده فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي، اللّهم ارزقهم فهمي و علمي، و ويل للمخالفين لهم من أمّتي، اللّهمّ لا تنالهم شفاعتي «1».

و سند الرواية معتبر إن كان محمّد بن عبد الحميد الواقع فيه هو العطّار كما ليس ببعيد، و القرينة الموجودة فيها هي قوله صلّى اللّه عليه و آله: «و ليقتد بالأئمّة من بعده» فإنّ الاقتداء يقتضي بإطلاقه اتّباعهم في جميع ما يأمرون به، فحاصل مفاده وجوب طاعتهم.

2- و منها ما رواه فيه عن أبي حمزة الثمالي: قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول: استكمال حجّتي على الأشقياء من أمّتك من ترك ولاية عليّ عليه السّلام و والى أعداءه و أنكر فضله و فضل الأوصياء من بعده، فإنّ فضلك فضلهم، و طاعتك طاعتهم، و حقّك حقّهم، و معصيتك معصيتهم، و هم الأئمّة الهداة من بعدك، جرى فيهم روحك و روحك ما جرى فيك من ربّك، و هم عترتك من طينتك و لحمك و دمك، و قد أجرى اللّه عزّ و جلّ فيهم سنّتك و سنّة الأنبياء قبلك، و هم خزّاني على علمي من بعدك، حقّ عليّ لقد اصطفيتهم و انتجبتهم و أخلصتهم و ارتضيتهم، و نجا من أحبّهم و والاهم و سلّم لفضلهم، و لقد أتاني جبرئيل بأسمائهم و أسماء آبائهم و أحبّائهم و المسلمين لفضلهم 2.

و سند هذه الرواية أيضا معتبر إذا كان محمّد بن الفضيل الواقع فيها هو محمّد ابن القاسم بن الفضيل كما ليس ببعيد، و القرينة الموجودة فيها هي أنّه جعل طاعة الأئمّة طاعة للنبيّ و معصيتهم بمنزلة معصيته صلوات اللّه عليه و عليهم، و معلوم أنّ طاعة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله واجبة و معصيته محرّمة فتكون إطاعتهم و عصيانهم عليهم السّلام مثله.

                       

3- و منها ما رواه بإسناده عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أراد أن يحيا حياتي و يموت ميتتي و يدخل جنّة عدن الّتي غرسها اللّه ربّي بيده فليتولّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و ليتولّ وليّه، و ليعاد عدوّه، و ليسلّم للأوصياء من بعده، فإنّهم عترتي من لحمي و دمي، أعطاهم اللّه فهمي و علمي، إلى اللّه أشكو [أمر] أمّتي المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، و أيم اللّه ليقتلنّ ابني، لا أنالهم اللّه شفاعتي «1».

و في سند الرواية محمّد بن سالم الّذي لا يثبت توثيقه. و القرينة الموجودة في هذه الرواية هو قوله صلّى اللّه عليه و آله: «و ليسلّم للأوصياء من بعده» الّذي هو مساوق لإيجاب طاعتهم عليهم السّلام.

4- و منها ما رواه بإسناده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من سرّه أن يحيا حياتي و يموت ميتتي و يدخل الجنّة الّتي وعدنيها ربّي و يتمسّك بقضيب غرسه ربّي بيده فليتولّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و أوصياءه من بعده، فإنّهم لا يدخلونكم في باب ضلال و لا يخرجونكم من باب هدى، فلا تعلّموهم فانّهم أعلم منكم، و إنّي سألت ربّي أن لا يفرّق بينهم و بين الكتاب حتّى يردا عليّ الحوض هكذا- و ضمّ بين اصبعيه- و عرضه ما بين صنعاء إلى أيلة، فيه قدحان فضّة و ذهب عدد النجوم 2.

و عن المحدّث الفيض في شرحها: «أنّ صنعاء بلد باليمن كثيرة الأشجار و المياه تشبه دمشق، و قرية بدمشق، و أيلة- بالفتح و المثنّاة التحتانية- جبل بين مكّة و المدينة، و بلد بين ينبع و مصر، و قدحان- بضمّ القاف و سكون الدال- جمع قدح، و عدد النجوم: أي كلّ من نوعي القدحان بعدد النجوم، أو كلاهما، أو كناية عن الكثرة».

و القرينة الموجودة فيها هي قوله صلّى اللّه عليه و آله: «فإنّهم لا يدخلونكم في باب ضلال»

                       

فإنّه مطلق يشمل كلّ ما يبيّنونه أو يأمرون به و إن كان من الموارد الجزئية الّتي بناؤها على أعمال تشخيصهم، فيساوق الأمر بطاعتهم عليهم السّلام، إلّا أنّ سند الرواية ضعيف بعبد اللّه بن القاسم و عبد القهّار.

5- و منها ما رواه بإسناده عن الفضيل بن يسار قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: و إنّ الروح و الراحة و الفلج [الفلح، الفلاح- خ ل‏] و العون و النجاح و البركة و الكرامة و المغفرة و المعافاة و اليسر و البشرى و الرضوان و القرب و النصر و التمكّن و الرجاء و المحبّة من اللّه عزّ و جلّ لمن تولّى عليّا عليه السّلام و ائتمّ به، و برئ من عدوّه، و سلّم لفضله و للأوصياء من بعده، حقّا عليّ أن ادخلهم في شفاعتي، و حقّ على ربّي تبارك و تعالى أن يستجيب لي فيهم فإنّهم أتباعي، و من تبعني فإنّه منّي «1».

و القرينة الموجودة فيها هي قوله عليه السّلام: «و سلّم لفضله و للأوصياء من بعده» فإنّه عبارة اخرى من إطاعتهم، و هي مطلقة شاملة لجميع الموارد، لكنّه لعلّه لا دليل فيها على أكثر من الرجحان. هذا، إلّا أنّ في سند الرواية من لم يحرز وثاقته.

6- و منها ما رواه بإسناده الصحيح عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام:

أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال: إنّ اللّه عزّ و جلّ بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله إلى الناس أجمعين رسولا و حجّة اللّه على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن باللّه و بمحمّد رسول اللّه و اتّبعه و صدّقه فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه، و من لم يؤمن باللّه و برسوله و لم يتّبعه و لم يصدّقه و يعرف حقّهما «2» فكيف يجب عليه معرفة الإمام و هو لا يؤمن باللّه و رسوله و يعرف حقّهما. قال: قلت: فما تقول في من يؤمن باللّه و رسوله و يصدّق رسوله في جميع ما أنزل اللّه يجب على اولئك حقّ معرفتكم؟ قال: نعم أ ليس هؤلاء يعرفون فلانا و فلانا؟ قلت: بلى، قال: أ ترى أنّ اللّه هو الّذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ و اللّه ما أوقع ذلك في قلوبهم إلّا

                       

الشيطان، لا و اللّه ما ألهم المؤمنين حقّنا إلّا اللّه عزّ و جلّ «1».

بيان الدلالة: أنّه عليه السّلام قد جعل إمامتهم قبال ما يعرف به فلان و فلان من الطواغيت الغاصبين لحقّهم و حيث إنّه لا ريب في أنّ ما عرفوا به إنّما كان تصدّي امور المسلمين و البلاد الإسلامية فلا محالة يكون إمامتهم عليهم السّلام متضمّنة لهذا المعنى.

7- و منها ما رواه بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال أبو جعفر عليه السّلام: دخل أبو عبد اللّه الجدلي على أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أبا عبد اللّه ألا اخبرك بقول اللّه عزّ و جلّ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ* وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين جعلت فداك، فقال: الحسنة معرفة الولاية و حبّنا أهل البيت، و السيّئة إنكار الولاية و بغضنا أهل البيت، ثمّ قرأ عليه هذه الآية «2».

بيان دلالته: أنّه عليه السّلام فسّر الحسنة بمعرفة الولاية، و الولاية الّتي يتعلّق بها العرفان إنّما هي بمعنى إدارة امور الامّة الإسلامية و بلادها و ليست بمعنى المحبّة، كيف و حبّهم قد عطف عليها و ظاهر العطف أيضا التغاير، و حيث إنّها قد جعل اللّه عليها لمن جاء بها خيرا منها و جعل لمن جاء بالسيّئة كبّ الوجوه في نار جهنّم فهي واجبة و إنكارها حرام موجب للدخول في النار، فدلالة الحديث على المطلوب تامّة، إلّا أنّ سنده ضعيف جدّا.

هذه انموذج من أخبار هذه الطائفة و لعلّ المتتبّع يظفر بأكثر منها، و اللّه يهدي إلى سواء السبيل.

8- و من أخبار الطائفة الثالثة ما رواه في الكافي بإسناده الصحيح عن محمّد ابن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: كلّ من دان اللّه عزّ و جلّ بعبادة يجهد فيها نفسه و لا إمام له من اللّه فسعيه غير مقبول، و هو ضالّ متحيّر، و اللّه شانئ‏

                       

لأعماله، و مثله كمثل شاة ضلّت عن راعيها و قطيعها، فهجمت ذاهبة و جائية يومها، فلمّا جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها، فحنّت إليها و اغترّت بها، فباتت معها في مربضها، فلمّا أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها و قطيعها، فهجمت متحيّرة تطلب راعيها و قطيعها، فبصرت بغنم مع راعيها فحنّت إليها و اغترّت بها، فصاح بها الراعي: الحقي براعيك و قطيعك فأنت تائهة متحيّرة عن راعيك و قطيعك، فهجمت ذعرة متحيّرة تائهة، لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، و كذلك و اللّه يا محمّد من أصبح من هذه الامّة لا إمام له من اللّه عزّ و جلّ ظاهر عادل أصبح ضالّا تائها، و إن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر و نفاق، و اعلم يا محمّد أنّ أئمّة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دين اللّه قد ضلّوا و أضلّوا، فأعمالهم الّتي يعملونها كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون ممّا كسبوا على شي‏ء، ذلك هو الضلال البعيد «1».

فصدر الصحيحة و إن كان متعرّضا لمنصب علم الأئمّة و تعليم شيعتهم لأحكام اللّه تعالى- على إشكال في الاختصاص به- إلّا أنّ ذيلها قد جعلهم عليهم السّلام قبال أئمّة الجور الّذين قد مرّ مرارا أنّهم متصدّون لأمر إدارة أمر الامّة و البلاد الإسلامية، فتدلّ بوضوح على أنّ هذه الإدارة أيضا من شأن الإمامة الإلهية قد غصبها أئمّة الجور الطواغيت.

الطائفة الخامسة أخبار متفرّقة تدلّ على أنّ مقام الإمامة يلزمه حقّ تصدّي أمور الأمّة [و هي 15 خبرا]

و بلاد الإسلام إمّا على عنوان الإمام و إمّا مع ذكر أسمائهم الشريفة.

فأمّا ما يدلّ على أنّ الإمامة يلزمها الولاية بالمعنى المطلوب فأخبار:

                       

1- منها ما رواه الكليني بإسناده الصحيح عن إسحاق بن غالب الأسدي الثقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في خطبة يذكر فيها حال الأئمّة عليهم السّلام و صفاتهم- أنّ اللّه عزّ و جلّ أوضح بأئمّة الهدى من أهل بيت نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله عن دينه، و أبلج بهم عن سبيل منهاجه، و فتح بهم عن باطن ينابيع علمه، فمن عرف من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله واجب حقّ إمامه وجد طعم حلاوة إيمانه، و علم فضل طلاوة إسلامه، لأنّ اللّه تبارك و تعالى نصب الإمام علما لخلقه، و جعله حجّة على أهل موادّه و عالمه «1»، و ألبسه اللّه تاج الوقار، و غشّاه من نور الجبّار، يمدّ بسبب إلى السماء لا ينقطع عنه موادّه، و لا ينال ما عند اللّه إلّا بجهة أسبابه، و لا يقبل اللّه أعمال العباد إلّا بمعرفته، فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى و معميات السنن و مشبّهات الفتن، فلم يزل اللّه تبارك و تعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليه السّلام من عقب كلّ إمام يصطفيهم لذلك و يجتبيهم و يرضى بهم لخلقه و يرتضيهم، كلّما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماما علما بيّنا و هاديا نيّرا و إماما قيّما و حجّة عالما، أئمّة من اللّه يهدون بالحقّ و به يعدلون، حجج اللّه و دعاته و رعاته على خلقه، يدين بهداهم العباد، و تستهلّ بنورهم البلاد، و ينمو ببركتهم التلاد، جعلهم اللّه حياة للأنام، و مصابيح للظلام، و مفاتيح للكلام، و دعائم للإسلام، جرت بذلك فيهم مقادير اللّه على محتومها.

فالإمام هو المنتجب المرتضى، و الهادي المنتجى، و القائم المرتجى، اصطفاه اللّه بذلك، و اصطنعه على عينه في الذرّ حين ذرأه، و في البريّة حين برأه ظلّا قبل خلق نسمة عن يمين عرشه، محبوّا بالحكمة في علم الغيب عنده، اختاره بعلمه و انتجبه لطهره، بقيّة من آدم، و خيرة من ذرّية نوح، و مصطفى من آل إبراهيم، و سلالة من إسماعيل على نبينا و آله و عليهم السلام، و صفوة من عترة محمّد صلّى اللّه عليه و آله، لم يزل مرعيّا بعين اللّه، يحفظه و يكلأه بستره، مطرودا عنه حبائل‏

                       

إبليس و جنوده، مدفوعا عنه وقوب الغواسق و نفوث كلّ فاسق، مصروفا عنه قوارف السوء، مبرّءا من العاهات، محجوبا عن الآفات، معصوما من الزلّات، مصونا عن الفواحش كلّها، معروفا بالحلم و البرّ في يفاعه، منسوبا إلى العفاف و العلم و الفضل عند انتهائه، مسندا إليه أمر والده، صامتا عن المنطق في حياته.

فإذا انقضت مدّة والده إلى أن انتهت به مقادير اللّه إلى مشيئته، و جاءت الإرادة من اللّه فيه إلى محبّته، و بلغ منتهى مدّة والده، فمضى و صار أمر اللّه إليه من بعده، و قلّده دينه، و جعله الحجّة على عباده و قيّمه في بلاده، و أيّده بروحه، و آتاه علمه، و أنبأه فصل بيانه، و استودعه سرّه، و انتدبه لعظيم أمره، و أنبأه فضل بيان علمه، و نصبه علما لخلقه، و جعله حجّة على أهل عالمه، و ضياء لأهل دينه، و القيّم على عباده، رضي اللّه به إماما لهم، استودعه سرّه، و استحفظه علمه، و استخبأه حكمته، و استرعاه لدينه، و انتدبه لعظيم أمره، و أحيا به مناهج سبيله، و فرائضه و حدوده، فقام بالعدل عند تحيّر أهل الجهل، و تحيّر أهل الجدل، بالنور الساطع، و الشفاء النافع، بالحقّ الأبلج، و البيان اللائح من كلّ مخرج، على طريق المنهج الّذي مضى عليه الصادقون من آبائه عليهم السّلام، فليس يجهل حقّ هذا العالم إلّا شقيّ، و لا يجهده [يجحده- ظ] إلّا غويّ، و لا يصدّ عنه إلّا جري‏ء على اللّه جلّ و علا «1».

فهذه الصحيحة المباركة قد تضمّنت صفات جليلة و مكرمات شريفة للإمام أعطاه اللّه إيّاها، و صرّحت بأنّ اللّه تعالى أكرمهم بها عناية منه على عباده. و فضّلهم بهذه الفضائل لكونهم أهلا لها، و أوجب عليهم واجبا هو أهمّ الواجبات، الّذي به يحيا سنّته و دينه، و قد صرّحت الصحيحة أوّلا بأنّ الأئمّة عليهم السّلام كلّهم من أهل بيت نبيّ الإسلام و من ولد الحسين عليهم السّلام و بأنّ اللّه تعالى لم يزل يختارهم و ينصبهم إماما علما بيّنا و هاديا نيّرا، و بأنّ الإمام قيّم من اللّه تعالى على خلقه، و صرّحت‏

                       

أخيرا بأنّ اللّه تعالى نصبه القيّم على عباده و رضي به إماما لهم، و صرّحت أيضا بأنّ اللّه تعالى يحيي بالإمام مناهج سبيله و فرائضه و حدوده، و بأنّ الإمام يقوم بالعدل على طريق المنهج الّذي مضى عليه آباؤه الصادقون عليهم السّلام.

فالصحيحة تامّة الدلالة على أنّ اللّه تبارك نصب الأئمّة المعصومين ولاة للأمّة الإسلامية بمعناها المطلوب، و الحمد للّه.

2- و منها ما رواه في الكافي عن أبي محمّد القاسم بن العلاء رحمه اللّه رفعه عن عبد العزيز بن مسلم، و رواه الصدوق في إكمال الدين بإسنادين، أحدهما عن محمّد بن موسى بن المتوكّل رضى اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب قال: حدّثنا أبو محمّد القاسم بن العلاء قال: حدّثني القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم، و إسناده الآخر أيضا ينتهي إلى القاسم عن أخيه، قال: كنّا مع الرضا عليه السّلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة و ذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيّدي فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسّم عليه السّلام ثمّ قال: يا عبد العزيز جهل القوم و خدعوا عن آرائهم، إنّ اللّه عزّ و جلّ لم يقبض نبيّه حتّى أكمل له الدين، و أنزل عليه القرآن فيه تبيان كلّ شي‏ء، بيّن فيه الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام و جميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال عزّ و جلّ: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ و أنزل في حجّة لوداع و هي آخر عمره صلّى اللّه عليه و آله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً و أمر الإمامة من تمام الدين، و لم يمض صلّى اللّه عليه و آله حتّى بيّن لأمّته معالم دينهم، و أوضح لهم سبيلهم، و تركهم على قصد سبيل الحقّ، و أقام لهم عليّا عليه السّلام علما و إماما، و ما ترك [لهم‏] شيئا يحتاج إليه الامّة إلّا بيّنه، فمن زعم أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه، و من ردّ كتاب اللّه فهو كافر به.

هل يعرفون قدر الإمامة و محلّها من الامّة فيجوز فيها اختيارهم؟ إنّ الإمامة أجلّ قدرا و أعظم شأنا و أعلى مكانا و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها الناس‏

                       

بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماما باختيارهم، إنّ الإمامة خصّ اللّه عزّ و جلّ بها إبراهيم الخليل على نبيّنا و آله و عليه السلام بعد النبوّة و الخلّة مرتبة ثالثة، و فضيلة مشرّفة بها و أشاد بها «1» ذكره فقال: جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فقال الخليل سرورا بها وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قال اللّه تبارك و تعالى: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة، و صارت في الصفوة، ثمّ أكرمه اللّه تعالى بأن جعلها في ذرّيّته أهل الصفوة و الطهارة فقال: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ* وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ.

فلم تزل في ذرّيّته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتّى ورّثها اللّه تعالى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال جلّ و تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ فكانت له خاصّة، فقلّدها عليّا عليه السّلام بأمر اللّه تعالى على رسم ما فرض اللّه، فصارت في ذرّيّته الأصفياء الّذين آتاهم اللّه العلم و الإيمان بقوله تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى‏ يَوْمِ الْبَعْثِ فهي في ولد عليّ عليه السّلام خاصّة إلى يوم القيامة، إذ لا نبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله، فمن أين سيختار هؤلاء الجهّال.

إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء و إرث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة اللّه و خلافة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و مقام أمير المؤمنين عليه السّلام و ميراث الحسن و الحسين عليهما السّلام، إنّ الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين، إنّ الإمامة اسّ الإسلام النامي و فرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحجّ و الجهاد، و توفير الفي‏ء و الصدقات، و إمضاء الحدود و الأحكام، و منع الثغور و الأطراف.

الإمام يحلّ حلال اللّه و يحرّم حرام اللّه، و يقيم حدود اللّه و يذبّ عن دين اللّه ...

                       

الإمام أمين اللّه في خلقه و حجّته على عباده و خليفته في بلاده، و الداعي إلى اللّه و الذابّ عن حرم اللّه، الإمام المطهّر من الذنوب و المبرّأ عن العيوب ... مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه و لا اكتساب، بل اختصاص من المفضّل الوهّاب ...

أ تظنّون أنّ ذلك يوجد في غير آل الرسول محمّد صلّى اللّه عليه و آله؟ كذبتهم و اللّه أنفسهم ...

راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة و آراء مضلّة فلم يزدادوا منه إلّا بعدا ... رغبوا عن اختيار اللّه و اختيار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته إلى اختيارهم و القرآن يناديهم: وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ ... فكيف لهم باختيار الإمام؟ و الإمام عالم لا يجهل، و راع لا ينكل، معدن القدس و الطهارة، و النسك و الزهادة، و العلم و العبادة، مخصوص بدعوة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و نسل المطهّرة البتول عليها السّلام، لا مغمز فيه في نسب و لا يدانيه ذو حسب، في البيت من قريش و الذروة من هاشم و العترة من الرسول صلّى اللّه عليه و آله و الرضا من اللّه عزّ و جلّ، شرف الأشراف و الفرع من عبد مناف، نامي العلم كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة قائم بأمر اللّه عزّ و جلّ، ناصح لعباد اللّه حافظ لدين اللّه ...

و إنّ العبد إذا اختاره اللّه عزّ و جلّ لأمور عباده شرح صدره لذلك، و أودع قلبه ينابيع الحكمة، و ألهمه العلم إلهاما، فلم يعي بعده بجواب، و لا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيّد موفّق مسدّد، قد آمن من الخطايا و الزلل و العثار، يخصّه اللّه بذلك ليكون حجّته على عباده و شاهده على خلقه، و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم ... الحديث «1».

و اللفظ الّذي نقلته كان من الكافي، و لا تفاوت معنوي في ألفاظ الحديث فيه و في إكمال الدين. و الحديث كما عرفت نقله أبو محمّد القاسم بن العلاء- الّذي قال‏

                       

ابن طاوس: «أنّه من وكلاء الناحية»- عن القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز، و القاسم هذا لم أجده مذكورا في ترجمة رجال الأحاديث، و عبد العزيز بن مسلم ذكره جامع الرواة بقوله: «روى عن الرضا عليه السّلام في الكافي في باب نادر جامع في فضل الإمام عليه السّلام» فلم يذكر لواحد منهما توثيق إلّا أنّ عظم مضامين ما تضمّنته الرواية و اتقان استدلالاتها القرآنية و صحّة ما أفادته في نفي الطريق إلى اختيار الإمام و غير ذلك من المزايا كلّها يوجب الاطمينان بصدورها، لا سيّما و قد رواه وكيل الناحية و اعتنى بها و ذكرها الكليني و الصدوق رضوان اللّه عليهما.

و الحديث كما ترى صريح في أنّ الإمامة أمر إلهي قد عدّها القرآن الكريم من كمال الدين، و في أنّ الإمامة مقام رفيع قد حصل لإبراهيم الخليل بعد النبوّة و الخلّة، و في أنّ للإمام صفات و كمالات عالية خصّ اللّه الإمام بها بما أنّه مفضّل وهّاب، و لذلك فلا يمكن للآراء البشرية و العقول الإنسانية و إن علت أن يختار الإمام، بل هي أمر أعطاه اللّه إبراهيم و بعض ذرّيّته الأصفياء حتّى ورّثه نبيّ الإسلام و قلّده بأمر اللّه عليّا عليه السّلام ثمّ صار في ذرّيّته الأصفياء من ولد الحسين عليهم السّلام إلى يوم القيامة.

و الحديث الشريف قد جعل الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين، و صرّح بأنّه بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحجّ و الجهاد، و توفير الفي‏ء و الصدقات، و إمضاء الحدود و الأحكام، و منع الثغور و الأطراف. و من الواضح أنّ هذه الامور و لا سيّما الخمسة الأخيرة منها لا تكون إلّا إذا كان الإمام وليّ أمر الامّة بيده جعل الفي‏ء و الصدقات و أخذها حتّى يكون منه توفيرها و بأمره و تحت نظره إجراء الحدود و التعزيرات الإلهية و إنشاء الأحكام في موارد المخاصمات و إجرائها و بيده رعاية ثغور البلاد الإسلامية و أطرافها، فالحديث تامّ الدلالة على ثبوت المعنى المطلوب من الولاية للأئمّة الهداة عليهم السّلام، و عليه فيكون الإمام بولايته و قيمومته الإسلامية مراقبا على امتثال الامّة لواجباتهم الشرعية و بذلك يكون به‏

                       

تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحجّ و لا سيّما الجهاد الّذي يكون بأمره و دعوته و يكون الإمامة حينئذ زمام الدين و نظام الإسلام و المسلمين.

كما صرّح الحديث أيضا بأنّ الإمام عالم بالسياسة مفروض الطاعة، فبعلمه بالسياسة و تدبير امور الامّة و البلاد الإسلامية يرى ما هو المصلحة لأمّة الإسلام و يبدي رأيه و يأمر به و يكون أمره واجب الامتثال و هو مفروض الطاعة، و قد مرّ مرارا أنّ فرض الطاعة و إطلاقه دليل على ثبوت الولاية المطلوبة.

كلّ ذلك علاوة على ما للأئمّة الهداة من العلم القطعي الواقعي بالأحكام و المعارف الإلهية الإسلامية الّذي تكون الامّة في ظلّ هدايتهم مهتدية إلى ما أراده اللّه منهما و جعله وسيلة و مرقاة لارتقائها مدارج عالية إلهية فإنّه أمر مخصوص بهم من غير طلب منهم و لا اكتساب بل اختصاص من المفضّل الوهّاب.

3- و منها ما رواه الصدوق في أبواب الاثني عشر من الخصال بإسناده عن تميم بن بهلول قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي الهذيل، و سألته عن الإمامة في من تجب؟ و ما علامة من تجب له الإمام؟ فقال: إنّ الدليل على ذلك و الحجّة على المؤمنين و القائم بامور المسلمين و الناطق بالقرآن و العالم بالأحكام أخو نبيّ اللّه و خليفته على امّته و وصيّه عليهم و وليّه الّذي كان منه بمنزلة هارون من موسى، المفروض الطاعة بقول اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ الموصوف بقوله: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ المدعوّ إليه بالولاية، المثبّت له الإمامة يوم غدير خمّ بقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله عن اللّه عزّ و جلّ: «أ لست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، و قال: فمن كنت مولاه فعليّ عليه السّلام مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه، و انصر من نصره و اخذل من خذله، و أعن من أعانه» عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام أمير المؤمنين، و إمام المتّقين، و قائد الغرّ المحجّلين، و أفضل الوصيّين، و خير الخلق أجمعين بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و بعده الحسن بن عليّ، ثمّ‏

                       

الحسين عليهما السّلام، سبطا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ابنا خيرة النسوان أجمعين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ ابن الحسن عليهم السّلام إلى يومنا هذا، واحدا بعد واحد، و هم عترة الرسول صلّى اللّه عليه و آله المعروفون بالوصية و الإمامة، و لا تخلو الأرض من حجّة منهم في كلّ عصر و زمان و في كلّ وقت و أوان ... الحديث.

و بعد انقضاء الحديث ما لفظه: ثمّ قال تميم بن بهلول: حدّثني أبو معاوية عن الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام في الإمامة مثله سواء «1».

و الحديث كما ترى قد عبّر في أمير المؤمنين عليه السّلام بتعبيرات عديدة كلّ منها تامّ الدلالة على أنّ له الولاية بالمعنى المطلوب و على أنّه عليه السّلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ نطق بأنّ هذه المنزلة ثابتة لكلّ واحد من الأئمّة الأحد عشر الاخر كما صرّح بأسمائهم و خصوصيّاتهم عليهم السّلام.

4- و منها ما رواه الصدوق أيضا في الباب المذكور بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت عبد اللّه بن جعفر الطيّار يقول: كنّا عند معاوية أنا و الحسن و الحسين عليهما السّلام و عبد اللّه بن عبّاس و عمر بن أبي سلمة و اسامة بن زيد، فجرى بيني و بين معاوية كلام، فقلت لمعاوية: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أخي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد عليّ فالحسن بن عليّ عليهما السّلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ ابنه الحسين عليه السّلام بعد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه عليّ بن الحسين الأكبر عليهما السّلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ ابني محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم، و ستدركه يا حسين، ثمّ تكمله اثنى عشر إماما، تسعة من‏

                       

ولد الحسين عليه السّلام. قال عبد اللّه بن جعفر: ثمّ استشهدت الحسن و الحسين عليهما السّلام و عبد اللّه بن عبّاس و عمر بن أبي سلمة و اسامة بن زيد، فشهدوا لي عند معاوية.

قال سليم بن قيس الهلالي: و قد سمعت ذلك من سلمان و أبي ذرّ و المقداد، و ذكروا أنّهم سمعوا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «1».

و الحديث واضح الدلالة على أنّ كلّ واحد من الأئمّة المعصومين الاثني عشر عليهم السّلام لهم الولاية بالمعنى المطلوب في زمنه على الامّة و أنّ كلّا منهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم. و هو المطلوب، إلّا أنّ سنده ضعيف بأبان بن أبي عيّاش.

5- و منها ما رواه أيضا بسند موثّق عن الحسن بن عليّ بن فضّال عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهما السّلام قال: للإمام علامات: يكون أعلم الناس و أحلم الناس، و أتقى الناس ... و يكون أولى الناس منهم بأنفسهم، و أشفق عليهم من آبائهم و امّهاتهم ... و يكون عنده سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سيفه ذو الفقار ... الحديث «2».

فنصّ الموثّقة على أنّ الإمام عليه السّلام يكون أولى الناس منهم بأنفسهم و هو كما عرفت هي الولاية بالمعنى المطلوب.

6- و منها ما في نهج البلاغة في قسم الخطب أنّه عليه السّلام قال: أين الّذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا، كذبا و بغيا علينا، أن رفعنا اللّه و وضعهم، و أعطانا و حرمهم، و أدخلنا و أخرجهم، بنا يستعطى الهدى، و يستجلى العمى، إنّ الأئمّة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، و لا تصلح الولاة من غيرهم»

.

فتراه صرّح بأنّ أئمّة الإسلام غرسوا في هذا البطن من هاشم، و أنّ الولاية لا تصلح لغيرهم، و هو- و لو بقرينة إنشاء هذه الخطبة في زمن تصدّيه لأمر ولاية الامّة- دليل واضح على أنّ أمر ولاية المسلمين موكولة إليهم عليهم السّلام.

                       

هذه هي عدّة من الأخبار تدلّ على أنّ الإمامة في كلّ من المعصومين عليهم السّلام يلزمها الولاية بالمعنى المطلوب، من غير اختصاص مدلولها ببعض خاصّ من الأئمّة عليهم السّلام.

 

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)
محتوای بیشتر در این بخش: « قسمت الرابع قسمت السادس »

پیام هفته

تحمیل نظر خویش بر آگاهان
قرآن : ... ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ کُونُوا عِباداً لي‏ مِنْ دُونِ اللَّهِ ... (سوره نحل، آیه 52)ترجمه: هیچ کس (حتی پیامبر) حق ندارد به مردم بگوید به جای خدا مرا عبادت کنید.حدیث: روی الحلبی قلتُ لاَبی عبدالله علیه السلام ما أدنى ما یکون به العبد کافراً ؟ قال: « أن یبتدع به شیئاً فیتولى علیه ویتبرأ ممّن خالفه (معانی الاخبار ، ص 393)ترجمه: ... حلبی روایت می کند که از امام صادق (ع) پرسیدم : کمترین سبب کافر شدن انسان چیست؟ فرمودند : این‌که بدعتی بگذارد و از آن بدعت جانبداری کند و از هر کس با او مخالفت کند روی برگرداند و آنان را متهم و منزوی سازد.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید