قسمت 10

فلا يقتضي الخبر تقييدا في أدلّة وجوب البيعة إن سلّمناه إلّا أنّك عرفت أنّ دلالتها غير تامّة.

التنبيه علی كيفيّة مبايعة الناس لأمير المؤمنين عليه السّلام:

قد تحصّل ممّا مرّ: أنّ ولاية النبيّ و الأئمّة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين فعلية و أنّ لازم هذه الفعلية وجوب قيامهم بإدارة امور الجامعة الإسلامية، و حيث إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أيضا منهم فالواجب عليه أيضا القيام بها ما أمكن، و حينئذ فلأنّه ربما يظهر من بعض تعابير الأخبار خلاف ذلك فلأجله نتعرّض لهذه الأخبار ليتبين أمرها جدّا فنقول: إنّ ما وقفت عليه في هذا الموضوع أخبار متعدّدة كلّها منقولة عنه نفسه عليه السّلام:

1- فمنها ما عنه عليه السّلام في كتاب كتبه إلی من بلغه من المؤمنين و المسلمين بعد ذكر أنّ الإسلام دين اختاره اللّه و أنّه تعالی بعث محمّدا إلی الناس و أنّ بعده اختار الناس أمراء ثلاثة نقموا أنفسهم علی ثالثهم فقتلوه، قال عليه السّلام: ثمّ جاؤوني كتتابع الخيل فبايعوني فأنا أستهدي اللّه عزّ و جلّ للهدی و أستعينه علی التقوی ... «1».

و هذه العبارة منه عليه السّلام إنّما تدلّ علی تتابع الناس إليه للبيعة له فبايعوه من دون أمر آخر يوجب توهّم شبهة.

                       

2- و منها كلام له عليه السّلام لمّا اريد البيعة بعد مقتل عثمان، قال عليه السّلام: «دعوني و التمسوا غيري فإنّا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا تقوم له القلوب و لا تثبت عليه العقول و إنّ الآفاق قد أغامت و المحجّة قد تنكّرت». فقالوا له: ننشدك اللّه، ألا تری الإسلام؟ ألا تری الفتنة؟ فقال عليه السّلام: اعلموا أنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم و لم اصغ إلی قول القائل و عتب العاتب، و إن تركتموني فأنا كأحدكم، و لعلّي أسمعكم و أطوعكم لمن ولّيتموه أمركم، فأنا لكم وزيرا خير لكم منّي أميرا «1».

فتراه عليه السّلام قد ردّ أوّلا بيعتهم و علّل ردّه بأنّ أمر الولاية حينذاك له وجوه و ألوان ربما لا تقوم له القلوب و لا تثبت عليه عقول عامّة الناس لأنّ الآفاق ليست مضيئة واضحة بل قد أغامت و المحجّة الإلهيّة قد تنكّرت. و الظاهر أنّ هذه الإغامة و التنكّر قد حدثا لأجل عدم امتثال الناس لأمر اللّه و رسوله في الولاية، تلك المسألة الأساسية و اعتاد الناس بعادات ناشئة عن عمل الولاة و امرائهم في هذه الفترة بحيث يكون العدول عنها إلی صراط اللّه المستقيم في كمال الصعوبة، و لذلك ذكر هو عليه السّلام بعد قيامه بأمر الولاية بأنّه لا يمكنه العدول في امور إلی ما هو الحقّ لأنّه حينئذ يتفرّق الناس و الجند عنه.

ثمّ إذا أصرّ الناس عليه- مستدلّا بأنّ الفتنة شديدة يخاف منها علی الإسلام- أجابهم ثانيا بأنّي إن أجبتكم عملت فيكم بما أعلم من الأحكام الإلهية و لم أصغ إلی ما يعرض عليّ القائل و لا إلی عتب العاتب، و هذا تأكيد منه عليه السّلام علی تهيئة الناس لقبول الإسلام العزيز، و من المعلوم أنّ مثل هذا العمل الصحيح ليس مقبولا لجمع من الناس لعلّهم من الملأ و الأعيان، و بهذه العلّة أيضا أفاد أخيرا أنّه إن كان وزيرا لهم فهو خير للناس أنفسهم من أن يكون أميرا عليهم.

فهذه الرواية رواية عالية جدّا توضح وضعية ذلك الزمان و أنّ ما أفاده عليه السّلام كان هو الحقّ الصحيح.

                       

3- و منها ما ذكره عليه السّلام ضمن كلام جری بينه عليه السّلام و بين طلحة و الزبير، قال عليه السّلام: أمّا ما ذكرتما من الاستئثار فو اللّه ما كانت لي في الخلافة رغبة و لا في الولاية إربة و لكنّكم دعوتموني إليها و حملتموني عليها فخفت أن أردّكم فتختلف الامّة، فلمّا أفضت إليّ نظرت إلی كتاب اللّه و ما وضع لنا و أمرنا بالحكم به فاتّبعته، و ما استنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله فاقتديته فلم أحتجّ في ذلك إلی رأيكما و لا رأي غيركما ... «1».

فنفی رغبته في الخلافة و نفی إربة له في الولاية إنّما هو إذا لو حظت الولاية و الخلافة بما أنّها رئاسة دنيوية و إلّا فبما أنّها وظيفة إلهية و وسيلة صالحة لإجراء أحكام الدين الشريف و لإدارة أمر الامّة الإسلامية بالنحو المطلوب الإلهي فهي مطلوبة له مرغوبة فيها و بهذه الجهة ينظر قوله عليه السّلام في بيان سرّ القبول: «فخفت أن أردّكم فتختلف الامّة».

و إلی ما ذكرناه نفيا و إثباتا يشهد قوله عليه السّلام لابن عبّاس مشيرا إلی نعل كان عليه السّلام يخصفه: ما قيمة هذا النعل فقال ابن عبّاس: لا قيمة لها، فقال عليه السّلام: و اللّه لهي أحبّ إليّ من إمرتكم إلّا أن اقيم حقّا أو أدفع باطلا «2».

4- و منها قوله عليه السّلام في كتاب كتبه إلی أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلی البصرة لحرب الجمل قال عليه السّلام: و بايعني الناس غير مستكرهين و لا مجبرين بل طائعين مخيّرين و كان هذان الرجلان أوّل من بايعني ... و اللّه يعلم أنّي لم أجد بدّا من الدخول في هذا الأمر و لو علمت أنّ أحدا أولی به منّي لما تقدّمت إليه ... مع أنّي قد عرضت عليهما قبل أن يبايعاني إذا أحبّا بايعت لأحدهما، فقالا: لا ننفس علی ذلك بل نبايعك و نقدّمك بحقّ، فبايعا «3».

فصدر هذا المقال و العلّة المذكورة لأنّه لا بدّ له من قبول الولاية أمر حقّ‏

                       

صحيح لا ريبة فيه، و أمّا عرضه علی طلحة و الزبير انّهما إذا أحبّا فهو عليه السّلام يبايعهما فلا محالة يكون الوجه له توطئة الأمر لتقديم أمر ولايته عليه السّلام حتّی لا يبقی لهما و لا لغيرهما مجال عتب و اعتراض، و إلّا فهو عليه السّلام كما أفاد أولی الناس بها و لذلك فقد صدّر هذا الذيل بلفظة «مع».

5- و منها قوله عليه السّلام في خطبة خطب بها حين بلغه خلع طلحة و الزبير بيعتهما و أنّهما قدما البصرة مع عائشة: ثمّ تولّی عثمان فنال منكم و نلتم منه، حتّی إذا كان من أمره ما عرفتموه أتيتم إليه فقتلتموه، فأقبلتم إليّ إقبال العوذ المطافيل علی أولادها تقولون: البيعة، البيعة، فقلت: لا أفعل، لا حاجة لي في ذلك، فقلتم: بلی، لا بدّ من ذلك، فقلت: لا، و دخلت منزلي، فاستخرجتموني، و قبضت كفّي فبسطتموها، و نازعتكم يدي فجاذبتموها، و قلتم: لا نرضی إلّا بك، و لا نجتمع إلّا عليك، فبايعتموني و أنا غير مسرور بذلك و لا جدل.

ألا و إنّ اللّه سبحانه عالم من فوق سماواته و عرشه أنّي كنت كارها للحكومة بين أمّة محمّد صلّی اللّه عليه و آله و قد سمعته صلّی اللّه عليه و آله يقول: ما من وال يلي من أمر أمّتي من بعدي إلّا اتي به يوم القيامة و اقيم علی حدّ الصراط مغلولة يداه إلی عنقه علی رءوس الخلائق، ثمّ ينشر الملائكة كتابه، فإن كان عادلا أنجاه اللّه بعدله و إن كان جائرا انتفض به الصراط انتفاضة تزيل مفاصله حتّی يكون بين كلّ عضو من أعضائه مسيرة مائة عام، يخرق به الصراط فيكون أوّل ما يتّقيها به أنفه و حرّ وجهه.

لكنّي لمّا اجتمع عليّ ملأكم نظرت فلم يسعني ردّكم حيث اجتمعتم، فبايعتموني مختارين ... «1».

و هذا المقال المبارك إنّما تضمّن امتناعه الشديد عن قبول البيعة أوّلا و بعد الإصرار الأكيد من الملأ قبلها لأنّه لم يسعه ردّهم و ليس فيه تعرّض لسدّ هذا الامتناع و لا القبول بل صرّح بأنّه عليه السّلام بعد ما بايعوه «غير مسرور بذلك و لا جدل»،

                       

و حينئذ فربّما يتخيّل أنّه لم أمتنع هذا الامتناع الأكيد؟! و أنّه كيف يجتمع امتناعه هذا مع فعلية ولايته شرعا و وجوب إقدامه بتولّي الأمر؟!

لكنّك بالتأمّل فيما مضی تعرف جواب هذه الشبهة و الخيال فإنّ الآفاق قد اغيمت و المحجّة قد تنكّرت و أصحاب الأهواء قد اعتادوا الخلاف و هم بصدد تضعيف حكومة مثله ممّن لا ينظر إلّا إلی الحقّ و سواء السبيل، بل إنّ كثيرا من عامّة الناس أيضا يصعب عليهم تحمّل العدل الدقيق العلوي صلوات اللّه عليه و لذلك فبعد التصدّي للولاية قاموا في قباله حتّی مضت عليه شدائد أليمة و بالنهاية انجرّ الأمر إلی شهادته و إلی غصب الولاية بيد مثل معاوية و ما ترتّب عليه.

6- و منها قوله عليه السّلام في الخطبة الشقشقية في مقام بيان البيعة له علی الولاية و سرّ قبولها: إلی أن انتكث عليه [يعني علی عثمان‏] فتله و أجهز عليه عمله و كبت به بطنته، فما راحني إلّا و الناس إرسالا إليّ كعرف الضبع ينثالون عليّ من كلّ وجه و جانب يسألوني البيعة، حتّی لقد وطئ الحسنان و شقّ عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة و مرقت اخری و فسقت شرذمة و قسط آخرون ... أمّا و الّذي فلق الحبّة و برأ النسمة لو لا حضور الحاضر و قيام الحجّة بوجود الناصر و ما اختار اللّه تعالی علی العلماء أن لا يقارّوا علی كظّة ظالم و لا سغب مظلوم لألقيت حبلها علی غاربها و لسقيت آخرها بكأس أوّلها و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز «1».

فصدر المقال قد حكی إجمالا تتابع الناس و اجتماعهم الشديد الأكيد علی البيعة له ثمّ حكی تخلّف ذوي الأهواء المختلفة، و في آخره ذكر قيامه بتصدّي الولاية و إنّ سرّه حضور جمع ناصر كاف قامت بهم الحجّة عليه عليه السّلام، فإنّ اللّه تعالی أوجب علی علماء الدين و الأئمّة الهداة المهديّين عليهم السّلام أن لا يقارّوا في محلّ و هم يرون شدّة ظلم الظالمين و عظم مظلومية المظلومين فإذا حضر جمع يؤدّون قدرتهم‏

                       

و نصرتهم في خدمة العالم العدل المعصوم فالقدرة علی الامتثال له حاصلة لا يجوز له ترك القيام بتولّي إدارة أمر الجامعة، و إلّا فالدنيا أزهد الأشياء عندهم عليهم السّلام حتّی من عفطة عنز و ما تنتره من أنفها، يعني أنّ ذاك المقام العالي من الدنيا أزهد عنده من هذا الشي‏ء الخسيس الّذي يرغب عنه كلّ إنسان و يزهد فيه كلّ أحد.

فهذه الخطبة قد بيّنت حقيقة الأمر و سرّ ردّ بيعة الناس و قبولها أحسن بيان و أزالت الشبهات كلّها.

و من العجب ما قيل ذيل هذه الخطبة: من أنّ الولاية علی الامّة لها جناحان:

جناح إلهي يتفرّع علی نصبه تعالی لشخص وليّا عليهم، و جناح خلقي إنساني ينشأ من بيعة الناس له، و إلی هذا الثاني يشير هذه الخطبة حيث إنّه بعد بيعة الناس له عدّ نفسه مكلّفا برعاية امورهم «1».

و أنت خبير بفساده، فإنّ قوله عليه السّلام في هذا الذيل: «... و ما أخذ اللّه علی العلماء أن لا يقارّوا علی كظّة ظالم ...» فيه شهادة واضحة علی أنّ أخذ هذا الميثاق الإلهي هو سرّ وجوب قبول قيامه بإدارة امورهم، فحضور الناس لا أثر له إلّا ارتفاع عجزه عن العمل بهذه الوظيفة لا غير.

7- و منها قوله عليه السّلام في كتاب طويل له عليه السّلام أمر أن يقرأ علی الناس كلّ يوم جمعة و قد كتبه قريبا من أيّام استشهاده بعد قتل شيعته بمصر و فتحها قال عليه السّلام: ... فلمّا نقمتم عليه [يعني علی عثمان‏] آتيتموه فقتلتموه، ثمّ جئتموني راغبين إليّ في أمركم حتّی استخرجتموني من منزلي لتبايعوني، فأبيت عليكم و أبيتم عليّ، و أمسكت يدي فنازعتموني و دافعتموني، و بسطتم يدي فكففتها، و مددتموها فقبضتها، فالتويت عليكم لأبلو ما عندكم، فراددتموني القول مرارا و راددتكم، ثمّ تداككتم عليّ تداكّ الإبل الهيم علی حياضها يوم وردها و قد أرسلها راعيها و خلعت مثانيها حرصا علی بيعتي حتّی ظننت أنّكم قاتلي أو أنّ بعضكم قاتل بعض لديّ، فقلتم:

بايعنا فإنّا لا نجد غيرك و لا نرضی إلّا بك، بايعنا لا نفترق و لا تختلف كلمتنا.

                       

فلمّا رأيت ذلك منكم روّيت في أمري و أمركم و قلت: إن أنا لم اجبهم إلی القيام بأمرهم لم يصيبوا أحدا يقوم فيهم مقامي و يعدل فيهم عدلي، و قلت: و اللّه لألينّهم و هم يعرفون حقّي و فضلي أحبّ إليّ من أن يلوني و هم لا يعرفون حقّي و فضلي.

فبايعتموني يا معشر المسلمين علی كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّی اللّه عليه و آله و فيكم المهاجرون و الأنصار و التابعون بإحسان و بلغ من سرور الناس ببيعتهم إيّاي أن ابتهج به الصغير و هدج إليها الكبير و تحامل نحوها العليل و حسرت إليها الكعاب «1».

فهذا القسم المبارك من الكتاب قد بيّن أمر ردّ بيعة الناس له عليه السّلام و إصراره علی هذا الردّ و أوضح سرّ هذا الردّ و أنّه كاف لأن يبلو الناس أنّهم علی جدّ في عرضهم للبيعة له، ثمّ بيّن سرّ قبوله لها بأنّه لو لم يجيبوهم بالإثبات لم يصيبوا أحدا يقوم فيهم مقامه و يعدل فيهم عدله، و هذا لأنّه وليّ الأمر الّذي نصبه الرسول الأعظم صلّی اللّه عليه و آله عملا و امتثالا لأمر اللّه و تبليغا لما أنزله اللّه و ليس أحد يكون في مقام العمل بالوظيفة الإلهية في إعمال الولاية الإسلامية في حدّ الإمام المعصوم و في مرتبة أمير المؤمنين عليه السّلام.

ثمّ بيّن هذا السرّ و أوضحه بكلمة اخری هي أنّ ولايته عليهم و هم يعرفون حقّه و فضله أحبّ عنده من أن يليهم و يليه عليه السّلام غيره و هم لا يعرفون حقّه الإلهي و فضله السامي.

فهذه المقالة أيضا تامّة الدلالة علی بيان سرّ الردّ و القبول و دافعة لكلّ شبهة مزعمومة، و الحمد للّه.

فتبيّن من هذه الأخبار المباركة دفع أيّ خيال موهوم و أيّة شبهة مزعومة و هي مشتملة إذا انضمّ كلّ منها إلی الآخر لذكر أسرار متعدّدة مختلفة لا تخفی لمن أمعن النظر فيها.

و بالجملة: فقد عرفت ممّا مرّ قيام أدلّة معتبرة قطعية الصدور و الدلالة علی أنّ رسول اللّه و آله الأئمّة المعصومين صلّی اللّه عليه و عليهم أجمعين علاوة علی أنّهم‏

                       

مبيّنون لأحكام اللّه تعالی عالمون بها من اللّه تعالی و علاوة علی أنّ اللّه تعالی قد أعطاهم ولاية تكوينية إجمالا فقد جعلهم اللّه تعالی أولياء أمر المسلمين و أعطاهم منصب ولاية أمر الجامعة الإسلامية الّتي مقتضاها أنّ بيدهم إدارة امور المسلمين و بلادهم و مملكتهم، بمعنی أنّ اللّه تعالی لم يرفض التعرّض لأمر إدارة أمر الامّة بالمرّة و لم يداخل فيها بمجرّد إمضاء ما بنی عليه المسلمون بما هم مسلمون أو عقلاء بل إنّه تعالی تعرّض من عند نفسه في هذا الأمر و أنشأ من لدنه ولاية الأمر للرسول الأكرم صلّی اللّه عليه و آله بمثل قوله تعالی: النَّبِيُّ أَوْلی‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «1» و لآله المعصومين عليهم السّلام أيضا بقوله تعالی ذيل تلك الآية: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ 2 و لهم جميعا بمثل قوله تعالی: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ «3» و أنزل علی رسوله ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام و أمره بتبليغها في قوله تعالی: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ 4 و بلّغها الرسول الأعظم صلّی اللّه عليه و آله بمثل قوله للناس يوم الغدير: «ألا و أنّي اشهدكم أنّي أشهد أنّ اللّه مولاي و أنا مولی كلّ مسلم، و أنا أولی بالمؤمنين من أنفسهم، فهل تقرّون لي بذلك و تشهدون لي به؟ فقالوا: نعم نشهد بذلك، فقال: ألا من كنت مولاه فإنّ عليّا مولاه، و هو هذا ...» «5».

و قد مرّ ذكر الأخبار المتواترة علی أنّ هذا المنصب ثابت من اللّه تعالی للنبيّ و لكلّ من الأئمّة المعصومين عليهم السّلام، و كانت هذه الأخبار طوائف مختلفة، و كان بعضها في مقام بيان المراد من الآيات و أنّه عامّ لجميع الأئمّة المعصومين عليهم السّلام، و بعضها الآخر في مقام بيان ثبوت هذا المنصب الإلهي لهم عليهم السّلام استقلالا لا شرحا للآيات.

                       

كلمة عن حدود دائرة ولاية ولاة الأمر من حيث البلاد و الأمكنة

فبعد ثبوت ولاية النبيّ و الأئمّة المعصومين عليهم صلوات اللّه فأوّل بحث ينبغي البحث عنه هو تعرّف مدار حكومتهم من حيث الأمكنة، فنقول:

لا ريب أنّ مقتضی الولاية عند العقلاء إذا كان أحد أو جمع وليّا علی أمّة أن يكون كلّ ما تحويه بلادهم و الأراضي و الجبال و الأنهار و البحيرات و البحار المتعلّقة بهذه الامّة، بل و هكذا المحدودة الجوية الواقعة فوق هذه الامور إلی آخر حدّ يمكن الانتفاع به في جهة من الجهات ممّا حدث و علم إلی الآن و عمّا سيحدث و يعلم من طريق التقدّمات العلميّة، فجميع هذه الأشياء بمنتهی حدودها تكون تحت ولاية أمر وليّ أمرهم و تتسع دائرة اختيار وليّ أمرهم حدّ اتساع هذه الامور و ما يتعلّق بها.

و قد مرّت دلالة الأدلّة القطعية علی أنّ النبيّ و أهل بيته المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين قد جعلهم اللّه تعالی أولی بالمؤمنين من أنفسهم و أنّ كلّا منهم في زمان إمامته وليّ أمر أمّة الإسلام و من يعيش من الكفّار في ظلّ لواء الإسلام.

هذا من ناحية، و من ناحية اخری فالإسلام يوجب عليهم و علی المسلمين أن يقاتلوا و يجاهدوا في الأرض حتّی يكون الدين كلّه للّه و يسلم من يسلم و يعيش في لواء الإسلام من كان من أهل الكتاب بعنوان أهل الذمّة و يعامل مع سائر الكفّار

                       

ما يقرّره الشرع فيهم، فلا محالة يؤول الأمر إلی أن تصير الأرض و ما عليها من المفاوز و الآجام و الجبال و بطون الأودية و الأنهار و البحار و الهواء المحيطة بهذه الامور ممّا يستفيد منه أهل الأرض إلی آخر حدّ ينتفع به متعلّقة بأهل الأرض و أن يصير جميع من يعيش علی الكرة الأرضية أمّة لوالي الإسلام، و حينئذ فمقتضی ولايته علی هذه الامّة أن يكون كلّ هذه الامور المتعلّقة بها تحت لواء اختياره، و له و عليه إدارتها بما تقتضيه مصلحة الامّة و يكون ما اختاره فيها لازم الاتباع، فإنّه لا معنی للولاية علی الامّة علی ما يتعلّق بها إلّا هذا، كما ستجي‏ء الإشارة إليه كرارا في المباحث الآتية إن شاء اللّه تعالی.

هذا من ناحية اقتضاء الولاية، و قد وردت روايات عديدة تدلّ علی هذا المعنی:

1- فمنها ما رواه الكافي عن عليّ بن محمّد عن سهل بن زياد عن محمّد بن عيسی عن محمّد بن الريّان قال: كتبت إلی العسكري عليه السّلام: جعلت فداك، روي لنا أن ليس لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله من الدنيا إلّا الخمس، فجاء الجواب: إنّ الدنيا و ما عليها لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله «1».

و سند الحديث معتبر، فإنّ عليّ بن محمّد المذكور من مشايخ الكليني قدّس سرّه و المسمّی بهذا الاسم في مشايخه ثلاثة: عليّ بن محمّد بن إبراهيم الرازي الكليني المعروف بعلّان، و عليّ بن محمّد بن أبي القاسم عبد اللّه بن عمران البرقي القمّي، و عليّ بن محمّد بن أبي القاسم بن بندار الّذي ربما روی عنه، و الأوّلان ثقتان و لا يبعد انصراف الإطلاق إلی أحدهما، و الثالث و إن لم يصرّح بوثاقته إلّا أنه لا يبعد ثبوتها بنفس كونه من مشايخ مثل الكليني لا سيّما في كتابه الكافي الشريف.

و أمّا سهل بن زياد فقد وثّقه الشيخ في رجاله عند عدّ أصحاب الهادي عليه السّلام، و في قباله ضعّفه هو نفسه في الفهرست و موضع من الاستبصار، و ضعّفه النجاشي و ابن الغضائري، و استثناه ابن الوليد من رجال نوادر الحكمة، و ارتضاه الصدوق،

                       

و أخرجه أحمد بن محمّد بن عيسی عن قم المقدّسة، إلّا أنّه يحتمل جدّا أن يكون سرّ هذه التضعيفات نقله لروايات يراه الأصحاب غلوّا كما يشهد له ما في رجال النجاشي في ترجمته: «و كان أحمد بن محمّد بن عيسی يشهد عليه بالغلوّ و الكذب» و ما في رجال الكشّي أنّ الفضل بن شاذان «لا يرتضي أبا سعيد الآدمي و يقول: هو أحمق» فاعتقاد الغلوّ في أحاديثه ملازم لاعتقاد كذبه و هو يزيد كلّما كثرت هذه الأخبار، و لهذه النكتة يمكن أن يقال فيه: إنّه ضعيف جدّا كاذب أحمق، و إلّا فنفس عدم ارتضاء الفضل له معلّلا بأنّه أحمق شاهد علی أنّه لا عيب كذب ذاتي فيه و إنّما عيبه أنّه أحمق و لا بدّ و أن يكون حمقه لروايته أحاديث يرونها غلوّا، و مسألة الغلوّ عند قدماء الأصحاب ربما كانت أمرا سهل التحقق فإنّهم ربما يرون ما هو من بديهيات اعتقادنا في أئمّتنا المعصومين عليهم السّلام كذبا و غلوّا، كما يشهد عليه ما ذكره الشيخ الصدوق قدّس سرّه ذيل عدّة من الأخبار الّتي رواها في كتاب التوحيد، و حينئذ فليس ببعيد أن يجعل كثرة روايته- حتّی قيل إنّها أكثر من ألفين و ثلاثمائة علی ما في معجم السيّد الخوئي قدّس سرّه»

 و اعتماد الشيخ الكليني عليه في الكافي فإنّه يروي فيه كثيرا عن عدّة من أصحابنا عن سهل لا سيّما و قلّما يوجد في رواياته شذوذ و لا سيّما أنّ الكليني وصف كتابه الكافي بأنّه تأليف ما سأله السائل من كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلّم و يأخذ منه من يريد علم الدين و العمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السّلام «2»- فليس ببعيد أن يجعل ذلك كلّه- دليلا واضحا علی وثاقته و لعلّه علی هذا اعتمد الشيخ في رجاله و قال: سهل بن زياد الآدمي يكنّی أبا سعيد ثقة رازي «3». و لذلك ينقل أنّ المشهور عملوا بروايته. و بالجملة: فالظاهر أنّه ثقة.

و أمّا محمّد بن عيسی بن عبيد فثقة جليل و كما قال الأصحاب بأنّ استثناء ابن‏

                       

الوليد لرواياته الّتي تفرّد بها عن كتب يونس لا يوجب ضعفه فإنّهم كانوا يقولون:

من مثل أبي جعفر محمّد بن عيسی؟!

كما أنّ محمّد بن الريّان هو ابن الريّان بن الصلت من أصحاب أبي الحسن الثالث الهادي عليه السّلام وثّقه الشيخ في رجاله.

فسند الحديث معتبر. و أمّا دلالته فقد حكم عليه السّلام بأنّ الدنيا و ما عليها لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله. و لفظة اللام الظاهرة في الاختصاص ربما يستفاد منها في إطلاق الكلام أنّ الدنيا و ما عليها ملك للرسول صلّی اللّه عليه و آله إلّا أنّ ملكية كلّ الدنيا و ما عليها حيث إنّ لازمها أن لا تصير بملك أحد من الناس شيئا فإنّ جميع الأشياء المادّية من الدنيا و ما عليها و علی الفرض أنّ الدنيا و ما عليها لرسول اللّه. و من الواضح عدم معقولية ملكية شي‏ء واحد بتمامه لشخصين فاللازم أن لا يملك أحد شيئا و هو خلاف ضرورة الفقه و المذهب و الدين، و عليه فالمراد من الاختصاص المذكور في الحديث أنّ الدنيا و ما عليها كلّها في اختيار رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله، و قد مرّ في الأحاديث المعتبرة السند و الدلالة أنّ كلّ ما جعله اللّه للنبيّ فهو بعينه مجعوله للأئمّة المعصومين صلوات اللّه عليهم، فالدنيا و ما عليها تكون تحت الاختيار الولائي الّذي يكون لكلّ من المعصومين عليهم السّلام أيضا، كلّ في زمان إمامته.

ثمّ إنّ لفظة «الدنيا» ظاهرة في هذه الكرة الأرضية و تشمل جميع نواحيها، كما أنّ ما عليها كلّ ما كان متعلّقا بها و علی ظهرها من الأشياء من مثل الأشجار و النبات و البحار و جميع المياه و ما فيها و عليها فلا يبقی شي‏ء إلّا و هو داخل في عنوان الدنيا و ما عليها ممّا يتعلّق بالناس الّذين يعيشون في هذه الكرة الأرضية حتّی مثل الجوّ الواقع فوق رأسهم الّذي يستفيدون منه للتنفس و لطيران الطيارات و أمثاله ممّا وجد إلی الآن أو سيوجد بتقدّم الصنائع في الأزمنة الآتية، فجميع الأرض و البحار و المياه و ما يتعلّق بها قد وقعت تحت دائرة ولاية وليّ الأمر و لازمه كما عرفت و يأتي أن يكون إليه و عليه أخذ التصميم المناسب اللازم بالنسبة إلی كلّ منها.

فدائرة ولايته واسعة حسب اتساع الأرض و ما عليها و ما يتعلّق بها، فالإمام‏

                       

وليّ أمر الناس، و وليّ أمر الدنيا و ما عليها.

2- و منها ما رواه الكليني بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله: خلق اللّه آدم و أقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم عليه السّلام فلرسول اللّه، و ما كان لرسول اللّه فهو للأئمّة من آل محمّد صلّی اللّه عليه و آله «1».

و دلالة الحديث علی أنّ الدنيا تحت اختيار آدم و النبيّ الأعظم و آله الأئمّة صلوات اللّه عليهم واضحة بالبيان الّذي أسلفناه ذيل معتبر ابن الريّان، فالحديث دلّ علی أنّ الدنيا كلّها قطيعة جعلها اللّه تحت ولاية آدم و ولاية ولاة الإسلام، و واضح أنّ المتيقّن من الدنيا هذه الكرة الأرضية و هي شاملة للبحار و ما فيها و لما علی كرة الأرض حتّی مثل الهواء، فولاية وليّ الأمر تتسع لجميع هذه الامور و يكون كلّها تحت سعة دائرتها.

فدلالة الحديث تامّة، إلّا أنّ سنده غير تامّ بالرفع المذكور عن أحمد بن محمّد و بوقوع عمرو بن شمر الراوي عن جابر فيه، فإنّه ضعّفه النجاشي قائلا: «ضعيف جدّا، زيد أحاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه، و الأمر ملتبس» «2» و إن احتمل أنّ تضعيفه أيضا ناش عن نقله لروايات يعدّونها عامّة الناس غلوّا، و كيف كان فالسند غير تامّ.

3- و منها ما رواه الكليني أيضا بسنده المعتبر عن معلّی بن محمّد عن أحمد ابن محمّد بن عبد اللّه عمّن رواه قال: الدنيا و ما فيها للّه تبارك و تعالی و لرسوله و لنا، فمن غلب علی شي‏ء منها فليتّق اللّه و ليؤدّ حقّ اللّه تبارك و تعالی و ليبرّ إخوانه، فإن لم يفعل ذلك فاللّه و رسوله و نحن برآء منه 3.

و دلالتها واضحة بعد الالتفات إلی ما قدّمناه في الروايتين، إلّا أنّ معلّی بن محمّد لم تثبت وثاقته، فقد قال فيه النجاشي: «مضطرب الحديث و المذهب و كتبه‏

                       

قريبة» «1». و عن ابن الغضائري فيه: «نعرف حديثه تارة و ننكره يروي عن الضعفاء و يجوز أن يخرج شاهدا» «2» فالاعتقاد بثقته مشكل و إن لم يثبت ضعفه أيضا.

و أحمد ابن محمّد بن عبد اللّه بن مروان الأنباري ذكر أنّه من أصحاب الجواد و الهادي عليهما السّلام و يروی عنه معلّی بن محمّد إلّا أنّ حاله مجهولة، و الظاهر أنّ المعبّر عنه بمن رواه هو المعصوم عليه السّلام بقرينة قوله: «الدنيا للّه و لرسوله و لنا» فعطف نفسه و جعله عدلا للرسول فلا محالة هو الإمام المعصوم عليه السّلام، و بعد ذلك كلّه فلا يثبت اعتبار سند هذه الرواية.

4- و منها ما رواه الكليني أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: أما علی الإمام زكاة؟ فقال: احلت يا أبا محمّد، أما علمت أنّ الدنيا و الآخرة للإمام يصفها حيث يشاء و يدفعها إلی من يشاء جائز له ذلك من اللّه، إنّ الإمام يا أبا محمّد لا يبيت ليلة أبدا و للّه في عنقه حقّ يسأله عنه «3».

و دلالة الحديث علی المطلوب واضحة، فإنّ المراد بالدنيا- كما عرفت- هذه الكرة الأرضية و ما يتعلّق بها و ما عليها و قد حكم بأنّها و الآخرة تحت اختيار الإمام من اللّه تعالی، إلّا أنّ سنده ضعيف بضعف الحسن بن عليّ بن أبي حمزة و أبيه بل و بعدم وضوح حال أبي عبد اللّه الرازي الجاموراني الّذي استثناه ابن الوليد عن نوادر الحكمة و صوّبه الصدوق.

فهذه الروايات الثلاث و إن كان كلّ منها غير معتبر السند إلّا أنّها مستفيضة موافقة لمعتبر ابن الريّان فلا يبعد دعوی الوثوق بمضمونها فيتعدّد الدليل علی سعة دائرة ولايتهم لجميع الدنيا.

5- و منها ما رواه الكليني بسند صحيح إلی أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: وجدنا في كتاب عليّ عليه السّلام إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ أنا و أهل بيتي الّذين أورثنا اللّه الأرض و نحن‏

                       

المتّقون، و الأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلی الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها ... حتّی يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و منعها، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا فإنّه يقاطعهم علی ما في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم «1».

و الحديث صحيح السند فإنّ أبا خالد الكابلي و إن كان المسمّی اثنين علی ما في رجال الشيخ فقد قال عند عدّ أصحاب الباقر عليه السّلام: «ورد أنّ أبا خالد الكابلي الأصغر روی عنه عليه السّلام و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و الكبير اسمه كنكر» «2» و قريب منه في أصحاب الصادق عليه السّلام، إلّا أنّ في رجال الكشّي ما لفظه: «قال الفضل بن شاذان:

لم يكن في زمن عليّ بن الحسين في أوّل أمره إلّا خمسة أنفس: سعيد بن جبير، سعيد بن المسيّب، محمّد بن جبير بن مطعم، يحيی بن أمّ الطويل، أبو خالد الكابلي اسمه وردان و لقبه كنكر» «3» فجعل المسمّی بوردان و كنكر رجلا و أحدا و عدّه من خصّيصي الشيعة. و قد قال الشيخ في رجاله في أصحاب زين العابدين: «كنكر يكنّی أبا خالد الكابلي، و قيل: إنّ اسمه وردان» 4. و في رجال الكشّي في ترجمة يحيی ابن أمّ الطويل ما معناه: «روی يونس عن حمزة بن محمّد الطيّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ارتدّ الناس بعد قتل الحسين إلّا أربعة: أبو خالد الكابلي و يحيی ابن أمّ الطويل و جبير بن مطعم و جابر بن عبد اللّه الأنصاري، ثمّ إنّ الناس لحقوا و كثروا» 5. و قد ورد في مدحه أخبار كثيرة في بعضها أنّه من ثقات عليّ بن الحسين عليهما السّلام.

و لا يبعد أن يستفاد من جميعها أنّه ثقة و من حواري زين العابدين عليه السّلام، و لا شكّ أنّ المنصرف من أبي خالد الكابلي هو هذا الكبير المعروف الثقة- كما أفاده في معجم رجال الحديث «6»- و عليه فسند الحديث معتبر و الحديث صحيح السند.

                       

و أمّا دلالته فظاهر لفظ «الأرض» المذكور في صدر الحديث عن القرآن الكريم هو جنس الأرض و كلّ الأرض، و قد صرّحت العبارة التالية بأنّ الأرض كلّها للأمير و أهل بيته الطاهرين، و قد مرّ أنّ المقصود من الاختصاص المدلول عليه باللام لا يكون المساوق للملكية بل المراد به كونها بكلّها تحت اختيارهم و هو الاختيار اللازم للولاية فيدلّ علی ثبوت ولايتهم علی الأرض كلّها.

بل إذا كانت الأرض كلّها تحت ولايتهم فما ينشأ و يخرج من الأرض من سطحها القريب أو أعماقها فهو أيضا من الأرض و كالمعلول لها فيكون حكمها حكم الأرض، بل لا يبعد أن يستفاد منه أنّ كلّ ما علی الأرض مثل المياه و البحار فهو من توابع الأرض و متعلّقاتها و تثبت ولايتهم عليها أيضا. مع أنّه يأتي التكلّم عن البحار و أنّ أدلّة متعدّدة تدلّ علی ثبوت ولايتهم عليهم السّلام عليها عند البحث عن مصاديق الأنفال فنكتفي به.

6- و قريب من صحيح الكابلي ما رواه العيّاشي في تفسيره عن عمّار الساباطي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ قال: فما كان للّه فهو لرسوله، و ما كان لرسول اللّه فهو للإمام بعد رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله «1».

و هو كما تری في الدلالة و حدودها مثل الصحيحة إلّا أنّه ضعيف السند بالإرسال.

7- و قد وقعت هذه الجملة فيما رواه عمر بن يزيد عن مسمع بن عبد الملك فإنّه روی أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام قال: يا أبا سيّار، إنّ الأرض كلّها لنا فما أخرج اللّه منها من شي‏ء فهو لنا «2».

و أصل دلالته و حدودها مثل الصحيحة.

فتحصّل: أنّ أدلّة معتبرة متعدّدة تدلّ دلالة تامّة علی أنّ الأرض و ما عليها حتّی الجو الّذي فوقها تحت الاختيار الولائي الّذي للإمام.

                       

ثمّ إنّ كون الأرض و هذه الامور الاخر تحت عموم ولاية وليّ الأمر لا ينافي تملّك الناس لبعضها و انتفاعهم بها كما هو واضح.

و قد دلّت آيات كثيرة من الكتاب الكريم علی أنّه تعالی أراد استفادة الإنسان من الأرض و النعم الإلهية الّتي عليها و إن كان كافرا، فانظر إلی قوله تعالی: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ «1» و إلی قوله تعالی: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلی‏ طَعامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا* ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا* فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَ عِنَباً وَ قَضْباً* وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلًا* وَ حَدائِقَ غُلْباً* وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا* مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ «2» إلی غير ذلك من آيات كثيرة واضحة الدلالة، و الحمد للّه تعالی.

                       

اختيارات وليّ الأمر و المنابع المالية لولايته‏

                        

بعد ثبوت سعة منصب الولاية علی الامّة و البلاد الإسلامية من اللّه تعالی لكلّ واحد من النبيّ و الأئمّة المعصومين عليهم السّلام يقع الكلام في تعداد ما بيدهم اختياره من الامور المرتبطة بالمسلمين أنفسهم أو ببلادهم و مملكتهم و في ذكر المنابع المالية الّتي بها تحصل عندهم الأموال المحتاج إليها في تمشية امور الولاية.

و لا يظنّ أحد أنّ هذه المباحث غير محتاج إليها في أمثال زماننا الّذي ليس المعصوم عليه السّلام حاضرا فيه بل يختصّ بالأزمان الماضية و بما إذا حصل فرج آل محمّد و ظهر قائمهم عليهم السّلام.

و ذلك أنّ هذه الأبحاث تشريح للولاية الإسلامية و أنّ وليّ الأمر في الإسلام له هذه الاختيارات و المنابع المالية، فإذا أثبت ولاية الأمر في الشرع زمن الغيبة للفقيه العادل مثلا فله أيضا هذه الاختيارات و المنابع، فلا تغفل.

و بعد ذلك كلّه نقول:

إنّ كلامنا الآن يقع في مقامين: المقام الأوّل في الاختيارات الثابتة لوليّ الأمر و الامور الّتي بيده. و المقام الثاني في تعداد المنابع المالية الّتي جعل اللّه تعالی له ليتمّ به أمر إعمال ولايته.

                       

المقام الأوّل في الاختيارات الثابتة لوليّ الأمر و الامور الّتي بيده‏

و الكلام عنه بوجهين: فتارة يبحث عن مقتضی القواعد الكلّية في تعداد ما بيده اختياره، و اخری في عدّ كلّ من هذه الامور أو ذكر عمدتها تفصيلا.

أمّا مقتضی القاعدة و البحث الإجمالي عمّا بيده اختياره:

فالتحقيق أنّ مقتضی القاعدة أنّ بيده كلّ ما يرتبط بالجامعة الإسلامية كلّهم أو أهل قرية أو بلدة أو بلاد خاصّة و كلّ ما يرتبط بقراهم و بلادهم و مملكتهم.

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)
محتوای بیشتر در این بخش: « قسمت 9 قسمت 11 »

پیام هفته

مصرف گرایی بلای جامعه برانداز
قرآن : وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الأَکْبَرِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ  (سوره سجده، آیه 21)ترجمه: به آنان از عذاب نزدیک (عذاب این دنیا) پیش از عذاب بزرگ (آخرت) مى چشانیم، شاید باز گردند.توضیح : مصرف گرایی بدون تولید مناسب سبب می شود تا قیمت ها در جامعه افزایش پیدا کند و گرانی (که در احادیث به عنوان یکی از عذابهای دنیوی عنوان شده) در جامعه شایع شود.حدیث: وَ لِلّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِبَادٌ مَلاعِينُ مَنَاكِيرُ لا يَعِيشُونَ وَ لا يَعِيشُ النَّاسُ فِي أكْنَافِهِمْ وَ هُمْ فِي عِبَادِهِ بِمَنْزِلَة الْجَرَادِ لا يَقَعُونَ عَلَي شَيْ‏ءٍ إلاّ أتَوْا عَلَيْهِ. (اصول کافی،...

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید