الدرس‌ الثالث‌ والاربعون‌

الدرس‌ الثالث‌ والاربعون‌:

 الذاتيّة‌، أكبر آفات‌ الو الی

 

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

 بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

 وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

 ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ ا لآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی العَظِيمِ

الروايات‌ والنصائح‌ في‌ ذمّ حبّ الجاه‌ والعجب‌ ومدح‌ الناس‌

 الخطبة‌ التي‌ ذكرناها من‌ « نهج‌ البلاغة‌ » حول‌ حقّ الو إلی علی الرعيّة‌ وحقّ الرعيّة‌ علی الو إلی تحتوي‌ علی مطالب‌ نفيسة‌ جدّاً، ويمكن‌ استنتاج‌ بعض‌ النكات‌ الملكيّة‌ والملكوتيّة‌ منها.

 ومن‌ جملة‌ المطالب‌ التي‌ يؤكّد عليها أمير المؤمنين‌ بشدّة‌ هي‌ لزوم‌ أن‌ يجد الو إلی حالة‌ من‌ التواضع‌ وعدم‌ الاستكبار والإعجاب‌ بالنفس‌ أثناء ولايته‌. فقال‌ عليه‌ السلام‌: « وَإنَّ مِنْ أَسْخَفِ حَالاَتِ الوُلاَةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الفَخْرِ، وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَیالكِبْرِ ».

 ويتحصّل‌ من‌ مجموع‌ هذه‌ الخطبة‌: أنَّ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ يقول‌: إنَّ الحقّ الذي‌ لي‌ عليكم‌ والحقّ الذي‌ لكم‌ عَلَیحقّان‌ متساويان‌ ومتكافئان‌، ولاأستطيع‌ أن‌ أنسب‌ إلی نفسي‌ بسبب‌ الحقّ الذي‌ لي‌ عليكم‌ شأناً ومقاماً ومركزاً اعتباريّاً بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌، لانَّ ما أنا فيه‌ تكليف‌ قد وضعه‌ الله‌ في‌ عهدتي‌.

 فولايتي‌ تكليف‌ إلهي‌ّ، وعندما أقوم‌ بما أُمرت‌ به‌، فإنَّما أكون‌ قد عملت‌ بواجبي‌ وخرجت‌ من‌ تبعاتي‌ وما أحذره‌ من‌ خوف‌ الله‌ عزّ وجلّ.

 ومن‌ جملة‌ ما أفاده‌ عليه‌ السلام‌ من‌ مطالب‌: ليس‌ ثمّة‌ من‌ مستغنٍ عمّن‌ يعينه‌ في‌ سبيل‌ الله‌، وإن‌ كانت‌ منزلته‌ عند الله‌ سبحانه‌ وتع إلی عظيمة‌ ومقامه‌ رفيعاً. ولايشذّ عن‌ هذه‌ القاعدة‌ حتّي‌ أفقر الناس‌ وأحقرهم‌، ولهم‌ حصّة‌ من‌ الإعانة‌ والمساعدة‌ كذلك‌.

 أي‌ أنَّ عجلة‌ الولاية‌ المتشكّلة‌ من‌ الو إلی والمولّي‌ عليهم‌ كلّها عجلة‌ واحدة‌ وجهاز واحد مرتبط‌ ومنوط‌ ببعضه‌، وكلّ من‌ هذه‌ الاجزاء والاعضاء والقطع‌ والروابط‌ وغايته‌ حفظ‌ ذلك‌ الامر الوجداني‌ّ المراد من‌ هذا الجهاز. وإذا تجاوز أي‌ّ واحد من‌ هذه‌ الاجزاء وظيفته‌، فإنَّه‌ لايضيّع‌ نفسه‌ فحسب‌، بل‌ يخرّب‌ المجتمع‌ ويتلف‌ الجهاز أيضاً. فقد أورد ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرح‌ هذه‌ الخطبة‌ كلاماً مشابهاً لكلام‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌(وَلَيْسَ امْرُؤٌ وَإنْ عَظُمَتْ فِي‌ الحَقِّ مَنْزِلَتُهُ) عن‌ زيد بن‌ علی بن‌ الحسين‌ عليهم‌ السلام‌ أ نَّه‌ قال‌ لهشام‌بن‌ عبدالملك‌: إنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ وَإنْ عَظُمَتْ مَنْزِلَتُهُ، بِفَوْقِ أنْ يُذَكَّرَ بِاللَهِ وَيُحَذَّرَ مِنْ سَطْوَتِهِ؛ وَلَيْسَ أحَدٌ وَإنْ صَغُرَ، بِدونِ أنْ يُذَكِّرَ بِاللَهِ وَيُخَوِّفَ مِنْ نِقْمَتِهِ.[3]

 وقال‌ أيضاً: وَمِنْ كَلامِ الحُكَماءِ: قُلوبُ الرَّعيَّةِ خَزائِنُ واليها؛ فَما أوْدَعَهُ فيها وَجَدَهُ.[4]

 فإن‌ كان‌ ثمّة‌ عدل‌ ومحبّة‌ وعطف‌ وصدق‌ لم‌ يكن‌ هناك‌ من‌ استكبار واستعباد، فسوف‌ يجد ذلك‌، وإلاّ فإن‌ كان‌ لديه‌ ظلم‌ وإجحاف‌ وإحساس‌ بالفوقيّة‌ والافضليّة‌ فسوف‌ يجد ثمرة‌ هذه‌ المعاني‌ أيضاً. وستظهر أخيراً وفي‌ يوم‌ من‌ الايّام‌ جميع‌ نتائج‌ هذه‌ البذور التي‌ زرعها الو إلی في‌ قلوب‌ الرعيّة‌ وتصل‌ إلی مرحلة‌ الحصاد.

 وَكانَ يُقالُ: صِنْفانِ مُتَباغِضانِ مُتَنافيانِ: السُّلْطانُ وَالرَّعيَّةُ، وَهُما مَعَ ذَلِكَ مُتَلازِمانِ؛ إنْ صَلَحَ أحَدُهُما صَلَحَ ا لآخَرُ، وَإنْ فَسَدَ فَسَدَ ا لآخَرُ.[5]

 أي‌ أنَّ نسبة‌ عنوان‌ الولاية‌ والسلطنة‌ مع‌ عنوان‌ الرعيّة‌، وعنوان‌ الولاية‌ والتولّي‌ مع‌ عنوان‌ المولّي‌ عليه‌، وعنوان‌ ا لآمريّة‌ مع‌ عنوان‌ المأموريّة‌ هي‌ نسبة‌ فعل‌ وانفعال‌، وتنبع‌ من‌ مصدرين‌ ومبدأين‌ متنافيينِ، وذلك‌ لانَّ الو إلی آمر والرعيّة‌ مأمور. وبما أنَّ الجانبينِ فعل‌ وانفعال‌ فالتباغض‌ والتنافي‌ من‌ لوازم‌ هذين‌ الصنفين‌، ومع‌ ذلك‌ فإنَّهما متلازمان‌ مع‌ بعضهما، وصلاح‌ كلّ منهما صلاح‌ ل لآخر، كما أنَّ فساده‌ فساد ل لآخر.

 يقول‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرح‌ هذه‌ الخطبة‌: قالَ النَّبِي‌ُّ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: لاَيَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي‌ قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ كِبْرٍ.[6]

 وَقَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ [: لَوْلاَ ثَلاَثٌ مُهْلِكَاتٌ لَصَلُحَ النَّاسُ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًي‌ مُتَّبَعٌ، وَإعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ.[7]

 ويقول‌ أيضاً: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: احْثُوا فِي‌ وُجُوهِ المَدَّاحِينَ التُّرَابَ.[8]

 وَكانَ يُقالُ: إذا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقولُ فيكَ مِنَ الخَيْرِ ما لَيْسَ فيكَ، فَلاتَأْمَنْ أنْ يَقولَ فيكَ مِنَ الشَّرِّ ما لَيْسَ فيكَ.[9]

 وَكانَ يُقالُ: لا يَغْلِبَنَّ جَهْلُ غَيْرِكَ بِكَ، عِلْمَكَ بِنَفْسِكَ.[10]

 وَقالَ عَبْدُ اللَهِ بْنُ المُقَفَّعِ في‌ «اليَتيمَة‌»: إيّاكَ إذا كُنْتَ وَالِياً أنْ يَكونَ مِنْ شَأْنِكَ حُبُّ المَدْحِ وَالتَّزْكيَةِ، وَأنْ يَعْرِفَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْكَ! فَتَكونَ ثُلْمَةً مِنَ الثُّلَمِ يَقْتَحِمونَ عَلَيْكَ مِنْها، وَبَاباً يَفْتَتِحونَكَ مِنْهُ، وَغيبَةً يَغْتابونَكَ بِها وَيَسْخَرونَ مِنْكَ لَها. وَاعْلَمْ: أنَّ قابِلَ المَدْحِ كَمادِحِ نَفْسِهِ، وَأنَّ المَرْءَ جَديرٌ أنْ يَكونَ حُبُّهُ المَدْحَ هُوَ الَّذي‌ يَحْمِلُهُ عَلَیرَدِّهِ، فَإنَّ الرَّادَّ لَهُ مَمْدوحٌ وَالقابِلَ لَهُ مَعيبٌ.[11]

 المدح‌، أي‌ الثناء علی صفات‌ الو إلی وأفعاله‌ وخدماته‌ وما شابه‌، والتزكية‌، هي‌ تصوير عيوبه‌ عند الناس‌ بشكل‌ حسن‌. فعلی رغم‌ وجود عيوب‌ ومعاصي‌ عند الو إلی ـكالكذب‌ وأكل‌ حقّ الناس‌ والتورية‌ باسم‌ المصلحة‌ فجميع‌ هذه‌ الاُمور ذنوب‌ـ لكنّهم‌ يقولون‌: إنَّ هذه‌ الاُمور لازمة‌ له‌، وهي‌ من‌ المقتضيات‌ الضروريّة‌ التي‌ يلجأ إليها مرغماً لتوازن‌ التعامل‌ مع‌ جميع‌ هذه‌ الجموع‌، وهذا أمر طبيعي‌ّ بالنسبة‌ للو إلی!

 يقول‌: « فَتَكونَ ثُلْمَةً مِنَ الثُّلَمِ يَقْتَحِمونَ عَلَيْكَ مِنْها، وَبَاباً يَفْتَتِحونَكَ مِنْهُ »؛ فلم‌يقل‌: إنَّهم‌ يجعلون‌ هذا باباً يدخلون‌ من‌ خلاله‌ إليك‌ و إلی أفكارك‌، وإنَّما يجعلون‌ نفسك‌ ووجودك‌ باباً يفتتحونك‌ ويمزّقونك‌ بواسطته‌ ويدخلون‌ في‌ نفسك‌، فترتكب‌ جميع‌ هذه‌ السيّئتات‌ والبلايا والمعايب‌. بينما يُحسّنون‌ لك‌ ذلك‌ ولا يَعدُّونه‌ عيباً! فترتكب‌ العمل‌ القبيح‌ ويمدحونك‌، وتمنع‌ حقّ الناس‌ فيبرّرون‌ لك‌، وتقوم‌ بالمخالفات‌ فيجدون‌ لك‌ التفسيرات‌ المرضيّة‌، فيجعلوك‌ عاملاً بكلّ ذلك‌ عن‌ رغبة‌ منك‌! وعندما يعرف‌ الناس‌ نقطة‌ ضعفك‌، فسوف‌ يتسلّلون‌ إلی داخلك‌ ليورِّطوك‌ بمختلف‌ السيّئات‌. وعندها، تصبح‌ محوراً للغيبة‌، فيغتابك‌ الناس‌ في‌ مجالسهم‌ فيما تقوم‌ به‌ من‌ أعمال‌ قبيحة‌، مع‌ أنَّ أُولئك‌ يمتدحون‌ هذه‌ الاعمال‌ أمامك‌!

 فهؤلاء يمجّدونك‌ في‌ الظاهر، لكنّهم‌ يعيبونك‌ في‌ الباطن‌ ويذمّون‌ فيك‌ الكذب‌ والتكبّر ويسخرون‌ منك‌ ويحطّون‌ من‌ هيبتك‌ بسبب‌ تصرّفاتك‌.

 الرجوع الي الفهرس

أسخف‌ حالات‌ الوالی أن‌ يكون‌ ممّن‌ يحبّ أن‌ يمدحه‌ الناس‌

 واعلم‌، أنَّ مَن‌ يَقبل‌ المدح‌ فكأ نَّما مدح‌ نفسه‌، وما أقبح‌ أن‌ يمدح‌ الإنسان‌ نفسه‌ ويصف‌ أفعاله‌ وصفاته‌! فليس‌ هناك‌ أي‌ّ فرق‌ بين‌ أن‌ يمدح‌ الإنسان‌ نفسه‌ وبين‌ رضائه‌ بمدح‌ ا لآخرين‌ له‌؛ واللائق‌ لمن‌ يحبّ المدح‌ حقّاً أن‌ يردّ مدح‌ ا لآخرين‌، فعلی من‌ يحبّ أن‌ يسمع‌ مدح‌ الناس‌ له‌ حقيقةً، عليه‌ أن‌ يمتلك‌ صفات‌ حسنة‌ تؤهّله‌ للمدح‌. وعندها، فينبغي‌ لتلك‌ الصفات‌ الحسنة‌ أن‌ تلجئه‌ إلی نهيهم‌ عن‌ مدحه‌، وذلك‌ لإثبات‌ تحقّق‌ تلك‌ الطهارة‌ فيه‌! وإلاّ كان‌ ذلك‌ عيباً فيه‌.

 فهو يريد أن‌ يقول‌: إنَّ للمدح‌ مفهوماً ومصداقاً. فمفهوم‌ المدح‌ هو عنوان‌ المدح‌ الذي‌ يقال‌ فيه‌ بالحمل‌ الاوّلي‌ّ الذاتي‌ّ: المَدْحُ نَقيضُ الذَّمِّ؛ وأمّا مصداق‌ هذا المفهوم‌ في‌ الخارج‌، فهو الذي‌ يطلق‌ عليه‌ المدح‌ بالحمل‌ الشائع‌، أي‌ الصفة‌ التي‌ تتحقّق‌ في‌ الإنسان‌ فيصدق‌ عليه‌ بواسطتها هذا المدح‌.

 ويقول‌: إنَّ هذين‌ الامرين‌ يلتبسان‌ أحياناً، فيخدع‌ الإنسان‌ نفسه‌ أحياناً بعنوان‌ الحمد ومفهومه‌، دون‌ أن‌ يكون‌ الحمد متحقّقاً في‌ وجوده‌، أو يحصل‌ مورد للمدح‌ فيه‌، بل‌ ويكون‌ وجوده‌ غير قابل‌ للمدح‌، لكنّه‌ مع‌ هذا ينسب‌ عنوان‌ الحمد والمدح‌ إلی نفسه‌. فإن‌ أردت‌ أن‌ تكون‌ شخصاً يحبّ المدح‌ حقيقة‌، فينبغي‌ لصفة‌ حبّ المدح‌ وهذه‌ الغريزة‌ أن‌ تدعوك‌ لردع‌ المدّاحين‌ وعدم‌قبول‌ ذلك‌ المدح‌.

 فإن‌ كنت‌ تحبّ نفسك‌ وتحبّ مدح‌ نفسك‌، فعليك‌ أن‌ تقوم‌ بذلك‌، وإلاّ كان‌ قبولك‌ هذا المدح‌ منهم‌ عيباً فيك‌.

 فَإنَّ الرَّادَّ لَهُ مَمْدوحٌ وَالقابِلَ لَهُ مَعيبٌ.

 فالذي‌ يردّ المدح‌ هو الممدوح‌ والمرضي‌ حقيقة‌، والذي‌ يقبل‌ المدح‌ هو المعاب‌. فمن‌ يقبل‌ المدح‌ يكون‌ بالحمل‌ الشائع‌ معيباً، بينما الناس‌ يمدحونه‌ بالحمل‌ الاوّلي‌ّ، وهذا بمثابة‌ كلام‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌، حيث‌ يقول‌: أسْخَفِ حالاتِ الوُلاة‌ أن‌ يُظنَّ بهم‌ حبّ الفخر والمدح‌.

 وما أكثر وجود من‌ يحبّ أن‌ يمدحه‌ الناس‌ ويمجّدونه‌ في‌ أوساطنا. وحقّاً إنَّ هذا الامر يشكّل‌ ثلمة‌ تدخل‌ في‌ الإنسان‌ فتتّسع‌ شيئاً فشيئاً حتّي‌ تحيط‌ بكلّ وجوده‌ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُر، فيتبدّل‌ صفاؤه‌ وواقعيّته‌ إلی إحساس‌ بالكبر وحبّ الذات‌ والاوهام‌، وعندها تنعكس‌ هذه‌ الصفة‌ في‌ الخارج‌ وتضيع‌ صفات‌ الإنسان‌ الحسنة‌ شيئاً فشيئاً، فيتحوّل‌ تدريجيّاً مَن‌ كان‌ يتمتّع‌ بالصفات‌ الحسنة‌ إلی حامل‌ للصفات‌ السيّئة‌ مِنْ حَيْثُ لايَشْعُر.

 والمشاهد أنَّ الكثير ممّن‌ كانوا في‌ بداية‌ الامر أشخاصاً جيّدين‌ حقيقة‌، قد أثَّر فيهم‌ المدح‌ من‌ دون‌ مورد، أو حتّي‌ المدح‌ الذي‌ يكون‌ في‌ محلّه‌، فأدّي‌ إلی انهزامهم‌ نفسيّاً أمام‌ الواقعيّات‌ بالشكل‌ الذي‌ قد احتلّ مدح‌ وثناء ا لآخرين‌ لهم‌ حيّزاً كبيراً من‌ كيانهم‌! وصاروا يتوهّمون‌ أنَّ مدح‌ الناس‌ لهم‌ وثناءهم‌ عليهم‌ صحيح‌ وفي‌ محلّه‌، فنسبوه‌ إلی أنفسهم‌. أي‌ باتوا يغلّبون‌ الظنّ والتوهّم‌ علی الحقّ والحقيقة‌. فأخرجوا كيانهم‌ عن‌ الصراط‌ المستقيم‌ والمنهج‌ القويم‌ والحقّ، ومالوا إلی الظنّ حتّي‌ أصبحت‌ جميع‌ أفكارهم‌ وهميّة‌، وحسبوا أنَّ جميع‌ مَن‌ علی الارض‌ إنَّما يدور في‌ دائرة‌ تسلّطهم‌، ورأوا أنفسهم‌ الولي‌ّ الحقيقي‌ّ والقيّم‌ الواقعي‌ّ للناس‌، فوضعوا لانفسهم‌ مكانة‌ خاصّة‌ منفصلة‌ عن‌ مكانة‌ الناس‌. وليس‌ هذا كلّه‌ إلاّ الوهم‌ الواهي‌ والخيال‌ البحت‌.

 ليس‌ هناك‌ أي‌ّ تفاوت‌ بين‌ الو إلی والمولّي‌ عليه‌ عند الله‌ تع إلی، فعندما يقول‌ الله‌ تع إلی: إنَّ التقرّب‌ وحده‌ هو الذي‌ يوجب‌ الفضيلة‌(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَهِ أَتْقی'كُمْ)[12]، فكيف‌ يستطيع‌ ذلك‌ الشخص‌ الو إلی أن‌ يقول‌ ويدّعي‌ بأ نَّه‌ أفضل‌ من‌ ذلك‌ الرجل‌ الحقير المسكين‌ المفتقر إلی قُوتِه‌ اليومي‌ّ؟! ومن‌ أين‌ يستطيع‌ أن‌ يدّعي‌ مثل‌ هذا الادّعاء؟!

 وأمّا المدح‌ الاعتباري‌ّ، فلا يدعو الإنسان‌ للافضليّة‌ علی الناس‌ العاديّين‌ فحسب‌، بل‌ هو ترجيح‌ علی الاعاظم‌ من‌ غير مرجّح‌، يدعو الإنسان‌ لان‌ يري‌ نفسه‌ الوحيد الفريد في‌ عالم‌ الولاية‌ الاعتباريّة‌، أي‌ الولاية‌ الشيطانيّة‌، وهذا من‌ أعظم‌ المهلكات‌. أي‌ ابتلاؤه‌ بهذه‌ الصفات‌ الاعتباريّة‌ وغرقه‌ في‌ الخيالات‌ والاُمور الوهميّة‌ في‌ مقابل‌ الله‌ تع إلی، وفي‌ مقابل‌ سبيل‌ الله‌ الذي‌ يدعو الاءنسان‌ إلی التسليم‌ والفناء والعبوديّة‌.

 وَكانَ يُقالُ: مَحَلُّ المَلِكِ مِنْ رَعِيَّتِهِ مَحَلُّ الرُّوحِ مِنَ الجَسَدِ؛ وَمَحَلُّ الرَّعيَّةِ مِنْهُ مَحَلُّ الجَسَدِ مِنَ الرُّوحِ. فَالرُّوحُ تَأْلَمُ بِأَلَمِ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أعْضاءِ البَدَنِ؛ وَلَيْسَ كُلُّ واحِدٍ مِنَ الاَعْضاءِ يَأْلَمُ بِأَلَمِ غَيْرِهِ. وَفَسادُ الرُّوحِ فَسادِ جَميعِ البَدَنِ؛ وَقَدْ يَفْسُدُ بَعْضُ البَدَنِ، وَغَيْرُهُ مِنْ سائِرِ البَدَنِ صَحيحٌ.[13]

 الرجوع الي الفهرس

مفاد: ظُلْمُ الرَّعيَّةِ اسْتِجْلابُ البَليَّة‌

 وَكانَ يُقالُ: ظُلْمُ الرَّعيَّةِ اسْتِجْلابُ البَليَّة‌.[14]

 وَكانَ يُقالُ: العَجَبُ مِمَّنْ اسْتَفْسَدَ رَعيَّتَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أنَّ عِزَّهُ بِطاعَتِهِمْ.[15]

 وَكانَ يُقالُ: مَوْتُ المَلِكِ الجائِرِ خِصْبٌ شامِلٌ.[16]

 وَكانَ يُقالُ: لا قَحْطَ أشَدَّ مِنْ جَوْرِ السُّلْطانِ.[17] و [18]

 وَكانَ يُقالُ: أيْدي‌ الرَّعيَّةِ تَبَعُ ألْسِنَتِها؛ فَلَنْ يَمْلِكَ المَلِكُ ألْسِنَتَها حَتَّي‌ يَملِكَ جُسومَها.

 وذلك‌ لانَّ الحاكم‌ العادل‌ والرؤوف‌ لا يضيّع‌ حقّ الافراد، ولايقطع‌ الاراضي‌ لقومه‌ وأصدقائه‌، ولا يُسلّمهم‌ زمام‌ الاُمور وما شابه‌ من‌ تلك‌ الاعمال‌. وعندها تكون‌ أيدي‌ الرعيّة‌ أيضاً في‌ خدمته‌، فيدفعون‌ الضرائب‌ لحكومته‌، ويبذلون‌ الجهود لاستقرار مُلكه‌، ويُدافعون‌ عن‌ الوطن‌ أمام‌ اعتداء العدوّ. فاليد والبدن‌ يتّبعان‌ اللسان‌. وعليه‌، فلايملك‌ السلطان‌ لسان‌ الرعيّة‌ إلاّ بعد أن‌ يملك‌ أبدانهم‌ وأيديهم‌ وأجسامهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

الرعيّة‌ تتبع‌ عواطفها تجاه‌ الولاة‌ والحكّام‌ باستمرار

 وَلَنْ يَملِكَ جُسومَها حَتَّي‌ يَمْلِكَ قُلوبَها فَتُحِبَّهُ.

 وَلَنْ تُحِبَّهُ حَتَّي‌ يَعْدِلَ عَلَيْها في‌ أحْكامِهِ عَدْلاً يَتَساوَي‌ فيها الخاصَّةُ وَالعامَّةُ، وَحَتَّي‌ يُخَفَّفَ المُؤَنَ وَالكُلَفَ، وَحَتَّي‌ يُعْفيَها مِنْ رَفْعِ أوْضاعِها وَأراذِلِها عَلَيْها.

 فالرعيّة‌ لن‌ تحبّ الحاكم‌ إلاّ إذا قام‌ بثلاثة‌ أُمور:

 الاوّل‌: نشر العدالة‌ بين‌ جميع‌ الرعيّة‌ من‌ غير فرق‌ بين‌ الخاصّة‌ والعامّة‌.

( ولهذا المطلب‌ محلّ رفيع‌ في‌ كلمات‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ لمالك‌ الاشتر ولسائر الحكّام‌، إذ إنَّه‌ يؤكّد كثيراً علی السويّة‌ بين‌ الاقرباء والخاصّة‌ وبين‌ العامّة‌ من‌ الناس‌، لكي‌ لا يقوم‌ الحاكم‌ بمنح‌ الاراضي‌ والاموال‌ لاقربائه‌ ومَن‌ يرتبط‌ به‌ بنسبة‌ أكبر ويضيّع‌ بالنتيجة‌ حقّ العامّة‌، بل‌ عليه‌ أن‌ يلاحظ‌ العدالة‌ بين‌ الخاصّة‌ والعامّة‌ بمستوي‌ واحد من‌ حيث‌ جميع‌ جهات‌ الحقوق‌ والواجبات‌. ويقول‌ هنا أيضاً: فالرعيّة‌ لا تحبّ الحاكم‌ إلاّ إذا أقام‌ العدالة‌ بالمساواة‌ بين‌ الخاصّة‌ والعامّة‌).

 الثاني‌: أن‌ يخفّف‌ من‌ أعباء الحياة‌ وحدّة‌ الاوامر والنواهي‌ وما يلقي‌ علی كاهل‌ الرعيّة‌ من‌ أعمال‌.

 الثالث‌: أن‌ لا يُعيِّن‌ عليهم‌ الاراذل‌ والمنحطّين‌، وأن‌ لا يكون‌ رؤساء الإدارات‌ والمسؤولون‌ أو الولاة‌ المعيّنون‌ هنا وهناك‌ من‌ أهل‌ الرذيلة‌ والدناءة‌ واللصوصيّة‌ والرشوة‌ والكذب‌، إنَّ هكذا عمل‌ بمثابة‌ مقصّ يقصّ به‌ جناح‌ حكومته‌. فعلی الحاكم‌ أن‌ يزيل‌ أمثال‌ هؤلاء من‌ طريق‌ الرعيّة‌.

 وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ تَحْقِدُ عَلَیالمَلِكِ العِلْيَةَ مِنَ الرَّعيَّةِ، وَتَطْمَعُ السَّفَلَةَ في‌ الرُّتَبِ السَّنيّةِ.[19]

 الرجوع الي الفهرس

إحضار عمر لعمرو بن‌ العاصّ وولده‌ لشكاية‌ شابّ مصري‌ّ

 ويقول‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرح‌ هذه‌ الخطبة‌: جاء رجل‌ من‌ مصر إلی عمربن‌ الخطّاب‌ للتقاضي‌ فَقالَ: يا أميْرَ الْمُؤْمِنينَ! هَذا مَكانُ العائِذِ بِكَ! قالَ لَهُ: عُذْتَ بِمَعاذٍ، ما شَأْنُكَ؟!

 قالَ: سابَقْتُ وَلَدَ عَمْرِو بْنِ العاصِ بِمِصْرَ فَسَبَقْتُهُ، فَجَعَلَ يُعَنِّفُني‌ بِسَوْطِهِ وَيَقولُ: أنَا ابْنُ الاَكْرمَيْنِ! وَبَلَغَ أباهُ ذَلِكَ فَحَبَسَني‌ خَشْيَةَ أنْ أقْدُمَ عَلَيْكَ.

 فَكَتَبَ إلَی عَمْرٍو: إذا أتاكَ كِتابي‌ هَذا فَاشْهَدِ المَوْسِمَ أنْتَ وَابْنُكَ!

 فَلَمّا قَدِمَ عَمْرٌو وَابْنُهُ، دَفَعَ الدِّرَّةَ إلَی المِصْري‌ِّ وَقالَ: اضْرِبْهُ كَما ضَرَبَكَ!

 فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ وَعُمَرُ يَقولُ: اضْرِبِ ابْنَ الاَميرِ! اضْرِبِ ابْنَ الاَميرِ! يُرَدِّدُها حَتَّي‌ قالَ: يا أميرَ المُؤْمِنينَ! قَدِ اسْتَقَدْتُ مِنْهُ.

 فَقالَ ـ وَأشارَ إلَی عَمْرٍوـ: ضَعْها عَلَیصَلْعَتِهِ!

 صَلِعَ يَصْلَعُ صَلَعاً، أي‌ سَقَطَ شَعْرُ رَأْسِهِ، فَهُوَ أصْلَع‌.

 فَقالَ المِصْري‌ُّ يا أميرَ المُؤْمِنينَ! إنَّما أضْرِبُ مَنْ ضَرَبَني‌!

 فَقالَ: إنَّما ضَرَبَكَ بِقُوَّةِ أبيهِ وَسُلْطانِهِ؛ فَاضْرِبْهُ إنْ شِئْتَ؛ فَوَاللَهِ لَوْ فَعَلْتَ لَما مَنَعَكَ أحَدٌ مِنْهُ حَتَّي‌ تَكونَ أنْتَ الَّذي‌ تَتَبَرَّعُ بِالكَفِّ عَنْهُ!

 ثُمَّ قالَ: يَابْنَ العاصِ! مَتَي‌ تَعَبَّدْتُمُ النَّاسَ وَقَدْ وَلَدَتْهُمْ أُمَّهاتُهُمْ أحْراراً؟! [20]

 الرجوع الي الفهرس

انتقاد كيفيّة‌ عدالة‌ عمر من‌ جهات‌ مختلفة‌

 فهذه‌ الواقعة‌ التي‌ يذكرها ابن‌ أبي‌ الحديد ويفتخر بها علی ا لآخرين‌ أيضاً في‌ كلّ مكان‌ كونها تدلّ علی عدل‌ عمر، ويعدّونها رمزاً للعدالة‌ والحرّيّة‌، فيها إشكالات‌ من‌ عدّة‌ جهات‌:

 الاوّل‌: أ نَّه‌ طلب‌ من‌ ذلك‌ الشابّ أن‌ يأخذ الدرّة‌ ويضرب‌ بها ابن‌ عمروبن‌ العاص‌. فقام‌ الشابّ بالاقتصاص‌. ثمّ طلب‌ من‌ بعد ذلك‌ أن‌ يضرب‌ أياه‌، لانَّ الابن‌ قد استغلّ مكانة‌ أبيه‌ في‌ اعتدائه‌؛ فاعترض‌ عليه‌ ذلك‌ الرجل‌ المصري‌ّ قائلاً: إنَّ أباه‌ لم‌ يضربني‌ فكيف‌ أضربه‌!

 فموقف‌ الخليفة‌ غير صحيح‌، لانَّ عمرو بن‌ العاص‌ لم‌يضرب‌ ذلك‌ الرجل‌، بل‌ الضارب‌ هو الابن‌ وحده‌، وقد اقتصّ المضروب‌ منه‌، ولاحقّ له‌ بضرب‌ عمروبن‌ العاص‌؛ وكان‌ علی الخليفة‌ ـالذي‌ يري‌ نفسه‌ خليفة‌ـ أن‌ يحاسب‌ عمروبن‌ العاص‌ بصفته‌ الولي‌ّ والحاكم‌، وأن‌ يعاقبه‌ علی سوء استغلاله‌ لموقعه‌ بالإضافة‌ إلی حبسه‌ ذلك‌ الشابّ.

 والثانية‌: أنَّ عمر قد رفع‌ عن‌ نفسه‌ عب‌ التعزير، وطلب‌ من‌ ذلك‌ الشابّ المصري‌ّ أن‌ يضربه‌، وذلك‌ لئلاّ يتعرّض‌ الحاكم‌ المعيّن‌ من‌ قبله‌ لاذيً، ولئلاّ تتأزّم‌ علاقتهما بسبب‌ ذلك‌. ولذا، امتنع‌ عن‌ ضربه‌وتعزيره‌!

 وعليه‌، فالذنب‌ ذنبه‌ هو، لا نَّه‌ لم‌ يؤدِّب‌ الحاكم‌؛ وذلك‌ نظير ما جاء في‌ مسألة‌ زنا المُغيرة‌ بن‌ شُعْبَة‌، الذي‌ زنا عندما كان‌ حاكماً علی البصرة‌، وشهد عليه‌ الشهود؛ فما أن‌ وصل‌ الدور إلی الشاهد الرابع‌ حتّي‌ قال‌ عمر: أعوذ بالله‌ ممّن‌ يشهد علی صحابة‌ رسول‌ الله‌؛ فعند ذلك‌ خاف‌ الشاهد ولم‌يشهد. وبهذا تمّت‌ تبرئة‌ المغيرة‌ بن‌ شعبة‌، وعزّر الشهود الثلاثة‌ الذين‌ شهدوا عليه‌ بالزنا وجري‌ عليهم‌ الحدّ لقذفهم‌ المغيرة‌! ونُقلت‌ هذه‌ القضيّة‌ في‌ مختلف‌ الكتب‌.

 والثالثة‌: لماذا تحكم‌ علی هذا الرجل‌ بأن‌ يضرب‌ عمروبن‌ العاص‌ مع‌ احتمال‌ أن‌ ينتقم‌ منه‌ عمرو بن‌ العاص‌ عند عودتهما. فقد قام‌ عمروبن‌ العاص‌ بحبس‌ الرجل‌ عندما أراد المجي‌ء إليك‌ شاكياً. وفي‌ حال‌ ضربه‌ ا لآن‌ بالدرّة‌ أمام‌ جميع‌ هؤلاء الناس‌، فإنَّه‌ لن‌ يتمكّن‌ من‌ العودة‌ إلی مصر بعد ذلك‌، لانَّ العودة‌ إلی مصر مع‌ هذه‌ الظروف‌ تعني‌ الموت‌.

 فهذه‌ هي‌ عدالة‌ عمر التي‌ ملات‌ أسماع‌ الدنيا! لقد كانت‌ جميع‌ المفاسد التي‌ ظهرت‌ في‌ الإسلام‌ ناتجة‌ عن‌ ظلم‌ عمر. فهو الذي‌ قام‌ بتقسيم‌ بيت‌ المال‌ علی أساس‌ الطبقيّة‌، في‌ حين‌ كان‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ يقسّمه‌ بالتساوي‌ بين‌ الجميع‌ من‌ عرب‌ وعجم‌، معاهد وغيرمعاهد، من‌ كان‌ في‌ بدر أو أُحد أو الاحزاب‌ أو لم‌ يشارك‌ أصلاً في‌ أي‌ٍّ من‌ هذه‌ الحروب‌؛ لكنَّ عمر جعل‌ حصّة‌ العرب‌ أكثر من‌ حصّة‌ العجم‌، ووضع‌ أحكاماً خاصّة‌ بالعرب‌، وفرّق‌ بين‌ الاسود والابيض‌، وأوصل‌ شوكة‌ العرب‌ إلی أقصي‌ حدٍّ، مع‌ إذلاله‌ للعجم‌ بكلّ ما يتمكّن‌، كما منح‌ حديثي‌ العهد بالإسلام‌ حصّة‌ أقلّ؛ حيث‌ كانت‌ حصّة‌ ذوي‌ السابقة‌ في‌ الإسلام‌ خمسة‌ آلاف‌ درهم‌ من‌ بيت‌ المال‌، وحصّة‌ البدريّين‌ أكثر، وحصّة‌ المشاركين‌ في‌ أُحد والاحزاب‌ أقلّ بالترتيب‌، وكان‌ يعطي‌ لكلّ من‌ نساء النبي‌ّ عشرة‌ آلاف‌ أو خمسة‌ آلاف‌ درهم‌. فهذا التمييز من‌ بدعه‌.

 يقول‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: إنَّ كلّ شخص‌ يُسلم‌ فقد صار مسلماً، ويتمتّع‌ بالحقوق‌ بدرجة‌ مساوية‌ ل لآخرين‌، فلايمكن‌ إعطاء شخص‌ أكثر بسبب‌ تقدّمه‌ في‌ الإسلام‌.

 وبمرور السنين‌ الطويلة‌ علی سياسة‌ عمر في‌ تقسيم‌ الاموال‌، فقد صار من‌ الصعب‌ علی البعض‌ أن‌ يتنازلوا عمّا درّت‌ عليهم‌ تلك‌ السياسة‌ من‌ أموال‌ بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌! فكانت‌ تلك‌ المفاسد والحروب‌ والتفرعن‌ كتحصيل‌ حاصل‌. وعندما استلم‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الحكومة‌ قال‌: إنِّي‌ لن‌أسمح‌ بالتجاوز في‌ تقسيم‌ بيت‌ المال‌ ـالذي‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ بالتساوي‌ـ ولو بدرهم‌ واحد. فرأي‌ هؤلاء أنَّ أمير المؤمنين‌ قد قسّم‌ المال‌ بينهم‌ وبين‌ غلمانهم‌ المعتقين‌ بالتساوي‌، وأ نَّه‌ ينظر إلی الجميع‌ بعين‌ واحدة‌؛ فاعترضوا عليه‌ بأنَّ هؤلاء الغلمان‌ من‌ عتقائهم‌ وبأيديهم‌، فكيف‌ يتساوون‌ معهم‌ في‌ الحصص‌؟!

 قام‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بمنع‌ كلّ حيف‌ وميل‌، وكلّ تمييز في‌ غير محلّه‌. ولذا قاموا عليه‌، فكانت‌ فتنة‌ « معركة‌ الجمل‌ » ومن‌ بعدها حرب‌ صفّين‌، ومن‌ بعدها معركة‌ النهروان‌، واستمرّ الوضع‌ علی هذا النحو إلی يومنا هذا؛ وما كان‌ ذلك‌ إلاّ من‌ آثار عدل‌ عمر!

 علی الإنسان‌ أن‌ يتأمّل‌ في‌ الامر بواقعيّة‌، فقد جاء ذلك‌ الرجل‌ إلی عمر شاكياً فكتب‌ عمر إلی واليه‌ بأن‌ يأتي‌ مع‌ ابنه‌ في‌ موسم‌ الحجّ إلی المدينة‌. ثمّ أمر ذلك‌ الرجل‌ بأن‌ يضرب‌ رأسه‌ بالدرّة‌، ولم‌يقم‌ هو بتأديب‌ عمرو أو ضربه‌ بالدرّة‌! فكم‌ أنتجت‌ هذه‌ التصرّفات‌ غير العادلة‌ من‌ فجائع‌ ومشاكل‌ وإغارة‌ علی أموال‌ الناس‌ ونفوسهم‌؟! فكلّ ما حلّ ناشي‌ء من‌ تلك‌ التصرّفات‌ غيرالعادلة‌؛ فهل‌ يصحّ بعد ذلك‌ تجاهل‌ كلّ هذه‌ الاُمور، وعدّ هذه‌ القضيّة‌ من‌ أعلی مراتب‌ إجراء العدالة‌ عند عمر، مع‌ أ نَّه‌ قد قام‌ بنقيض‌ هذه‌ القضيّة‌ في‌ مواضع‌ مشابهة‌؟!

 أضف‌ إلی ذلك‌، أنَّ الجملة‌ التي‌ ينقلونها عن‌ عمر في‌ قوله‌: « متي‌ تعبّدتم‌ الناس‌ وقد وَلَدَتْهُمْ أُمَّهاتُهُمْ أحْراراً. »[21] فهي‌ مرويّة‌ عن‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، وينقلها ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ مواضع‌ من‌ « نهج‌ البلاغة‌ ». وإن‌ كان‌ عمر قد قالها، فهو قد أخذها عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مَحَمَّدٍ وَآالِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

 

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

قانون شکنی
آیه شریفه : إِنَّمَا ﭐلسَّبِيلُ عَلَى ﭐلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ﭐلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ﭐلْأَرْضِ بِغَيْرِ ﭐلْحَقِّ أُوْلَـٰئِکَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ  (سوره مبارکه شوری ، آیه 42)ترجمه : گناه بر کساني است که به مردم ظلم مي‏کنند ، و بدون داشتن بهانه‏اي و حقي مي‏خواهند در زمين فساد و ظلم کنند ، آنان عذابي دردناک دارند. روایت : قال علی( ع ): من تعدی الحق ، ضاق مذهبه.  (بحار الانوار ، ج 77 ، ص 211 )ترجمه : امام علی(ع) مي‌فرمايد: هر کس از حق (قانون) تجاوز کند ، در تنگنا گرفتار می آید.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید