الدرس‌ الثاني‌ والاربعون‌

الدرس‌ الثاني‌ والاربعون‌:

 حقوق‌ الو الی علی الرعيّة‌، وحقوق‌ الرعيّة‌ علی الو الی

 

 

 أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

 بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

 وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

 ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ ا لآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی العَظِيمِ

وَلَوْ كَانَ لاِحَدٍ أَنْ يَجْرِي‌َ لَهُ وَلاَ يَجْرِي‌ عَلَيْهِ

 من‌ جملة‌ خطب‌ « نهج‌ البلاغة‌ » خطبته‌ في‌ حقّ الو إلی علی الرعيّة‌ والرعيّة‌ علی الو إلی. ومع‌ أنَّ هذه‌ الخطبة‌ ليست‌ مفصّلة‌ لكنّها ذات‌ مغزي‌ عميق‌ جدّاً، مع‌ كون‌ جملها قصيرة‌ ومختصرة‌ لكنّها تحتوي‌ علی معانٍ راقية‌ جدّاً. وهي‌ صادرة‌ عن‌ مصدر التوحيد حقّاً. وفيها تبيان‌ للرموز العرفانيّة‌ والولايتيّة‌ المحضة‌، والحقوق‌ الحقّة‌ التي‌ للو إلی علی الرعيّة‌ وللرعيّة‌ علی الو إلی بنحو الإجمال‌.

 وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ خَطَبَها بِصِفِّين‌:

 أَمَّا بَعْدُ؛ فَقَدْ جَعَلَ اللَهُ سُبْحَانَهُ لِي‌ عَلَيْكُم‌ حَقَّاً بِوِلاَيَةِ أَمْرِكُمْ، وَلَكُمْ عَلَیمِنَ الحَقِّ مِثْلُ الَّذِي‌ لِي‌ عَلَيْكُمْ.

 فَالحَقُّ أَوْسَعُ الاَشْيَاءِ فِي‌ التَّوَاصُفِ، وَأَضْيَقُهَا فِي‌ التَّنَاصُفِ. لاَيَجْرِي‌ لاِحَدٍ إلاَّ جَرَي‌ عَلَيْهِ، وَلاَ يَجْرِي‌ عَلَيْهِ إلاَّ جَرَي‌ لَهُ. وَلَوْ كَانَ لاِحَدٍ أَنْ يَجْرِي‌َ لَهُ وَلاَ يَجْرِي‌ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصَاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ، لِقُدْرَتِهِ عَلَیعِبَادِهِ، وَلِعَدْلِهِ فِي‌ كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ؛ وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَیالعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلاً مِنْهُ، وَتَوَسُّعَاً بِمَا هُوَ مِنَ المَزِيدِ أَهْلُهُ.

 الحقّ أوسع‌ الاشياء في‌ التواصف‌، فعندما يريد الإنسان‌ أن‌ يعرِّف‌ الحقّ فإنَّ ذلك‌ يكون‌ من‌ أوسع‌ الاشياء، إذ يفيض‌ في‌ الشرح‌ حول‌ النحو الذي‌ يجب‌ أن‌ تكون‌ عليه‌ العدالة‌ الاجتماعيّة‌، وضرورة‌ تحقيقها في‌ المجتمع‌، وعدم‌ إمكانيّة‌ تحقيق‌ أي‌ّ تقدّم‌ أو تحرّك‌ ما لم‌ تظهر العدالة‌ الفرديّة‌ والاجتماعيّة‌ في‌ العالم‌، ويقوم‌ كلّ شخص‌ من‌ أي‌ّ صنف‌ أو قوم‌ أو طائفة‌ أو قبيلة‌ كان‌ بالكلام‌ حول‌ الحقّ؛ لكن‌ عندما يطلب‌ منه‌ تطبيق‌ الحقّ في‌ وجوده‌ وفي‌ حقّ عائلته‌ وأبنائه‌ وحيث‌ يكون‌ الحكم‌ بالحقّ في‌ غيرصالحه‌ فلايكون‌ حينها مستعدّاً لذلك‌، ويتشبّث‌ بمختلف‌ الوسائل‌ لكي‌ ينفي‌ الحقّ عن‌ نفسه‌ ويمنع‌ انطباقه‌ عليه‌.

 فدائرة‌ التناصف‌ إذَن‌ أي‌ إنصاف‌ كلّ شخص‌ الناس‌ من‌ نفسه‌ أو نفسه‌ من‌ ا لآخرين‌، ضيّقة‌ جدّاً في‌ مقام‌ الحقّ! فعندما نبحث‌ عن‌ وصف‌ الحقّ فإنَّنا نسمعه‌ من‌ ألسنة‌ الجميع‌، بينما نجد عند البحث‌ عنه‌ في‌ وجود الاشخاص‌ أ نَّه‌ قليل‌ ونادر جدّاً.

 وقوله‌ عليه‌ السلام‌: « لا يجري‌ لاحد إلاّ جري‌ عليه‌، ولايجري‌ عليه‌ إلاّ جري‌ له‌ »:( لانَّ الحقّ معني‌ يجب‌ أن‌ تُقاس‌ جميع‌ النفوس‌ علی أساسه‌. وعليه‌، فعندما يُجعل‌ أصل‌ الحقّ ميزاناً ومحوراً فإنَّه‌ يحكم‌ لصالح‌ الافراد أحياناً بينما يحكم‌ عليهم‌ أحياناً أُخري‌، سواء في‌ ذلك‌ الاُمور الشخصيّة‌ أم‌ الاُمور التي‌ لها علاقة‌ مع‌ بعضهم‌ فيها. وبشكل‌ عامّ، فحيث‌ يحكم‌ الحقّ لصالح‌ الإنسان‌ فإنَّه‌ يحكم‌ عليه‌ أيضاً، وحيث‌ يحكم‌ علی الإنسان‌ فإنَّه‌ يحكم‌ له‌ كذلك‌. فالحقّ سيف‌ ذو حدّين‌، ولا يحسب‌ حساباً لاحد، وعندما يقطع‌ لايميّز بين‌ الصديق‌ والعدوّ، ولا يلاحظ‌ زيداً أو عمراً ولاالخصوصيّات‌ والإمكانات‌، أو الرئاسة‌ والمرؤوسيّة‌، والحاكميّة‌ والمحكوميّة‌. فالحقّ حقٌّ وسيف‌ قاطع‌).

 ولو كان‌ لاحد أن‌ يجري‌ له‌ الحقّ ولا يجري‌ عليه‌ لكان‌ ذلك‌ مختصّاً بالله‌ سبحانه‌ وتع إلی دون‌ خلقه‌، لانَّ الله‌ بيده‌ القدرة‌ علی جميع‌ عباده‌، وحكمه‌ الكلّي‌ّ جارٍ في‌ جميع‌ مراتب‌ القضاء والقدر. وهو يجري‌ وفق‌ العدالة‌ والحقّ في‌ جميع‌ الظروف‌ والماهيّات‌ والشبكات‌ المترتّبة‌ والمختلفة‌ لنزول‌ الحكم‌ الكلّي‌ّ الإلهي‌ّ( وبما أنَّ الله‌ تع إلی قاهر وقادر، وبما أنَّ قضاءه‌ في‌ صروف‌ مجاري‌ الاحكام‌ علی العدل‌؛ لذا، فهذا الحقّ يختصّ بالله‌ دون‌ العباد. أي‌ أنَّ الحقّ من‌ طرف‌ واحد وليس‌ من‌ طرفين‌، فللّه‌ تع إلی علی خلقه‌ الحقّ، بينما ليس‌ للخلق‌ حقّاً علی الله‌، لانَّ قدرة‌ الله‌ نافذة‌ وقاهرة‌. وعليه‌، فحقّه‌ الاصيل‌ يقضي‌ علی كلّ حقّ متوهّم‌، فلايبقي‌ ثمّة‌ شي‌ء غير المتوهّم‌. وحيث‌ إنَّ أحكامه‌ تجري‌ في‌ مجاري‌ عالم‌ الإمكان‌ وفقاً للعدالة‌ تكويناً وتشريعاً، فالحقّ يختصّ به‌، وليس‌ ثمّة‌ ظلم‌ أو شائبة‌ ظلم‌ أو توهّم‌ ظلم‌ ليطلب‌ منه‌ الخلق‌ استحقاقاً لانفسهم‌).

 ومع‌ ذلك‌، فلم‌ يجعل‌ الله‌ تع إلی الحقّ هنا من‌ طرف‌ واحد، بل‌ جعل‌ لعباده‌ علی نفسه‌ حقّاً. فالحقّ الذي‌ له‌ علی عباده‌ هو أن‌ يطيعوه‌، وجعل‌ جزاء عباده‌ علی نفسه‌ زيادة‌ الثواب‌ تكرّماً وتفضّلاً وتوسّعاً بنحو يوجب‌ زيادة‌ الرحمة‌ والنعمة‌ منه‌ تع إلی.

 أي‌ أنَّ الله‌ حقّ ومتحقّق‌ بالحقّ أيضاً إلی درجة‌ أ نَّه‌ مع‌ كونه‌ هو الذي‌ أوجد مخلوقاته‌، فهم‌ مخلوقون‌ وعابدون‌ له‌ ومتّصفون‌ بالعبوديّة‌ المطلقة‌ بالنسبة‌ إلی ساحته‌ المقدّسة‌، ولا يَعْدُون‌ كونهم‌ تجلّياً وظهوراً له‌، ووجودهم‌ وعدمهم‌ بيده‌. ومع‌ هذا، فلم‌ يرد الله‌ تع إلی أن‌ يجعل‌ الحقّ من‌ طرف‌ واحد تفضّلاً منه‌ وتوسّعاً. فجعل‌ جزاء عباده‌ في‌ التزامهم‌ بأوامره‌ زيادة‌ الثواب‌ وسعة‌ الرحمة‌، أي‌ ألزم‌ نفسه‌ أن‌ يتفضّل‌ عليهم‌.

 وهذه‌ الجملة‌ في‌ غاية‌ الروعة‌ والشموخ‌، فلم‌ يقل‌ أميرالمؤمنين‌: إنَّ الله‌ قد جعل‌ لعباده‌ استحقاقاً علی نفسه‌ بأن‌ يمنحهم‌ الثواب‌ أو الاجر، بل‌ قال‌ تأدّباً: وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ... أي‌ أ نَّه‌ مع‌ أنَّ كلامنا في‌ حقوق‌ الطرفين‌ واستحقاق‌ كلّ منهما علی ا لآخر لكنّه‌ لم‌ يستعمل‌ لفظ‌ الاستحقاق‌ هنا تأدّباً؛ فقال‌: وَجَعَلَ جَزَاءَهُم‌ عَلَيْهِ....

 وخلاصة‌ المطلب‌ وزبدته‌: أنَّ الله‌ تع إلی مع‌ عظمته‌ وقدرته‌ وكماله‌ وجامعيّة‌ صفاته‌ وجماله‌ وجلاله‌ إذ أوجد الموجودات‌ والمخلوقات‌ والعباد وأخرجها من‌ كتم‌ العدم‌ إلی الوجود، مع‌ أ نَّها لا شي‌ء محض‌، ومع‌ ذلك‌ فقد جعل‌ لهم‌ حقّاً بنحو لو أطاعوه‌ فإنَّه‌ يمنّ عليهم‌ بجزيل‌ الثواب‌ ومضاعفة‌ الجزاء والاجر.

 ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَیبَعْضٍ؛ فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي‌ وُجُوهِهَا، وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَلاَيُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إلاَّ بِبَعْضٍ.

( أي‌ يوجد بين‌ الناس‌ أيضاً مَنْ لَهُ الحَقّ و مَنْ عَلَيْهِ الحَقّ).

 ومن‌ شدّة‌ عدله‌ وسعة‌ قسطه‌ جعل‌ جميع‌ هذه‌ الحقوق‌ متكافئة‌ ومتساوية‌، وفي‌ كلّ موضع‌ جعل‌ فيه‌ حقّاً لاحد استوجب‌ ذلك‌ حقّاً ل لآخر عليه‌ بمقداره‌. وقد أوجب‌ هذه‌ الحقوق‌ المتساوية‌ والمتكافئة‌ بشكلّ تامّ من‌ دون‌ أي‌ّ ظلم‌ علی جميع‌ مَنْ لَهُ الحَقّ ومَنْ عَلَيْهِ الحَقّ وفقاً للقسط‌ والعدل‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

ارجاعات

[1] ـ قسم‌ من‌ ا لآية‌ 60، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[2] ـ قسم‌ من‌ ا لآية‌ 257، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[3] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 129؛ وفي‌ الطبعة‌ المصريّة‌ بتعليقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 1، ص‌ 248.

[4] ـ «الإ رشاد» للمفيد، ص‌ 186، طبعة‌ ا لآخوندي‌ّ.

[5] ـ قسم‌ من‌ ا لآية‌ 45، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[6] ـ ا لآيتان‌ 6 و 7، من‌ السورة‌ 73: المزّمّل‌.

[7] ـ ا لآيات‌ 97 إلي‌ 100، من‌ السورة‌ 4: النساء.

 [8] ـ قسم‌ من‌ ا لآية‌ 73، من‌ السورة‌ 22: الحجّ.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب ولاية الفقيه فی حکومة الاسلام / المجلد الرابع/ القسم الرابع :الذاتيّة‌ أكبر آفات‌ الوالی، انتقاد كيفيّة‌ عدالة‌ عمر

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

      

الصفحة السابقة

قيام‌ مناهج‌ الدين‌ بمراعاة‌ حقوق‌ الو الی والرعيّة‌

 وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْكَ الحُقُوقِ حَقُّ الوَالی عَلَی الرَّعِيَّةِ، وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَی الوَالی. فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَهُ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ عَلَی كُلٍّ؛ فَجَعَلَهَا نِظَاماً لاُِلْفَتِهِمْ، وَعِزَّاً لِدِينِهِمْ.

 فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إلاَّ بِصَلاَحِ الوُلاَةِ، وَلاَ تَصْلُحُ الوُلاَةُ إلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ؛ فَإذَا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إلَی الوَ إلی حَقَّهُ وَأَدَّي‌ الوَ إلی إلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الحَقُّ بَيْنَهُمْ؛ وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ؛ وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ العَدْلِ؛ وَجَرَتْ عَلَی أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ؛ فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي‌ بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الاَعْدَاءِ.

 قوله‌: « عَزَّ الحَقُّ بَيْنَهُمْ » الحقّ يعني‌ ذلك‌ السيف‌ القاطع‌ والثبات‌ والواقعيّة‌ التي‌ يجب‌ أن‌ تُقاس‌ بها جميع‌ الاُمور، وبينما يصبح‌ الحقّ عزيزاً، فنقيضه‌ الذي‌ هو البطلان‌ والظلمة‌ والوهن‌ والاعتبار زائل‌. فالحقّ يمتلك‌ شرافة‌ وقوّة‌ فعليّة‌، بينما الباطل‌ يزول‌ لا نَّه‌ ذليل‌ ومنفعل‌.

 قوله‌: « وَطُمِعَ فِي‌ بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الاَعْدَاءِ » أمّا من‌ الناحيّة‌ الداخليّة‌ فلانَّ الجميع‌ يكونون‌ في‌ حالة‌ انسجام‌ وإخلاص‌ واعتدال‌ مع‌ الو إلی، ويكونون‌ حافظين‌ لحقوق‌ بعضهم‌، وأمّا من‌ ناحية‌ الخارج‌ فلانَّ الجماعة‌ بهكذا تنظيم‌ لاتسمح‌ للعدوّ الخارجي‌ّ بالقضاء عليها، ممّا يبعث‌ الامل‌ علی بقاء هذه‌ الدولة‌، وإدخال‌ اليأس‌ في‌ مطامع‌ الاعداء، إذ ليس‌لهم‌ من‌ ثغرة‌ ينفذون‌ منها.

 وَإذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَاِلِيَهَا، وَأَجْحَفَ الوَ إلی بِرَعِيَّتِهِ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الكَلِمَةُ؛ وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الجَوْرِ، وَكَثُرَ الإدْغَالُ فِي‌ الدِّينِ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ.

 فَعُمِلَ بِالهَوَي‌، وَعُطِّلَتِ الاَحْكَامُ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ؛ فَلاَيُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِلٍ فُعِلَ.

 قوله‌: « فَعُمِلَ بِالهَوَي‌ » الهوي‌: أي‌ الافكار الشيطانيّة‌ والخيالات‌ والتوهّمات‌ التي‌ هي‌ ضدّ الحقّ. وكلّ ما ذُكر من‌ معني‌ للحقّ فيقابله‌ الهوي‌. وقوله‌: « وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ » العلل‌: جمع‌ علّة‌، والمراد بها العيب‌ والنقصان‌؛ فيصبح‌ أبناء هذا المجتمع‌ أشخاصاً ذوي‌ علل‌ نفسيّة‌ وروحيّة‌ ويتحوّل‌ المجتمع‌ إلی مجتمع‌ مريض‌.

 فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الاَبْرَارُ، وَتَعِزُّ الاَشْرَارُ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللَهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ العِبَادِ. فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي‌ ذَلِكَ، وَحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ.

 ففي‌ تلك‌ الحكومة‌ مع‌ هذه‌ الظروف‌ يصبح‌ أهل‌ البرّ والصلاح‌ أذلاّء، ويفقدون‌ قوّة‌ الفعل‌ ويصيرون‌ في‌ موقف‌ الانفعال‌ وردّة‌ الفعل‌، لانَّ قوي‌ الاشرار تتغلّب‌ عليهم‌، وترسخ‌ الافكار والاهواء الشيطانيّة‌، فتصيب‌ الابرار الذلّة‌ ويعزّ الاشرار! وتصبح‌ الساحة‌ ساحة‌ شيطانيّة‌ وساحة‌ شرّ، فتزداد ذنوب‌ الناس‌ كما تزداد عقوبة‌ الله‌ ومؤاخذته‌ لهم‌. وكلّما ازداد الفساد ازدادت‌ المؤاخذة‌ والمسؤوليّة‌.

 وعليه‌، فعليكم‌ أيّها الناس‌ بِالتَّنَاصُحِ فِي‌ ذَلِكَ. بأن‌ تقدّموا النصيحة‌ والموعظة‌ والإنذار لبعضكم‌ لكي‌ لا تسمحوا بتحوّل‌ المجتمع‌ إلی هذا الشكل‌، ولتجعلوا المجتمع‌ يتقدّم‌ علی أساس‌ الحضارة‌ الإلهيّة‌ وحسن‌ التعاون‌، ولاتسمحوا للاشرار بالتسلّط‌ علی أريكة‌ الهوي‌ والشيطنة‌ والعزّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

علی عباد الله‌ أن‌ يتعاونوا بمقدار جهدهم‌ لإقامة‌ الحقّ فيما بينهم‌

 فَلَيْسَ أَحَدٌ وَإنِ اشْتَدَّ عَلَیرِضَي‌ اللَهِ حِرْصُهُ وَطَالَ فِي‌ العَمَلِ اجْتِهَادُهُ، بِبَالِغٍ حَقِيقَةَ مَا اللَهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ. وَلَكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللَهِ عَلَیعِبَادِهِ النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ وَالتَّعَاوُنُ عَلَیإقَامَةِ الحَقِّ بَيْنَهُمْ.

 يبيّن‌ عليه‌ السلام‌ في‌ هذه‌ الجملة‌ القصيرة‌ الحقوق‌ الثلاثة‌ المهمّة‌ للدولة‌ علی الشعب‌: الاوّل‌: الطاعة‌. والثاني‌: النصيحة‌. والثالث‌: التعاون‌. وسنتكلّم‌ إن‌ شاء الله‌ فيما بعد عن‌ الحقّ الاخير.

 وَلَيْسَ امْرُؤٌ وَإنْ عَظُمَتْ فِي‌ الحَقِّ مَنْزِلَتُهُ وَتَقَدَّمَتْ فِي‌ الدِّينِ فَضِيلَتُهُ، بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ عَلَیما حَمَّلَهُ اللَهُ مِنْ حَقِّهِ. وَلاَ امْرُؤٌ وَإنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ وَاقْتَحَمَتْهُ العُيُونُ، بِدُونِ أَنْ يُعِينَ عَلَیذَلِكَ أَوْ يُعَانَ عَلَيْهِ.[1]

 يقول‌ عليه‌ السلام‌: إنَّي‌ وإن‌ كنت‌ أمير المؤمنين‌ و عَظُمَتْ في‌ الحَقِّ مَنْزِلَتي‌ وَتَقَدَّمَتْ في‌ الدِّينِ فَضيلَتي‌... لكنّي‌ مع‌ هذا محتاج‌ إليكم‌، وعليكم‌ أن‌ تقدّموا لي‌ المعونة‌ فرداً فرداً. فجميعكم‌ وحتّي‌ أقلّ الاشخاص‌ فيكم‌ بل‌ وغلمانكم‌ وحديثو الإسلام‌ فيكم‌ والذين‌ لا شأن‌ لهم‌ ولااعتبار في‌ نظر الناس‌ ونفوسهم‌، كلّ هؤلاء يمتلكون‌ شخصيّة‌ إسلاميّة‌ وعليهم‌ أن‌ يقدّموا المساعدة‌، كما علی الناس‌ أن‌ تساعدهم‌ أيضاً. فالجميع‌ في‌ ولاية‌ الإسلام‌ كجسد واحد ويرتبطون‌ ببعضهم‌ ويشكّلون‌ أجزاءً لازمة‌ وضروريّة‌ لإقامة‌ الصلاح‌.

 وعندما يقول‌ هنا عليه‌ السلام‌: بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ عَلَیمَا حَمَّلَهُ اللَهُ مِنْ حَقِّهِ، فإنَّه‌ يبيّن‌ حقوق‌ الو إلی علی الرعيّة‌ وحقوق‌ الرعيّة‌ علی الو إلی بنحو الإجمال‌. وحقوق‌ الو إلی علی الرعيّة‌ ثلاثة‌ أُمور:

 الاوّل‌: حفظ‌ أرواحهم‌ وأموالهم‌ وأعراضهم‌. والثاني‌: الحرّيّة‌ في‌ الطريقة‌ والسلوك‌ وا لآداب‌. والثالث‌: القيام‌ بما يحتاجون‌ إليه‌ من‌ السلامة‌ والصحّة‌ والطبّ والغذاء ورفع‌ الفقر والمسكنة‌ والعسر، وكذلك‌ ما يحتاجون‌ إليه‌ من‌ الاُمور المعنويّة‌، مثل‌: سلامة‌ الروح‌ والنفس‌، والإيمان‌، وحفظ‌ العقائد، وتأمين‌ المتطلّبات‌ الروحيّة‌ والمعنويّة‌ والتسهيلات‌ في‌ المعابد والمساجد، وتيسير الوصول‌ إلی الثقافة‌ الإسلاميّة‌ الاصيلة‌ بشكل‌ عامّ( حيث‌ إن‌ جميع‌ هذه‌ الاُمور تنضوي‌ تحت‌ الحاجات‌ المادّيّة‌ والمعنويّة‌، وسوف‌ يأتي‌ البحث‌ عنها إن‌ شاءالله‌). فعلی الو إلی أن‌ يُراعي‌ هذه‌ الاُمور بالنسبة‌ إلی الرعيّة‌.

 يقول‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌: إنَّي‌ بحاجة‌ إلی أن‌ تنصحوني‌ وتعينوني‌!

 فَأَجَابَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِكَلاَمٍ طَوِيلٍ يُكْثِرُ فِيهِ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَيَذْكُرُ سَمْعَهُ وَطَاعَتَهُ لَهُ.

 فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ عَظُمَ جَلاَلُ اللَهِ سُبْحَانَهُ فِي‌ نَفْسِهِ، وَجَلَّ مَوْضِعُهُ مِنْ قَلْبِهِ، أَنْ يَصْغُرَ عِنْدَهُ لِعِظَمِ ذَلِكَ كُلُّ مَا سِوَاهُ.

 وَإنَّ أَحَقَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَنْ عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللَهِ عَلَيْهِ، وَلَطُفَ إحْسَانُهُ إلَيْهِ؛ فَإنَّهُ لَمْ تَعْظُمْ نِعْمَةُ اللَهِ عَلَیأَحَدٍ إلاَّ ازْدَادَ حَقُّ اللَهِ عَلَيْهِ عِظَماً.

 أي‌ أنَّ أحقّ الناس‌ بأن‌ يعظّم‌ جلال‌ الله‌ سبحانه‌ في‌ نفسه‌ وأن‌ يري‌ ما سواه‌ حقيراً وصغيراً هو مَن‌ عظمت‌ نعمة‌ الله‌ عليه‌؛ فمن‌ تزداد نعمة‌الله‌ ولطفه‌ وإحسانه‌ له‌ يكون‌ أحقّ الناس‌ في‌ تحقيق‌ هذا المعني‌، لا نَّه‌ لاتعظم‌ نعمة‌الله‌ علی أحد إلاّ ازداد حقّ الله‌ عليه‌ وعظم‌. فحقّ الله‌ يكون‌ أكثر علی مَن‌ كانت‌ نعمة‌ الله‌ عليه‌ أكبر. فعندما ينعم‌ الله‌ علی شخص‌ بالمعرفة‌ ويغرس‌ عظمته‌ وجلاله‌ في‌ قلبه‌، فإنَّ هذا موجب‌ لان‌ يري‌ الإنسانُاللهَ عظيماً وما سواه‌ صغيراً، ولا يري‌ وجوداً لاي‌ّ موجود في‌ مقابل‌ وجوده‌، ولاشأناً وقيمةً لاي‌ٍّ من‌ الاُمور مقابل‌ الله‌ عزّ وجلّ.

 الرجوع الي الفهرس

إنَّ أسوأ حالات‌ الولاة‌ حبّ الفخر والتمجيد عند الناس‌

 وَإنَّ مِنْ أَسْخَفِ حَالاَتِ الوُلاَةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الفَخْرِ، وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَیالكِبْرِ. وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي‌ ظَنِّكُمْ أَ نِّي‌ أُحِبُّ الإطْرَاءَ وَاسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ؛ وَلَسْتُ بِحَمْدِ اللَهِ كَذَلِكَ. وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ العَظَمَةِ وَالكِبْرِيَاءِ.

 « وَإنَّ مِنْ أَسْخَفِ حَالاَتِ الوُلاَةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ »: فهذا قبيح‌ جدّاً، لكن‌ ليس‌عند عامّة‌ الناس‌، فكثيراً ما يعدّ عامّة‌ الناس‌ حبّ الفخر والكبر عند الولاة‌ أمراً ممدوحاً، وهو قبيح‌ عند صالح‌ الناس‌؛ فالرجال‌ الصالحون‌ يرون‌ حبّ الفخر عند الولاة‌ أمراً سخيفاً، ويعتبرون‌ من‌ أسخف‌ حالات‌ الولاة‌ أن‌ يكون‌ عندهم‌ التفاخر وأن‌ يبنوا ولايتهم‌ علی أساس‌ الانانيّة‌ والكبر. لكن‌ صار الامر بهذا النحو، فقد أُعطيت‌ لهم‌ الولاية‌، وهم‌ يرون‌ أنفسهم‌ مسلّطين‌ علی النفوس‌ تكويناً ويتّبعون‌ التفرعن‌ في‌ أوامرهم‌ ونواهيهم‌.

 « وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي‌ ظَنِّكُمْ أَ نِّي‌ أُحِبُّ الإطْرَاءَ وَاسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ » لم‌ يقل‌ عليه‌ السلام‌: إنَّي‌ لا أُحب‌ أن‌ يمدحني‌ أحد، وإنّما قال‌: إنِّي‌ لاأُريد أن‌ يجول‌ في‌ ظنّكم‌ أنَّ عليّاً ممّن‌ يحبّ أن‌ يُمدح‌، فإنِّي‌ أكره‌ وأستاء من‌ حصول‌ ظنّ كهذا لديكم‌ من‌ أ نَّني‌ أُحبّ الإطراء والمدح‌ والتمجيد واستماع‌ الثناء؛ فإنِّي‌ لا أُحبّ سماء ثنائكم‌ وَلَسْتُ بِحَمْدِ اللَهِ كَذَلِكَ.

 يقول‌ عليه‌ السلام‌: أحمد الله‌ إنِّي‌ لست‌ كذلك‌، أي‌ أنَّ الله‌ تع إلی قد أراد ذلك‌ وقد تجلّي‌ الجمال‌ الإلهي‌ّ وظهر وبرز فِي‌َّ بنحو زالت‌ منّي‌ هذه‌ الصفة‌، ولو لم‌يرد الله‌ ذلك‌ لما زالت‌. فلم‌ يقل‌ عليه‌ السلام‌: لَسْتُ كَذَلِكَ، وإنَّما قال‌: لَسْتُ بِحَمْدِاللَهِ كَذَلِك‌، يعني‌ أنَّ ذلك‌ هو من‌ الله‌ أيضاً.

 وعلی فرض‌ أ نَّي‌ كنتُ أُحبّ المدح‌ والثناء، فإنَّي‌ أترك‌ ذلك‌، لا نَّي‌ أري‌ بأ نِّي‌ ـحين‌ مدحهم‌ إيّاي‌ـ أكون‌ قد أنزلتُ الله‌ عن‌ مقامه‌ ودرجته‌ وعمّا هو أحقّ به‌ من‌ العظمة‌ والكبرياء، وذلك‌ لا نَّه‌ لاوجود لشي‌ء غير وجود الله‌، ولاعظمة‌ لشي‌ء غير العظمة‌ الإلهيّة‌؛ فعلی الو إلی في‌ الولاية‌ الإمكانيّة‌، فانٍ في‌ الذات‌ الإلهيّة‌، فإذا جعلوني‌ في‌ مقابل‌ الله‌ وقاموا بمدحي‌، أكون‌ قد أنزلتُ من‌ عظمته‌، وأ نّي‌ لا أُحبّ أن‌ أُنزل‌ من‌ عظمة‌الله‌ أو أحطّ ممّا يليق‌ به‌ ويحقّ له‌ من‌ الكبرياء والعظمة‌.

 العظمة‌ والكبرياء له‌ وحده‌، وخلعة‌ لقامته‌، فهل‌ يليق‌ أن‌ أُنزله‌ عن‌ تلك‌ العظمة‌ والكبرياء وأنسب‌ شيئاً إلی نفسي‌ مجازاً وكذباً؟!

 وَرُبَّمَا اسْتَحْلَي‌ النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ البَلاَءِ؛ فَلاَ تُثْنُوا عَلَیبِجَمِيلِ ثَنَاءٍ لإخْرَاجِي‌ نَفْسِي‌ إلَی اللَهِ سُبْحَانَهُ وَإلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ فِي‌ حُقُوقٍ لَمْأَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا وَفَرَائِضَ لاَبُدَّ مِنْ إمْضَائِهَا.

 فقد يحلو للناس‌ الثناء الذي‌ يقع‌ بعد التعب‌ وبذل‌ الجهد والعرق‌ والجهاد في‌ سبيل‌ الله‌، فإذا مدحهم‌ ا لآخرون‌ في‌ هذه‌ الحال‌ ربّما كان‌ هذا الثناء حلواً بالنسبة‌ للكثير منهم‌.

 لكن‌؛ أيّها الناس‌! لا تثنوا عَلَی، ولا تمدحوني‌، ولاتذكروني‌ بالحسن‌ والجميل‌، لانَّ جميع‌ هذه‌ الاعمال‌ التي‌ أقوم‌ بها إنَّما هي‌ من‌ أجل‌ التزامي‌ بعهدي‌ مع‌ الله‌ ومعكم‌ ولاخرج‌ عن‌ العهود والفرايض‌ التي‌ جعلهاالله‌ في‌ عهدتي‌، وممّا لم‌ أكن‌ قد خرجت‌ منه‌ لحدّ ا لآن‌. فجميع‌ هذه‌ المشقّات‌ التي‌ ترون‌ أ نِّي‌ أتحمّلها، إنَّما هي‌ لتنفيذ أمر الله‌ بالنسبة‌ لي‌ ولكم‌. فإنِّي‌ مسؤول‌ عنكم‌ أيّها الناس‌، وملتزم‌ اتّجاهكم‌، وعلی حقوق‌ تجاه‌ الله‌ عزّ وجلّ يجب‌ تنفيذها، وما هذه‌ الاتعاب‌ والمشقّات‌ إلاّ للخروج‌ من‌ خوف‌ عقاب‌ هذه‌ الحقوق‌ التي‌ لم‌ أخرج‌ من‌ عهدتها لحدّ ا لآن‌، ومن‌ هذه‌ الفرائض‌ التي‌ يجب‌ أن‌ آتي‌ بها بالضرورة‌.

 فلماذا تثنون‌ عَلَی؟ فليس‌ عندي‌ من‌ شي‌ء يُثني‌ عليه‌! فليس‌ لي‌ من‌ حقّ تجاهكم‌، ولامنّة‌ لي‌ عليكم‌، وهدفي‌ في‌ كلّ عمل‌ أعمله‌ أن‌ لاأتجاوز عن‌ ميزان‌ الحقّ بيني‌ وبين‌ الله‌، ولكي‌ أكون‌ في‌ مقام‌ العبوديّة‌ عبداً صرفاً للّه‌؛ فلست‌ أملك‌ شيئاً زائداً علی ما في‌ عُهدتي‌ ومسؤوليّتي‌ من‌ تكاليف‌ لاُنسبه‌ إلی نفسي‌، فإنِّي‌ عبد صِرف‌ وعبد رقّ للّه‌ عزّ وجلّ، وجزائي‌ عليه‌ لاعليكم‌. فليس‌ لمدحكم‌ وتمجيدكم‌ وثنائكم‌ من‌ أثر علی.

 لقد قام‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ هنا بمعجزة‌ حقيقيّة‌! تأمّلوا بدقّة‌ في‌ هذه‌ الجملة‌ القصيرة‌، كيف‌ بيَّن‌ عليه‌ السلام‌ حقيقة‌ مقام‌ العبوديّة‌؛ حقّاً إنَّ علی الانبياء أن‌ يأتوا ليجلسوا في‌ هذه‌ المدرسة‌ ويروا كلمات‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وكيفيّة‌ بيانه‌ للمعارف‌ الإلهيّة‌ بهاتين‌الكلمتين‌!

 فَلاَ تُكَلِّمُونِي‌ بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الجَبَابِرَةُ؛ وَلاَ تَتَحَفَّظُوا مِنِّي‌ بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ البَادِرَةِ؛ وَلاَ تُخَالِطُونِي‌ بِالمُصَانَعَةِ.

 أي‌ كونوا مستقيمين‌ ومباشرين‌، ولا تتعرّضوا لاي‌ّ انفعال‌، ولاتتنازلوا عن‌ ذواتكم‌ لاجل‌ ولايتي‌ أبداً، ولا تخضعوا للانفعالات‌، ولاتوافقوا علی كلّ ما أقوله‌ من‌ دون‌ أن‌ تروه‌ أو تفهموه‌، فإنِّي‌ لاأرضي‌ بمثل‌ هذه‌ الاُمور، فلاتُصانعوني‌، ولاتداروني‌، ولاتخلطوا الاُمور بالمجاملات‌ وتدعوها تمرّ بهذا النحو!

 الرجوع الي الفهرس

لا تكفّوا عن‌ مقالة‌ بحقّ أو مشورة‌ بعدل‌

 وَلاَ تَظُنُّوا بِي‌َ اسْتِثْقَالاً فِي‌ حَقٍّ قِيلَ لِي‌، وَلاَ التِمَاسَ إعْظَامٍ لِنَفْسِي‌؛ فَإنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ، أَوِ العَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ العَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ.

 فَلاَ تَكُفُّوا عَن‌ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشْوَرَةٍ بِعَدْلٍ؛ فَإنِّي‌ لَسْتُ فِي‌ نَفْسِي‌ بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِي‌َ وَلاَ آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعلی، إلاَّ أَنْ يَكْفِي‌َ اللَهُ مِنْ نَفْسِي‌ مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي‌.

 فَإنَّمَا أَنَا وَأَنتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ، يَمْلِكُ مِنَّا مَا لاَنَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إلَی مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ؛ فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالهُدَي‌، وَأَعْطَانَا البَصِيرَةَ بَعْدَ العَمَي‌.[2]

 فمهما كنّا فنحن‌ عباد مملوكون‌ للّه‌، وكلّ ما يحصل‌ لنا فهو بيد الله‌، فكيف‌ نعجب‌ بأنفسنا إذَاً؟! وكيف‌ يكون‌ لنا في‌ ذواتنا شعور بعدم‌ الحاجة‌ إلی الرعيّة‌ في‌ الاُمور الاجتماعيّة‌؟!

 لقد كان‌ هذا إجمال‌ الخطبة‌ التي‌ ذكرها أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

مصرف کردن بدون تولید
آیه شریفه : وَ لَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ ... (سوره مبارکه سجده ، آیه 21)ترجمه : و ما به جز عذاب بزرگتر (در قیامت) از عذاب این دنیا نیز به آنان می چشانیم ...روایت : قال أبي جعفر ( ع ): ... و لله عز و جل عباد ملاعين مناكير ، لا يعيشون و لا يعيش الناس في أكنافهم و هم في عباده بمنزله الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .  (اصول کافی ، ج 8 ، ص 248 )ترجمه : امام باقر(ع) مي‌فرمايد: ... و خداوند بدگانی نفرین شده و ناهنجار دارد که مردم از تلاش آنان بهره مند نمی شوند و ایشان در میان مردم مانند ملخ هستند که به هر جیز برسند آن را می خورند و نابود می کنند.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید