الدرس‌ السابع‌ والثلاثون‌

الدرس‌ السابع‌ والثلاثون‌:

 عدم‌ جواز الجهاد في‌ ركاب‌ الإمام‌ الجائر

 

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ ا لآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی العَظِيمِ

  ورد في‌ خبر عبد الله‌ بن‌ المغيرة‌ قوله‌: إنَّ محمّدبن‌ عبدالله‌ سأل‌ الإمام‌ الرضا عن‌ هذا الخبر، وسمعته‌ يقول‌: إنَّ أبي‌ حدّثني‌ عن ‌أهل ‌بيته‌، عن‌ آبائه ‌عليهم ‌السلام‌(مراده‌ من‌ آبائه‌ عليهم‌ السلام‌ إمَّا الصادق‌ أو الباقر عليهما السلام‌ حسب‌ الظاهر) أنَّ البعض‌ قد قال‌ عنده‌ إنَّ في‌ منطقتنا معسكر ورباط‌ يُسمّي‌ قزوين‌، و إنَّ هناك‌ عدوَّاً اسمه‌ الديلم‌، فهل‌ يجوز لنا جهاده‌ أو المحافظة‌ علی الثغور والنقاط‌ العسكريّة‌؟!

 فأجاب‌ الإمام‌ قائلاً: عليكم‌ بهذا البيت‌ فحجّوه‌. فأعاد الحديث‌ ثانية‌، فقال‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ ثانية‌: عليكم‌ بهذا البيت‌ فحجّوه‌. ألاّ يعجبكم‌ أن‌ يكون‌ الواحد منكم‌ في‌ بيته‌ ينفق‌ ممّا أنعم‌ الله‌ عليه‌ من‌ السعة‌ والاموال‌ علی عياله‌ وينتظر أمرنا( أي‌ ينتظر ثورتنا وحكومتنا وإمارتنا ورئاستنا وإمامتنا) فإذا أدرك‌ أمرنا وقيامنا كان‌ كمن‌ شارك‌ مع‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ معركة‌ بدر، وإن‌ مات‌ وهو منتظر لامرنا فهو كمن‌ يكون‌ مع‌ القائم‌ في‌ فسطاطه‌. وجمع‌ الإمام‌ بين‌ سبّابتيه‌ وقال‌ هكذا. ثمّ جمع‌ الإمام‌ بين‌ السبّابة‌ والوسطي‌ وقال‌: لا أقول‌ هكذا، لانَّ السبّابة‌ والوسطي‌ أحدهما أطول‌ من‌ الاُخري‌.

( الوسطي‌ أطول‌ من‌ السبّابة‌: أي‌ إذا قلنا إنَّ ذلك‌ الشخص‌ مع‌ القائم‌ في‌ فسطاطه‌ بهذا النحو فهذا يلزم‌ منه‌ أن‌ نقول‌: إنَّ القائم‌ مقامه‌ أكبر من‌ مقام‌ هذا الشخص‌ المنتظر لامرنا. أي‌ أ نِّي‌ أُريد أن‌ أقول‌: إنَّ هذا الشخص‌ مَعَ قَائِمِنَا كَالسَّبَّابَتَيْنِ لاَ يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا عَلَیا لآخَر.)

 ينقل‌ هذه‌ الرواية‌ محمّد بن‌ عبد الله‌ عن‌ آبائه‌ للإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌. فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلَيهِ السَّلاَمُ: صَدَقَ؛ فصدَّق‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ الرواية‌، وحكم‌ بصحّة‌ كلام‌ الراوي‌.

 الرجوع الي الفهرس

جواب‌ واستدلال‌ الإمام‌ الواضح‌ علی كلامه‌ من‌ ذيل‌ ا لآية‌ المذكورة‌

 الثالث‌: ورد في‌ موثّقة‌ سُماعة‌ عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ أ نَّه‌:

 قَالَ: لَقِي‌َ عُبَّادٌ البَصْرِي‌ٌّ علی بْنَ الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي‌ طَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ: يَا علی بْنَ الحُسَيْنِ! تَرَكْتَ الجِهَادَ وَصُعُوبَتَهُ وَأَقْبَلْتَ عَلَیالحَجِّ وَلِينَتِهِ! إنَّ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: إِنَّ اللَهَ اشْتَرَي‌' مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَ' لَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَـ'تِلُونَ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي‌ التَّوْرَنـ'ةِ وَالإنجِيلِ وَالْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَي‌' بِعَهْدِهِ مِنَ اللَهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي‌ بَايَعْتُم‌ بِهِ وَذَ ' لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. [1]

 فَقَالَ لَهُ علی بْنُ الحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَيْهِمَا: أَتِمَّ ا لآيَةَ!

 فَقَالَ: التَّ'´ءِبُونَ الْعَـ'بِدُونَ الْحَـامِدُونَ السَّـا´ءِحُونَ الرَّ'كِعُونَ السَّـ'جِدُونَ الاْمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَـ'فِظُونَ لِحُدُودِ اللَهِ وَبَشّـِرِ الْمُؤْمِنِينَ. [2]

 السائحون‌: الذين‌ يتقرّبون‌ إلی الله‌ في‌ سياحتهم‌ من‌ خلال‌ ملاحظتهم‌ ل لآثار ولجلال‌ الله‌ في‌ الصحاري‌ والجبال‌ ومشاهد هذا العالم‌. والحافظون‌ لحدودالله‌: الذين‌ يحرسون‌ القرارات‌ والاحكام‌ والقوانين‌ الإلهيّة‌.

 فَقَالَ لَهُ علی بْنُ الحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَيْهِمَا: إذَا رَأَيْنَا هَؤُلاَءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُم‌ فَالجِهَادُ مَعَهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الحَجِّ.

 ينبغي‌ الالتفات‌ إلی مقصود ومُراد الإمام‌ عليه‌ السلام‌، فهو يريد أن‌ يقول‌: إنَّ هذا الجهاد الذي‌ يقوم‌ به‌ أُولئك‌ الذين‌ يذهبون‌ إلی هذه‌ الجهة‌ أو تلك‌ ويجاهدون‌ باسم‌ الله‌ تحت‌ لواء مروان‌ وعبدالملك‌بن‌ مروان‌ وغيرهما، ليس‌ بجهاد في‌ سبيل‌ الله‌ بل‌ هو قتل‌ للناس‌ وأخذ لاموالهم‌، وهيمنة‌ علی الاموال‌ والنفوس‌ فهم‌ ليسوا بحافظين‌ لحدود الله‌، ولايجاهدون‌ وفقاً لآيات‌ الله‌؛ فلا إمامة‌ إمامهم‌ صحيحة‌، ولايقسمون‌ الغنيمة‌ التي‌ يأخذونها بشكل‌ صحيح‌. بل‌ إنَّهم‌ يهبون‌ الغنائم‌ بكاملها للاشخاص‌ المنتمين‌ إليهم‌، ويمارسون‌ الظلم‌، ويقتلون‌ النساء، ويحرقون‌ الناس‌ بالنار، فهذه‌ التحشّدات‌ والفتوحات‌ مخالفة‌ لقانون‌ القرآن‌ والإسلام‌، وليس‌ عملهم‌ أكثر من‌ طلب‌ الاراضي‌ وتوسيع‌ رقعة‌ الممالك‌، وأنت‌ تطلب‌ منّي‌ الجهاد تحت‌ لوائهم‌!

 فجهادي‌ معهم‌ يعني‌ وضع‌ علمي‌ ودرايتي‌ تحت‌ تصرّفهم‌، وتنازلي‌ لآرائهم‌، وهذا يعني‌ إعانتي‌ لهم‌، والوقوف‌ مع‌ من‌ يمارس‌ القتل‌ باسم‌ الجهاد لاجل‌ التوسّع‌ في‌ الحكم‌ والسلطة‌ والظلم‌ وزيادة‌ رقعة‌ مملكته‌؛ والحال‌ هذه‌ مثل‌ القتال‌ الذي‌ يقوم‌ به‌ ناهبو العالم‌ والملوك‌ السفّاحون‌ باسم‌ الجهاد وباسم‌ الإسلام‌. فقد انخدعت‌ أنت‌ بهذا الاسم‌، وتلومني‌ أيضاً لا نِّي‌ أحجّ وأترك‌ الجهاد. الجهاد في‌ سبيل‌ الله‌ أُمنيتي‌، فتعال‌ وأرشدني‌ إلی من‌ يحمل‌ صفات‌ القائد التي‌ ذكرها القرآن‌ الكريم‌ لاُقاتل‌ تحت‌ لوائه‌. وكما تري‌ فهم‌ ليسوا بما ينبغي‌، وليس‌ فيهم‌ من‌ هذه‌ الصفات‌ شي‌ء، فلو ذهبتُ وجاهدت‌ معهم‌، فأكون‌ قد أعنتهم‌ علی الظلم‌ بمقدار ما أُقاتل‌ في‌ ركابهم‌ وتحت‌ لوائهم‌ سواء قُتلت‌ أم‌ قَتلت‌، وساعدتهم‌ في‌ إمارتهم‌ وحكومتهم‌، وفي‌ استبدادهم‌ وجبروتهم‌، وأكون‌ قد ساعدت‌ علی تقويض‌ القانون‌ والدين‌ وسنّة‌ الله‌، ولم‌ يأمرني‌ الله‌ تع إلی بأن‌ أُجاهد بهذا النحو تحت‌ لواء هؤلاء؛ وإنَّك‌ لتقرأ صدر ا لآية‌ فقط‌ فلاحظ‌ ذيلها أيضاً.

 قال‌ أحدهم‌: إنَّ هذا الخطيب‌ الذي‌ كان‌ علی المنبر لايؤمن‌ بالله‌ أصلاً. وعندما سئل‌ لماذا؟ قال‌: لا نَّه‌ يقول‌: لاَإلَهَ، مع‌ أنَّ الخطيب‌ قد قال‌ علی المنبر: لاَإلَهَ إلاَّ اللَهُ؛ وعندما كان‌ ذلك‌ الشخص‌ في‌ المسجد سمع‌ كلمة‌ لاَإلَهَ ولم‌يسمع‌ كلمة‌ إلاَّاللَهُ، لانَّ الخطيب‌ قد قالها أثناء خروجه‌ من‌ المسجد؛ فقال‌: إنَّ الخطيب‌ يقول‌: لاَ إلَهَ. وهذا أمر خال‌ من‌ الصواب‌، فكلام‌ الله‌ له‌ صدر وذيل‌. والله‌ لا يأمر الإنسان‌ بالسير تحت‌ لواء الباطل‌ والجور والظلم‌، ولايأمره‌ بالتحرّك‌ خلافاً لإدراكه‌ وعقله‌ وفكره‌.

 يقول‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌: أنا علی بن‌ الحسين‌، وبغضّ النظر عن‌ جميع‌ جهات‌ الإمارة‌ والرئاسة‌ والإمامة‌، فإذا وجد حاكم‌ عادل‌ متّصف‌ بهذه‌ الصفات‌ المذكورة‌ في‌ القرآن‌ فإنِّي‌ أُعينه‌ وأُقاتل‌ معه‌.

 الرابع‌: وَفي‌ خَبَرِ أبي‌ بَصيرٍ عَنْ أبي‌ عَبْدِ اللَهِ ] عَلَيْهِ السَّلامُ [ عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ، المَرْوي‌ِّ عَنِ «العِلَلِ» وَ«الخِصال‌» قالَ: قَالَ أَمِيرُالمُؤمِنينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: لاَيَخْرُجُ المُسْلِمُ فِي‌ الجِهَادِ مَعَ مَنْ لاَيُؤْمَنُ فِي‌ الحُكْمِ وَلاَيُنْفِدُ فِي‌ الفَي‌ءِ أَمْرَ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَإنَّهُ إنْ مَاتَ فِي‌ ذَلِكَ المَكَانِ كَانَ مُعِيناً لِعَدُوِّنَا فِي‌ حَبْسِ حَقِّنَا وَالإشَاطَةِ بِدِمَائِنَا، [3] وَمِيتَتُهُ مِيْتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ.

 أي‌ أنَّ قلب‌ الإنسان‌ لا يطمئنّ للاحكام‌ التي‌ يصدرها، بل‌ يظلّ في‌ حالة‌ اضطراب‌، لا نَّه‌ لا يعرف‌ الحكم‌ الذي‌ يصدره‌ أهو حقّ أم‌ باطل‌. فهل‌ يكون‌ أمره‌ بالقتل‌ هنا أو بالضرب‌ هناك‌ أو بالاسر أو بقطع‌ الرقاب‌. أو أخذ الاموال‌ واجب‌ التنفيذ أو لا؟ فهذا الإنسان‌ غير مأمون‌، والقلب‌ لايشعر بالامن‌ والاطمئنان‌ من‌ حكمه‌، لما عُرف‌ عنه‌ من‌ مخالفة‌ الشرع‌ في‌ أحكامه‌. فالجهاد معه‌ إذَن‌ ليس‌ جائزاً.

 لا يخرج‌ المسلم‌ في‌ الجهاد مع‌ مَن‌ لا يكون‌ مأموناً في‌ حكمه‌، ولاينفّذ أمر الله‌ في‌ الغنائم‌، إذ يجب‌ تقسيم‌ الغنائم‌ بما أمر الله‌، لاحسب‌ مزاج‌ الشخص‌؛ والمسلم‌ لا يستطيع‌ أن‌ يُشارك‌ في‌ جهادٍ كهذا. ولو شارك‌ المسلم‌ في‌ جهاد مع‌ من‌ يحكّم‌ مزاجه‌، يكون‌ قد أعان‌ عدوّنا في‌ حبس‌ حقّنا وسفك‌ دمائنا. وعليه‌، فقتله‌ وهو بتلك‌ الحال‌ ميتة‌ جاهليّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

خبر «تحف‌ العقول‌» حول‌ حرمة‌ سفك‌ دم‌ الكفّار في‌ دار التقيّة‌

 الخامس‌: وَخَبَرِ الحَسَنِ بْنِ علی بْنِ شُعْبَةِ، المَرْوي‌ِّ عَنْ «تُحَفِ العُقُولِ» عَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ في‌ كِتابِهِ إلَی المَأْمونِ: وَالجِهَادُ وَاجِبٌ مَعَ إمَامِ عَادِلٍ؛ وَمَنْ قَاتَلَ فَقُتِلَ دُونَ مَالِهِ وَرَحْلِهِ وَنَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَلاَيَحِلُّ قَتْلُ أَحَدٍ مِنَ الكُفَّارِ فِي‌ دَارِ التَّقِيَّةِ إلاَّ قَاتِلٌ أَوْ بَاغٍ؛ وَذَلِكَ إذَا لَمْتَحْذَرْ عَلَینَفْسِكَ. وَلاَأَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ مِنَ المُخَالِفينَ وَغَيْرِهِمْ. وَالتَّقِيَّةُ فِي‌ دَارِ التَّقِيَّةِ وَاجِبَةٌ؛ وَلاَحَنْثَ عَلَیمَنْ هَلَكَ تَقِيَّةً يَدْفَعُ بِهَا ظُلْمَاً عَنْ نَفْسِهِ.

 دار التقيّة‌: هي‌ الدار التي‌ تكون‌ السلطة‌ والامر والنهي‌ فيها بيد الحاكم‌ الجائر. فعلی الإنسان‌ في‌ هذه‌ الصورة‌ أن‌ يحفظ‌ دمه‌. فالتقيّة‌ تعني‌ الحفظ‌:(وَقَي‌ يَقي‌ وِقايَةً ووَقْيَاً وواقيَةً ووَقَّي‌) فُلاَنَاً: صانَهُ وَسَتَرَهُ عَنِ الاَذَي‌.(تَقَي‌ يَتْقي‌ تُقيً وتِقاءً وتَقيَّةً) بِمَعْنِي‌ اتَّقَي‌.(اتَّقَي‌ اتِّقاءً وَتَوَقَّي‌ تَوَقِّيَاً) فُلاَنَاً: حَذَرَهُ وَخافَهُ؛ تَجَنَّبَهُ.

 فدار التقيّة‌: هي‌ الموضع‌ الذي‌ يجب‌ علی الإنسان‌ فيه‌ أن‌ يأخذ حذره‌، ويحفظ‌ نفسه‌ من‌ شرّ العدوّ؛ ولا تقيّة‌ عندما يكون‌ الإمام‌ العادل‌ هو الماسك‌ للسلطة‌، وكلّ دم‌ يسفك‌ بأمره‌ فهو دم‌ مسفوك‌ في‌ محلّه‌، وليس‌ من‌ موضع‌ تقيّة‌ وإن‌ حكم‌ بقتل‌ جميع‌ الكفّار؛ أي‌ ليس‌ موضع‌ حفظ‌ دم‌. ويكون‌ عاصياً كلّ مَن‌ تصرّف‌ بخلاف‌ قول‌ الإمام‌ العادل‌. وأمّا إذا كانت‌ السلطة‌ بيد الحاكم‌ الجائر الذي‌ لا تكون‌ أوامره‌ صادرة‌ علی أساس‌ الحقّ، وكثيراً ما تصدر منه‌ أوامر مخالفة‌ للشرع‌، بل‌ علی الاغلب‌ تكون‌ كذلك‌( والاصل‌ أنَّ وجود الحاكم‌ الجائر أمر مخالف‌ للشارع‌). وعلی هذا، تكون‌ الدماء المسفوكة‌ قد سفكت‌ علی غير حقّ، وإن‌ كانت‌ دماء الكفّار والمشركين‌، إذ لايكون‌ سفك‌ دماء الكفّار صحيحاً إلاّ بأمر الحاكم‌ العادل‌. ولايحقّ للحاكم‌ الجائر أن‌ يقتل‌ الكافر، لانَّ الدار دار تقيّة‌، أي‌ الدار التي‌ يجب‌ أن‌ تُحفظ‌ فيها الدماء.

 يقول‌ الإمام‌ للمأمون‌: لا يجوز قتل‌ أي‌ٍّ من‌ الكفّار في‌ دار التقيّة‌، إلاّ أن‌ يكون‌ ذلك‌ الكافر قد قَتَل‌ شخصاً فيُقتل‌ قصاصاً، أو تعدّي‌ علی مسلم‌ فيُقتل‌ عند ذلك‌، وَذَلِكَ إذَا لَمْ تَحْذَرْ عَلَی نَفْسِكَ، فإنَّما يجوز قتل‌ الكفّار عندما لايكون‌ ثمّة‌ خوف‌ علی النفس‌، وإلاّ جاز قتلهم‌. وكذلك‌ لايجوز أكل‌ أموال‌ المخالفين‌ وغيرهم‌ تحت‌ لواء الحاكم‌ الجائر.

 فوجوب‌ التقيّة‌ يكون‌ في‌ دار التقيّة‌ حيث‌ وجود الحاكم‌ الجائر هناك‌؛ بحيث‌ إذا لم‌يتَّقِ المرء، فإنَّه‌ يُعَرِّض‌ دمه‌ وعرضه‌ وجميع‌ ما يمتّ إليه‌ إلی الهلاك‌. فعندئذٍ يكون‌ حفظ‌ الدم‌ في‌ مرحلة‌ كهذه‌ من‌ الواجبات‌. ولو حلف‌ الإنسان‌ يميناً تقيّةً وكان‌ هدفه‌ حفظ‌ نفسه‌ فلم‌يرتكب‌ معصية‌ ولاكفّارة‌ عليه‌ أيضاً.

 السادس‌: رواية‌ محمّد بن‌ عبد الله‌ السمندري‌ّ؛ يقول‌: قُلْتُ لاِبِي‌ عَبْدِاللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إنِّي‌ أَكُونُ بِالبَابِ(يَعْنِي‌ بَابٍ مِنَ الاْبْوَابِ) فَيُنَادُونَ: السِّلاَحِ! فَأَخْرُجُ مَعَهُمْ؟!

 المراد من‌ الباب‌ أحد الامكنة‌ التابعة‌ للحكومة‌.

 فَقَالَ: أَرَأَيْتَكَ إنْ خَرَجْتَ فَأَسَرْتَ رَجُلاً فَأَعْطَيْتَهُ الاَمَانَ وَجَعَلْتَ لَهُ مِنَ العَهْدِ مَا جَعَلَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ [ لِلْمُشْرِكِينَ، أَكَانَ يَفُونَ لَكَ بِهِ؟! قَالَ: لاَ وَاللَهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ؛ مَا كَانَ يَفُونَ لِي‌. قَالَ: فَلاَتَخْرُجْ. ثُمَّ قَالَ لِي‌: أَمَا إنَّ هُنَاكَ السَّيْفُ.

 عندما كان‌ يعطي‌ أي‌ّ مسلمٍ الامان‌ لمشرك‌ في‌ زمن‌ النبي‌ّ، فإنَّ أمانه‌ يُحترم‌ من‌ قبل‌ جميع‌ أفراد الجيش‌، من‌ أوّله‌ إلی آخره‌، رئيسه‌ ومرؤوسه‌. وقول‌ الإمام‌: « أمّا إنَّ هُنَاكَ السَّيْفُ » أي‌ أنَّ هذا ظلم‌ وقتل‌، وليس‌ دعوة‌ إلی القرآن‌ والحقّ. وإنَّما يكون‌ الجهاد محترماً عندما يكون‌ فيه‌ أمان‌، فكلّ أمان‌ محترم‌ وعلی الجميع‌ مراعاته‌. كما كان‌ النبي‌ّ ـ وفقاً لآيات‌ القرآن ‌ـ يُراعي‌ أمان‌ المؤمنين‌ والمسلمين‌؛ وبما أنَّ الغنيمة‌ يجب‌ أخذها طبقاً للقاعدة‌ القرآنيّة‌، فعمل‌ هؤلاء إذَن‌ هو خروج‌ وقتل‌ وليس‌ بجهاد.

 السابع‌: خَبَر الحَسَنِ بْنِ العَبَّاسِ بْنِ الجَوْشي‌ِّ عَنْ أبي‌ جَعْفَرٍ الثَّانِي‌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ في‌ حَديثٍ طَويلٍ في‌ بَيانِ(إنَّا أَنزَلْنَاهُ) قَالَ: وَلاَأعْلَمُ فِي‌ هَذَا الزَّمَانِ جِهَادَاً إلاَّ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ وَالجِوَارَ. [4]

 الرجوع الي الفهرس

خبر عبد الملك‌: لو كان‌ جهاد الحكّام‌ خيراً لما سبقوا الإمام‌ إليه‌

 الثامن‌: خبر عبد الملك‌ بن‌ عمر، قال‌: قَالَ: قَالَ لِي‌ أَبُو عَبْدِاللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: يَا عَبْدَ المَلِكِ! مَا لِي‌ لاَ أَرَاكَ تَخْرُجُ إلَی هَذِهِ المَوَاضِعِ الَّتِي‌ يَخْرُجُ إلَيْهَا أَهْلُ بِلاَدِكَ؟! قَالَ: قُلْتُ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: جُدَّةَ وَعُبَّادَانَ وَالمَصِيصَةِ وَقَزْوِينَ. فَقُلْتُ: انْتِظَاراً لاَمْرِكُمْ وَالاِقْتِدَاءَ بِكُمْ! فَقَالَ: إي‌ وَاللَهِ! لَوْ كَانَ خَيْرَاً مَا سَبَقُونَا إلَيْهِ.

 جَدَّة‌ بفتح‌ الجيم‌ غلط‌، وجُدَّة‌ بضم‌ الجيم‌ هي‌ مدينة‌ تقع‌ علی البحر الاحمر، وهي‌ علی مسافة‌ قريبة‌ من‌ مكّة‌.

 يُعلم‌ من‌ هذا الخبر أ نَّه‌ لا خير من‌ هذا الجهاد، بل‌ هو شرٌّ محض‌، وإنَّما الخير عندنا( أهل‌ البيت‌) الذين‌ لا نقرب‌ هذا الجهاد.

 قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَانَ ] نَوَاطٌ [ يَقُولُونَ لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ جَعْفَرٍ خِلاَفٌ إلاَّ أَ نَّهُ لاَيَرَي‌ الجِهَادَ.

 فَقَالَ: أَنَا لاَ أَرَاهُ؟! بَلَي‌ وَاللَهِ إنِّي‌ لاَرَاهُ وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ أَدَعَ عِلْمِي‌ إلَی جَهْلِهِمْ.

 أي‌ أ نِّي‌ أوّل‌ مسلم‌، وأوّل‌ مجاهد في‌ سبيل‌ الله‌، وأوّل‌ عامل‌ بآيات‌ القرآن‌ الداعية‌ إلی القيام‌ والجهاد. وأنَّ جهاد هؤلاء ناشي‌ عن‌ الجهالة‌، وعن‌ العمي‌ والجهل‌، وإن‌ أردتُ أن‌ أُجاهد مع‌ هؤلاء فعلی أن‌ أقضي‌ علی جميع‌ إدراكاتي‌، وأصبح‌ تابعاً لمحض‌ ضلالهم‌ وجهلهم‌، أفهل‌ هذا ممكناً؟ وهل‌ يمكن‌ لعاقل‌ أن‌ يخضع‌ لآراء الظلم‌ والبطلان‌؟ فالواقع‌ الخارجي‌ّ إذَن‌ يوجب‌ عَلَیأن‌ لاأُجاهد، لا من‌ لحاظ‌ عدم‌ رؤيتي‌ لوجوب‌ الجهاد.

 الرجوع الي الفهرس

الادلّة‌ العامّة‌ علی ولاية‌ الفقيه‌ قائمة‌ لإيجاب‌ الجهاد في‌ زمن‌ الغيبة‌

 يقول‌ المرحوم‌ صاحب‌ « الجواهر » بعد نقل‌ هذه‌ الرواية‌: إلَی غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الَّتي‌ مُقْتَضَاهَا كَصَرِيحِ الفَتاوَي‌ عَدَمُمَشْروعيَّةِ الجِهادِ مَعَ الجائِرِ وَغَيْرِه‌. بَلْ في‌ «المَسالِكِ» وَغَيْرِها عَدَمُ الاكْتِفاءِ بِنائِبِ الغيبَةِ، فَلاَيَجوزُ لَهُ تَوَلِّيهِ.

 بَلْ في‌ «الرِّياض‌» نَفْي‌ُ عِلْمِ الخِلافِ فِيهِ حَاكِيَاً لَهُ عَنْ ظاهِرِ «المُنْتَهَي‌» وَصَريحِ «الغُنْيَةِ» إلاَّ مِنْ أحْمَدَ في‌ الاَوَّلِ؛ قَالَ: وَظَاهِرُهُما الإجْماعُ مُضَافَاً إلَی مَا سَمِعْتَهُ مِنَ النُّصُوصِ المُعْتَبِرَةِ وُجودَ الإمَام‌.

 يقول‌: لَكِنْ إنْ تَمَّ الإجْماعُ المَزْبُورُ فَذَاكَ، وَإلاَّ أمْكَنَ المُناقَشَةُ فِيهِ بِعُمُومِ وَلايَةِ الفَقيهِ فِي‌ زَمَنِ الغِيبَةِ الشَّامِلَةِ لِذَلِكَ المُعْتَضَدَةِ بِعُمُومِ أَدِلَّةِ الجِهَادِ، فَتَرَجَّحَ عَلَیغَيْرِهَا. [5] انتهي‌ موضع‌ الحاجة‌.

 والحاصل‌، أ نَّه‌ ليس‌ من‌ المعلوم‌ ثبوت‌ الإجماع‌ المدّعي‌( كما بيّن‌ ذلك‌ رحمه‌ الله‌ بقوله‌ إنّ تَمَّ)، وذلك‌ لانَّ الإجماع‌ المحصّل‌ منه‌ غيرحاصل‌، والمنقول‌ منه‌ غير حجّة‌.

 وغير الإجماع‌ المنقول‌ لم‌ينقل‌ هنا شي‌ء آخر. وعموم‌ أدلّة‌ ولاية‌ الفقيه‌ التي‌ بُحثت‌ فيما سبق‌ تدلّ علی أنَّ جميع‌ شؤون‌ ولاية‌ الإمام‌ هي‌ للفقيه‌ الاعلم‌ والاشجع‌ والاقوي‌، والمتّصل‌ بولّيه‌ أي‌ إمام‌ العصر، والذي‌ يستطيع‌ أن‌ ينهل‌ من‌ معين‌ الولاية‌؛ فبإمكان‌ شخص‌ كهذا أن‌ يأمر وينهي‌. وعموم‌ أدلّـة‌ العلم‌ وإطـلاق‌ أدلّة‌ الجهـاد أيضاً قائمة‌ في‌ محلّها إلی يوم‌ القيـامة‌.

 بناءً علی هذا، فلا تفاوت‌ في‌ أدلّة‌ الجهاد بين‌ زماني‌ الغيبة‌ والحضور، وفي‌ زمان‌ ولاية‌ الفقيه‌ العادل‌ عندما تكون‌ حكومته‌ قائمة‌( أي‌ يكون‌ حاكماً مبسوط‌ اليد) فيستطيع‌ أن‌ يقيم‌ الجهاد، بل‌ إقامة‌ الجهاد من‌ واجباته‌، كما بحثنا ذلك‌ فيما سلف‌، حيث‌ يلزم‌ علی الحاكم‌ أن‌ يقوم‌ بالجهاد ولو مرّة‌ في‌ السنة‌ حذراً من‌ تعطيل‌ هذا الفرض‌؛ ولمّا كانت‌ عزّة‌ الإسلام‌ قائمة‌ علی أساس‌ الجهاد، فتعطيل‌ الجهاد يعني‌ أنَّ حكم‌ الناس‌ حكم‌ الاموات‌، لانَّ المذلّة‌ والقعود سيكون‌ سائداً. وكم‌ كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ يستبشر بالجهاد. وكم‌ كان‌ يُسرّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ بالجهاد! فالجهاد يعني‌ الحياة‌، والجهاد ليس‌ قتلاً للناس‌، بل‌ هو طريق‌ هداية‌ الكافر للإسلام‌، وإظهارٌ للقرآن‌ وإقامة‌ للصلاة‌ وللامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر في‌ جميع‌ أنحاء العالم‌. وهذه‌ من‌ أفضل‌ الخصال‌ التي‌ يأمر القرآن‌ الكريم‌ بها بنحو الإطلاق‌ والعموم‌.

 وعلی هذا، فليس‌ هناك‌ أي‌ّ وجه‌ لتخصيص‌ الجهاد بيد إمام‌ العصر عليه‌ السلام‌ وسدّ بابه‌ في‌ زمان‌ الغيبة‌. بل‌ إنَّ الجهاد باقٍ في‌ محلّه‌ مع‌ جميع‌ شرائطه‌ وآدابه‌، ولكن‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ بإشراف‌ الولي‌ّ الفقيه‌ الجامع‌ للشرائط‌. فلو وُجِدَ فقيه‌ عادل‌ بجميع‌ تلك‌ الخصوصيّات‌، وبايعه‌ الناس‌ أيضاً وقامت‌ الحكومة‌، فمن‌ حقّ ذلك‌ الفقيه‌ أن‌ يحكم‌ بالجهاد عند رؤيته‌ بضرورته‌، كما من‌ حقّه‌ أن‌ لا يأمر بالجهاد إن‌ لم‌ يَرَ ضرورة‌ داعية‌ له‌.

 ويجب‌ أن‌ يُعلم‌ أن‌ المقصود من‌ تحقّق‌ الجهاد في‌ زمان‌ الغيبة‌ ليس‌أن‌ يأمر الولي‌ّ الفقيه‌ كلّ يوم‌ بالجهاد، بل‌ المراد هو أنَّ أمر الجهاد بيده‌ فيأمر به‌ حينما يري‌ المصلحة‌ في‌ ذلك‌، ولا يأمر به‌ إن‌ لم‌ يَرَ مصلحة‌ والكلام‌ أيضاً في‌ الجهاد لافي‌ الدفاع‌، فالدفاع‌ واجب‌ في‌ مختلف‌ الصور.

 لكن‌ بحثنا هو: أنَّ من‌ وظائف‌ حكومة‌ الإسلام‌ والولاية‌ هي‌ إيجاد وزارة‌ الجهاد التي‌ عليها تربية‌ المسلمين‌ وتعليمهم‌ فنون‌ الحرب‌ وإرسالهم‌ إلی جهاد الكفّار. فهذه‌ من‌ وظائف‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌. والضرورة‌ قاضية‌ بأن‌ يكون‌ للحكومة‌ الإسلاميّة‌ وزارة‌ كهذه‌.

 الرجوع الي الفهرس

تفاؤل‌ رسول‌ الله‌ بصهيل‌ خيل‌ المجاهدين‌

 وقد كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ لله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ يحبّ الجهاد كثيراً، وكان‌ يبتهج‌ ويسرّ بالجهاد غاية‌ الابتهاج‌، لانَّ الجهاد دعوة‌ إلی الحياة‌، ودعوة‌ إلی المبدأ، ودعوة‌ إلی الوطن‌ الاصلي‌ّ. وكأنَّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ كان‌ يري‌ نفسه‌ غريباً بين‌ الناس‌ في‌ الارض‌ سوي‌ مَن‌ أسلم‌ منهم‌، فهؤلاء من‌ أهل‌ الوطن‌. ولذا كان‌ رسول‌الله‌ يعشق‌ أسلمة‌ الناس‌، حتّي‌ شوهد أُمور في‌ بعض‌ التواريخ‌ عن‌ كيفيّة‌ سلّه‌ السيف‌ والرمح‌ وتحريكه‌ الجيش‌ وهي‌ مدعاة‌ للتعجّب‌، فقد كان‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ يبيّن‌ أحاسيسه‌ حتّي‌ بالنسبة‌ إلی الفرس‌ الذي‌ يأخذونه‌ إلی الجهاد، فكان‌ يمسح‌ علی ظهر ذلك‌ الفرس‌ بيده‌ أو بالفوط‌ ويلقي‌ عليه‌ قميصه‌ أو يمسح‌ التراب‌ عنه‌ بردائه‌، وكأ نَّه‌ كان‌ يحادث‌ ذلك‌ الفرس‌( الفرس‌ الذي‌ يمتطونه‌ ويقاتلون‌ به‌).

 ينقل‌ الواقِدي‌ّ في‌ «المغازي‌» أ نَّه‌ عندما كان‌ رسول‌ الله‌ ذاهباً إلی معركة‌ تبوك‌ أَهْدَي‌ رَجُلٌ مِنْ قُضاعَةَ إلَی النَّبي‌ِّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ فَرَسَاً، فَأَعطاهُ رَجُلاً مِنَ الاَنْصَارِ وَأَمَرَهُ أنْ يَرْبِطَهُ حِيالَهُ، اسْتِئْنَاسَاً بِصَهِيلِهِ.

 فَلَمْ يَزلْ كَذَلِكَ حَتَّي‌ قَدِمَ رَسولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ المَدينَةَ، فَفَقَدَ صَهيلَ الفَرَسِ فَسَأَلَ عَنْهُ صاحِبَهُ، فَقالَ: خَصَيْتُهُ يَارَسول َاللَهِ.

 لم‌ يتعرّض‌ له‌ رسول‌ الله‌ بأي‌ّ شي‌ء، لكن‌ يُعلم‌ من‌ الاُمور التي‌ ذكرها في‌ الجواب‌ كم‌ كان‌ النبي‌ّ منزعجاً( كأ نَّه‌ يريد أن‌ يقول‌: إنِّي‌ أعطيتك‌ فرساً ذكراً يديم‌ الصهيل‌ ويملا الصحاري‌ والفلاة‌ بأصواته‌، وإنَّ صوت‌ صهيل‌ الخيول‌ العربيّة‌ التي‌ تكون‌ مع‌ الغزاة‌ تُرعب‌ قلوب‌ الكفّار والمشركين‌ في‌ ميدان‌ الحرب‌ وتزلزلهم‌، وكلّ صهلة‌ فرس‌ تساوي‌ قوّة‌ عدّة‌ سيوف‌، فعلامَ خصيته‌؟! فإنِّي‌ لم‌ أشأ أن‌ أعطيك‌ فرساً مخصيّاً، وإنَّما أعطيتك‌ فرساً فحلاً يصهل‌. وبالطبع‌، فإنَّ رسول‌ الله‌ لم‌ يقل‌ شيئاً، لانَّ الرجل‌ قد صار صاحب‌ الفرس‌ بعد أن‌ أهداه‌ له‌ رسول‌ الله‌، ويستطيع‌ أن‌ يعمل‌ فيه‌ ما يشاء، لكنَّ رسول‌الله‌ قال‌ له‌: خذ هذا الفرس‌ واربطه‌ قريباً منّي‌ باستمرار، أي‌ أسمعني‌ صوته‌ لكي‌ أُسرّ وأبتهج‌ بسماعه‌، لكنَّ ذلك‌ الشخص‌ قد فعل‌ بالفرس‌ ما فعل‌!)

 قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ: فَإنَّ الخَيْلَ فِي‌ نَواصِيهَا الخَيْرُ إلَی يَومِ القِيَامَةِ. اتَّخِذُوا مِنْ نَسْلِهَا وَبَاهُوا بِصَهِيلِهَا المُشْرِكِينَ. أعْرَافُهَا أدْفَاؤُهَا وَأَذْنَابُهَا مَذَابُّهَا. وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ إنَّ الشُّهَدَاءَ لَيَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِأَسْيَافِهِمْ عَلَیعَوَاتِقِهِمْ لاَيَمُرُّونَ بِأَحَدٍ مِنَ الاَنْبِيَاءِ إلاَّ تَنَحَّي‌ عَنْهُمْ؛ حَتَّي‌ إنَّهُمْ لَيَمُرُّونَ بِإبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ(خَلِيلِ الرَّحْمَنِ) فَيَتَنَحَّي‌ لَهُمْ حَتَّي‌ يَجْلِسُوا عَلَیمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ.

 يَقُولُ النَّاسُ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أُهْرِيقُوا دِمَاءَهُمْ لِرَبِّ العَالَمِينَ؛ فَيَكُونُ كَذَلِكَ حَتَّي‌ يَقْضِي‌َ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ عِبَادِهِ.

 قَالُوا: وَبَيْنَا رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ قَامَ إلَی فَرَسِهِ الظَّرِبِ فَعَلَّقَ عَلَيْهِ شِعَارَهُ وَجَعَلَ يَمْسَحَ ظَهْرَهُ بِرِدَائِهِ.

 قيلَ يَا رَسُولَ اللَهِ! تَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِرِدَائِكَ؟!

 قَالَ: نَعَمْ؛ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي‌ بِذَلِكَ؛ مَعَ أَنِّي‌ قَدْ بِتُّ اللَيْلَةَ وَإنَّ المَلاَئِكَةَ لَتُعاتِبُني‌ فِي‌ حَسِّ الخَيْلِ وَمَسْحِهَا.

 وَقَالَ: أَخْبَرَنِي‌ خَلِيلِي‌ جِبْرِيلُ: أَ نَّهُ يَكْتُبُ لِي‌ بِكُلِّ حَسَنَةٍ أَوْفَيْتُهَا إيَّاهُ حَسَنَةً. وَإنَّ رَبِّي‌ عَزَّ وَجَلَّ يَحُطُّ عَنِّي‌ بِهَا سَيِّئَةً.

 وَمَا مِنِ امْرِي‌ٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يَرْبِطُ فَرَسَاً فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ فَيُوَّفِّيَهُ بِعَلِيفِهِ يَلْتَمِسُ بِهِ قُوَّتَهُ إلاَّ كَتَبَ اللَهُ لَهُ بِكُلِّ حَبَّةٍ حَسَنَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِكُلِّ حَبَّةٍ سَيِّئَةً.

 قِيلَ: يَا رَسولَ اللَهِ! وَأَي‌ُّ الخَيْلِ خَيْرٌ؟!

 قَالَ: أَدْهَمُ، أَقْرَحُ، أَرْثَمُ، مُحَجَّلُ الثُّلْثِ، مُطْلَقُ اليَمِينِ؛ فَإنْ لَمْيَكُنْ أَدْهَمُ فَكُمَيْتٌ عَلَیهَذِهِ الصِّفَةِ.[6]

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

 

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

همکاری با نفوذیان خائن و اختلاس‌گران بی دین
قرآن : لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ کامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (سوره نحل، آیه 52)ترجمه: تا روز قیامت بار گناهان خود را تمام بردارند ، و [ نیز ] بخشی از بار گناهان کسانی را که ندانسته آنان را گمراه می کنند. آگاه باشید ، چه بد باری را می کشند.حدیث: و ایما داع دعی الی ضلالة فاتبع علیه، فان علیه مثل اوزار من اتبعه، من غیر ان ینقص من اوزارهم شیئا!: (مجمع‌البیان، ج6، ص 365)ترجمه: ... و هر کس دعوت به ضلالت کند و از او پیروی کنند همانند کیفر پیروانش را خواهد داشت، بی آنکه از کیفر آنها کاسته شود.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید