الدرس‌ الثلاثون‌

الدرس‌ الثلاثون‌:

 من‌ شروط‌ ولاية‌ الفقيه‌: الهجرة‌ إلی‌ دار الإسلام

 

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّی اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی‌ِّ العَظِيمِ

 

 ومن‌ شروط‌ ولاية‌ الفقيه‌ إضافة‌ إلی‌ شرطي‌ الإسلام‌ والتشيّع‌ هو: لزوم‌ الهجرة‌ إلی‌ دار الإسلام‌. فبقاء أي‌ّ فقيه‌ في‌ دار الكفر وعدم‌هجرته‌ إلی‌ دار الإسلام‌ مانعٌ من‌ تولّيه‌ ولاية‌ المسلمين‌.

 إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـ'هَدُوا بِأَمْوَ ' لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُو´ا أُولَـ'´ءِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ حَتَّي‌' يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي‌ الدِّينِ فَعلیكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ علی‌' قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم‌ مِّيثَـ'قٌ وَاللَهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. [22]

 الذين‌ آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم‌ وأنفسهم‌ في‌ سبيل‌ الله‌ والذين‌ آووا ونصروا بعضهم‌ أولياء بعض‌، كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمْ وَلي‌ٌّ لِلآخَرِ. ( كمهاجري‌ مكّة‌ الذين‌ بعد أن‌ آمنوا بالله‌ هاجروا إلی‌ رسول‌ الله‌ في‌ المدينة‌ وجاهدوا بأموالهم‌ في‌ سبيل‌ الله‌، وأنصار المدينة‌ الذين‌ منحوهم‌ المأوي‌ والمسكن‌ وقاسموهم‌ طعامهم‌ وشرابهم‌ وقبلوهم‌ وساعدوهم‌ في‌ جميع‌ أحوالهم‌ ) فجميع‌ هؤلاء من‌ المهاجرين‌ والانصار بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.

 أمّا أُولئك‌ الذين‌ آمنوا ولم‌ يهاجروا فليس‌ لهم‌ أيّة‌ ولاية‌ بالنسبة‌ لكم‌ حَتَّي‌' يُهَاجِرُوا، ( فشرط‌ الولاية‌: الإيمان‌ والهجرة‌ )، أمّا الآن‌ وقد آمنوا ولم‌يهاجروا فلو طلبوا منكم‌ النصرة‌ في‌ الدين‌ والعون‌ والمساعدة‌، فعلیكم‌ أن‌ تساعدوهم‌، إلاّ إذا كان‌ ذلك‌ العدوّ قد ارتبط‌ معكم‌ بميثاق‌ ومعاهدة‌ ( معاهدة‌ عدم‌الحرب‌ ) فلا يمكنكم‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ من‌ نصرة‌ ذلك‌ المستنصر ( المؤمن‌ غيرالمهاجر ) لا نَّكم‌ قد ارتبطتم‌ بميثاق‌ مع‌ ذلك‌ العدوّ.

 ولا يجوز نقض‌ الميثاق‌ بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌، أي‌ كما لا يجوز نقض‌ العهد والميثاق‌ مع‌ المؤمن‌ والمسلم‌، فكذلك‌ لا يجوز نقض‌ الميثاق‌ مع‌ العدوّ بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌.

 والآية‌ صريحة‌ في‌ أنَّ الذين‌ آمنوا ولم‌ يهاجروا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

      

ارجاعات

[1] ـ «الوافي‌» ج‌ 3، ص‌ 12، الطبعة‌ الحجريّة‌؛ وفي‌ «الكافي‌» عن‌ عدّة‌، عن‌ أحمد، عن‌ ابن‌ فضّال‌، عن‌ عاصم‌ بن‌ حميد، عن‌ الثمإلی‌ّ، عن‌ أبي‌ جعفر علیه‌ السلام‌، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُاللَهِ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسلَّمَ فِي‌ حِجَّةِ

الوَدَاعِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! وَاللَهِ مَا مِنْ شَي‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إلاَّ وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ؛ وَمَا مِنْ شَي‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الجَنَّةِ إلاَّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ ـ الرواية‌.

وروي‌ في‌ ص‌ 13 أيضاً من‌ «الكافي‌» عن‌ أحمد، عن‌ علی‌ّ بن‌ نعمان‌، عن‌ عمروبن‌ شمر، عن‌ جابر، عن‌ أبي‌ جعفر علیه‌ السلام‌، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إنِّي‌ لَمْ أَدَعْ شَيْئاً يُقَرِّبُكُمْ إلی‌ الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إلاَّ وَقَدْ نَبَّأْتُكُمْ بِهِ ـ الرواية‌.

[2] ـ «جواهر الكلام‌» ج‌ 10، ص‌ 13، الطبعة‌ الحروفيّة‌، وذكر في‌ الهامش‌ أنَّ مصدرها «صحيح‌ البخاري‌ّ» ج‌ 1، ص‌ 124 و 125.

[3] ـ صدر الآية‌ 44، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌.

[4] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 255، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[5] ـ الآية‌ 246، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[6] ـ الآية‌ 247، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[7] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 171؛ ومن‌ الطبعة‌ المصريّة‌ بتعلیقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 1، ص‌ 321. يقول‌ علیه‌ السلام‌: أَمِينُ وَحْيِهِ، وَخَاتَمُ رُسُلِهِ، وَبَشِيرُ رَحْمَتِهِ، وَنَذِيرُ نَقْمَتِهِ؛ أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الاَمْرِ أَقْوَاهُمْ علیهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ فِيِه‌.

 [8] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 171؛ ومن‌ الطبعة‌ المصريّة‌ بتعلیقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 1، ص‌ 321.

[9] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 9، ص‌ 329، طبعة‌ دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌.

[10] ـ صدر الآية‌ 9، من‌ السورة‌ 49: الحجرات‌.

[11] ـ يروي‌ في‌ «صحيح‌ مسلم‌» ج‌ 2، ص‌ 136، كتاب‌ الإمارة‌، بابُ الاَمر بِلُزومِ الجَماعة‌ عندَ ظُهورِ الفِتَن‌ وتَحذيرِ الدُّعاةِ إلی الكُفر، طبعة‌ مصر، مطبعة‌ عيسي‌ البابي‌ّ الحلبي‌ّ، بثلاثة‌ أسانيد متّصلة‌ له‌ عن‌ نافع‌، قال‌: جاء عبد الله‌ بن‌ عمر إلی‌ عبدالله‌بن‌ مُطيع‌ حين‌ كان‌ من‌ أمر الحَرَّة‌ ما كان‌ زمن‌ يزيد بن‌ معاوية‌، فقال‌: اطرحوا لابي‌ عبدالرحمن‌ وسادة‌ فقال‌: إنِّي‌ لم‌ آتك‌ لاجلس‌، أتيتك‌ لاُحدِّثك‌ حديثاً سمعته‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] وآله‌ [ بقوله‌: سمعت‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ يقول‌: مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِي‌َ اللَهَ يَوْمَ القِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ؛ وَمَنْ مَاتَ وَ َيْسَ فِي‌ عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

 ويجب‌ أن‌ يُعلم‌ أنَّ المراد بكسر البيعة‌ والطاعة‌ من‌ هذه‌ الرواية‌ وأشباهها هو نقض‌ بيعة‌ وطاعة‌ الإمام‌ الحقّ، وهذا بالطبع‌ له‌ معني‌ صحيح‌. لكنَّ ابن‌ عمر قد أوهم‌ أنَّ المراد نقض‌ البيعة‌ من‌ طاعة‌ كلّ شخص‌، حتّي‌ لو ادّعي‌ كونه‌ حاكماً بالظلم‌ والعدوان‌، وحتّي‌ لو كان‌ يزيدبن‌ معاوية‌. إنَّ تطبيق‌ الرواية‌ علی‌ هذا المورد وأمثاله‌ ممّا هو نهج‌ ودأب‌ علماء العامّة‌ من‌ أعظم‌ المصائب‌ التي‌ وردت‌ علی‌ الإسلام‌ والمسلمين‌.

[12] ـ «صحيح‌ مسلم‌» ج‌ 2، ص‌ 137، كتاب‌ الإمارة‌، بابُ إذا بويعَ لِخليفَتيْن‌، طبعة‌ مصر، مطبعة‌ عيسي‌ البابي‌ّ الحلبي‌ّ: وَحَدَّثَنِي‌ وَهَبُ بْنُ بَقِيَّةِ الوَاسِطِي‌ّ: حَدَّثَنَا خَالِدُبْنُ عَبْدِاللَهِ عَنِ الجُرَيْرِي‌ِّ عَنْ أَبِي‌ نَضْرَةَ عَنْ أَبِي‌ سَعِيدِ الخُدْرِي‌ِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُاللَهِ صلَّیاللَهُ علیهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ: إذَا بُويِـعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا.

 وفي‌ تعلیقته‌: أي‌ْ فادْفَعوا الآخَرَ بِالقَتْلِ إذا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ بِدونِهِ؛ وَمُقْتَضاهُ أ نَّهُ لايُجوزُ عَقْدُ البَيْعَةِ لِخَليفَتَيْنِ في‌ زَمَنٍ واحِدٍ، وَإلاَّ لَما جازَ قَتْلُ الآخَرِ مِنْهُما.

[13] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 90، ومن‌ طبعة‌ مصر بتعلیقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 1، ص‌ 181 و 182.

[14] ـ نَهْمَة‌: بُلوغُ الهِمِّةِ في‌ الشَّهْوَةِ في‌ الشَّي‌ءِ. يُقالُ لَهُ في‌ هَذَا الاَمْرِ نَهْمَةٌ، أي‌ْ شَهْوَةٌ. وَقَضَي‌ مِنْهُ نَهْمَتَهُ، أي‌ْ شَهْوَتَه‌.

[15] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 7، من‌ السورة‌ 59: الحشر.

[16] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 129؛ ومن‌ طبعة‌ مصر بتعلیقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 1، ص‌ 248 و 249.

[17] ـ ذيل‌ الآية‌ 141، من‌ السورة‌ 4: النساء. والعجيب‌ أنَّ الله‌ تبارك‌ تعإلی‌ يبيّن‌ في‌ الآية‌ 144 من‌ نفس‌ هذه‌ السورة‌ نتيجة‌ ولاية‌ الكفّار علی‌ المؤمنين‌، فيقول‌ تعإلی‌:

 يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَتَتَّخِذُوا الْكَـ'فِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن‌ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن‌ تَجْعَلُوا لِلَّهِ علیكُم‌ سُلْطَـ'نًا مُّبِينًا.

 ويظهر من‌ هذه‌ الآية‌ بوضح‌: أنَّ نتيجة‌ ولاية‌ الكفّار علی‌ المؤمنين‌ هي‌ الذلّ والضياع‌ في‌ الدنيا والآخرة‌ وفقدان‌ جميع‌ القيم‌ الإنسانيّة‌ والفضيلة‌ والشرف‌ الإنسانيّينِ وهو ما قدّره‌الله‌ بواسطة‌ حكومة‌ الكافرين‌ علیكم‌ وباختياركم‌، وما قدرة‌ الكافرين‌ علیكم‌ حين‌ ولايتهم‌ إلاّ سلطة‌ الله‌ علیكم‌ بسبب‌ فسادكم‌ الحاصل‌ بإرادتكم‌ واختياركم‌. ويتّضح‌ من‌ الآية‌ توحيد الله‌ الافعإلی‌ّ، إذ كانت‌ سلطة‌ وحكومة‌ الكافرين‌ علی‌ المؤمنين‌ عين‌ قدرة‌ وحكومة‌ الله‌ علی‌ المؤمنين‌ التي‌ نالوها وتعلّقت‌ بهم‌ نتيجة‌ اتّخاذهم‌ لهؤلاء أولياء.

[18] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 17، من‌ السورة‌ 13: الرعد.

[19] ـ ذيل‌ الآية‌ 81، من‌ السورة‌ 17: الإسراء؛ وتمام‌ الآية‌ هكذا: وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَـ'طِلُ إِنَّ الْبَـ'طِلَ كَانَ زَهُوقًا.

[20] ـ الآية‌ 18، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[21] ـ «تاريخ‌ رجال‌ إيران‌» قرون‌ 12 ـ 13 ـ 14 هجري‌ّ، تإلیف‌ مهدي‌ بامداد، ج‌ 1، ص‌ 280؛ يقول‌ في‌ ترجمة‌ أحوال‌ أرباب‌ جمشيد:

 أرباب‌ جمشيد بن‌ بهمن‌ الزرادشتي‌ّ إلیزدي‌ّ، كان‌ من‌ الصرّافين‌ المعروفين‌ في‌ طهران‌، وصار نائباً في‌ الدورة‌ الاُولي‌ لمجلس‌ الشوري‌ الوطني‌ّ عن‌ الزرادشتيّين‌ (لقد استمرّ المجلس‌ الاوّل‌ من‌ 18 شعبان‌ 1324 إلی‌ 23 جمادي‌ الآخرة‌ 1326 ه) في‌ إيران‌.

 وقال‌ أرباب‌ جمشيد للكاتب‌ في‌ أحد الايّام‌ ضمن‌ حديث‌: إنَّه‌ في‌ بداية‌ تأسيس‌ الحركة‌ الدستوريّة‌ وتدوين‌ القانون‌ الاساسي‌ّ، لم‌ يكن‌ بعض‌ النوّاب‌ يميلون‌ لإعطاء الزرادشتيّين‌ ممثّلاً في‌ مجلس‌ الشوري‌ الوطني‌ّ، وقد أعطيتُ مبلغاً كبيراً من‌ المال‌ للسيّد عبدالله‌ البهبهاني‌ّ الذي‌ كان‌ أكثر الاشخاص‌ نفوذاً في‌ المجلس‌ إلی‌ أن‌ رضي‌ أخيراً واستغلّ نفوذه‌ لكي‌ يُعطي‌ مقعد للزرادشتيّين‌، وبالفعل‌ فقد تمّ ذلك‌ وأُعطي‌ لهم‌ ممثّل‌.

[22] ـ الآية‌ 72، من‌ السورة‌ 8: الانفال‌.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب ولایة الفقیه فی حکومة الاسلام / المجلد الثالث / القسم الخامس: تفسیر آیة ان الذین آمنوا و هاجروا، وجوب هجرة المسمین ال...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

      

الصفحة السابقة

تفسير الطبرسي‌ّ لآية‌: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـ'هَدُوا...

 يقول‌ الشيخ‌ الطَّبْرِسي‌ّ [1] في‌ «مجمع‌ البيان‌» في‌ تفسير هذه‌ الآية‌: أَي‌ هَؤُلاء بَعْضُهُمْ أوْلَي‌ بِبَعْضٍ في‌ النُّصْرَةِ وَإنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قَرابَةٌ مِنْ أقْرِبائِهِمْ مِنَ الْكُفّار.

 وخلاصة‌ المطلب‌: أنَّ أُولَـ'´ءِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ، تعني‌: أولي‌ ببعضهم‌ في‌ النصرة‌، والولاية‌ هنا بمعني‌ النصرة‌، أي‌ يجب‌ علی‌ كلّ واحد منهم‌ أن‌ ينصر الآخر.

 الرجوع الي الفهرس

تفسير البعض‌ للولاية‌ في‌ هذه‌ الآية‌ بمعني‌ الإرث‌

كلام‌ هارون‌ مع‌ الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیه‌ السلام‌ حول‌ إرث‌ العمّ

 وَقيلَ في‌ التَّوارُث‌؛ ( وهذا منقول‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌ والحسن‌ ومجاهد وقُتادة‌ والسدّي‌ّ ) [2]، لانَّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قد عَقَدَ عَقْدَ أُخوّة‌ في‌ صدر الإسلام‌ للمرّة‌ الاُولي‌ بين‌ المهاجرين‌، والمرّة‌ الثانية‌ في‌ المدينة‌ بين‌ المهاجرين‌ والانصار. وكان‌ المؤمنون‌ يرثون‌ بعضهم‌ علی‌ أساس‌ عقد الاُخوّة‌، حيث‌ كان‌ الإرث‌ علی‌ أساس‌ عقد الاُخوّة‌ الإسلاميّة‌، فكلّما مات‌ أحد هذين‌ الاخوين‌ المسلمَينِ ورثه‌ الآخر دون‌ قومه‌ وعشيرته‌ كأولاده‌ وأبويه‌. فالإرث‌ للاُخوّة‌ في‌ الدين‌ فقط‌.

 وظلّ هذا الحكم‌ مستمرّاً إلی‌ حياة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ حيث‌ نُسخ‌ هذا الحكم‌ بالآية‌ الشريفة‌: وَأُولُوا الاْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي‌' بِبَعْضٍ فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ [3]، التي‌ قرّرت‌ الرجوع‌ ثانية‌ إلی‌ أساس‌ القرابة‌ في‌ التوارث‌.

 ولذا، فسّر البعض‌ الولاية‌ في‌ هذه‌ الآية‌ بمعني‌ الإرث‌؛ مَا لَكُمْ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ، أي‌ أنَّ هجرة‌ المؤمن‌ من‌ شروط‌ التوارث‌، فلايكفي‌ توفّر الإيمان‌ والإسلام‌ بين‌ الافراد لكي‌ يتوارثوا، ولابدّ من‌ شرط‌ الهجرة‌ في‌ حكم‌ التوارث‌.

 والشاهد علی‌ هذا المدّعي‌ هو الرواية‌ التي‌ ينقلها أُستاذنا العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ تفسيره‌ عن‌ « معاني‌ الاخبار » للشيخ‌ الصدوق‌، وعن‌ « الاختصاص‌ » للشيخ‌ المفيد، عن‌ الإمام‌ موسي‌بن‌ جعفر علیهما السلام‌ في‌ كلام‌ دار بينه‌ وبين‌ هارون‌ الرشيد؛ يقول‌ هارون‌ فيه‌:

 وَلِمَ ادَّعَيْتُمْ أَنَّكُمْ وَرِثْتُمْ رَسُولَ اللَهِ، وَالعَمُّ يَحْجُبُ ابْنَ العَمِّ؟ وَقُبِضَ رَسُولُاللَهِ وَقَدْ تُوُفِّي‌َ أَبُو طَالِبٍ قَبْلَهُ وَالعَبَّاسُ عَمُّهُ حَي‌ٌّ؟!

 بناء علی‌ هذا، فلا يمكن‌ لعلی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ أن‌ يرث‌ النبي‌ّ بواسطة‌ إرث‌ النبي‌ّ المنقول‌ إلیه‌ من‌ إرث‌ أبيه‌، فالذي‌ كان‌ حيّاً من‌ أعمام‌ رسول‌الله‌ هو العبّاس‌ فقط‌، جدّنا ( أي‌ جدّ بني‌ العبّاس‌ ) ويجب‌ أن‌ يكون‌ هو الوارث‌ لرسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌، ومع‌ وجود العبّاس‌ فعلی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ ـالذي‌ هو ابن‌ العمّـ مع‌ وجود العمّ؟! ولماذا تدّعون‌ هذا الادّعاء؟!

 والرواية‌ لها تكملة‌، إلی‌ أن‌ يصل‌ حيث‌ يقول‌ الإمام‌ موسي‌بن‌ جعفر علیهما السلام‌:

 فَقُلْتُ: إنَّ النَّبِي‌َّ لَمْ يُوَرِّثْ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ؛ وَلاَ أَثْبَتَ لَهُ وَلاَيَةً حَتَّي‌ يُهَاجِرَ. [4]

 وأبونا علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ قد هاجر، بينما أبوكم‌ العبّاس‌ لم‌يهاجر، فالعبّاس‌ قد عصي‌ ولم‌ يهاجر، فلذا مُنع‌ عنه‌ الإرث‌، وبما أنَّ جدّنا علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ كان‌ مسلماً ومهاجراً في‌ نفس‌ الوقت‌ فقد ورث‌ النبي‌ّ.

 وما ترونه‌ الآن‌ في‌ كتاب‌ الإرث‌، حيث‌ يقولون‌: إنَّ ابن‌ العمّ إذا كان‌ للاب‌ والاُمّ معاً يحجب‌ العمّ الذي‌ يكون‌ من‌ طرف‌ الاب‌ فقط‌؛ فهو علی‌ هذا الاساس‌، لانَّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ كان‌ ابن‌ عمّ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ من‌ ناحية‌ الابوين‌، بينما العبّاس‌ كان‌ عمّ النبي‌ّ من‌ ناحية‌ الاب‌ فقط‌؛ فهذا الحكم‌ باقٍ إلی‌ الآن‌ بهذا الملاك‌، وإن‌ زال‌ عنوان‌ الهجرة‌. ونحن‌ الشيعة‌ نقدّم‌ ابن‌ العمّ للاب‌ والاُمّ علی‌ العمّ للاب‌.

 وأمّا العلّة‌ التي‌ جعلت‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ يرث‌ رسول‌الله‌ دون‌ العبّاس‌ فهي‌ عدم‌ هجرة‌ العبّاس‌.

 فَقَالَ: مَا حُجَّتُكَ فِيهِ؟

 فَقُلْتُ: قَوْلُ اللَهِ تَبَارَكَ وَتَعَإلی‌: «وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ حَتَّي‌' يُهَاجِرُوا.» وَإنَّ عَمِّي‌َ العَبَّاسَ لَمْ يُهَاجِرْ!

 فَقَالَ إنِّي‌ سَائِلُكَ: هَلْ أَفْتَيْتَ بِذَلِكَ أَحَداً مِنْ أَعْدَائِنَا؟ أَمْ أَخْبَرْتَ أَحَداً مِنَ الفُقَهَاءِ فِي‌ هَذِهِ المَسْأَلَةِ بِشَي‌ءٍ؟!

 فَقُلْتُ: اللَهُمَّ لاَ! وَمَا سَأَلَنِي‌ إلاَّ أَمِيرُالمُؤْمِنِينَ! ـالحديث‌. [5]

 الشاهد في‌ ذلك‌: فقد استدلّ الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیهما السلام‌ هنا بالآية‌ المباركة‌: وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ، علی‌ عدم‌ وجود حقّ للعبّاس‌ في‌ وراثة‌ رسول‌ الله‌، لا نَّه‌ لم‌يهاجر. وعلی‌ هذا، فالولاية‌ هنا تشمل‌ معني‌ الإرث‌ أيضاً.

 يروي‌ ابن‌ شهرآشوب‌ في‌ « المناقب‌ »[6]، في‌ باب‌ ميراث‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ عن‌ موسي‌ بن‌ عبد الله‌ بن‌ الحسن‌ بن‌ الحسن‌ و مُعَتِّب‌ و مُصادف‌ اللذان‌ كانا غلامَي‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ علیه‌ السلام‌ ضمن‌ خبر: عندما دخل‌ هشام‌ بن‌ الوليد المدينة‌ جاء بني‌ العبّاس‌ واشتكوا الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ بتهمة‌ أخذه‌ لنفسه‌ ما تركه‌ ماهِر الخِصِّي‌ّ وعدم‌ إعطائهم‌ منه‌ شيئاً. فألقي‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ هنا خطبة‌ مطوّلة‌، ومن‌ جملة‌ ما جاء فيها:

 إنَّ اللَهَ تَعَإلَی‌ لَمَّا بَعَثَ رَسُولَ اللَه‌ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ، كَانَ أَبُونَا أَبُوطَالِبٍ المُوَاسِي‌َ لَهُ بِنَفْسِهِ وَالنَّاصِرَ لَهُ؛ وَأَبُوكُمُ العَبَّاسُ وَأَبُولَهَبٍ يُكَذِّبَانِهِ وَيُؤَلِّبَانِ علیهِ شَيَاطِينَ الكُفْرِ؛ وَأَبُوكُمْ يَبْغِي‌ لَهُ الغَوَائِلَ وَيَقُودُ إلَیهِ القَبَائِلَ فِي‌ بَدْرٍ، وَكَانَ فِي‌ أَوّلِ رَعِيلِهَا وَصَاحِبَ خَيْلِهَا وَرَجِلِهَا المُطْعِمَ يَوْمَئذٍ وَالنَّاصِبَ الحَرْبِ لَهُ.

 ثُمَّ قَالَ: فَكَانَ أَبُوكُمْ طَلِيقَنَا وَعَتِيقَنَا؛ وَأَسْلَمَ كَارِهاً تَحْتَ سُيُوفِنَا. لَمْيُهَاجِرْ إلَی‌ اللَهِ وَرَسُولِهِ هِجْرَةً قَطُّ؛ فَقَطَعَ اللَهُ وَلاَيَتَهُ مِنَّا بِقَوْلِهِ: «الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ» فِي‌ كَلاَمٍ لَهُ.

 ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَولَي‌ لَنَا مَاتَ فَحُزْنَا تُراثَهُ إذْ كَانَ مُولاَنَا وَلاِنَّا وَلَدُ رَسُولِاللَهِ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ، وَأُمُّنَا فَاطِمَةُ أَحْرَزْتُ مِيْرَاثَهُ.

 وأورد العلاّمة‌ المجلسي‌ّ في‌ « بحار الانوار » [7] هذا الحديث‌ في‌ أحوال‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ علیه‌ السلام‌، وقال‌ في‌ بيان‌ له‌: ألَّبْتُ الجَيْشَ: أي‌ْ جَمَعْتُهُ؛ وَالتَّإلیب‌: التَّحْريض‌؛ وَالرَّعيل‌: القِطْعَةُ مِنَ الخَيْل‌. كما ذكر العلاّمة‌ الشيخ‌ محمّد حسين‌ المظفّر هذا الحديث‌ أيضاً في‌ كتاب‌ « الإمام‌ الصادق‌ » علیه‌ السلام‌، ضمن‌ خطبه‌، وقال‌ في‌ ذيله‌: إنَّ شأن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ كان‌ أرفع‌ من‌ أن‌ يقف‌ في‌ موقف‌ واحد مع‌ بني‌ العبّاس‌ من‌ أجل‌ المال‌، ولكن‌ أظنَّ أ نَّه‌ أراد كشف‌ بعض‌ أحوال‌ العبّاس‌ التي‌ كانت‌ قد بقيت‌ مجهولة‌، وذلك‌ لانَّ الإمارة‌ والسلطة‌ سوف‌ تصلهم‌ عن‌ قريب‌، ويجب‌ أن‌ يعلم‌ الناس‌ شأن‌ الذين‌ سيكونون‌ مالكين‌ لرقابهم‌ من‌ الآن‌ فيما بعد. وهذه‌ الكلمات‌ مع‌ اختصارها تتضمّن‌ فوائد جليلة‌ للتأريخ‌. ولا أظنّ أنَّ هذه‌ المواقف‌ ذُكرت‌ عن‌ العبّاس‌ في‌ التأريخ‌! [8]

ويتابع‌ صاحب‌ « مجمع‌ البيان‌ » المطلب‌ فيقول‌:

 وَقيلَ: في‌ التَّناصُرِ وَالتَّعاوُنِ وَالمُوالاةِ في‌ الدِّينِ؛ عَنِ الاَصَمّ.

 أي‌ علی‌ المؤمنين‌ أن‌ يكونوا متحابّين‌ ومتعاونين‌ ومتناصرين‌ بأعمالهم‌، فيمدّ أحدهم‌ للآخر يد المساعدة‌، ويكون‌ هذا نصيراً لذاك‌ ومعاوناً له‌.

 إذَن‌، فالتعاون‌ والتناصر هو المقصود من‌ الولاية‌.

 الرجوع الي الفهرس

اعتبر البعض‌ الولاية‌ في‌ هذه‌ الآية‌ بمعني‌ نفوذ الامان‌

 وَقيلَ: في‌ نُفوذِ أمانِ بَعْضِهِمْ عَلَیبَعضٍ.

 ما هو معني‌ الامان‌؟ هو من‌ أحكام‌ الإسلام‌، وإذا أمّن‌ أحد المسلمين‌ كافراً ( سواء كان‌ رجلاً أم‌ امرأة‌ )، فعلی‌ جميع‌ المسلمين‌ أن‌ يحترموا أمانه‌، ولايحقّ لهم‌ التعرّض‌ لذلك‌ الكافر.

 فالمقصود من‌ الولاية‌ في‌ هذه‌ الآية‌ إذَن‌، هو نفوذ أمان‌ بعضهم‌ علی‌ بعض‌. بمعني‌ امتلاك‌ أُولئك‌ الذين‌ آمنوا وهاجروا حقّ الامان‌، وإذا أمَّنوا أحداً فعلی‌ جميع‌ المسلمين‌ والمؤمنين‌ أن‌ يحترموا أمانهم‌. فَإنَّ واحِداً مِنَ المُسْلمِينَ لَوْ آمَنَ إنْساناً نَفَذَ أمانُهُ عَلَیسائِرِ المُسْلمِين‌.

 أمّا إن‌ كان‌ المؤمن‌ ليس‌ من‌ المهاجرين‌، فأمانه‌ غير نافذ. وعلیه‌، فلااعتبار لإيوائه‌ إن‌ آوي‌ أحد الكفّار، ويحقّ للمسلمين‌ أن‌ يقبضوا علی‌ ذلك‌ الكافر وتجاهل‌ شروط‌ الامان‌.

 الرجوع الي الفهرس

بقاء لزوم‌ الهجرة‌ إلی‌ دار الإسلام إلی‌ يوم‌ القيامة‌

 ثمّ يقول‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ بعد ذلك‌: اختلفوا في‌ أ نَّه‌ هل‌ تصحّ الهجرة‌ بعد الفتح‌ أو لا؟ فقال‌ بعض‌: لا تصحّ، لانَّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ. حيث‌ كانت‌ مكّة‌ دار الشرك‌ قبل‌ الفتح‌ والمدينة‌ بيضة‌ الإسلام‌، وكان‌ واجباً علی‌ جميع‌ المسلمين‌ أن‌ يهاجروا إلی‌ المدينة‌، وبعد فتح‌ مكّة‌، صارت‌ دار الإسلام‌ أيضاً. ومن‌ ثمّ الطائف‌ وجميع‌ مدن‌ الحجاز فشملها دار الإسلام‌، ورُفع‌ لزوم‌ الهجرة‌ إلی‌ المدينة‌. وعلی‌ هذا، فقد كان‌ حكم‌ وجوب‌ الهجرة‌ إلی‌ ما قبل‌ فتح‌ مكّة‌. وبعد فتح‌ مكّة‌، لم‌يبق‌ معني‌ لان‌ يهاجر المسلم‌ من‌ مكان‌ إلی‌ آخر في‌ البلاد الإسلاميّة‌.

 نعم‌؛ تجب‌ الهجرة‌ من‌ دار الكفر ودار الشرك‌ إلی‌ دار الإسلام‌، وقد ارتفع‌ هذا العنوان‌ بفتح‌ مكّة‌.

 وَلاِنَّ الهِجْرَةَ، الاِنْتِقالُ مِنْ دارِ الكُفْرِ إلَی‌ دارِ الإسْلامِ. وَلَيْسَيَقَعُ مِثْلُ هَذا في‌ هَذا الزَّمانِ لاِتِّساعِ بِلادِ الإسلام‌؛ إلاّ أنْ يَكونَ نادِراً لايُعْتَدُّ بِه‌.

 بأن‌ يتواجد مسلم‌ في‌ بعض‌ بلاد الكفر، أو يدخل‌ أحد الكفّار في‌ الإسلام‌ هناك‌، فالهجرة‌ إلی‌ دار الإسلام‌ واجبة‌ علیه‌، وإلاّ فمع‌ هذا الاتّساع‌ في‌ بلاد الإسلام‌، حيث‌ في‌ كلّ مكان‌ ثمّة‌ مسلمون‌ وراية‌ إسلاميّة‌، فلم‌يبق‌ معني‌ للهجرة‌ في‌ هذه‌ الحالة‌.

 وَقيلَ: إنَّ هِجْرَةَ الاَعْرابِ إلَی‌ الاَمْصارِ باقِيَةٌ إلَی‌ يَوْمِ القِيَامَة‌.

 لا نَّه‌ ما إن‌ أوجب‌ رسول‌ الله‌ الهجرة‌ علیهم‌ حتّي‌ وجب‌ علی‌ جميع‌ الاعراب‌ ـمن‌ البدو الذين‌ يعيشون‌ في‌ الصحاري‌ـ أن‌ يأتوا إلی‌ البلاد التي‌ تخفق‌ فيها راية‌ الإسلام‌، والتي‌ فُتحت‌ بيد المسلمين‌، وينُفّذ فيها أحكام‌ الإسلام‌، ليتعلّموا أحكام‌ الإسلام‌ وشعائره‌.

 فلهذا، كانت‌ هجرة‌ الاعراب‌ نحو الامصار من‌ الاحكام‌. وعلیه‌، فيمكن‌ القول‌: إنَّ وجوب‌ الهجرة‌ من‌ دار الكفر إلی‌ دار الإسلام‌ إنّما هو علی‌ أساس‌ هذا الحكم‌ الاوّلي‌ّ. غاية‌ الامر، كانت‌ دار الإسلام‌ في‌ زمان‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ مختصّاً بالمدينة‌ المنوّرة‌، واتّسع‌ بعد ذلك‌ فشمل‌ المدن‌ الاُخري‌. أمّا البدو الاعراب‌، فبما أ نَّهم‌ لم‌ يكونوا يعيشون‌ في‌ الاماكن‌ التي‌ ترفرف‌ فيها راية‌ الإسلام‌، وكان‌ إسلامهم‌ شكليّاً دون‌ أن‌ يطّلعوا علی‌ شعائر الدين‌، فكان‌ واجباً علیهم‌ أن‌ يهاجروا إلی‌ المدن‌ لكسب‌ التعإلیم‌ الدينيّة‌ هناك‌.

 ولهذا قال‌ البعض‌: إنَّ وجوب‌ هجرة‌ الاعراب‌ إلی‌ المدن‌ باقية‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌، لوجوب‌ تعلّم‌ أحكام‌ الدين‌ علی‌ الجميع‌. وهذا القول‌ عن‌ الحسن‌.

 وَالاَقْوَي‌ أنْ يَكونَ حُكْمُ الهِجْرَةِ باقِياً؛ لاِنَّ مَنْ أسْلَمَ في‌ دارِ الحَرْبِ ثُمَّ هاجَرَ إلَی‌ دارِ الإسْلامِ كانَ مُهاجِراً.

 فالاقوي‌ أن‌ يكون‌ حكم‌ الهجرة‌ باقياً إلی‌ يوم‌ القيامة‌، وعلی‌ كلّ من‌ أسلم‌ في‌ دار الحرب‌ أن‌ يسرع‌ في‌ المجي‌ء إلی‌ دار الإسلام‌.

 في‌ ذلك‌ الزمان‌ الذي‌ كتب‌ الطبرسي‌ّ فيه‌ تفسيره‌ ـ أي‌ قبل‌ حوإلی‌ تسعة‌ قرون‌[9] ـ كان‌ العالَم‌ مقسوماً إلی‌ قسمين‌: دار الإسلام‌، ودار الكفر. فإذا أسلم‌ شخص‌ في‌ دار الكفر وجب‌ علیه‌ أن‌ يهاجر إلی‌ دار الإسلام‌. وعلی‌ هذا، فحكم‌ الهجرة‌ باقٍ علی‌ الدوام‌.

 ثمّ يقول‌: وَكانَ الحَسَنُ يَمْنَعُ أنْ يَتَزَوَّجَ المُهاجِرُ إلَی‌ أعْرَاِبيَّة‌. وَرُوِي‌َ عَنْ عُمَرَبْنِ الخَطَّابِ أ نَّهُ قالَ: لا تَنْكِحوا أهْلَ مَكَّةَ فَإنَّهُمْ أعْرابٌ. [10]

 كلّ ما أوردناه‌ إلی‌ هنا نقلاً عن‌ « مجمع‌ البيان‌ ».

 يقول‌ أُستاذنا الاعظم‌ آية‌ الله‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ سره‌ في‌ تفسيره‌، في‌ ذيل‌ الآية‌:

 وَقَدْ جَعَلَ اللَهُ بَيْنَهُمْ وَلايَةً بِقَوْلِهِ: «أُولَـ'´ءِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ». والولاية‌ أعمّ من‌ ولاية‌ الميراث‌ وولاية‌ النصرة‌ وولاية‌ الامان‌، وذلك‌ في‌ مقابل‌ كلام‌ « مجمع‌ البيان‌ » الذي‌ قال‌ فيه‌: قال‌ البعض‌: إنَّ المراد من‌ الولاية‌ التعاون‌، وقال‌ بعض‌: النصرة‌، وبعض‌ آخر قال‌: التوارث‌، وقال‌ بعض‌: إنَّ المقصود منها الامان‌. فيقول‌ رحمه‌ الله‌: لا وجه‌ لان‌ نخصّ الولاية‌ بأحد هذه‌ المعاني‌، والولاية‌ أعمّ من‌ ذلك‌؛ حيث‌ إنَّ عموم‌ مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ وعموم‌ أُولَـ'´ءِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ، يشمل‌ جميع‌ هذه‌ الاقسام‌.

 فَمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ كافِرًا، كانَ نافِذاً عِنْدَ الجَميع‌. فعلی‌ جميع‌ المسلمين‌ إذَن‌ أن‌ يحترموا أمانه‌.

 فَالْبَعْضُ مِنَ الجَميعِ وَلي‌ُّ البَعْضِ مِنَ الجَميعِ؛ كَالمُهاجِرِ هُوَ وَلي‌ُّ كُلِّ مُهاجِرٍ وَأنْصاري‌ٍّ، وَالاَنْصاري‌ُّ وَلي‌ُّ كُلِّ أنْصاري‌ٍّ وَمُهاجِرٍ. كُلُّ ذَلِكَ بِدَليلِ إطْلاقِ الوِلايَةِ في‌ الآيَة‌.

 فَلا شاهِدَ عَلَیصَرْفِ الآيَةِ إلَی‌ وَلايَةِ الإرْثِ بِالمُؤَاخاةِ الَّتي‌ كانَ النَّبي‌ُّ صلَّیاللَهُ علیهِ وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ [ جَعَلَها في‌ بَدْءِ الهِجْرَةِ بَيْنَ المُهاجِرينَ وَالاَنْصارِ، وَكانوا يَتَوارَثونَ بِها زَماناً حَتَّي‌ نُسِخَت‌. [11]

 الرجوع الي الفهرس

حرمة‌ التعرّب‌ بعد الهجرة‌

 قال‌ ابن‌ الاثير الجزري‌ّ في‌ « النهاية‌ »: وَفيهِ «ثَلاَثٌ مِنَ الكَبَائِرِ؛ مِنْهَا: التَّعَرُّبُ بَعْدَ الهِجْرَةِ»...

 وفي‌ رواية‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: أنَّ ثلاثة‌ من‌ الكبائر، أحدها التَعَرُّبُ بَعْدَ الهِجْرَةِ. أي‌ ليس‌ للمسلم‌ من‌ عودة‌ إلی‌ محيط‌ الشرك‌ والكفر ( موطنه‌ الاوّل‌ ) أو إلی‌ أي‌ّ مكان‌ آخر يصدق‌ علیه‌ التعرّب‌ والبدويّة‌، وعلیه‌ أن‌ يبقي‌ في‌ دار الإسلام‌ إلی‌ الابد.

 التَعَرُّبُ بعدَ الهِجرَة‌، يعني‌ تقبّل‌ الآداب‌ والسنن‌ الاعرابيّة‌ بعد الهجرة‌، كما يعني‌ أيضاً الذهاب‌ والرجوع‌ إلی‌ العيش‌ البدوي‌ّ بعد العيش‌ في‌ بلاد الإسلام‌، وهو غير جائز ومحرّم‌، ويعدّ من‌ كبائر المحرّمات‌.

 ويفسّر ابن‌ الاثير «التَعرُّبُ بعدَ الهِجرَة‌» بهذا النحو:

 هُوَ أنْ يَعودَ إلَی‌ الباديَةِ وَيُقيمَ مَعَ الاَعْرابِ بَعْدَ أنْ كانَ مُهاجِرًا. وَكانَ مَنْ رَجَعَ بَعْدَ الهِجْرَةِ إلَی‌ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، يَعُدّونَهُ كَالمُرْتَدِّ.

 يَعُدّونَهُ كَالمُرْتَدِّ، أي‌ يُعَدّ مرتدّاً كلّ من‌ هاجر ثمّ عاد بعد هجرته‌ إلی‌ موطنه‌ الاوّلي‌ّ، فهو كمن‌ أسلم‌ ثمّ ارتدّ عن‌ الإسلام‌.

 وَمِنْهُ حَديثُ ابْنِ الاَكْوَع‌. يقول‌: إنَّ حديث‌ ابن‌ الاكوع‌ من‌ هذا القبيل‌، لمّا قُتل‌ عثمان‌ خرج‌ إلی‌ الربذة‌ وأقام‌ بها، ثمّ إنَّه‌ دخل‌ علی‌ الحجّاج‌ يوماً فقال‌ له‌: يابْنَ الاَكْوَعِ! ارْتَدَدْتَ عَلَیعَقِبَيْكَ وَتَعَرَّبْتَ!

 وَمِنْهُ حَديثُهُ الآخَرُ، تَمَثَّلَ في‌ خُطْبَتِهِ: «مُهاجِرٌ لَيْسَ بِأَعْرابي‌ٍّ». جَعَلَ المُهاجِرَ ضِدَّ الاَعْرابي‌ِّ. فجعل‌ المهاجر ضدّ الاعرابي‌ّ، فكلّ من‌ لم‌يكن‌ مهاجراً يصدق‌ علیه‌ عنوان‌ الاعرابي‌ّ.

 وَالاَعْرابُ ساكِنوا الباديَةِ مِنَ العَرَبِ الَّذينَ لا يُقيمونَ في‌ الاَمْصارِ؛ وَلايَدْخُلونَها إلاَّ لِحاجَةٍ.

 وَالعَرَبُ اسْمٌ لِهَذا الجِيلِ المَعْروفِ مِنَ النَّاسِ ـوَلا واحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِـ وَسَواءٌ أقامَ بِالبادْيَةِ أوِ المُدُنِ؛ والنَّسَبُ إلَیهِما: أعْرابي‌ٌّ وَعَرَبي‌ّ. [12]

 ويقول‌ ابن‌ أثير الجزري‌ّ أيضاً: ورد في‌ رواية‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أ نَّه‌ قال‌: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ؛ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ.

 وفي‌ حديث‌ آخر: لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّي‌ تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ.

 إنَّما تنقطع‌ توبة‌ الإنسان‌ بلفظ‌ أنفاسه‌ الاخيرة‌ عند رفع‌ قدمه‌ من‌ هذه‌ الدنيا ووضعها في‌ العالم‌ الآخر، فهنالك‌ لا تكون‌ توبته‌ محلاّ للقبول‌ من‌ قبل‌ الله‌ عزّ وجلّ، كما في‌ تلك‌ الآية‌ المباركة‌:

 وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّي‌'´ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي‌ تُبْتُ الْئَـ'نَ [13].

 ولا توبة‌ لمن‌ شاهد الموت‌ بعينيه‌ ورأي‌ أ نَّه‌ مرتحل‌ عن‌ الدنيا إلی‌ عالم‌ الآخرة‌ وصار أمره‌ إلی‌ خاتمته‌، فالتوبة‌ لمن‌ اختار طريق‌ الحقّ مع‌ إمكان‌ سلوك‌ طريق‌ الباطل‌. أمّا حين‌ ينتهي‌ المرء إلی‌ خاتمته‌ المحتومة‌، فلافائدة‌ من‌ توبته‌ في‌ ذلك‌ الحين‌.

 وعلیه‌، فالحديث‌ يقول‌: إنَّ الهجرة‌ مستمرّة‌ ما دام‌ للإنسان‌ حواسّ واختيار، ولاينقطع‌ زمان‌ الهجرة‌ عنه‌ إلاّ بالموت‌.

 ثمّ يقول‌ ابن‌ الاثير:

 الهِجْرَةُ في‌ الاَصْلِ الاسْمُ مِنَ الهَجْرِ ضِدِّ الوَصْل‌. وَقَدْ هَجَرَهُ هَجْراً وَهِجْراناً.

 ثُمَّ غَلَبَ عَلَیالخُروجِ مِنْ أرْضٍ إلَی‌ أرْضٍ، وَتَرْكِ الاُولَي‌ لِلثَّانيَة‌. يُقالُ مِنْهُ: هاجَرَ مُهاجَرَةً.

 ثمّ يقول‌: وَالهِجْرَةُ هِجْرَتانِ.

 إحداهما: التي‌ وعد الله‌ علیها الجنّة‌ في‌ قوله‌: إِنَّ اللَهَ اشْتَرَي‌' مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَ ' لَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ. [14]

 فكان‌ الرجل‌ يأتي‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ويدع‌ ماله‌ و لايَرْجِعُ في‌ شَي‌ءٍ مِنْهُ وَيَنْقَطِعُ بِنَفْسِهِ إلَی‌ مُهاجَرِهِ.

 وَكانَ النَّبي‌ُّ صلَّی اللَهُ علیهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ أنْ يَموتَ الرَّجُلُ بِالاَرْضِ الَّتي‌ هاجَرَ مِنْها.

 فَمِنْ ثَمَّ قالَ: «لَكِنَّ البَائِسَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ» يَرْثي‌ لَهُ رَسولُاللَهِ صلَّیاللَهُ علیهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ أنْ ماتَ بِمَكَّة‌.

 فليس‌ إذَن‌ لموضوع‌ الارض‌ والتراب‌ أهمّيّة‌ كبيرة‌ إلی‌ الحدّ الذي‌ يعدّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ سعداً بائساً. والبائس‌: هو الذي‌ ابتلي‌ بالبؤس‌ والشدائد، وباختصار مَن‌ تعلّقت‌ به‌ الشقاوة‌. وكانت‌ تعاسة‌ وشقاوة‌ سعدبن‌ خولة‌ بسبب‌ هجرته‌ إلی‌ المدينة‌ ثمّ رجوعه‌ إلی‌ مكّة‌.

 وَقالَ حينَ قَدِمَ مَكَّةَ: «اللَهُمَّ لاَ تَجْعَلْ مَنَايَانَا بِهَا». ( ولم‌يكن‌ بعد الفتح‌، بل‌ حين‌ مجيئه‌ إلی‌ العمرة‌ أو الحجّ بعد صلح‌ الحديبيّة‌ ).

 فَلَمّا فُتِحَتْ مَكَّةُ صارَتْ دارَ الإسْلامِ كَالمَدينَةِ، وَانْقَطَعَتِ الهِجْرَة‌.

 إذَن‌، هذا نوع‌ من‌ الهجرة‌.

 الرجوع الي الفهرس

لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّي‌ تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ

 وأمّا القسم‌ الثاني‌ فهي‌ الهجرة‌ التي‌ ليس‌لها مرتبة‌ وفضل‌ القسم‌ الاوّل‌.

 وَالهِجْرَةُ الثَّانيَةِ: مَنْ هاجَرَ مِنَ الاَعْرابِ وَغَزا مَعَ المُسْلِمينَ وَلَمْيَفْعَلْ كَما فَعَلَ أصْحابُ الهِجْرَةِ الاُولَي‌ فَهُوَ مُهاجِرٌ، وَلَيْسَ بِداخِلٍ في‌ فَضْلِ مَنْ هاجَرَ تِلْكَ الهِجْرَةَ. وَهُوَ المُرادُ بِقَوْلِهِ: «لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّي‌ تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ».

 فَهَذا وَجْهُ الجَمْعِ بَيْنَ الحَديثَيْن‌. ( أي‌ اتّضح‌ بهذا وجه‌ الجمع‌ بين‌ الحديثين‌ اللذين‌ يقول‌ النبي‌ّ في‌ أحدهما: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، أي‌ بعد فتح‌ مكّة‌، ويقول‌ هنا: لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّي‌ تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، أي‌ أنَّ الهجرة‌ واجبة‌ علی‌ الجميع‌ من‌ ولادتهم‌ حتّي‌ آخر لحظات‌ حياتهم‌ في‌ هذه‌ الدنيا ). وذلك‌ بأن‌ نقول‌: إن‌ المراد من‌ الهجرة‌ في‌ الرواية‌ الاُولي‌ الهجرة‌ إلی‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ بترك‌ المرء بيته‌ وموطنه‌ ويهاجر إلی‌ رسول‌الله‌. وأمّا المراد من‌ الهجرة‌ في‌ الحديث‌ الثاني‌ فعمل‌ أُولئك‌ الذين‌ يكونون‌ في‌ بيوتهم‌ ولايهاجرون‌ إلی‌ رسول‌ الله‌، لكنّهم‌ ممّن‌ هم‌ من‌ زمرة‌ جنود الإسلام‌، ويقاتلون‌ في‌ سبيل‌ الله‌ مع‌ المجاهدين‌ وينصرون‌ الإسلام‌ ويَقتلون‌ أو يُقتلون‌، وهذه‌ الهجرة‌ باقية‌ إلی‌ آخر العمر.

 ثمّ يقول‌: وَإذا أُطْلِقَ في‌ الحَديثِ ذِكْرُ الهِجْرَتَيْنِ فَإنَّما يُرادُ بِهِما هِجْرَةُ الحَبَشَةِ وَهِجْرَةُ المَدينَة‌.[15]

 كانت‌ هذه‌ مجموعة‌ المعاني‌ التي‌ ذكرت‌ للتَعَرُّب‌ والهجرة‌، والروايات‌ التي‌ كانت‌ لازمة‌ لتفسير الآية‌ المباركة‌ في‌ سورة‌ الانفال‌.

 والآن‌ ما هو شاهدنا في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌؟

 إنَّ محلّ شاهدنا هو كما قاله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ تربته‌ الزكيّة‌: إنَّ هذه‌ الولاية‌ لا تنحصر في‌ خصوص‌ الإرث‌، وإنَّما هي‌ أعمّ، أي‌ أعمّ من‌ ولاية‌ التعاون‌ والتناصر وغيرهما. وعلی‌ هذا فهي‌ تشمل‌ جميع‌ أقسام‌ الولاية‌.

 إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـ'هَدُوا بِأَمْوَ ' لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُو´ا أُولَـ'´نءَكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ.

 فجميع‌ أقسام‌ الولاية‌ هنا ثابتة‌ لهؤلاء، ومنها ولاية‌ الفقيه‌ التي‌ هي‌ ولاية‌ علی‌ جميع‌ الاُمّة‌.

 فالاُمور الحاصلة‌ من‌ مجموع‌ هذه‌ المباحث‌ هي‌:

 الاوّل‌: أ نَّه‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ الفقيه‌ مهاجراً، فلا ينال‌ ولاية‌ الفقيه‌ من‌ لم‌يكن‌ مهاجراً.

 والفقهاء الذين‌ هم‌ الآن‌ في‌ دار الكفر، لا يمكنهم‌ أن‌ ينالوا ولاية‌ الفقيه‌، ولابدّ لهم‌ من‌ الهجرة‌ إلی‌ بلاد الإسلام‌.

 وكذا الحال‌ بالنسبة‌ لذوي‌ المراكز الولايتيّة‌، مثل‌: رئيس‌ الوزراء والوزراء والمدراء العامّين‌، والولاة‌ والمحافظين‌ والحكّام‌ المدنيّين‌ وأعضاء مجلس‌ الشوري‌ ( حيث‌ قد بيّنا أنَّ مجلس‌ الشوري‌ مجلس‌ ولايتي‌ّ وليس‌ مجلس‌ وكالة‌ ) فعلی‌ هؤلاء جميعاً أن‌ يكونوا قد هاجروا إلی‌ دار الإسلام‌، أي‌ أن‌ يكونوا في‌ بلاد الإسلام‌، ومهاجرين‌ إلی‌ بلاد الإسلام‌، ويعيشون‌ تحت‌ راية‌ الإسلام‌، وإلاّ فلا ولاية‌ لهم‌ بنصّ الآية‌:

 وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ.

 فالذين‌ آمنوا ولم‌ يهاجروا ليس‌ لهم‌ علیكم‌ أيّة‌ ولاية‌ بأي‌ّ نوع‌ من‌ أنواعها. أي‌ لا يمكنهم‌ أن‌ يكونوا رؤساء وزارات‌ ولا مدراء عامّون‌، ولاحتّي‌ رؤساء دوائر. أجل‌؛ يجوز لهم‌ العمل‌ كموظّفين‌ مأمورين‌ وليس‌ رؤساء وآمرين‌. ولايحقّ لهم‌ التدخّل‌ في‌ أي‌ّ من‌ تلك‌ المراكز الولايتيّة‌ وشؤون‌ الآمرين‌.

 وهنا يطرح‌ سؤال‌، وهو: ما المراد من‌ بلاد الكفر؟ والجواب‌: المراد من‌ بلاد الكفر تلك‌ البلاد التي‌ تخفق‌ فيها راية‌ الكفر، ويحكم‌ شعبها قانون‌ الكفر، مثل‌ بلاد إلیهود والنصاري‌ والشيوعيّين‌ والسيخ‌ والمشركين‌ وعبدة‌ البقر وأمثالهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

وجوب‌ الهجرة‌ علی‌ جميع‌ المسلمين‌ في‌ العالم‌ إلی‌ دار الإسلام

 وعلی‌ جميع‌ المسلمين‌ أن‌ يأتوا من‌ تلك‌ البلدان‌ إلی‌ دار الإسلام‌ ( أي‌ إلی‌ البلد الإسلامي‌ّ بعد تأسيس‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ )، لانَّ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ منحصرة‌ بهذا المكان‌، فعلی‌ جميع‌ المسلمين‌ الذين‌ يعيشون‌ في‌ أنحاء العالم‌ حإلیاً ـوفقاً لهذه‌ الآية‌ـ أن‌ يأتوا للسكني‌ في‌ إيران‌، لانَّ إيران‌ هي‌ بلد الإسلام‌، ورايتها راية‌ الإسلام‌.

 ولكن‌، هل‌ لهم‌ الحقّ في‌ العيش‌ في‌ بعض‌ البلدان‌ الإسلاميّة‌ الاُخري‌، مثل‌ الباكستان‌ التي‌ حكومتها وقوانينها في‌ الظاهراً إسلاميّة‌؟

 والجواب‌: لا إشكال‌ في‌ ذلك‌، إن‌ لم‌ يكن‌ للكفر هناك‌ نفوذ، وإلاّ فالحياة‌ في‌ تلك‌ البلدان‌ أيضاً محلّ إشكال‌. وكذلك‌ الاماكن‌ التي‌ يوجد فيها اسم‌ الإسلام‌ دون‌ أن‌ يكون‌ مسمّي‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ موجوداً، كالعراق‌ الذي‌ هو بلد إسلامي‌ّ بالاسم‌ ( بل‌ ليس‌ هو بلداً إسلاميّاً حتّي‌ من‌ ناحية‌ الاسم‌، إذ هل‌ تسمح‌ حكومة‌ البعث‌ وجهازها الحزبي‌ّ بأن‌ يكون‌ هناك‌ اسم‌ الإسلام‌؟!) وكالبلدان‌ العربيّة‌ الاُخري‌ كالسعوديّة‌ والمغرب‌ والاردن‌ التي‌ تحكم‌ حكوماتها باسم‌ الإسلام‌ دون‌ أن‌ يكون‌ مسمّي‌ الإسلام‌ موجوداً فيها، بل‌ والكفر فيها ذو نفوذ، فالحياة‌ في‌ بلاد كهذه‌ محرّمة‌، ويجب‌ علی‌ جميع‌ المسلمين‌ أن‌ يهاجروا من‌ تلك‌ الاماكن‌ ويأتوا إلی‌ دار الإسلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

حرمة‌ ولاية‌ المسلم‌ الذي‌ لم‌ يقطع‌ علاقته‌ ببلاد الكفر بالكامل‌

 الثاني‌: لا يتحقّق‌ عنوان‌ الهجرة‌ بأن‌ يأتي‌ الرجل‌ من‌ البلدان‌ الاجنبيّة‌ إلی‌ البلاد الإسلاميّة‌ بجواز سفر فحسب‌، بل‌ علیه‌ أن‌ ينقل‌ بيته‌ وحاجياته‌ وكسبه‌ ومسكنه‌ ووضعه‌ المعيشي‌ّ إلی‌ دار الإسلام‌، وينقطع‌ عن‌ تلك‌ الحياة‌.

 وعلی‌ هذا، فالمرتبطون‌ ببلاد الكفر بأن‌ يكون‌ لهم‌ هناك‌ عوائل‌ أو أبناء أو لهم‌ ملك‌ وتجارة‌ أو كسب‌ وعمل‌ من‌ طبابة‌ أو هندسة‌ مثلاً، ويتردّدون‌ أحياناً إلی‌ دار الإسلام‌ يُعدّون‌ مهاجرين‌، ولاحقّ لهم‌ بولاية‌ الفقيه‌ وبالمراكز الوزاريّة‌ ومجلس‌ الشوري‌ الإسلامي‌ّ ولا بأي‌ّ منصب‌ إداري‌ّ كبير. ومن‌ العجيب‌ أنَّ عدداً من‌ هؤلاء قد جاؤوا إلی‌ بلاد الإسلام‌ في‌ بداية‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ واحتلّوا مراكزاً ولائيّة‌، أو أرادوا أن‌ يشغلوا بعض‌ المراكز المهمّة‌، مثل‌ بني‌ صدر وقطب‌ زادة‌ والدكتور شايگان‌!

 الثالث‌: يحرم‌ علی‌ القاطنين‌ في‌ بلاد الإسلام‌ أن‌ يختاروا التعرّب‌، أي‌ أن‌ يخرجوا من‌ بلاد الإسلام‌ في‌ دار الكفر ليعيشوا هناك‌.

 فالمسلمون‌ الذين‌ يذهبون‌ إلی‌ خارج‌ البلاد ويعيشون‌ هناك‌ في‌ انجلترا أو أمريكا أو الهند ( لا الباكستان‌، لانَّ دولتها إسلاميّة‌ ) أو في‌ الصين‌ أو إلیابان‌ أو روسيا فحرام‌ عمل‌ كلّ هؤلاء، وقد ارتكبوا ـوفقاً لكلام‌ النبي‌ّـ معصية‌ كبيرة‌ لا تُغتفر؛ وإن‌ لم‌ يُعاملهم‌ الكفّار معاملة‌ سيّئة‌ وتقبّلوهم‌ بمنتهي‌ المحبّة‌ والصداقة‌، ولكن‌ ما داموا يعيشون‌ أجواءً مفتوحة‌ وبإمكانهم‌ التحرّك‌ بحرّيّة‌، فعلیهم‌ العودة‌ إلی‌ دار الإسلام‌.

 والمراد من‌ السكني‌ في‌ بلاد الكفر هو مجرّد الإقامة‌،سواء صار الشخص‌ من‌ مواطني‌ ذلك‌ البلد أو مجرّد مُقيم‌. فالإقامة‌ في‌ بلاد الكفر غيرجائزة‌ إلاّ لضرورة‌ محدّدة‌ بنظر الحاكم‌، كأن‌ يُرسل‌ الحاكم‌ أشخاصاً للعمل‌ الدبلوماسي‌ّ، أو يري‌ ضرورة‌ في‌ إرسال‌ مجموعة‌ لغرض‌ الدراسات‌ العلیا، أو يسمح‌ بالسفر للمرضي‌ بعلاجهم‌ هناك‌؛ وإذا لم‌ يمض‌ الحاكم‌ ذلك‌ ولم‌يسمح‌ به‌ فلاحقّ لهم‌ بالسفر. وأقصي‌ ما سوف‌ يترتّب‌ علی‌ ذلك‌ أن‌ المريض‌ سوف‌ يموت‌ هنا كسائر الاشخاص‌ الذين‌ يموتون‌ في‌ البلاد الإسلاميّة‌، إذ للإنسان‌ موت‌ واحد لا أكثر، فلماذا يذهب‌ للموت‌ هناك‌؟! وكثيراً ما حدث‌ أن‌ يواجه‌ الذاهبون‌ إلی‌ هناك‌ بالموت‌.

 يقول‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: إنَّ سعد بن‌ خولة‌ بائس‌، لا نَّه‌ هاجر لكنّه‌ عاد ثانية‌ إلی‌ مكّة‌. فمع‌ أنَّ بيت‌ اللة‌ مُطاف‌ إبراهيم‌ وإسماعيل‌ لكنّه‌ بتلك‌ الحال‌ لم‌ يكن‌ بيد النبي‌ّ، فهو دار الشرك‌ ودار الكفر، وقد سأل‌ النبي‌ُّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ اللهَ أن‌ لا يجعل‌ موته‌ هناك‌ حتّي‌ يخرج‌ منه‌. أمّا بعد أن‌ ارتفعت‌ راية‌ الإسلام‌ هناك‌ فقد صارت‌ تلك‌ البلاد دار الإسلام‌. وعلی‌ هذا، فيحرم‌ علی‌ جميع‌ المسلمين‌ الذهاب‌ والسكني‌ في‌ بلاد الكفر من‌ غيرضرورة‌.

 وفي‌ الواقع‌، لو عمل‌ المسلمون‌ بهذه‌ المقرّرات‌ من‌ بداية‌ تشكيل‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ في‌ إيران‌ واجتمع‌ جميع‌ مسلمي‌ الدنيا في‌ إيران‌ لتحقّقت‌ قوّة‌ عظيمة‌ حيث‌ تجتمع‌ جميع‌ رؤوس‌ الاموال‌ والطاقات‌ الفكريّة‌، لكنّنا نراهم‌ قد شدّوا رحال‌ الهزيمة‌ والفرار!

 يقال‌ لمن‌ تخصّص‌ بأحد الفنون‌ أو الدراسات‌ أخصّائي‌ّ، فإن‌ كان‌ أصحاب‌ التخصّص‌ من‌ غير الملتزمين‌ وتنقصهم‌ الغيرة‌ الدينيّة‌، وتعشعش‌ الخيانة‌ في‌ ذاتهم‌ وكيانهم‌، فما قيمتهم‌ يا تري‌؟! فالنتيجة‌ الحاصلة‌ منهم‌ ليس‌ أكثر من‌ ذهاب‌ الثروات‌ المإلیة‌ والإنسانيّة‌ لتقبع‌ تحت‌ راية‌ الكفر كما هو حاصل‌، وتري‌ ظاهر أُولئك‌ الاطمئنان‌ مع‌ أ نَّهم‌ يموتون‌ هناك‌، ولاشكّ من‌ حشرهم‌ مع‌ إلیهود والنصاري‌ في‌ جهنّم‌.

 فيا أيّها المؤمنون‌! لا تقولوا: إنَّنا نُرسل‌ أبناءنا إلی‌ هناك‌ وهم‌ يراسلونا ويقولون‌ إنَّهم‌ يصلّون‌ ويصومون‌ ويحيون‌ المناسبات‌ الإسلاميّة‌ وأمثال‌ هذا الكلام‌. فلا تنخدعوا بهذا الكلام‌، فكم‌ مَن‌ غرّته‌ هذه‌ العبارات‌، فكانت‌ النتيجة‌ أن‌ جنوا ثمرات‌ الشؤم‌ من‌ وبال‌ تربية‌ الاجانب‌ التي‌ لاهمّ لها سوي‌ القضاء علی‌ الدين‌ والشرف‌ والإنسانيّة‌.

 لقد عيّن‌ لنا الإسلام‌ منهاجاً وقال‌: يجب‌ أن‌ يكون‌ الولي‌ّ الفقيه‌ مهاجراً إلی‌ دار الإسلام‌. وعلی‌ هذا، فالمجتهد الاعلم‌ الذي‌ يعيش‌ في‌ أمريكا مثلاً، أو في‌ هذه‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌، إذ هناك‌ أشخاص‌ كانوا في‌ الخارج‌ وقضوا السنين‌ الطويلة‌ من‌ عمرهم‌ هناك‌، وما أن‌ سمعوا باسم‌ الحكومة‌ في‌ إيران‌ حتّي‌ هرعوا لاستلام‌ المناصب‌ الحكوميّة‌ ( من‌ وزارة‌ أو نيابة‌، أو حتّي‌ رئاسة‌ وزراء ورئاسة‌ جمهوريّة‌ ) ورشّحوا أنفسهم‌ لتلك‌ المناصب‌، مع‌ ذلك‌ الوضع‌ غير المتناسب‌، مع‌ الذقون‌ الحليقة‌ وربطات‌ العنق‌ والاحزمة‌ التي‌ ربطوها في‌ أعناقهم‌ خمسين‌ سنة‌. فلايمكن‌ لهؤلاء أن‌ يُنتخبوا للولاية‌. ولقد منَّ الله‌ علی‌ الناس‌ بعدم‌ استلامهم‌ هذه‌ المراكز. أو أنَّ الذين‌ استلموهافقدوها بسرعة‌، وإلاّ لو كانوا قد أخذوها لكانت‌ عاقبة‌ الامر سيّئة‌ جدّاً. وهذا خلاف‌ صريح‌ الآية‌ القرآنيّة‌ التي‌ تقول‌: وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْيُهَاجِرُوا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ وذلك‌ في‌ جميع‌ شؤون‌ الولاية‌، أعمّ من‌ ولاية‌ الفقيه‌ أو الاُمور الولايتيّة‌ التي‌ تحت‌ يده‌، مثل‌ مجلس‌ الشوري‌ وأهل‌ الحلّ والعقد ( إذا اعتبرناهم‌ أخصّ من‌ مجلس‌ الشوري‌ كشوري‌ المحافظة‌ علی‌ الدستور مثلاً ) وكذلك‌ مجلس‌ الوزراء وسائر المراكز.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ  وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

 

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

مصرف کردن بدون تولید
آیه شریفه : وَ لَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ ... (سوره مبارکه سجده ، آیه 21)ترجمه : و ما به جز عذاب بزرگتر (در قیامت) از عذاب این دنیا نیز به آنان می چشانیم ...روایت : قال أبي جعفر ( ع ): ... و لله عز و جل عباد ملاعين مناكير ، لا يعيشون و لا يعيش الناس في أكنافهم و هم في عباده بمنزله الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .  (اصول کافی ، ج 8 ، ص 248 )ترجمه : امام باقر(ع) مي‌فرمايد: ... و خداوند بدگانی نفرین شده و ناهنجار دارد که مردم از تلاش آنان بهره مند نمی شوند و ایشان در میان مردم مانند ملخ هستند که به هر جیز برسند آن را می خورند و نابود می کنند.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید