الدرس‌ السادس‌ والعشرون‌

الدرس‌ السادس‌ والعشرون‌:

 البحث‌ حول‌ هويّة‌ كتاب‌ «مصباح‌ الشريعة‌ ومفتاح‌ الحقيقة‌»

 

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّی اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی‌ِّ العَظِيمِ

طوائف‌ آراء العلماء حول‌ «مصباح‌ الشريعة‌»

 تنقسم‌ الآراء التي‌ أبداها العلماء الاعلام‌ رضوان‌ الله‌ علیهم‌ حول‌ الكتاب‌ الشريف‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » إلی‌ ثلاثة‌ أقسام‌:

 فقالت‌ طائفة‌ منهم‌: باعتباره‌ وكونه‌ مقبولاً. وممّن‌ يستفاد من‌ كلامهم‌ اعتبار الكتاب‌: الشهيد الثاني‌ والكفعمي‌ّ والسيّد ابن‌ طاووس‌، وكثيرون‌ غيرهم‌ ممّن‌ ذكرنا أسماءهم‌ في‌ الدرس‌ السابق‌.

 بينما قالت‌ طائفة‌ أُخري‌: إنَّ هذا الكتاب‌ غير قابل‌ للاعتماد والاستناد إلیه‌ أصلاً، وهو ساقط‌ عن‌ درجة‌ الاعتبار وصلاحيّة‌ القبول‌ كلّيّاً. ومن‌ جملة‌ القائلين‌ بهذا الحرّ العاملي‌ّ، فقد صرّح‌ بهذا في‌ آخر كتاب‌ « هداية‌ الاُمّة‌ » تحت‌ عنوان‌ «تَتِمَّةٌ». ومنهم‌ الملاّ عبد الله‌ الافندي‌ّ، صاحب‌ كتاب‌ « رياض‌ العلماء »، وهو من‌ فحول‌ ومشاهير طلاّب‌ المجلسي‌ّ، ومن‌ كبار العلماء، فقد عدَّ هذا الكتاب‌ من‌ الكتب‌ مجهولة‌ المؤ لّف‌، وردَّ نسبته‌ إلی‌ هشام‌بن‌ الحكم‌، كما ردَّ كلام‌ البعض‌ ممّن‌ قال‌ بأنَّ هذا الكتاب‌ وإن‌ لم‌تكن‌ عباراته‌ للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ لكنّه‌ تإلیف‌ هشام‌بن‌ الحكم‌ الذي‌ هو من‌ الطلاّب‌ الممتازين‌ للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، وقد جمعه‌ من‌ مطالب‌ الإمام علیه‌ السلام‌ معبّراً بعنوان‌ قال‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌؛ فقد اعتبر الملاّ الافندي‌ّ كلام‌ هذا البعض‌ مردوداً وقال‌:

 أوّلاً: لقد ذُكر في‌ هذا الكتاب‌ أسماء أشخاص‌ كانوا متأخّرين‌ عن‌ هشام‌. وثانياً: يوجد في‌ هذا الكتاب‌ مطالب‌ تُنَادِي‌ عَلَیأَنـَّهُ لَيْسَ مِنْ مُؤَ لَّفَاتِهِ، بَلْ هُوَ مِنْ مُؤَ لَّفَاتِ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ كَمَا لاَيَخْفَي‌؛ لَكِنْ وَصَّي‌ بِهِ ابْنُ طَاوُوس‌.

 هذه‌ عبارة‌ الملاّ عبد الله‌ الافندي‌ّ، ( وسمّي‌ بالافندي‌ّ لانـّه‌ ذهب‌ لاجل‌ التبليغ‌ والقيام‌ بالتكليف‌ إلی‌ آسيا الصغري‌ والدولة‌ العثمانيّة‌ في‌ ذلك‌ الوقت‌، وحيث‌ إنَّهم‌ كانوا يطلقون‌ هناك‌ علی‌ الاشخاص‌ الاجلاّء من‌ العلماء وأصحاب‌ الوجاهة‌ والشخصيّات‌ لقب‌ الافندي‌ّ، فقد بقي‌ هذا اللقب‌ له‌ أيضاً ) وكتاب‌ « رياض‌العلماء» من‌ أغني‌ كتب‌ الشيعة‌ حول‌ الاصحاب‌ والرجال‌ والتراجم‌.

 وأمّا نسبة‌ هذا الكتاب‌ إلی‌ هشام‌ فيمكن‌ ردّها من‌ جهة‌ أُخري‌ أيضاً، حيث‌ إنَّ هشام‌بن‌ الحكم‌ متكلّم‌ وباحث‌ ومن‌ أهل‌ الفلسفة‌ والاستدلال‌ الفلسفي‌ّ والكلامي‌ّ، ومضامين‌ كتاب‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » ليست‌ فلسفيّة‌، وإنّما هي‌ مضامين‌ عرفانيّة‌ وأخلاقيّة‌ دقيقة‌ جدّاً وظريفة‌، وهي‌ من‌ اللطائف‌ والاسرار الروحيّة‌، ولا تتناسب‌ مع‌ مذاق‌ هشام‌ بن‌ الحكم‌. ولذا لايمكن‌ نسبة‌ هذا الكتاب‌ له‌ أصلاً.

 الطائفة‌ الثالثة‌ من‌ الاشخاص‌ الذين‌ لهم‌ رأي‌ في‌ هذا الكتاب‌؛ وهم‌ القائلون‌ بـ: وإن‌ كان‌ أصل‌ ومتن‌ هذا الكتاب‌ مغايراً لسائر المتون‌ المسلّمة‌ الصدور المقطوعة‌ النسبة‌ للائمّة‌ علیهم‌ السلام‌، لكن‌ مع‌ هذا يمكن‌ العمل‌ بأخباره‌.

 ومن‌ هؤلاء الاشخاص‌: العلاّمة‌ محمّد باقر المجلسي‌ّ جدّنا الكبير رضوان‌الله‌ علیه‌، لانَّ هذا الجليل‌ قد نقل‌ جميع‌ أبوابه‌ في‌ « بحار الانوار » ماعدا باب‌ أو بابين‌، ويُعلم‌ من‌ الشواهد أنَّ سبب‌ عدم‌ إتيانه‌ لهذين‌ البابين‌ هو السهو والغفلة‌، ولم‌يكن‌ ثمّة‌ تعمّد لعدم‌ النقل‌.

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ الشيخ‌ علی‌ أكبر النهاوندي‌ّ والسيّد جلال‌ الدين‌ المحدِّث‌

 يقول‌ المحدِّث‌ السيّد جلال‌ الدين‌ الاُرموي‌ّ في‌ مقدّمته‌ علی‌ الشرح‌ الفارسي‌ّ لـ « مصباح‌ الشريعة‌ »: « هذا الكتاب‌ وإن‌ كان‌ يبدو بحسب‌ الاُسلوب‌ لايشبه‌ إلی‌ حدّ ما سائر أخبار أهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌، وإنَّه‌ أشبه‌ بأُسلوب‌ كلمات‌ العرفاء والمتصوّفة‌. لكن‌ بما أنَّ غالب‌ مضامينه‌ ومحتوياته‌ تطابق‌ من‌ ناحية‌ المعني‌ للاخبار والآيات‌، ولم‌ يصل‌ في‌ اشتماله‌ علی‌ اصطلاحات‌ الصوفيّة‌ إلی‌ حدّ لا يمكن‌ نسبته‌ للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، وإذا لوحظ‌ فيه‌ أحياناً عبارات‌ من‌ قبيل‌: العُبُودِيَّةُ جَوْهَرَةٌ كُنْهُهَا الرُّبُوبِيَّةُ... إلی‌ آخره‌ »، فهي‌ قابلة‌ للتوجيه‌، وممكنة‌ للتأويل‌.

 ومن‌ جهة‌ أُخري‌، فإنَّ موضوع‌ هذا الكتاب‌ هو الاخلاق‌ والآداب‌ والمواعظ‌ والنصائح‌ ونظائرها، وهي‌ جميعها ممّا يمكن‌ أن‌ تشملها قاعدة‌ التسامح‌ في‌ أدلّة‌ السنن‌، حيث‌ ـوباتّفاق‌ الآراءـ يمكن‌ قبول‌ الاخبار الضعيفة‌ والعمل‌ بها في‌ هذه‌ الاُمور أيضاً. وتبقي‌ نسبته‌ للإمام في‌ محلّها، وإن‌ لم‌تصل‌ إلی‌ درجة‌ الثبوت‌.

 بناء علی‌ هذا، فلا يمكن‌ طرح‌ هذا الكتاب‌ بشكل‌ كامل‌ بسبب‌ ذكر كلام‌ فيه‌ بعنوان‌ نقل‌ الإمام عن‌ ربيع‌ بن‌ خُثيم‌ وأمثاله‌. فيجب‌ إذَن‌ أن‌ نضع‌ ذلك‌ في‌ دائرة‌ الإجمال‌، ونعتبره‌ منسوباً للإمام علیه‌ السلام‌، ونقنع‌ بصرف‌ النسبة‌ وإن‌ لم‌نرها مسلّمة‌ أيضاً. ونستفيد من‌ كلماته‌ الحِكَميّة‌ ومواعظه‌ المملوءة‌ بالفائدة‌ ونصائحه‌ المرضيّة‌، ونعمل‌ بالقاعدة‌ العقلائيّة‌ «انْظُرْ إلَی‌ مَا قَالَ وَلاَتَنْظُرْ إلَی‌ مَنْ قَالَ»، خصوصاً مع‌ الالتفات‌ إلی‌ أنَّ كلّ ما نقل‌ في‌ هذا الكتاب‌ هو في‌ مجال‌ تهذيب‌ وتزكية‌ النفس‌.

 ثمّ يتوسّع‌ في‌ المطلب‌ إلی‌ أن‌ يصل‌ حيث‌ يقول‌:

 « فإذا جاز أن‌ نستفيد في‌ تهذيب‌ الاخلاق‌ وتزكية‌ النفوس‌ من‌ الحكايات‌ والامثال‌ المجعولة‌ والموضوعة‌ علی‌ لسان‌ الحيوانات‌، فالامر في‌ هذا القبيل‌ من‌ الكتب‌ المنسوبة‌ للائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ مع‌ اشتمالها علی‌ المطالب‌ العإلیة‌ والمضامين‌ النفيسة‌ سوف‌ يكون‌ سهلاً. ويؤيّد المطلب‌ ما قاله‌ العالم‌ الجليل‌ الشيخ‌ فرج‌ الله‌ الحويزي‌ّ رحمة‌ الله‌ علیه‌ في‌ كتابه‌ الشريف‌ « إيجاز المقال‌ » الذي‌ هو كتاب‌ شريف‌ وملي‌ء بالفوائد الرجإلیة‌، حيث‌ إنَّه‌ بعد ذكر كتب‌ كثيرة‌ تحت‌ عنوان‌: كَلاَمٌ فِي‌ مَا جُهِلَ مُصَنِّفُهُ: قال‌:

 أَمْثَالُ هَذِهِ الكُتُبِ لاَ يُعْتَمَدُ عَلَینَقْلِهَا، لَكِنَّهَا مُؤَيِّدَةٌ لِغَيْرِهَا، وَفِيهَا فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ فِي‌ غَيْرِ الاَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمَا تَضَمَّنَ مِنْهَا حُكْمَاً شَرْعِيَّاً لاَبُدَّ أَنْ يُوجَدَ لَهُ فِي‌ الكُتُبِ المُعْتَمَدَةِ مُوَافِقٌ أَوْ مُعَارِضٌ فَيَظْهَرَ مَا يَنْبَغِي‌ العَمَلُ بِهِ ».

 ثمّ يقول‌: « الذي‌ يرجح‌ في‌ نظر الكاتب‌ هو أنَّ كتاب‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » في‌ هذه‌ الكيفيّة‌ الموجودة‌ وبهذه‌ التعبيرات‌ المغايرة‌ لسائر الآثار الثابتة‌ والمسلّمة‌ للائمّة‌ الاطهار علیهم‌ السلام‌، لا يمكن‌ أن‌ يكون‌ صادراً عن‌ الإمام الصادق‌ سلام‌ الله‌ علیه‌.

 ومن‌ المقطوع‌ والمجزوم‌ به‌ أنـّة‌ ليس‌ للإمام الصادق‌، لكن‌ من‌ الممكن‌ أنّ مؤلّف‌ الكتاب‌ الذي‌ هو بحسب‌ الظاهر من‌ المتصوّفة‌ قد كان‌ شيعي‌ّ المذهب‌، وقد جمع‌ المضامين‌ الصادرة‌ عن‌ الإمام علیه‌ السلام‌ وأدّاها بالتعبيرات‌ المعهودة‌ بين‌ المتصوّفة‌. إذَن‌، بهذا الرأي‌ يمكن‌ أن‌ يستفاد من‌ هذا الكتاب‌ إلی‌ الحدّ الاقصي‌ الممكن‌ في‌ باب‌ تهذيب‌ الاخلاق‌، وتزكية‌ النفس‌، وتصفية‌ الباطن‌، وتخلية‌ القلب‌ من‌ الرذائل‌ وتحليته‌ بالفضائل‌ بالبيان‌ الذي‌ مرّ، وخصوصاً مع‌ الالتفات‌ إلی‌ العناية‌ الخاصّة‌ لابن‌ طاووس‌ والشهيد الثاني‌ وأتباعهما رضوان‌ الله‌ علیهما وعلیهم‌ بهذا الكتاب‌، كما ذكر في‌ بداية‌ البحث‌. وَالسَّلاَمُ عَلَیمَنِ اتَّبَعَ الهُدَي‌».

 بعد هذا قام‌ المرحوم‌ المحدّث‌، ومن‌ خلال‌ تفصيل‌ وتوضيح‌ أكثر، بذكر كلام‌ المرحوم‌ الحاجّ الشيخ‌ علی‌ أكبر النهاوندي‌ّ وإثباته‌ لهذا الكتاب‌ بالاستفادة‌ من‌ أدلّة‌ الحاجّ الشيخ‌ حسين‌ النوري‌ّ في‌ خاتمة‌ « المستدرك‌ » ثمّ إضافة‌ مطالب‌ من‌ عنده‌، وختم‌ ذلك‌ بكلام‌ المرحوم‌ النهاوندي‌ّ الذي‌ يؤكّد علی‌ تأييد الكتاب‌ بإصرار فيقول‌:

 « أفضل‌ من‌ جميع‌ الادلّة‌ في‌ اعتبار هذا الكتاب‌ أدلّة‌ المحدّث‌ النوري‌ّ رحمه‌الله‌ في‌ خاتمة‌ « المستدرك‌ » وهي‌ مع‌ وجودها أيضاً ليست‌ كافية‌ في‌ إثبات‌ اعتبار هذا الكتاب‌ لكن‌ كما قلنا مراراً نقول‌ مرّة‌ أُخري‌ أيضاً إنَّ هذا الكتاب‌ مع‌ أنـّه‌ بهذا الوضع‌ والكيفيّة‌ والاُسلوب‌ الذي‌ لايمكن‌ كونه‌ للصادق‌ علیه‌ السلام‌ بنحو القطع‌ وإلیقين‌ ( وأدلّة‌ هذا المطلب‌ واضحة‌ ومشهودة‌ في‌ كلّ باب‌ من‌ ملاحظة‌ عبارات‌ ذلك‌ الباب‌ الذي‌ هو متن‌ الكتاب‌ ) لكن‌ بما أنَّ موضوع‌ الكتاب‌ علی‌ الغالب‌ أخلاق‌ وآداب‌ ومواعظ‌ ونصائح‌ ونظائر ذلك‌ فالعمل‌ بها مفيد وإن‌ لم‌ يكن‌ قائلها إمام‌ معصوم‌ مفترض‌ الطاعة‌، أي‌ الإمام الصادق‌ سلام‌ الله‌ علیه‌ وعلی‌ آبائه‌ الطاهرين‌ علی‌ التفصيل‌ الذي‌ قد مرّ. هَذَا مَا عِنْدَنَا، وَالسَّلاَمُ عَلَیمَنِ اتَّبَعَ الهُدَي‌ »،

 يتحصّل‌ من‌ ملخّص‌ ومحصّل‌ كلام‌ هذين‌ الجليلين‌ ـأي‌ المرحوم‌ المحدّث‌ النهاوندي‌ّ والمرحوم‌ المحدّث‌ الاُرموي‌ّـ أنَّ سند هذا الكتاب‌ غيركافٍ، ونحن‌ نعمل‌ به‌ من‌ باب‌ التسامح‌ في‌ أدلّة‌ السنن‌، وذلك‌ لعدم‌وجود حكم‌ شرعي‌ّ في‌ هذا الكتاب‌، وإذا وجد فهو حكم‌ واحد أو حكمان‌ لاأكثر، ويكون‌ مؤيّداً بالاخبار الصحيحة‌ الواردة‌ عن‌ الإمام علیه‌ السلام‌. ولذا فسوف‌ يكون‌ قطعي‌ّ الصدور.

 وبما أنَّ جميع‌ مضامين‌ هذا الكتاب‌ أخلاقيّة‌، فيمكننا العمل‌ بها، علی‌ الرغم‌ من‌ عدم‌ثبوت‌ نسبته‌ للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌. هذا مفاد كلامه‌.

 ] يقول‌ المؤ لّف‌ [: هنا يجب‌ القول‌: إنَّه‌ من‌ المؤسف‌ جدّاً إسقاط‌ الكتاب‌ عن‌ درجة‌ الاعتبار من‌ خلال‌ التمسّك‌ بأحاديث‌ التسامح‌ في‌ أدلّة‌ السنن‌ وعدّ المطالب‌ العرفانيّة‌ العميقة‌ والعظيمة‌ والحاكمة‌ علی‌ الفقه‌ وأعمال‌ الجوارح‌ والمؤسِّسة‌ للعقائد والإيمان‌ ولسرّ وولاية‌ الإنسان‌، أدون‌ وأقلّ من‌ الفقه‌ الظاهري‌ّ باعتبارها في‌ حكم‌ المستحبّات‌ والاعمال‌ العاديّة‌؛ والقول‌: إنَّه‌ لاإشكال‌ في‌ العمل‌ بمضمونه‌، لانـّه‌ يرجع‌ إلی‌ الاخلاقيّات‌، وهي‌ ليست‌ بتلك‌ الاهمّيّة‌، مع‌ أنَّ المسألة‌ ليست‌ مسألة‌ أُمور متعارفة‌ شخصيّة‌ وأخلاقيّات‌ عاديّة‌، وإنّما يدور الكلام‌ حول‌ رموز وأسرار عرفانيّة‌، وحول‌ سرّ وحقيقة‌ عروج‌ الإنسان‌ إلی‌ مقام‌ التقرّب‌، وبيان‌ بواطن‌ وحقائق‌ القرآن‌.

 فكيف‌ يمكننا أن‌ نثبت‌ جواز العمل‌ في‌ هذه‌ المطالب‌ بالتسامح‌ في‌ أدلّة‌ السنن‌؟ فحيثما يعبّرون‌ عن‌ الامر بالتسامح‌ في‌ الادلّة‌ يكون‌ مؤدّي‌ ذلك‌ إهمال‌ ذلك‌ الامر وعدم‌ اعتباره‌، إذ هذا هو معني‌ كلامهم‌.

 وسبب‌ هذا الحمل‌ ونوعه‌ هو: أنَّ الاخبار الواردة‌ في‌ هذا الكتاب‌ ذات‌ معانٍ راقية‌ وعميقة‌ لم‌ يتوصّلوا إلی‌ إدراك‌ حقيقتها، وبما أنـّهم‌ عجزوا عن‌ إيصال‌ أنفسهم‌ إلی‌ ذلك‌ المستوي‌ وتحقيق‌ المطابقة‌ بين‌ وجودهم‌ وتلك‌ المعاني‌ الدقيقة‌ والظريفة‌، لذا قالوا إنَّها ليست‌ صادرة‌ عن‌ الإمام وأنكروا ذلك‌، ممّا وفّر علیهم‌ تجشّم‌ العناء.

 لكنَّ هذا العمل‌ غير صحيح‌، وهذه‌ الطريقة‌ في‌ الواقع‌ ليست‌ إسقاطاً للروايات‌ فحسب‌، بل‌ هي‌ بشكل‌ عامّ إسقاطٌ لجميع‌ المعارف‌ والدقائق‌ واللطائف‌ التي‌ وردت‌ في‌ الروايات‌ وكانت‌ أرقي‌ من‌ مستوي‌ الافكار العاديّة‌ للناس‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

      

ارجاعات

[1] ـ «الميزان‌» ج‌ 6، ص‌ 182، طبعة‌ الآخوندي‌ّ. ويبلغ‌ عدد الروايات‌ المنقولة‌ عن‌ «الغرر والدرر» اثنا وعشرون‌ رواية‌؛ ولو تفحّص‌ الإنسان‌ في‌ هذا الكتاب‌ الشريف‌ بشكل‌ كاف‌ لعثر علی‌ تعابير مختلفة‌ أُخري‌ حول‌ أهمّيّة‌ النفس‌.

[2] ـ ورد في‌ «مصباح‌ الشريعة‌» تحقيق‌ ومقدّمة‌ العالم‌ الجليل‌ الحاجّ الشيخ‌ حسن‌ المصطفوي‌ّ رحمة‌ الله‌ علیه‌ ص‌ 41، باب‌ 62، طبعة‌ سنة ‌ 1379هـ : وَقَالَ علی‌ٌّ علیهِ السَّلاَمُ: اطْلُبُوا العِلْمَ وَلَو بِالصِينِ. وَهُوَ عِلْمُ مَعْرِفَة‌ النَّفْسِ، وَفِيهِ مَعْرِفَةُ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ. ثمّ قال‌ بعد ذلك‌: قَالَ النَّبِي‌ُّ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ. وقد نقل‌ عين‌ هاتين‌ الروايتين‌ عن‌ «مصباح‌ الشريعة‌» الملاّ محسن‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ في‌ كتاب‌ «المحجّة‌ البيضاء» ج‌ 1، ص‌ 68.

[3] ـ الشرح‌ الفارسي‌ّ لـ « مصباح‌ الشريعة‌ ومفتاح‌ الحقيقة‌ » للملاّ عبد الرزّاق‌ الجيلاني‌ّ، ج‌ 2، ص‌ 67 إلی‌ 72، وتحت‌ رقم‌ 351 إلی‌ 356 مع‌ تصحيح‌ وتعلیق‌ المير السيّد جلال‌الدين‌ المحدِّث‌ الاُرموي‌ّ.

[4] ـ «بحار الانوار» ج‌ 1، ص‌ 101، باب‌ النهي‌ عن‌ القول‌ بغير علم‌، طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[5] ـ «مستدرك‌ الوسائل‌» ج‌ 3، ص‌ 194، باب‌ ما يتعلّق‌ بأبواب‌ صفات‌ القاضي‌ وما يجوز أن‌ يقضي‌ به‌.

[6] ـ «المحجّة‌ البيضاء» ج‌ 1، ص‌ 167.

[7] ـ «مصباح‌ الشريعة‌» ص‌ 41 و 42، باب‌ 63، طبعة‌ نشر كتاب‌، مع‌ تصحيح‌ السيّد حسن‌ المصطفوي‌ّ.

[8] ـ «الامان‌ من‌ أخطار الاسفار والازمان‌» ص‌ 78، باب‌ 6، فصل‌ 7، طبعة‌ النجف‌.

[9] ـ هو الجدّ الرابع‌ للمؤ لّف‌ من‌ ناحية‌ الاُمّ رضوان‌ الله‌ علیه‌، أي‌ هو أب‌ أُمّ أُمّ أُمّ أُمّ المؤ لّف‌. وعلیه‌، يكون‌ ابن‌ الحاجّ الملاّ أحمد النراقي‌ّ خال‌ المؤ لّف‌ لاُمّه‌، وابنه‌ الحاجّ الملاّ محمّد النراقي‌ّ ابن‌ خال‌ المؤ لّف‌ لاُمّه‌.

[10] ـ «مستدرك‌ الوسائل‌» ج‌ 3، ص‌ 329.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب ولایة الفقیه فی حکومة الاسلام / المجلد الثالث / القسم الثانی: حول کتاب مصباح الشریعة، اختلاف الروایات

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

      

الصفحة السابقة

تحقيق‌ لعالم‌ معاصر حول‌ تدوين‌ «المصباح‌» أواخر القرن‌ الثاني‌

 ويستنتج‌ أحد أخيار المعاصرين‌ الذي‌ كتب‌ مقدّمة‌ علی‌ كتاب‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » المطبوع‌ أخيراً، وبعد بحث‌ مفصّل‌ ما يلي‌:

 وَالَّذِي‌ خَطَرَ بِبَإلی‌ وَأَرَاهُ حَقَّاً: أَنَّ هَذَا الكِتَابَ الشَّرِيفَ قَدْ جُمِعَ بَعْدَ القَرْنِ الثَّانِي‌، وَأَ لَّفَهُ مُؤَلِّفُهُ النِّحْرِيرُ الفَاضِلُ المُوَحِّدُ العَالِمُ الرَّبَّانِي‌ُّ فِي‌ قِبَالِ مَذَاهِبَ أُخَرَ، وَجَمَعَهُ تَأْيِيدَاً لِمَذْهَبِ الشِّيعَةِ الجَعْفَرِيَّةِ وَلِتَرْوِيجِ وَتَبْيِينِ أَخْلاَقِهِمْ وَتَحْكِمِ مَبَانِيهِمْ؛ وَبِهَذَا النَّظَرِ نَسَبَهُ إلَی‌ مُؤَسِّسِ المَذْهَبِ وَمُبَيِّنِ الطَّرِيقَةِ الحَقَّةِ الإمَامِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ علیهِ وَعلی‌ آبَائِهِ أَفْضَلُ التَّحِيَّة‌.

 وَلَمَّا كَانَ غَرَضُ المُؤَلِّفِ المُعَظَّمِ لَهُ رِضْوَانُ اللَهِ علیهِ فِي‌ تَإلیفِ هَذَا الكِتَابِ تَثْبِيتَ مَسْلَكِ الشِّيعَةِ وَتَحْقِيقَ مَذْهَبِ الجَعْفَرِيَّة‌ فِي‌ مُقَابِلِ مَذَاهِبَ أُخَرَ، فَيَكُونُ نَقْلُ الكَلاَمِ مِمَّنْ يُقْبَلُ كَلاَمُهُ مِنَ المُخَالِفِينَ لَطِيفَاً وَحَسَنَاً، تَأْيِيدَاً لِلْمَذْهَبِ وَتَحْكِيمَاً لِلْمَبْنَي‌.

 وَالَّذِي‌ نَقْطَعُ بِهِ: هُوَ أَنَّ مُؤَلِّفَ هَذَا الكِتابِ الشَّرِيفِ أَحَدُ العُلَمَاءِ المُحَقِّقِينَ، وَمِنْ أَهْلِ المَعْرِفَةِ وَإلیقِينِ، وَمِنْ أَعَاظِمِ رُؤَسَاءِ الرُّوحَانِيِّينَ، وَمِنْ أَكَابِرِ مَشَايِخِ المُتَأَ لِّهِينَ، وَمِنْ أَجِلاَّءِ أَصَحابِنَا المُتَقَدِّمِينَ.

 وَكِتَابُهُ هَذَا أَحْسَنُ كِتَابٍ فِي‌ بابِهِ، لَمْ يُؤَ لَّفْ نَظِيرُهُ إلَی‌ الآنَ؛ جَمَعَ فِي‌ اخْتِصَارِهِ لَطَائِفَ المَعَانِي‌، وَحَقَائِقَ لَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ مِنَ الكُتُبِ؛ فَلِلَّهِ دَرُّ مُؤَلِّفِهِ.

 وَيَكْفِي‌ فِي‌ مَقَامِ عَظَمَةِ هَذَا الكِتَابِ الشَّرِيفِ ـ كَمَا قُلْنَاه ُـ اشْتِبَاهُ جَمْعٍ مِنَ الاَعَاظِمِ وَالقَولُ بِأَ نَّهُ مِنْ تَإلیفِ الإمَامِ جَعْفَرِبْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ علیهِ السَّلاَمُ، أُو مِنْ تَقْرِيرِهِ وَإمْلاَئِهِ؛ وَكَفَي‌ بِهِ فَضْلاً وَمَقَامَاً. [1]

 كان‌ هذا كلامه‌، ومحصّله‌: أنَّ هذا الكتاب‌ ليس‌ للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ التحقيق‌، وأ نَّه‌ قد أُ لِّفَ بعد القرن‌ الثاني‌، أي‌ بعد مضي‌ أكثر من‌ نصف‌ قرن‌ علی‌ وفاة‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ ( لانَّ شهادة‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ في‌ سنة‌ مائة‌ وثمان‌ وأربعين‌، وقد أُ لِّف‌ هذا الكتاب‌ بعد القرن‌ الثاني‌ )، لكن‌ لم‌ يُعلم‌ زمان‌ تإلیفه‌ علی‌ التحديد.

 والباعث‌ علی‌ تإلیفه‌ هو أنَّ بعض‌ الحكماء المتأ لّهين‌ والعلماء الربّانيّين‌ والراسخين‌ في‌ العلم‌ من‌ فقهاء الشيعة‌ المهمّين‌ والحائزين‌ علی‌ مقام‌ الربّانيّة‌ والروحيّة‌، ومن‌ خلّص‌ الشيعة‌، لمّا رأوا انتشار مطالب‌ باسم‌ العرفان‌ والتوحيد والإلهيّات‌ والدعوة‌ إلی‌ الله‌، وأ نَّها موضوعات‌ مثيرة‌ للانتباه‌ أيضاً، وأنَّ أصحابها يجذبون‌ الناس‌ إلیهم‌ بهذه‌ الوسيلة‌ مع‌ أ نَّهم‌ لم‌يكونوا علی‌ الحقّ ( بإبعادهم‌ الاُمَّة‌ عن‌ مذهب‌ أهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌ ) لذا انبروا إلی‌ تإلیف‌ كتاب‌ تأييداً للمذهب‌ وتحكيماً لاساس‌ الشريعة‌ الحقّة‌ المحقّة‌ بهذا الشكل‌ وهذه‌ الصورة‌ بنحو كانت‌ جميع‌ مضامينه‌ مضامين‌ حقّة‌ وموجودة‌ في‌ الدين‌ المبين‌ أيضاً.

 وأمّا السبب‌ في‌ نسبته‌ إلی‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ دون‌ سائر الائمّة‌، فباعتبار أنَّ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ هو رئيس‌ المذهب‌، ومذهبنا منسوب‌ إلیه‌، فأرادوا القول‌ بأنَّ هذه‌ العقائد هي‌ نفس‌ العقائد الصادقيّة‌، وقصدوا بذلك‌ أن‌ يدعوا الناس‌ إلی‌ عدم‌ التوجّه‌ إلی‌ الآخرين‌، بتوهّم‌ وجود هذه‌ المطالب‌ الظريفة‌ والدقيقة‌ عند الفرق‌ الاُخري‌، وإنَّما هي‌ عن‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، وقد تكلّم‌ بها الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌.

 وعندئذٍ فإذا شاهدنا أ نَّه‌ قد نقلت‌ بعض‌ المطالب‌ من‌ بينها أحياناً عن‌ آخرين‌ كسفيان‌ بن‌ عيينة‌ والربيع‌ بن‌ خُثيم‌ وأمثالهما فلاجل‌ تأييد هذه‌ المطالب‌ عند الآخرين‌ من‌ الذين‌ يعتمدون‌ علی‌ كلام‌ الزهّاد الثمانية‌ وأمثالهم‌، وهذا لا يعني‌ أنَّ الذين‌ جمعوا الكتاب‌ يعتقدون‌ بهم‌ حقّاً.

 فهذا ما استنتجه‌ من‌ هذا الكتاب‌ وبيّنه‌ بهذا الشكل‌.

 ولنري‌ الآن‌: هل‌ هذا الكلام‌ مقبول‌، بأن‌ يطرح‌ الإنسان‌ أساس‌ وبنيان‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » بهذا النحو ويقول‌: إنَّه‌ قد جاء شخص‌ بعد قرنين‌ من‌ زمان‌ شريعة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، وبعد نصف‌ قرن‌ من‌ زمان‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ أقلّ التقادير وأ لَّف‌ كتاباً من‌ عند نفسه‌، وقال‌ فيه‌: قالَ الصَّادق‌، قالَ الصَّادق‌؛ مع‌ أ نَّه‌ لم‌ يكن‌ من‌ كلام‌ الإمام الصادق‌؟! وإنَّ هذه‌ المطالب‌ استنباطات‌ وليست‌ من‌ كلام‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ وحده‌، وقد جُمعت‌ من‌ كلام‌ الائمّة‌ ورسول‌ الله‌ وأميرالمؤمنين‌ علیهم‌ الصلاة‌ والسلام‌. فهل‌ يستطيع‌ المرء أن‌ يخرج‌ ما يراه‌ مسلّماً في‌ مذهب‌ الشيعة‌ في‌ قالب‌ عباراته‌ الخاصّة‌ ( مثل‌ الآداب‌ المذكورة‌ في‌ هذا الكتاب‌ الشريف‌ ) ويقول‌: قال‌ الصادق‌، فهل‌ هذا صحيح‌؟!

 فهل‌ بقي‌ مذهب‌ الشيعة‌ وحيداً وضعيفاً إلی‌ هذا الحدّ؟ وهل‌ بقي‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ وحيداً وضعيفاً إلی‌ هذا الحدّ لكي‌ نأتي‌ فنضع‌ رواية‌ من‌ عندنا وننسبها إلیه‌ تأييداً للمذهب‌؟! إنَّ هذا الكلام‌ غيرتامّ.

 وإضافة‌ إلی‌ ذلك‌، فبأي‌ّ دليل‌ يمكن‌ القول‌ إنَّ هذا الكتاب‌ قد أُ لِّف‌ بعد القرن‌ الثاني‌؟

 الرجوع الي الفهرس

ردّ صاحب‌ «المستدرك‌» علی‌ صاحب‌ «رياض‌ العلماء»

 أمّا قول‌ الملاّ عبد الله‌ الافندي‌ّ بأنَّ هذا الكتاب‌ ليس‌ من‌ تإلیف‌ هشام‌بن‌ الحكم‌أيضاً، وذلك‌ لذكره‌ أسماء أشخاص‌ كانوا بعد هشام‌، فقد كان‌ هشام‌ معاصراً للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ ومن‌ طلاّبه‌. وإذا ثبت‌ أنَّ هؤلاء الاشخاص‌ من‌ المتأخّرين‌ عن‌ زمان‌ هشام‌ فلا تكون‌ نسبة‌ هذا الكتاب‌ إلیه‌ صحيحة‌. فقد ردّ الحاجّ النوري‌ّ هذا الكلام‌ وقال‌: إنَّ الاشخاص‌ الذين‌ ذُكرت‌ أسماؤهم‌ في‌ هذا الكتاب‌ ( مثل‌: سلمان‌، أبو ذرّ، وهب‌بن‌ منبّه‌، هرم‌بن‌ حيّان‌، أُويس‌ القرني‌ّ، زيد بن‌ ثابت‌، وأبو الدرداء وغيرهم‌ ) كلّهم‌ كانوا قبل‌ هشام‌، ما عدا سفيان‌ بن‌ عيينة‌ الذي‌ كان‌ معاصراً له‌.

 والحاجّ النوري‌ّ يعترض‌ علی‌ صاحب‌ « رياض‌ العلماء » قائلاً: إنّي‌ لاعجب‌ منه‌ في‌ العلم‌، كيف‌ يرتكب‌ خطأ كهذا مع‌ إحاطته‌ وتبحّره‌ في‌ العلم‌. ويقول‌: إنَّ بعض‌ هؤلاء الاشخاص‌ قد كانوا بعد هشام‌.

 نعم‌؛ يوجد هنا أمر وهو محلّ كلام‌، حيث‌: إذا كان‌ هذا الكتاب‌ من‌ عبارات‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، فكيف‌ يستشهد الإمام بكلام‌ سفيان‌بن‌ عيينة‌ الذي‌ لم‌يكن‌ قد تجاوز سنّ الشباب‌ في‌ زمام‌ الإمام الصادق‌؟!

 كانت‌ وفاة‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، علی‌ ما يبدو، في‌ السابعة‌ والستّين‌ من‌ عمره‌، سنة‌ مائة‌ وثمان‌ وأربعين‌، بينما توفّي‌ سفيان‌بن‌ عيينة‌ أواخر القرن‌ الثاني‌، أي‌ بعد سنة‌ مائة‌ وتسعين‌؛ فقد عاش‌ ما يقرب‌ خمسين‌ سنة‌ بعد الإمام الصادق‌. ولذا يكون‌ في‌ زمان‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ لايزال‌ شابّاً.

 ولم‌ يكن‌ بشكل‌ من‌ الاشكال‌ بمستوي‌ تشيّع‌ وتديّن‌ هشام‌بن‌ الحكم‌، بل‌ كان‌ شخصاً منحرفاً، وكلامه‌ بالنسبة‌ لنا ـنحن‌ الشيعة‌ـ غيرقابل‌ للاحتجاج‌ به‌، فمن‌ المستبعد جدّاً أن‌ يستشهد الإمام علیه‌ السلام‌ بكلام‌ شابّ منحرف‌.

 وعلی‌ أيّة‌ حال‌، فليس‌ من‌ الصحيح‌ أن‌ ننسب‌ الكتاب‌ إلی‌ أحد كبار علماء الشيعة‌ ( لانَّ المسلّم‌ به‌ أنَّ الذي‌ أ لَّف‌ هذا الكتاب‌ فقيه‌ شيعي‌ّ عارف‌ بالفقه‌ الاكبر والفقه‌ الاصغر معاً، وعالم‌ بالرموز والدقائق‌ العرفانيّة‌ وبروح‌ التوحيد ) دون‌ أن‌ يكون‌ قد ذكر اسمه‌، وقد جعل‌ هذه‌ العبارات‌ من‌ عنده‌ ونسبها للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌!

 الرجوع الي الفهرس

الشواهد الدالّة‌ علی‌ أنَّ «المصباح‌» ليس‌ من‌ كتابة‌ الإمام‌ الصادق‌

 ولكن‌ هل‌ نستطيع‌ أن‌ نقول‌ إنَّ هذا الكتاب‌ من‌ تإلیف‌ نفس‌ الإمام، وإنَّ الإمام علیه‌ السلام‌ هو الذي‌ كتبه‌ بقلمه‌، وإنَّه‌ قال‌: قَالَ الصَّادِقُ علیهِ السَّلاَمُ كَذَا؟!

 لا يمكن‌ نسبة‌ هذا الادّعاء وذلك‌، أوّلاً: لا نَّه‌ يقول‌ في‌ صدر « مصباح‌ الشريعة‌ »: أَمَّا بَعْدُ؛ فَهَذَا كِتَابُ «مِصْبَاحِ الشَّرِيعَةِ وَمِفْتَاحِ الحَقِيقَةِ» مِنْ كَلاَمِ الإمَامِ الحَاذِقِ وَفَيَّاضِ الحَقَائِقِ، جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ، عَلَیآبَائِهِ وَعلیهِ السَّلاَمُ. وعندما يكتب‌ الإنسان‌ كتاباً من‌ عند نفسه‌ لايذكر هذه‌ العبارات‌ قائلاً: أنا فيّاض‌ الحقائق‌ والإمام الحاذق‌، بل‌ يقول‌ ـمثلاًـ كما في‌ بعض‌ الروايات‌: هَذا مَا قَالَهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ.

 وثانياً: لقد ذكر في‌ صدر جميع‌ أبواب‌ هذا الكتاب‌: قَالَ الصَّادِقُ علیهِ السَّلاَمُ. ولو كان‌ هذا الكلام‌ من‌ إملائه‌ علیه‌ السلام‌ لما قال‌: قَالَ الصَّادِقُ علیهِ السَّلاَمُ، لانَّ الصادق‌ لقب‌ له‌، لا أ نَّه‌ علیه‌ السلام‌ يسمّي‌ نفسه‌ به‌، والذي‌ ينبغي‌ قوله‌، مثلاً: قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. ولما قال‌ كذلك‌ في‌ حقّ نفسه‌ علیه‌ السلام‌، ولكن‌ يقول‌ قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ غَفَرَ اللَهُ لَهُ، أو ماشابه‌ هذا التعبير.

 وعلی‌ هذا، فالمسلّم‌ به‌ أنَّ هذا الكتاب‌ ليس‌ من‌ خطّ وتإلیف‌ وكتابة‌ نفس‌ الإمام علیه‌ السلام‌. نعم‌؛ من‌ الممكن‌ أن‌ يكون‌ الإمام قد أملاه‌ علی‌ شخص‌ آخر، وقام‌ هذا بكتابته‌. وهذا أُسلوب‌ رائج‌ ودارج‌، فيضيف‌ الكاتب‌ من‌ عنده‌ لفظ‌ « علیه‌ السلام‌ » ويقول‌: قَالَ الصَّادِقُ علیهِ السَّلاَمُ، كما يذكر في‌ صدر الكتاب‌ عبارة‌: أنَّ هذا الكتاب‌ ليس‌ من‌ تإلیفي‌، وهو عن‌ الإمام الحاذق‌ وفيّاض‌ الحقائق‌ جعفر بن‌ محمّد الصادق‌، وهذا ممّا لاإشكال‌ فيه‌.

 لكنَّ العلاّمة‌ النوري‌ّ رحمه‌ الله‌ يقول‌ هنا: يجب‌ أن‌ يتّضح‌ الموضوع‌ آخر الامر ونري‌ مقالة‌ أُولئك‌ الذين‌ يشكّكون‌ في‌ هذا الكتاب‌، فهل‌ يقولون‌: إنَّ هذا الكتاب‌ تإلیف‌ أشخاص‌ كانوا قبل‌ الإمام الصادق‌ وظلّوا إلی‌ زمانه‌، وإنَّه‌ قد نُسب‌ فيما بعد إلی‌ الإمام الصادق‌؟

 فهذا كلام‌ لا يمكن‌ قبوله‌، لا نَّه‌ وإن‌ كان‌ يوجد في‌ هذا الكتاب‌ مطالب‌ دقيقة‌ في‌ علم‌ التصوّف‌، وقد ذُكر فيه‌ أشخاص‌ مثل‌ طاووس‌ إلیماني‌ّ ومالك‌بن‌ دينار وثابت‌ البناني‌ّ وأبي‌ أيّوب‌ السجستاني‌ّ وحبيب‌ الفارسي‌ّ وصالح‌ المُرّي‌ّ وأمثالهم‌ ( من‌ المتصوّفين‌ الذين‌ كانوا قبل‌ عصر الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ )، لكن‌ لم‌ يُذكر لهؤلاء كِتَابٌ يُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّ «المِصْبَاحَ» عَلَیأُسْلُوبِهِ لكي‌ نقول‌: إنَّ كتاب‌ « المصباح‌ » هو ذلك‌ الكتاب‌، أو إنَّه‌ مقتبس‌ ومأخوذ منه‌.

 وَمِنَ الجَائِزِ أَن‌ يَكُونَ الاَمْرُ بِالعَكْسِ، أي‌ أنَّ أُولئك‌ المتصوّفين‌ المعاصرين‌ للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أو المتأخّرين‌ عنه‌ قد سلكوا هذه‌ المعاني‌ علی‌ طريقة‌ الإمام وأخذوا من‌ كلماته‌ الحقّة‌ ومزجوه‌ بِضِغْثٍ مِنْ أَبَاطِيلِهِمْ، كَمَا هُوَ طَرِيقَةُ كُلِّ مُبْدِعٍ مُضِلٍ، ومن‌ ثمّ قاموا بنشره‌.

 وَيُؤَيِّدُهُ اتِّصَالُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ إلَیهِ وَإلَی‌ الاَئِمَّةِ مِن‌ وُلْدِهِ كَشَقِيقِ البَلْخِي‌ِّ وَمَعْرُوفٍ الكَرْخِي‌ِّ وَأَبِي‌ يَزيدٍ البَسْطَامِي‌ِّ (طَيْفُور السَّقَّاء) كَمَا يَظْهَرُ مِن‌ تَرَاجِمِهِمْ فِي‌ كُتُبِ الفَرِيقَيْنِ، فَيَكُونُ مَا أُ لِّفَ بَعْدَهُ عَلَیأُسْلُوبِهِ وَوَتِيرَتِهِ.

 انتبهوا جيّداً إلی‌ ما يريد أن‌ يقوله‌ رحمه‌ الله‌!

 الرجوع الي الفهرس

«المصباح‌» ك «تحف‌ العقول‌» و«إرشاد القلوب‌» في‌ التلقّي‌ بالقبول‌

 ثمّ يجيب‌ علی‌ الإشكال‌ الذي‌ أُورد علی‌ « المصباح‌ » بفقدانه‌ للسند، فيقول‌: لدينا الآن‌ كتباً كثيرة‌ لا تمتلك‌ سنداً في‌ الواقع‌، لكنّها تُلقّيت‌ بالقبول‌ شيئاً فشيئاً وصارت‌ جزءاً من‌ الكتب‌ المعوّل‌ علیها، وماذا ينقص‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » عنها لكي‌ تجعلوا تلك‌ الكتب‌ مداراً للعمل‌ دونه‌؟!

 فكتاب‌ « تحف‌ العقول‌ » للحسن‌ بن‌ علی‌ّ بن‌ شعبة‌ الذي‌ لم‌ يكن‌ له‌ ولالمؤلّفه‌ ذكر بين‌ أصحابنا قبل‌ كتاب‌ « مجالس‌ المؤمنين‌ »، إلاَّ مَا نَقَلْنَاهُ عَنِ الشَّيخِ إبْرَاهِيمَ القَطِيفِي‌ّ في‌ الرسالة‌ التي‌ أ لّفها في‌ الفرقة‌ الناجية‌، فقد أورد ذكر « تحف‌ العقول‌ » ومؤلّفه‌، ثمّ قام‌ بعده‌ تبعاً له‌ الشيخ‌ الحرّ العاملي‌ّ رحمة‌الله‌ علیه‌ بنقل‌ روايات‌ كثيرة‌ في‌ كتاب‌ « وسائل‌ الشيعة‌ » عن‌ « تحف‌ العقول‌ ». وما يُستفاد في‌ « أمل‌ الآمل‌ » عن‌ « مجالس‌ المؤمنين‌ » للقاضي‌ نورالدين‌ الشوشتري‌ّ هو الاكتفاء بمدح‌ الكتاب‌ ومدح‌ كاتبه‌.

 ويُشابه‌ « تحف‌ العقول‌ » ومؤلّفه‌ في‌ عدم‌ الذكر وجهالة‌ الكتاب‌ وراويه‌، كتاب‌ « إرشاد القلوب‌ » للحسن‌ بن‌ أبي‌ الحسن‌ الدَّيلَمي‌ّ، وقد نقل‌ عنه‌ صاحب‌ « وسائل‌ الشيعة‌ » كثيراً، ويعدّه‌ من‌ جملة‌ الكتب‌ المعتمدة‌ التي‌ ينقل‌ عنها، وشهد بوثاقة‌ مؤلّفها، مع‌ أ نَّه‌ لم‌ يرد ذكر لهذا الكتاب‌ فيما وصلنا والشيخ‌ الحرّ من‌ مؤلّفات‌ الاصحاب‌ سِوَي‌ مَا نَقَلَهُ عَنِ الشَّيخِ عَنِ ابْنِ فَهْدٍ في‌ « عدّة‌ الداعي‌ » من‌ أ نَّه‌ قد ذكر مؤلّفه‌ الحسن‌ بن‌ أبي‌ الحسن‌ الديلمي‌ّ في‌ بعض‌ المواضع‌.

 لكن‌ من‌ أين‌ عرف‌ الشيخ‌ الحرّ العاملي‌ّ هذا الكتاب‌؟! وكيف‌ شهد بصحّته‌؟! فَهَلْ هَذَا إلاَّ تَهَافُتٌ فِي‌ المَذَاقِ وَتَنَاقُضٌ فِي‌ المَسْلَكِ؟!

 فإذا كان‌ اللازم‌ أن‌ يصل‌ إلیكم‌ الكتاب‌ من‌ الطريق‌ المتعارف‌ ويثبت‌ طريقه‌ إلی‌ الإمام وتطمئنُّوا لنسبته‌ إلی‌ الإمام، فكيف‌ تنقلون‌ في‌ كتابكم‌ عن‌ هذه‌ الكتب‌ دون‌ وجود المستندات‌ التي‌ تقولون‌ بها وتنهجون‌ علیها، فتنقلون‌ في‌ « المسالك‌ » عن‌ « تحف‌ العقول‌ » و « إرشاد الديلمي‌ّ » مع‌ أ نَّه‌ لم‌يكن‌ لهذين‌ الكتابين‌ من‌ أثر في‌ كتب‌ الاصحاب‌؟!

 فإن‌ قلتم‌: إنَّنا نتسامح‌ من‌ باب‌ التسامح‌ في‌ أدلّة‌ السنن‌، لانَّ كتابي‌ « تحف‌ العقول‌ » و « الإرشاد » يشتملان‌ غالباً علی‌ المطالب‌ الاخلاقيّة‌ لاعلی‌ الفروع‌ والاحكام‌.

 نقول‌ جواباً علی‌ ذلك‌: فلماذا إذَن‌ لم‌ تكفكم‌ شهادة‌ جميع‌ هؤلاء الاجلاّء الذين‌ اعتبروا « مصباح‌ الشريعة‌ » واعتمدوه‌؟! وماذا ينقص‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » عن‌ ذينك‌ الكتابين‌ لكي‌ ترونهما معتبرين‌، بينما ترون‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » بهذه‌ الشدّة‌؟! فدعوا ذينك‌ الكتابين‌ في‌ موضعيهما، وأضيفوا إلیها ثالثاً وهو « مصباح‌ الشريعة‌ » عن‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌!

 وكذلك‌ يطرح‌ نفس‌ السؤال‌ في‌ صحّة‌ نسبة‌ كتاب‌ « الاختصاص‌ » للشيخ‌ المفيد أيضاً، وَقَدْ تَسَامَحَ فِيهِ بِمَا لاَيَخْفَي‌ عَلَیالنَّاقِدِ البَصِيرِ. وفي‌ نسبته‌ إلی‌ الشيخ‌ المفيد كلام‌؛ فلا نستطيع‌ أن‌ نقول‌ إنَّ كتاب‌ « الاختصاص‌ » هو من‌ تإلیف‌ الشيخ‌ المفيد، وغاية‌ ما يمكن‌ قوله‌: إنَّ كتاب‌ « الاختصاص‌ » منسوب‌ إلی‌ الشيخ‌ المفيد.

 الرجوع الي الفهرس

يعتبر العلاّمة‌ النوري‌ّ قدّس‌ سرّه‌ «المصباح‌» لفضيل‌ بن‌ عياض‌

 ويصل‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ النوري‌ّ في‌ المطلب‌ إلی‌ هنا ثمّ يقول‌: لقد أُ لِّف‌ في‌ زمان‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ ستّة‌ كتب‌، جميع‌ مؤلّفيها من‌ طلاّب‌ وأصحاب‌ الإمام، وليس‌ في‌ أيدينا في‌ هذه‌ الايّام‌ شي‌ء من‌ هذه‌ الكتب‌، فلربّما كان‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » واحداً من‌ هذه‌ الكتب‌ الستّة‌. ويذكر النجاشي‌ّ خمسة‌ أشخاص‌ ممّن‌ أ لَّفوا كتباً في‌ زمان‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌.

 الاوّل‌: محمّد بن‌ مَيمون‌ أبو نصر الزعفراني‌ّ، عامّي‌ّ غَيْرَ أَنَّهُ رَوَي‌ عَنْ أَبِي‌ عَبْدِاللَهِ جَعْفَرِبْنِ مُحَمَّدٍ علیهِمَا السَّلاَمُ.

 الثاني‌: فُضيل‌ بن‌ عياض‌، بصري‌ّ ثقة‌، عامّي‌ّ وهو يروي‌ أيضاً عن‌ أبي‌عبدالله‌.

 الثالث‌: عبد الله‌ بن‌ أبي‌ أُويسّ بن‌ مالك‌ بن‌ أبي‌ عامر الاصبحي‌ّ؛ لَهُ نُسْخَةٌ عَنْ جَعْفَرِبْنِ مُحَمَّدٍ علیهِمَا السَّلاَمُ.

 الرابع‌: سفيان‌ بن‌ عُيَيْنَة‌ بن‌ أبي‌ عمران‌ الهلإلی‌ّ الذي‌ كان‌ جدّه‌ أبوعمران‌ أحد عمّال‌ خالد القَسْرِي‌ّ؛ وهو أيضاً يمتلك‌ نسخة‌ عن‌ جعفربن‌ محمّد علیهما السلام‌.

 الخامس‌: إبراهيم‌ بن‌ رجاء الشيباني‌ّ أبو إسحاق‌ المعروف‌ بابن‌ أبي‌ هراسة‌ وأُمّه‌ عامّيّة‌ المذهب‌، ويروي‌ عن‌ الحسن‌ بن‌ علی‌ّ بن‌ الحسين‌ علیهما السلام‌، وعن‌ عبد الله‌ بن‌ محمّد بن‌ عمر عن‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌، وعن‌ جعفربن‌ محمَّد علیهما السلام‌؛ وَلَهُ عَنْ جَعْفَرٍ علیهِ السَّلاَمُ نُسْخَةٌ.

 ويضيف‌ المرحوم‌ الشيخ‌ في‌ « الفهرست‌ » نسخة‌ أُخري‌ عن‌ جعفربن‌ بشير البجلي‌ّ، ويقول‌: ثِقَةٌ جَلِيلُ القَدْرِ؛ إلَی‌ أن‌ قَالَ: وَلَهُ كِتَابٌ يُنْسَبُ إلَی‌ جَعْفَرِبْنِ مُحَمَّدٍ علیهِمَا السَّلاَمُ رِوَايَةَ علی‌ِّ بْنِ مُوسَي‌ علیهِمَا السَّلاَمُ.

 يقول‌ العلاّمة‌ النوري‌ّ رحمه‌ الله‌: هذه‌ النسخ‌ الستّة‌ منسوبة‌ إلی‌ الإمام أبي‌ عبدالله‌ جعفر بن‌ محمّد الصادق‌ علیه‌ السلام‌، وهي‌ بالطبع‌ غير « الرسالة‌ الاهوازيّة‌ » والرسالة‌ التي‌ كتبها الإمام لاصحابه‌ والموجودة‌ في‌ أوّل‌ « روضة‌ الكافي‌ »، فَمِنَ الجَائِزِ أن‌ يَكُونَ إحْدِيْهِمَا «المِصْبَاحُ».

 فَلِمَ لا نقول‌: إنَّ كتاب‌ « المصباح‌ » هو أحد هذه‌ النسخ‌ الستّة‌ التي‌ نُقلت‌ لنا والتي‌ فقدناها الآن‌؟ خُصُوصَاً مَا نُسِبَ إلَی‌ الفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ؛ وَهُوَ مِنْ مَشَاهِيرِ الصُّوفِيَّةِ وَزُهَّادِهِم‌ حَقِيقَةً كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَوْثِيقِ النَّجَاشِي‌ّ؛ وَمَدَحَهُ الشَّيخُ بِالزُّهْدِ.

 لماذا لا نقول‌: إنَّ مضمون‌ الكتاب‌ يطابق‌ أفكار الفضيل‌، وهو من‌ تإلیفه‌؟ لانَّ الفضيل‌ هو من‌ أُولئك‌ الصوفيّين‌ الحقيقيّين‌ والزهّاد الواقعيّين‌ ومن‌ مشاهيرهم‌ ( لامن‌ أُولئك‌ الصوفيّين‌ المعاندين‌ والظاهريّين‌، أصحاب‌ الدكاكين‌) وقد وثّقه‌ الشيخ‌ النجاشي‌ّ أيضاً، ومدحه‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ بالزهد، فَلِمَ لا نقول‌ إنَّ هذه‌ النسخة‌ هي‌ نسخة‌ فُضيل‌؟ أي‌ أنَّ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ قد أملاها، وقام‌ فضيل‌ بكتابتها.

 وأضف‌ إلی‌ ذلك‌، تلك‌ الرواية‌ التي‌ في‌ « أمإلی‌ الصدوق‌ » والمنسوبة‌ إلی‌ فضيل‌بن‌ عياض‌ ويقول‌ فيها:

 سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ علیهِ السَّلاَمُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ المَكَاسِبِ فَنَهَانِي‌ عَنْهَا. وكما يبدو أ نَّها كانت‌ بعض‌ المكاسب‌ التي‌ لها جنبة‌ حكومة‌ وولاية‌ وترتبط‌ بالحاكم‌، فنهاه‌ الإمام علیه‌ السلام‌ عن‌ هذه‌ الاعمال‌ التي‌ لها علاقة‌ بالحكومة‌!

 وَقَالَ: يَا فُضَيْلُ! وَاللَهِ لَضَرَرُ هَؤُلاَءِ عَلَیهَذِهِ الاُمَّةِ أَشَدُّ مِنَ التُّرْكِ وَالدَّيْلَمِ.

 ثمّ قال‌ فضيل‌: وَسأَلْتُهُ عَنِ الوَرَعِ مِنَ النَّاسِ.

 قَالَ: الَّذِي‌ يَتَوَرَّعُ مِنْ مَحَارِمِ اللَهِ وَيَجْتَنِبُ هَؤُلاَءِ؛ وَإذَا لَمْيَتَّقِ الشُّبَهَاتِ وَقَعَ فِي‌ الحَرَامِ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُهُ؛ وَإذَا رَأَي‌ مُنْكَرَاً فَلَمْيُنْكِرْهُ وَهُوَ يَقْدِرُ علیهِ فَقَدْ أَحَبَّ أَن‌ يُعْصَي‌ اللَهُ. إنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَإلَی‌ حَمِدَ نَفْسَهُ عَلَیهَلاَكِ الظَّالِمِينَ فَقَالَ: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـ'لَمِينَ.

 ثمّ يقول‌ العلاّمة‌ النوري‌ّ: وَقَالَ الاُسْتاذُ الاَكبَرُ ـأي‌ الوحيد البهبهاني‌ّـ في‌ التَّعلیقَةِ: وَفي‌ هَذِهِ الرِّوَايَةِ رُبَّمَا يَكُونُ إشْعَاراً بأَنَّ فُضَيْلاً لَيْسَعَامِّيَّاً؛ فَتَأَمَّل‌! أي‌ أنَّ فُضيلَ لم‌ يكن‌ عامّي‌ّ المذهب‌، لانَّ جعفربن‌ محمّد الصادق‌ علیه‌ السلام‌ لا يقول‌ للشخص‌ المخالف‌: وَاللَهِ لَضَرَرُ هَؤُلاَءِ عَلَیهَذِهِ الاُمَّةِ أَشَدُّ مِنَ التُّرْكِ وَالدَّيْلَمِ؛ فيُعلم‌ من‌ هذا أنَّ فُضيل‌ من‌ هذه‌ الاُمَّة‌.

 ثُمَّ ذَكَرَ خَبَرَاً مِنَ «العُيُونِ» فِيهِ إشْعَارٌ بِعَامِّيَّتِهِ. وينقل‌ الكليني‌ّ عن‌ الفضيل‌ رواية‌ في‌ باب‌ الحسد، ورواية‌ أُخري‌ في‌ باب‌ الإيمان‌ والكفر، وثالثة‌ في‌ باب‌ الكفالة‌ والحوالة‌.

 ويتابع‌ العلاّمة‌ النوري‌ّ رحمه‌ الله‌ علیه‌ المطلب‌ إلی‌ هنا، ويستنتج‌ آخر الامر قائلاً:

 وَبِالجُمْلَةِ: فَلاَ أَسْتَبْعِدُ أَن‌ يَكُونَ «المِصْبَاحُ» هُوَ النُّسْخَةَ الَّتِي‌ رَوَاهَا الفُضَيلُ، وَهُوَ عَلَیمَذَاقِهِ وَمَسْلَكِهِ.

 وَالَّذِي‌ أَعْتَقِدُهُ: أَ نَّهُ جَمَعَهُ مِنْ مُلْتَقَطَاتِ كَلِمَاتِهِ علیهِ السَّلاَمُ فِي‌ مَجَالِسِ وَعْظِهِ وَنَصِيحَتِهِ؛ وَلَوْ فُرِضَ فِيهِ شَي‌ءٌ يُخَالِفُ مَضْمُونُهُ بَعْضَ مَا فِي‌ غَيْرِهِ وَتَعَذَّرَ تَأْوِيلُهُ، فَهُوَ مِنهُ عَلَیحَسَبِ مَذْهَبِهِ لاَمِنْ فِرْيَتِهِ وَكِذْبِهِ، فَإنَّهُ يُنَافِي‌ وَثَاقَتَهُ.

 وَقَدْ أَطْنَبْنَا الكَلاَمَ فِي‌ شَرْحِ حَالِ «المِصْبَاحِ» مَعَ قِلَّةِ مَا فِيهِ مِنَ الاَحْكَامِ، حِرْصَاً عَلَینَثْرِ المَآثِرِ الجَعْفَرِيَّةِ وَالآدَابِ الصَّادِقِيَّةِ، وَحِفْظَاً لاِبْنِ طَاوُوسٍ وَالشَّهِيدِ وَالكَفْعَمِي‌ِّ رَحِمَهُمُ اللَهُ تَعَإلَی‌ عَن‌ نِسْبَةِ الوَهْمِ والاشْتِبَاهِ إلَیهِمْ؛ وَاللَهُ العَاصِم‌.

 لقد كانت‌ هذه‌ مطالب‌ صاحب‌ « مستدرك‌ الوسائل‌ » في‌ خاتمته‌، وإلی‌ هنا ينتهي‌ كلامه‌؛ ويصل‌ الدور الآن‌ لنري‌ هل‌ كان‌ الامر كما ذكره‌ المرحوم‌ النوري‌ّ قدّس‌ الله‌ نفسه‌، أو هو بنحو آخر؟

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

 

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

مصرف کردن بدون تولید
آیه شریفه : وَ لَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ ... (سوره مبارکه سجده ، آیه 21)ترجمه : و ما به جز عذاب بزرگتر (در قیامت) از عذاب این دنیا نیز به آنان می چشانیم ...روایت : قال أبي جعفر ( ع ): ... و لله عز و جل عباد ملاعين مناكير ، لا يعيشون و لا يعيش الناس في أكنافهم و هم في عباده بمنزله الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .  (اصول کافی ، ج 8 ، ص 248 )ترجمه : امام باقر(ع) مي‌فرمايد: ... و خداوند بدگانی نفرین شده و ناهنجار دارد که مردم از تلاش آنان بهره مند نمی شوند و ایشان در میان مردم مانند ملخ هستند که به هر جیز برسند آن را می خورند و نابود می کنند.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید