الدرس‌ الخامس‌ والعشرون‌

الدرس‌ الخامس‌ والعشرون‌:

 لا تحلّ الفتيا لمن‌ لا يستفتي‌ من‌ الله‌ بصفاء سرّه‌

 

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّی اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی‌ِّ العَظِيمِ

 

 وردت‌ كلمة‌ « الفقه‌ » في‌ الروايات‌ بمعني‌ الفقه‌ بأُصول‌ المسائل‌ الدينيّة‌؛ فالفقيه‌ هو ذلك‌ الشخص‌ العارف‌ بالدين‌ والقرآن‌، البصير بالمعارف‌ الإلهيّة‌، المطّلع‌ علی‌ سيرة‌ رسول‌ الله‌ ومنهاج‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌، ولاينحصر الفقه‌ بالعلم‌ في‌ المسائل‌ الفرعيّة‌. فنحن‌ إذَن‌ لانستطيع‌ حمل‌ لفظ‌ « الفقه‌ » أو « الفقيه‌ » الوارد في‌ الروايات‌ علی‌ هذا المصطلح‌ الحادث‌.

 والمراد من‌ « الفقه‌ » لغةً هو الفهم‌، ويُطلق‌ لفظ‌ « الفقيه‌ » في‌ مصطلح‌ الروايات‌ علی‌ الشخص‌ العالم‌ بالمسائل‌ الدينيّة‌، الاعمّ من‌ المسائل‌ الاعتقاديّة‌ لاُصول‌ الدين‌ والمعارف‌ الإلهيّة‌ والمسائل‌ الاخلاقيّة‌ والمسائل‌ الشرعيّة‌ المتعلّقة‌ بأعمال‌ المكلّفين‌، وهو لا ينحصر بالعلم‌ بالمسائل‌ الشرعيّة‌ الفرعيّة‌. فما ذكره‌ الفقهاء رضوان‌ الله‌ علیهم‌ إذَن‌ من‌ قولهم‌ بأنَّ الفِقْه‌: هُوَ العِلْمُ بِالمَسائِلِ الشَّرْعِيَّةِ عَن‌ أَدِلَّتِها التَّفْصِيلِيَّة‌، هو مصطلح‌ حادث‌، ولايمكن‌ حصر الفقه‌ المصطلح‌ في‌ الروايات‌ في‌ حدود هذا المعني‌ الحادث‌.

 الرجوع الي الفهرس

رواية‌: اطْلُبُوا العِلْمَ وَلَو بِالصِينِ، وعلم‌ معرفة‌ النفس‌

 إنَّ كمال‌ الإنسان‌ في‌ دين‌ الإسلام بكمال‌ العلم‌ وفقاً لآيات‌ القرآن‌ والروايات‌، بل‌ لإجماع‌ ] روايات‌ [ الائمّة‌ المعصومين‌ سلام‌ الله‌ علیهم‌ أجمعين‌ العلم‌ بالاُمور التي‌ تمنح‌ روح‌ الإنسان‌ الكمال‌ وترتقي‌ به‌ من‌ مستوي‌ البهيميّة‌ إلی‌ ذروة‌ الإنسانيّة‌. وقد ذكرنا بأنَّ العلم‌ ينحصر في‌ موارد ثلاثة‌ هي‌: المعارف‌ الإلهيّة‌، والاخلاق‌، والفقه‌ الاصغر؛ وأمّا سائر العلوم‌ الاُخري‌ كالطبّ والفيزياء والكيمياء والجغرافيا والاحياء، وبشكل‌ عامّ جميع‌ العلوم‌ الطبيعيّة‌ والرياضيّة‌ والاجتماعيّة‌ وأمثال‌ ذلك‌، فهي‌ لاتحقّق‌ الكمال‌ الإنساني‌ّ، وشرفها ليس‌ بذاتي‌ّ وأصيل‌، بل‌ هو علی‌ نحو المقدّميّة‌.

 ولابدّ من‌ توفّر جميع‌ هذه‌ العلوم‌ في‌ المجتمع‌ الإسلامي‌ّ بالشكل‌ الاكمل‌، وعلی‌ أصحابها أن‌ لا يكتفوا بها، ولا يحسبوها علماً غائيّاً وكمالاً نهائيّاً لهم‌، بل‌ علیهم‌ أن‌ يتعاملوا معها كعلوم‌ إلیة‌ مقدّمة‌ لغيرها، ويسعوا بقدم‌ ثابتة‌ في‌ العلوم‌ الإلهيّة‌ والقرآنيّة‌، باتّجاه‌ كمالهم‌ المطلوب‌ والغائي‌ّ. وعلی‌ هذا؛ فالحاجة‌ إلی‌ هذه‌ العلوم‌ التي‌ هي‌ علوم‌ مادّيّة‌ حاجة‌، باعتبارها مقدّمةً لحياة‌ الإنسان‌، لا لكونها تمتلك‌ شرافة‌ ذاتيّة‌.

 ومن‌ المسلّم‌ به‌ أنـّنا نحتاج‌ في‌ حياتنا إلیوميّة‌ إلی‌ التنفّس‌ والطعام‌ والمسكن‌، فجميع‌ هذه‌ الاُمور من‌ المستلزمات‌ الضروريّة‌ للحياة‌، لكنّنا لانستطيع‌ أن‌ نحسب‌ هذا كمالاً لنا. فهناك‌ فرق‌ بين‌ الامر الذي‌ يحقّق‌ الكمال‌ للإنسان‌ وبين‌ الامر الذي‌ يحتاج‌ إلیه‌ في‌ حياته‌؛ فلو عاش‌ الإنسان‌ مائة‌ عام‌ براحة‌ بال‌ وحيويّة‌ وسالماً من‌ كلّ مرض‌ خلال‌ هذه‌ المدّة‌، ومن‌ ثمّ رحل‌ عن‌ هذه‌ الدنيا، فلا تقوي‌ أحسن‌ حالاته‌ من‌ أن‌ تكون‌ شبيهة‌ بحال‌ أسد أو نمر قد عاش‌ في‌ جبل‌ متمتّعاً بالصحّة‌ الجيّدة‌، ثمّ يدركه‌ الموت‌ أخيراً. وربّ كان‌ ذلك‌ الحيوان‌ أكثر تفوّقاً منه‌. فليست‌ هكذا أُمور مدعاة‌ للكمال‌، وما يحقّق‌ للإنسان‌ الكمال‌ هو الإنسانيّة‌؛ وإنسانيّة‌ الإنسان‌ بعلمه‌ ودرايته‌ وعرفانه‌، فإن‌ تحقّق‌ ذلك‌ فثمّة‌ إنسانيّة‌، وإلاّ فلا.

 ومن‌ هنا يتحصّل‌ عدم‌ صحّة‌ تفسير بعض‌ المشاهير حيث‌ قال‌ في‌ ضمن‌ كلامه‌ عندما ذهب‌ إلیه‌ جماعة‌ في‌ الزمان‌ السابق‌ « علی‌ الإنسان‌ أن‌ يسعي‌ نحو العلم‌، وإنَّ معني‌ الرواية‌ الواردة‌ عن‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: اطْلُبُوا العِلْمَ وَلَو بِالصِينِ هو: اسعوا نحو الفنون‌ والصنائع‌ حتّي‌ لو كانت‌ في‌ الصين‌، لانَّ الصين‌ كانت‌ في‌ ذلك‌ الوقت‌ مركز الصناعة‌ والاختراعات‌، وخصوصاً اختراع‌ الاواني‌ الخزفيّة‌ التي‌ كان‌ يُؤتي‌ بها من‌ هناك‌؛ فأراد النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ أن‌ يبيّن‌: أنَّ علی‌ الإنسان‌ أن‌ يتحمّل‌ مشاقّ السفر لاجل‌ طلب‌ العلم‌ حتّي‌ ولو كان‌ في‌ الصين‌، إذ كانت‌ الصين‌ آنذاك‌ من‌ أبعد الاماكن‌ المتصوّرة‌ للمدينة‌ المنوّرة‌، فالمعني‌: اسعوا لطلب‌ العلوم‌ الطبيعيّة‌ ولو كان‌ ذلك‌ في‌ الصين‌، سافروا إلی‌ هناك‌ واكتسبوا العلوم‌ وائتوا بها إلی‌ هنا!» فهذا التفسير للحديث‌ الشريف‌ غيرصحيح‌، ولاينطبق‌ ـ بحسب‌ الاُصول‌ـ علی‌ مذاق‌ الإسلام ومذاق‌ الروايات‌ الواردة‌ حول‌ العلم‌.

 فلدينا روايات‌ كثيرة‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ نقلها الآمدي‌ّ في‌ « الغرر والدرر » كما نقل‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ في‌ « الميزان‌ » بالمناسبة‌ في‌ البحث‌ الروائي‌ّ أنـّه‌ قد وردت‌ روايات‌ كثيرة‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ أنـّه‌ قال‌: إنَّ معرفة‌ النفس‌ أفضل‌ العلوم‌. [1]

 ويستفاد من‌ الرواية‌ المرويّة‌ في‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ أنَّ المراد من‌ اطْلُبُوا العِلْمَ وَلَو بِالصِينِ، علم‌ مَعْرِفَة‌ النَّفْسِ [2]. وبما أنَّ الصين‌ كانت‌ في‌ ذلك‌ الزمان‌ منطقة‌ بعيدة‌ جدّاً، وكان‌ السفر إلیها شاقّاً جدّاً، فمعني‌ الحديث‌ الشريف‌: أنَّ علی‌ الإنسان‌ إذا أراد السعي‌ نحو معرفة‌ النفس‌ أن‌ يتحمّل‌ المشاقّ والصعوبات‌، فالامر يستحقّ حتّي‌ وإن‌ تحمّل‌ عناء السفر إلی‌ مسافة‌ بعيدة‌ مثلاً. هذه‌ هي‌ حقيقة‌ الفقه‌ والعلم‌.

 الرجوع الي الفهرس

يجب‌ أن‌ يكون‌ المرجع‌ في‌ الفتوي‌ أعلم‌ الاُمّة‌

 كان‌ بحثنا حول‌ أعلميّة‌ الفقيه‌ وما يجب‌ أن‌ يتمتّع‌ به‌ من‌ شروط‌؛ وقد بيّنا: وجوب‌ كون‌ الفقيه‌ أعلم‌. وعلی‌ هذا، فمقبولة‌ عمر بن‌ حنظلة‌ ـ والتي‌ استفدنا منها الولاية‌ أيضاً ـ: انْظُرُوا إلَی‌ مَنْ كَانَ مِنكُمْ قَدْ رَوَي‌ حَدِيثَنَا، وَنَظَرَ فِي‌ حَلاَلِنَا وَحَرَامِنَا، وَعَرَفَ أَحْكَامَنَا، فَارْتَضوا بِهِ حَكَمَاً، فَإنِّي‌ قَدْ جَعَلْتُهُ علیكُمْ حَاكِمَاً، وإن‌ كانت‌ مطلقة‌ لكنَّ الواجب‌ يقتضي‌ أن‌ نقيّد إطلاقها بالاعلم‌. فإن‌ قال‌ قائل‌: إنَّنا نعمل‌ بإطلاقها، لانَّ «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ رَوَي‌ حَدِيثَنَا» مطلق‌، فالجواب‌: أنَّ هذا الكلام‌ ليس‌ أكثر من‌ مطلق‌، وقد وردت‌ في‌ مقابله‌ مقيّدات‌ ومخصّصات‌، ولا مجال‌ للتردّد في‌ لزوم‌ تخصيص‌ هذا الإطلاق‌ مع‌ تلك‌ المخصّصات‌ المُتقنة‌؛ ووفقاً للادلّة‌ التي‌ بيّناها، فإنَّ مصدر الفتوي‌ العامّة‌ والولاية‌ العامّة‌ يختصّ بالفقيه‌ الاعلم‌.

 وهناك‌ رواية‌ في‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » ملفتة‌ للنظر، ويمكن‌ أن‌ يستفاد منها مطالب‌ سامية‌ ونفيسة‌، وتتضمّن‌ عدم‌ جواز الإفتاء في‌ حلال‌الله‌ وحرامه‌ إلاّ لِمَن‌: كَانَ أَتْبَعَ الخَلْقِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَنَاحِيَتِهِ وَبَلَدِهِ بِالحَقِّ. وفي‌ نسخة‌ بدل‌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَنَاحِيَتِهِ وَبَلَدِهِ بِالنَّبِي‌ِّ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ.

 وهذا هو معني‌ الاعلميّة‌. فالذي‌ يكون‌ اتّباعه‌ للنبي‌ّ أكثر من‌ جميع‌ الناس‌ هو من‌ كان‌ اتّباعه‌ للعلم‌ أكثر، ومن‌ كان‌ اتّباعه‌ في‌ الفهم‌ والدراية‌ وباختصار في‌ جميع‌ الاُمور أكثر.

 فهذه‌ الرواية‌ ـ كما بيّنا ـ تمتلك‌ مضموناً قويّاً، ومحتواها متين‌ وراقٍ وعالٍ جدّاً، ويمكن‌ أن‌ نستفيد منها أموراً كثيرة‌.

 فقد ورد في‌ الباب‌ الثالث‌ والستّين‌ من‌ « شرح‌ مصباح‌ الشريعة‌ » ما يلي‌:

 قَالَ الصَّادِقُ علیهِ السَّلاَمُ: لاَ تَحِلُّ الفُتْيَا لِمَنْ لاَيَسْتَفْتِي‌ مِنَ اللَهِ تَعَإلَی‌ بَصَفَاءِ سِرِّهِ وَإخْلاَصِ عَمَلِهِ وَعَلاَنِيَتِهِ وَبُرْهَانٍ مِنْ رَبِّهِ فِي‌ كُلِّ حَالٍ.

 فالإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ يقول‌: لا يحلّ الإفتاء في‌ المسائل‌ الشرعيّة‌ لمن‌ لايستفتي‌ الحقّ تعإلی‌ بباطنه‌ الطاهر من‌ القذارات‌، وبنفسه‌ المطهّرة‌ من‌ كدورة‌ ارتكاب‌ المعاصي‌. ولا يجوز الإفتاء لمن‌ لاتكون‌ عبادته‌ وطاعته‌ خالصة‌ للَّه‌ تعإلی‌، ولا يكون‌ ظاهره‌ مطابقاً لباطنه‌، ولايكون‌ له‌ في‌ جميع‌ المسائل‌ الضروريّة‌ والحالات‌ اللازمة‌ برهان‌ ومستمسك‌ كآية‌ أو حديث‌؛ أي‌ لا يجوز للإنسان‌ أن‌ يفتي‌ في‌ أي‌ّ حكم‌ من‌ الاحكام‌ ما لم‌ يكن‌ متّصفاً بهذه‌ الصفات‌. ولِمَ ذلك‌؟

 لانَّ مَنْ أَفْتَي‌ فَقَدْ حَكَمَ، وَالحُكْمُ لاَ يَصِحُّ إلاَّ بِإذْنٍ مِنَ اللَهِ وَبُرْهَانِهِ. أي‌: لانَّ الفتوي‌ حكمٌ في‌ المسائل‌ الشرعيّة‌، والحكم‌ الجازم‌ في‌ الشرعيّات‌ ليس‌صحيحاً إلاّ بإذن‌ الشارع‌. ولا يكون‌ ترخيص‌ وإجازة‌ الشارع‌ إلاّ مع‌ وجود دليل‌ وبرهان‌ قائم‌.

 وَمَنْ حَكَمَ بِخَبَرٍ بِلاَ مُعَايَنَةٍ فَهُوَ جَاهِلٌ مَأْخُوذٌ بِجَهْلِهِ وَمَأْثُومٌ بِحُكْمِهِ. أي‌: كلّ من‌ يحكم‌ بخبر وحديث‌ وينسبه‌ إلی‌ النبي‌ّ أو وصيّه‌ دون‌ أن‌ يكون‌ قد رأي‌ ذلك‌ الخبر أو جزم‌ وقطع‌ به‌، فإنَّه‌ يكون‌ جاهلاً بذلك‌ الحكم‌ وآثماً وعاصياً.

 قَالَ النَّبِي‌ُّ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: أَجْرَؤُكُمْ بِالفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَیاللَهِ تَعَإلَی‌.

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ: لَوْلاَ زِيَارَةُ الحُسَيْنِ وَتَصْنِيفُ الاَلْفَينِ لَهَلَكَتْنِي‌ الفَتَاوَي‌

 والحاصل‌: أنَّ الفتوي‌ والتجرّؤ علی‌ الفتوي‌ أمر خطير جدّاً، ولايمكن‌ ارتكابه‌ والإفتاء بسهولة‌، وذلك‌ أنـّه‌ قد صحَّ أنَّ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ رحمة‌الله‌ علیه‌ قد شوهد في‌ المنام‌ بعد وفاته‌ وسئل‌ عن‌ أحواله‌ فأجاب‌: لَوْلاَ زِيَارَةُ الحُسَيْنِ وَتَصْنِيفُ الاَلْفَينِ لَهَلَكَتْنِي‌ الفَتَاوَي‌! ( كتاب‌ الالفين‌ هو ألفا دليل‌ علی‌ إثبات‌ إمامة‌ علی‌ّ المرتضي‌ علیه‌ السلام‌ بعد النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ مباشرة‌ ).

 أَوَ لاَ يَعْلَمُ المُفْتِي‌ أَنـَّهُ هُوَ الَّذِي‌ يَدْخُلُ بَيْنَ اللَهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، وَهُوَ الحَائلُ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ؟!

 أي‌ ألا يعلم‌ المفتي‌ أنـّه‌ حين‌ الإفتاء قد دخل‌ بين‌ الله‌ عزّ وجلّ وبين‌ عبده‌ المستفتي‌، وأنـّه‌ يوصل‌ حكم‌ الله‌ إلیه‌ ويؤدّي‌ عن‌ النبي‌ّ، وأنـّه‌ واقف‌ بين‌ الجنّة‌ والنار بنحو إذا كان‌ ما يقوله‌ ويفتي‌ به‌ صادقاً وموافقاً لكلام‌ الشارع‌ فهو من‌ أهل‌ النجاة‌ والجنّة‌، وإذا لم‌ يكن‌ ناشئاً عن‌ صدق‌ وعلم‌ ومعرفة‌ والعياذ بالله‌ فهو هالك‌ وداخل‌ في‌ جهنّم‌؟!

 قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَيْفَ يَنْتَفِعُ بِعِلْمِ غَيْرِي‌ وَأَنَا حَرَمْتُ نَفْسِي‌ نَفْعَهَا؟!

 وَلاَ تَحِلُّ الفُتْيَا فِي‌ الحَلاَلِ وَالحَرَامِ بَيْنَ الخَلْقِ إلاَّ لِمَنْ كَانَ أَتْبَعَ الخَلْقِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَنَاحِيَتِهِ وَبَلَدِهِ بِالحَقِّ.

 أي‌ يكون‌ أعلم‌ وأفضل‌ وأتقي‌ وأصلح‌ أهل‌ بلده‌، ولا يكون‌ في‌ تلك‌ المدينة‌ والناحية‌ من‌ هو أحسن‌ منه‌ في‌ الفضيلة‌ والتقوي‌.

 وفي‌ نسخة‌ بدل‌ إلاَّ لِمَنْ اتَّبَعَ الحَقَّ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَنَاحِيَتِهِ وَبَلَدِهِ بِالنَّبِي‌ِّ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ [ وَعَرفَ مَا يَصْلَحُ مِنْ فُتْيَاهُ.

 قَالَ النَّبِي‌ُّ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: وَذَلِكَ لَرُبَّمَا وَلَعَلَّ وَلَعَسَي‌، لانَّ الفُتْيَا عَظِيمَةٌ.

 فالفتوي‌ في‌ أحكام‌ الشرع‌ عظيمة‌ وخطيرة‌ جدّاً، لانـّه‌ كثيراً ما تكون‌ الفتوي‌ خاطئة‌ ومخالفة‌ لقانون‌ الشرع‌، بل‌ إنَّ احتمال‌ الخطأ فيها أقرب‌ من‌ احتمال‌ الصواب‌، وإمكان‌ الاشتباه‌ أكثر من‌ الصحّة‌.

 أو أنَّ المراد هو: لا يفتي‌ المفتي‌ ـبعد بذل‌ جهده‌ وسعيه‌ في‌ تحقيق‌ المسألة‌ والاتّصاف‌ بشرائط‌ الفتوي‌ـ علی‌ سبيل‌ القطع‌ والجزم‌، ولايدّعي‌ أنَّ حكم‌ الله‌ هو ما أُفتي‌ بشكل‌ باتٍّ، بل‌ ليقل‌ ذلك‌ علی‌ نحو الاحتمال‌؛ ليقل‌: لعلَّ المسألة‌ تكون‌ بهذا النحو؛ أو: يقرب‌ كونها بهذا النحو.

 وَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ علیهِ السَّلاَمُ لِقَاضٍ: هَلْ تَعْرِفُ النَّاسِخَ وَالمَنْسُوخَ؟!

 قَالَ: لاَ!

 [قَالَ: فَهَلْ أَشْرَفْتَ عَلَیمُرَادِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي‌ أَمْثَالِ القُرْآنِ؟!

 قَالَ: لاَ! ]

 قَالَ: إذَاً هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ!

 فإذَن‌، ما دمتَ لم‌ تعرف‌ الناسخ‌ من‌ المنسوخ‌، ولم‌ تطّلع‌ علی‌ مراد الله‌ في‌ كلّ آية‌ من‌ آيات‌ القرآن‌، ونصبت‌ نفسك‌ للحكم‌ والفتوي‌ بين‌ الناس‌ مع‌ كلّ هذا الجهل‌، فأنت‌ جهنّمي‌ّ، وكذلك‌ مَن‌ يعمل‌ بفتواك‌.

 وَالمُفْتِي‌ يَحْتَاجُ إلَی‌ مَعْرِفَةِ مَعَانِي‌ القُرْآنِ، وَحَقَائقِ السُّنَنِ وَبَوَاطِنِ الإشَارَاتِ والآدَابِ، وَالإجْمَاعِ والاخْتِلاَفِ والاطِّلاَعِ عَلَیأُصُولِ مَا أَجْمَعُوا علیهِ وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، ثُمَّ إلَی‌ حُسْنِ الاخْتِيَارِ، ثُمَّ العَمَلِ الصَّالِحِ، ثُمَّ الحِكْمَةِ، ثُمَّ التَّقْوَي‌، ثُمَّ حِينَئِذٍ إنْ قَدَرَ.

 يقول‌ علیه‌ السلام‌: لابدّ للمفتي‌ من‌ معرفة‌ عدّة‌ أُمور لكي‌ يتمكّن‌ من‌ الإفتاء:

 الاوّل‌: معرفة‌ معاني‌ القرآن‌، وخصوصاً معرفة‌ معاني‌ الآيات‌ التي‌ تستنبط‌ منها أحكام‌ الشرع‌.

 الثاني‌: معرفة‌ حقائق‌ السنن‌، أي‌ العلم‌ بأحاديث‌ النبي‌ّ والائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ والتوصّل‌ إلی‌ بواطن‌ وظواهر الإشارات‌ والتأويلات‌، وصحّة‌ وسقم‌ الاحاديث‌، ورواتها، وآدابها.

 الثالث‌: التمييز بين‌ المسائل‌ الإجماعيّة‌ والمسائل‌ الاخلاقيّة‌، والاطّلاع‌ علی‌ أُصول‌ الإجماعيّات‌ وموارد الاختلاف‌.

 الرابع‌: الترجيح‌ والقدرة‌ علیه‌.

 الخامس‌: العدالة‌، وهي‌ حصول‌ ملكة‌ راسخة‌ علی‌ إتيان‌ الاوامر والاجتناب‌ عن‌ النواهي‌ وترك‌ الإصرار علی‌ الصغائر.

 السادس‌: الحِكمة‌، وهي‌ ملازمة‌ المروءة‌ والحميّة‌ والتوسّط‌ في‌ الاُمور، والاحتراز عن‌ الإفراط‌ والتفريط‌.

 السابع‌: التقوي‌ والورع‌ والاجتناب‌ عن‌ المحرّمات‌ والشبهات‌.

 والحاصل‌: أنـّه‌ يمكن‌ لمن‌ يتّصف‌ بهذه‌ الصفات‌ أن‌ يفتي‌ إن‌ كان‌ قادراً علی‌ تنفيذ تلك‌ الاحكام‌، وإلاّ فلا. [3]

 وبعد قوله‌ علیه‌ السلام‌ وَالمُفْتِي‌ يَحْتَاجُ إلَی‌... قال‌: ثُمَّ العَمَلِ الصَّالِحِ. أي‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ المفتي‌ من‌ أهل‌ العمل‌ الصالح‌، والمقصود من‌ ذلك‌ هو نفس‌ ملكة‌ العدالة‌ والاجتناب‌ عن‌ الذنوب‌.

 وأضاف‌ علیه‌ السلام‌: ثُمَّ الحِكْمَةِ، والحكمة‌ بمعني‌ الاستحكام‌، وخروج‌ الصفات‌ الباطنيّة‌ للإنسان‌ من‌ حالة‌ الإفراط‌ والتفريط‌ إلی‌ حالة‌ الوسط‌. أي‌ فلايغضب‌ من‌ غير سبب‌، وأن‌ يكون‌ محافظاً علی‌ الغيرة‌ والحميّة‌ بنحوٍ لايغضب‌ في‌ موضع‌ الغضب‌، ولا يكون‌ جباناً حيث‌ يجب‌ أن‌ يستعمل‌ غضبه‌، وفي‌ نفس‌ الوقت‌ يكون‌ شجاعاً لا هو بالمتهوّر ولاهو بالخذول‌؛ هذه‌ هي‌ الحكمة‌ التي‌ تقع‌ بين‌ طرفي‌ الإفراط‌ والتفريط‌. ولعلّها أيضاً هي‌ نفس‌ المروّة‌ التي‌ يذكرها بعض‌ الفقهاء، ويشترطونها إضافة‌ إلی‌ ملكة‌ العدالة‌.

 وقال‌ علیه‌ السلام‌ بعدها: ثُمَّ التَّقْوَي‌، فيجب‌ أن‌ يكون‌ من‌ أهل‌ التقوي‌. والتقوي‌ هي‌ عين‌ الورع‌ الذي‌ هو أرقي‌ من‌ العدالة‌، وهذا هو ذات‌ المعني‌ الذي‌ استفدناه‌ من‌ رواية‌: أَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الفُقَهَاءِ صَائِنَاً لِنَفْسِهِ حَافِظَاً لِدِينِهِ، حيث‌ دلّت‌ علی‌ معني‌ أرقي‌ من‌ العدالة‌.

 فمع‌ اجتماع‌ كلّ هذه‌ الشرائط‌، يقول‌ علیه‌ السلام‌: ثُمَّ حِينَئِذٍ إنْ قَدَرَ، أي‌: عندئذٍ يفتي‌ فيما لو كان‌ قادراً علی‌ تنفيذ ذلك‌. بمعني‌ أنَّ من‌ يستطيع‌ أن‌ يفتي‌ هو ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ يقف‌ خلف‌ فتواه‌ وينفّذها في‌ الخارج‌، أمَّا مَن‌ كان‌ لايُصغي‌ له‌ ولا يُعمل‌ بفتواه‌، ولا يضمن‌ تنفيذها، وغيرقادر علی‌ تنفيذ ما يستنبطه‌ من‌ الاُمور الشرعيّة‌ فإنَّه‌ غير قادر علی‌ الإفتاء.

 وعلی‌ كلّ تقدير فهذه‌ الرواية‌ من‌ نفائس‌ الروايات‌، وقد نُقلت‌ بالإضافة‌ إلی‌ « شرح‌ مصباح‌ الشريعة‌ » في‌ بعض‌ الكتب‌ الاُخري‌. فقد ذكرها المرحوم‌ المجلسي‌ّ في‌ « بحار الانوار »[4]، والحاجّ النوري‌ّ في‌«مستدرك‌الوسائل»[5]. والمحقّق‌الفيض‌في«المحجّة‌البيضاء»[6]، كما ذُكرت‌ أيضاً في‌ « مصباح‌ الشريعة» ، [7] المطبوع‌ بالحجم‌ الصغير.

 والفقرة‌ الاُولي‌ من‌ هذه‌ الرواية‌: لاَ تَحِلُّ الفُتْيَا لِمَنْ لاَيَسْتَفْتِي‌ مِنَ اللَهِ تَعَإلَی‌ بَصَفَاءِ سِرِّهِ وَإخْلاَصِ عَمَلِهِ وَعَلاَنِيَتِهِ وَبُرْهَانٍ مِنْ رَبِّهِ فِي‌ كُلِّ حَالٍ. فقرة‌ مهمّة‌ جدّاً.

 فمن‌ لم‌ يكن‌ مالكاً لطهارة‌ الذات‌ وصفاء السرّ، ولم‌ تكن‌ أعماله‌ وتصرّفاته‌ التي‌ يقوم‌ بها عن‌ تعبّد ( أي‌ علانيته‌ في‌ الخارج‌، قد وصلت‌ إلی‌ مرتبة‌ الخلوص‌، ولم‌يكن‌ لديه‌ برهان‌ أي‌ قاطعيّة‌ ) من‌ الله‌ عزّ وجلّ فحرام‌ علی‌ مثل‌ هذا الشخص‌ أن‌ يتصدّي‌ للإفتاء. هذا ما يتعلّق‌ بمتن‌ الحديث‌ الشريف‌.

 الرجوع الي الفهرس

البحث‌ حول‌ سند الرواية‌ الواردة‌ في‌ «مصباح‌ الشريعة‌»

 وأمّا بالنسبة‌ إلی‌ سنده‌: فقد ورد هذا الحديث‌ في‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » ولم‌يُذكر في‌ موضع‌ آخر. و « مصباح‌ الشريعة‌ » كتاب‌ ينبغي‌ البحث‌ عنه‌ لمعرفة‌ منزلته‌ ووزنه‌ وصحّة‌ إسناده‌ إلی‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌. فقد ورد في‌ أوّل‌ الكتاب‌ ما يلي‌:

 بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي‌ نَوَّرَ قُلُوبَ العَارِفِينَ بِذِكْرِهِ، وَقَدَّسَ أَرْوَاحَهُمْ بِسِرِّهِ، وَنَزَّهَ أَفْئِدَتَهُمْ لِفِكْرِهِ، وَشَرَحَ صُدُورَهُمْ بِنُورِهِ، وَأَنْطَقَهُمْ بِثَنَائِهِ وَشُكْرِهِ، وَشَغَلَهُمْ بِخِدْمَتِهِ، وَوَفَّقَهُمْ لِطَاعَتِهِ، وَاسْتَعْبَدَهُمْ بِالعِبَادَةِ عَلَیمُشَاهَدَتِهِ، وَدَعَاهُمْ إلَی‌ رَحْمَتِهِ، وَصلَّیاللَهُ عَلَی مُحَمَّدٍ  إمَامِ المُتَّقِينَ وَقَائِدِ المُوَحِّدِينَ، وَمونِسِ المُقَرَّبِينَ، وَعلی‌ آلِهِ المُنْتَجَبِينَ الاَبْرَارِ الاَخْيَارِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

 أَمَّا بَعْدُ؛ فَهَذا كِتَابُ «مِصْبَاحُ الشَّرِيعَةِ وَمِفْتَاحُ الحَقِيقَةِ» مِنْ كَلاَمِ الإمَامِ الحَاذِقِ وَفَيَّاضِ الحَقَائِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عَلَیآبَائِهِ وَعلیهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ. وَهُوَ مُبَوَّبٌ عَلَیمِائَةِ بَابٍ.

 ثمّ قال‌ في‌ أوّل‌ كلّ باب‌: قَالَ الصَّادِقُ علیهِ السَّلاَمُ....

 ويقع‌ مجموع‌ هذا الكتاب‌ في‌ مائة‌ باب‌، وكلّه‌ في‌ الاخلاقيّات‌، وهو من‌ ناحية‌ المضامين‌ الاخلاقيّة‌ راقٍ جدّاً إلی‌ درجة‌ جعلت‌ جماعة‌ من‌ أجلّة‌ الفقهاء يعتقدون‌ أنـّه‌ صادر حقيقة‌ عن‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، وأوصوا باقتنائه‌ والعمل‌ به‌!

 الرجوع الي الفهرس

كلمات‌ الاعلام‌ حول‌ كتاب‌ «مصباح‌ الشريعة‌»

 وليس‌ هناك‌ من‌ الفقهاء مَن‌ نهي‌ عن‌ العمل‌ به‌، أو نهي‌ عن‌ بعضه‌ كأن‌ يقول‌: لاتعملوا بالباب‌ الفلاني‌ ـمثلاًـ لانـّه‌ يتضمّن‌ أمراً غيرصحيح‌! بل‌ اتّفق‌ الجميع‌ علی‌ العمل‌ بمضمونه‌ والاستفادة‌ من‌ محتواه‌، غاية‌ الامر أنَّ هناك‌ كلاماً في‌ صحّة‌ صدور هذا الكتاب‌ عن‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌.

 ومضامين‌ هذا الكتاب‌ راقية‌ ومرضية‌، فعلی‌ الرغم‌ من‌ صغر حجم‌ الكتاب‌، لكنّه‌ قد حوي‌ مائة‌ باب‌ مختصر، وتضمّن‌ مجموعة‌ من‌ الحقائق‌ والآداب‌ بشكل‌ مضغوط‌ مع‌ الإشارة‌ إلی‌ رموزها، ولايمكن‌ التحدّث‌ بمثل‌ عباراته‌ وصياغة‌ جملاته‌ إلاّ لمن‌ قد وصل‌ إلی‌ الكمال‌ الإنساني‌ّ والعرفاني‌ّ ومن‌ الحكماء المتأ لّهين‌ والعرفاء الربّانيّين‌.

 ولذا اعتقد كثير من‌ علمائنا رضوان‌ الله‌ علیهم‌ أنَّ هذه‌ العبارات‌ هي‌ للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، وأوصوا باقتناء هذا الكتاب‌ والعمل‌ به‌، لما فيه‌ من‌ مزايا.

 وأوّل‌ من‌ أوصي‌ ـبحسب‌ فحصناـ بهذا الكتاب‌ هو السيّد الاجلّ علی‌ّبن‌ طاووس‌ المتوفّي‌ في‌ سنة‌ ستمائة‌ وأربع‌ وستّون‌ هجريّة‌، إذ يقول‌ هذا الرجل‌ الكبير في‌ كتاب‌ « أمان‌ الاخطار »[8]:

 وَيَصْحَبُ المُسَافِرُ مَعَهُ كِتَابَ «مِصْبَاح‌ الشَّرِيعَةِ وَمِفْتَاح‌ الحَقِيقَةِ» عَنِ الصَّادِقِ علیهِ السَّلاَمُ، فَإنَّهُ كِتَابٌ لَطِيفٌ شَرِيفٌ فِي‌ التَّعْرِيفِ بِالتَّسْلِيكِ إلَی‌ اللَهِ جَلَّ جَلاَلُهُ وَالإقْبَالِ علیهِ، وَالظَّفَرِ بِالاَسْرَارِ الَّتِي‌ اشْتَمَلَتْ علیهِ.

 وممّن‌ أيّد هذا الكتاب‌ جناب‌ الآخوند الملاّ محمّد تقي‌ المجلسي‌ّ علیه‌ الرحمة‌، حيث‌ قال‌ في‌ الجزء الاخير من‌ شرحه‌ النفيس‌ علی‌ كتاب‌ « من‌ لايحضره‌ الفقيه‌ »:

 وَعلیكَ بِكِتَابِ «مِصْبَاح‌ الشَّرِيعَةِ» رَوَاهُ الشَّهِيدُ الثَّانِي‌ رَضِي‌َ اللَهُ عَنْهُ بِإسْنَادِهِ عَنِ الصَّادِقِ علیهِ السَّلاَمُ، وَمَتْنُهُ يَدُلُّ عَلَیصِحَّتِهِ.

 وممّن‌ اعتمد علی‌ هذا الكتاب‌ بعد السيّد ابن‌ طاووس‌ الشيخ‌ الفقيه‌ المقتدي‌ الشهيد الثاني‌ رضوان‌ الله‌ علیه‌، فقد اعتمد علیه‌ كثيراً وأورد أكثر أبواب‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » في‌ تإلیفاته‌، مثل‌ « منية‌ المريد » و « أسرار الصلاة‌ » و « كشف‌ الريبة‌ عن‌ أحكام‌ الغِيبة‌ ».

 وممّن‌ اعتمد علی‌ هذا الكتاب‌ الشيخ‌ الجليل‌ جمال‌ الدين‌ أحمدبن‌ فهد الحلّي‌ّ، الذي‌ ينقل‌ في‌ كتاب‌ « عدّة‌ الداعي‌ » باباً من‌ « مصباح‌ الشريعة‌ »، ويقول‌ هناك‌:

 قَالَ الصَّادِقُ علیهِ السَّلاَمُ: الخَشْيَةُ مِيرَاثُ العِلْمِ، وَالعِلْمُ شُعَاعُ المَعْرِفَةِ.

 وممّن‌ اعتمد علی‌ هذا الكتاب‌ المحقّق‌ الربّاني‌ّ الفيض‌ الكاشاني‌ّ، وقد سار علی‌ هذا المنهج‌ في‌ بعض‌ تإلیفاته‌، ومنها كتاب‌ « الحقائق‌ ».

 وَمِنهُمُ العَالِمُ الرَّبَّانِي‌ُّ وَالفَقِيهُ الصَّمَدَانِي‌ُّ وَالحَكِيمُ الإلَهِي‌ُّ وَالمُحَقِّقُ البَارِعُ، جَدُّنَا الاَعلی‌ مِن‌ جَانِبِ الاُمّ[9]، الحَاجّ المُلاَّ مَهدِي‌ النَّرَاقِي‌َّّ. فقد نقل‌ عن‌ هذا الكتاب‌ في‌ مواضع‌ متعدّدة‌ من‌ كتاب‌ « جامع‌ السعادات‌ ».

 ومن‌ المؤيّدين‌ لهذا الكتاب‌ أيضاً الفاضل‌ المتبحّر الشيخ‌ إبراهيم‌ الكفعمي‌ّ، فهو يميل‌ إلی‌ هذا الامر في‌ كتاب‌ « مجموع‌الغرائب‌» بناءً علی‌ ما يحكيه‌ عن‌ الحاجّ النوري‌ّ في‌ خاتمة‌ « المستدرك‌ ».

 ومنهم‌: مولانا العلاّمة‌ الملاّ محمّد باقر المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌، الذي‌ جعل‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » من‌ جملة‌ مصادر « بحار الانوار »، فهو ينقل‌ في‌ « البحار » عن‌ هذا الكتاب‌ بالمناسبة‌، مع‌ أنـّه‌ لم‌ يقوِّ ذلك‌ الكتاب‌.

 يقول‌ الحاجّ النوري‌ّ في‌ خاتمة‌ « المستدرك‌ »:

 وَقَالَ العَلاَّمَةُ المَجلِسِي‌ُّ فِي‌ «البِحِار»: وَكِتَاب‌ «مِصبَاح‌ الشَّرِيعَةِ» فِيهِ بَعْضُ مَا يُرِيبُ اللَّبِيبَ المَاهِرَ، وأُسلُوبُهُ لاَ يُشبِهُ سَائِرَ كَلِمَاتِ الاَئِمَّةِ علیهِمُ السَّلاَمُ وَآثَارِهِمْ.

 وَرَوَي‌ الشَّيخُ فِي‌ مَجَالِسِهِ بَعْضَ أَخبَارِهِ هَكَذَا: «أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ عِنْ أَبِي‌ المُفَضَّلِ الشَّيبَانِي‌ِّ بِإسْنِادِهِ عَنْ شَقِيقٍ البَلْخِي‌ِّ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ مِنْ أَهلِ العِلْمِ». وَهَذَا يَدُلُّ عَلَیأَنـَّهُ كَانَ عِندَ الشَّيخِ رَحِمَهُ اللَهُ فِي‌ عَصْرِهِ، وَكَانَ يَأْخُذُ مِنهُ، وَلَكِنَّهُ لاَ يَثِقُ بِهِ كُلَّ الوُثُوقِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ كَوْنُهُ مَرْوِيَّاً عَنِ الصَّادِقِ علیهِ السَّلاَمُ.

 وَإنَّ سَنَدَهُ يَنْتَهِي‌ إلَی‌ الصُّوفِيَّةِ؛ وَلِذَا اشْتَمَلَ عَلَیكَثِيرٍ مِنِ اصْطِلاَحَاتِهِمْ وَعلی‌ الرِّوَايَةِ مِنْ مَشَايِخِهِمْ وَمَنْ يَعْتَمِدُونَ علیهِ فِي‌ رِوَايَاتِهِمْ؛ وَاللَهُ يَعْلَم‌. [10]

 وقول‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ أخيراً وَاللَهُ يَعْلَم‌؛ يعني‌ أنـّنا لانعرف‌ حقيقة‌ الامر، لكنّنا قمنا بهذا البحث‌ طبقاً للضوابط‌.

 وتمسّك‌ بهذا الكتاب‌ السيّد السند النحرير والعالم‌ الجليل‌ جامع‌ المعقول‌ والمنقول‌ السيّد علی‌ خان‌ المدني‌ّ الشيرازي‌ّ، فهو ينقل‌ عنه‌ في‌ « شرح‌ الصحيفة‌ السجّاديّة‌ ».

ومنهم‌ أيضاً الشيخ‌ المحدّث‌ البارع‌، خرّيت‌ فنّ الحديث‌ والرجال‌، والاُستاذ الماهر في‌ معرفة‌ الكتب‌ الحاجّ الميرزا حسين‌ النوري‌ّ. وله‌ في‌ خاتمة‌ «المستدرك‌» بحث‌ طويل‌ ومبسوط‌ في‌ هذا المجال‌.

 ومنهم‌ المرحوم‌ أُستاذنا الاكبر في‌ علم‌ الرجال‌ والحديث‌ الحاجّ الشيخ‌ آغا بزرك‌ الطهراني‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ « الذريعة‌ » حيث‌ له‌ كلمات‌ مفصّلة‌، ويعطي‌ حقّ الكلام‌ في‌ إثبات‌ هذا الكلام‌ للصادق‌ علیه‌ السلام‌.

 ومنهم‌ السيّد هاشم‌ البحراني‌ّ، فقد عدّه‌ في‌ مقدّمة‌ « تفسير البرهان‌ » من‌ جملة‌ مصادره‌.

 ومنهم‌ السيّد حسين‌ القزويني‌ّ أُستاذ بحر العلوم‌ رضوان‌ الله‌ علیهما، فقد سلك‌ هذا الطريق‌ في‌ المبحث‌ الخامس‌ من‌ « جامع‌ الشرائع‌ ».

 ومنهم‌ الفاضل‌ اللاهيجي‌ّ في‌ تفسيره‌ النفيس‌.

 ومنهم‌ السيّد أبو القاسم‌ الذهبي‌ّ الشيرازي‌ّ، فقد اعتبر في‌ أوّل‌ « مناهج‌ أنوار المعرفة‌ » الذي‌ هو شرح‌ لـ « مصباح‌ الشريعة‌ » أنَّ هذا الكتاب‌ للإمام الصادق‌ بشكل‌ صريح‌.

 ومنهم‌ جمال‌ الفقهاء وزين‌ العرفاء الحاجّ الميرزا جواد الآقا الملكي‌ّ التبريزي‌ّ، العارف‌ وخرّيت‌ الفنّ، فقد اختار هذا المنهج‌ في‌ كتابه‌ القيّم‌ والثمين‌ « أسرار الصلاة‌ ».

 ومنهم‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الشيخ‌ علی‌ أكبر النهاوندي‌ّ، فقد أيّد نسبة‌ هذا الكتاب‌ إلی‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ في‌ كتابه‌ « بنيان‌ الرفيع‌ في‌ أحوال‌ الربيع‌».

 كانت‌ هذه‌ خلاصة‌ محصّلة‌ حول‌ أمر هذا الكتاب‌.

 وأمّا الإشكالات‌ التي‌ أوردوها علی‌ هذا الكتاب‌، فمنها: إذا كان‌ هذا الكتاب‌ للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، فكيف‌ يستشهد في‌ كلامه‌ بكلام‌ أُناس‌ آخرين‌؟

 نعم‌؛ لو أراد الإمام علیه‌ السلام‌ ـمثلاًـ أن‌ يستشهد بكلام‌ أشخاص‌ مثل‌ أبي‌ ذرّ الغفاري‌ّ وسلمان‌ الفارسي‌ّ لكان‌ ذلك‌ مناسباً، أمّا الاستشهاد بكلام‌ الاحنف‌بن‌ قيس‌ التميمي‌ّ فهو ممّا لا يليق‌ بالإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، وإن‌ كان‌ الاحنف‌ إنساناً جيّداً ومن‌ صحابة‌ الحسن‌.

 أو الاستشهاد بكلام‌ الربيع‌ بن‌ خُثيم‌، ووهب‌ بن‌ حيّان‌، وزيدبن‌ ثابت‌ الذي‌ كان‌ من‌ الاساس‌ عثمانيّاً ومنحرفاً ولم‌ ينصر أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌. أو بكلام‌ سفيان‌ بن‌ عُيينة‌، كما في‌ الحديث‌ الذي‌ ذكرناه‌ حول‌ الفتوي‌، مع‌ أنَّ سفيان‌بن‌ عُيينة‌ إنسان‌ جاهل‌ ومنحرف‌ ومخالف‌! فكيف‌ يمكن‌ أن‌ يفعل‌ ذلك‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌؟ وماذا يعني‌ استشهاده‌ علیه‌ السلام‌ بكلام‌ هؤلاء؟

 ولا يتعدّي‌ الذين‌ استشهد بكلامهم‌ في‌ مطالب‌ هذا الكتاب‌ عن‌:

 1 ـ أبو الدرداء، عُوَيْمِر بن‌ عامر ( وهو أبو الدرداء المعروف‌ ) الذي‌ قيل‌ عنه‌ إنّه‌ ضعيف‌ مجهول‌.

 2 ـ أبو ذرّ الغفاري‌ّ، وَهُوَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، الصَّادِقُ فِي‌ قَولِهِ وَعَمَلِهِ.

 3 ـ الاحنف‌ بن‌ قيس‌ التميمي‌ّ، الذي‌ إن‌ لم‌ يكن‌ صحيحاً وثقة‌، فهو صحابي‌ّ حَسَن‌ وجيّد، حَسَنٌ إن‌ لَم‌ يَكْن‌ صَحِيحَاً.

 4 ـ أُوَيس‌ المُرادي‌ّ القرني‌ّ، العظيم‌ المنزلة‌ والجليل‌ الرتبة‌.

 5 ـ ثَعلَبة‌ الاسدي‌ّ، مجهولٌ، لَيسَ لَهُ بِهَذَا العُنْوَانِ ذِكْرٌ فِي‌ كُتُبِ الرِّجَالِ.

 6 ـ رَبيع‌ بن‌ خُثيم‌، الذي‌ هو أحد الزهّاد الثمانية‌ المشهورين‌.

 7 ـ هَرِم‌ بن‌ حَيَّان‌، من‌ هؤلاء الزهّاد الثمانية‌ المشهورين‌.

 8 ـ زيد بن‌ ثابت‌، صَحَابِي‌ٌّ، وَكَانَ عُثْمَانِيَّاً مُنْحَرِفَاً.

 9 ـ سُفيان‌ بن‌ عُيَيْنَة‌، والذي‌ تصل‌ أسناد كثير من‌ رواياتنا إلیه‌، وهو الجَاهِلُ المُخَالِفُ المُنْحَرِف‌.

 10 ـ سلمان‌ الفارسي‌ّ، أَجَلُّ مِنْ أن‌ يُوصَف‌.

 11 ـ عبد الله‌ بن‌ مسعود، كَانَ مُعْتَدِلاً، لَكِن‌ مَالَ وَانْحَرَفَ عَنْ علی‌ٍّ علیهِ السَّلاَمُ فِي‌ الجُمْلَةِ.

 12 ـ كعب‌ الاخبار، وهو ذلك‌ العالم‌ إلیهودي‌ّ المنحرف‌ الكذّاب‌.

 13 ـ محمّد بن‌ الحنفيّة‌، ابنُ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌.

 14 ـ وهب‌ بن‌ منبّه‌، وهو ضعيف‌.

 هؤلاء الاشخاص‌ الذين‌ نُقل‌ كلام‌ لهم‌ في‌ هذا الكتاب‌؛ وبقيّة‌ عبارات‌ الكتاب‌ إمَّا قال‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، أو استشهاد بكلام‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌؛ ويوجد في‌ بعض‌ الابواب‌ الخاصّة‌ أيضاً قال‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

ردّ المجلسي‌ّ كتاب‌ «مصباح‌ الشريعة‌» وردّ النوري‌ّ علیه‌

 ونقل‌ المرحوم‌ الحاجّ النوري‌ّ رحمه‌ الله‌ في‌ خاتمة‌ « المستدرك‌ » عن‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » بشكل‌ مفصّل‌، وحاول‌ بكلّ جهده‌ وطاقته‌ أن‌ يثبت‌ نسبة‌ الكتاب‌ للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌، وقد ردّ عبارات‌ المرحوم‌ المجلسي‌ّ التي‌ نُقلت‌؛ وقال‌: إنَّ تلك‌ العبارات‌ التي‌ نقلتها عن‌ الشيخ‌ أنـّه‌: عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، لاتدلّ علی‌ المطلب‌، وذلك‌ لانـّه‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ نفس‌ الشخص‌ الراوي‌ للرواية‌ يقول‌ هنا: عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، لا أنَّ هذه‌ الكلمة‌ هي‌ عبارة‌ الشيخ‌.

 وبالإضافة‌ إلی‌ ذلك‌، فتلك‌ الرواية‌ التي‌ نقلها المرحوم‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ في‌ « الامإلی‌ » هي‌ رواية‌ واحدة‌ لا أكثر، وعباراتها أيضاً في‌ « الامإلی‌ » أكثر منها في‌ « مصباح‌ الشريعة‌ »، فلا نستطيع‌ أن‌ نقول‌ إنّها أُخذت‌ من‌ « مصباح‌ الشريعة‌ ». فلو كانت‌ عبارات‌ « الامإلی‌ » مختصرة‌، بينما عبارات‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » أطول‌ لامكننا القول‌: إنَّ رواية‌ « الامإلی‌ » مأخوذة‌ من‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » وقد اختصره‌، لكنَّ القضيّة‌ بالعكس‌، فالرواية‌ التي‌ وردت‌ في‌ « الامإلی‌ » مفصّلة‌، والتي‌ وردت‌ في‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » مختصرة‌، فكيف‌ تقول‌ إنَّ هذه‌ الرواية‌ قد أُخذت‌ من‌ « مصباح‌ الشريعة‌ »؟!

 وخلاصة‌ الكلام‌، أنـّه‌ يحمل‌ علی‌ المرحوم‌ المجلسي‌ّ ويقول‌ بأنَّ أدلّته‌ غيرتامّة‌، وإنَّ ما قاله‌ من‌: أنَّ عبارات‌ الكتاب‌ من‌ الصوفيّة‌، فأين‌ هي‌ من‌ الصوفيّة‌؟! فالعبارات‌ التي‌ يستعملها الصوفيّة‌ هي‌: العشق‌، الخمر، السُّكر، الصَّحْو، المَحْو، الفناء، الوصل‌، الشيخ‌، الطَّرَب‌، السَّماع‌، الجذبة‌، الإنّيّة‌، المشاهدة‌، وأمثال‌ ذلك‌. ولا يوجد في‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » كلمة‌ واحدة‌ من‌ ذلك‌ أصلاً.

 وأمّا ما قاله‌ من‌: أنَّ عباراته‌ لا تشبه‌ عبارات‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌، فأي‌ّ نسبة‌ هذه‌ التي‌ ينسبها؟! فإنَّ من‌ يري‌ المناجاة‌ الإنجيليّة‌ الكبري‌ أو الإنجيليّة‌ الوسطي‌ أو آخر دعاء كميل‌، حيث‌ يقول‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌: حَتَّي‌ تَكُونَ أَعْمَإلی‌ وَأَوْرَادِي‌ كُلُّهَا وِرْدَاً وَاحِدَاً وَحَإلی‌ فِي‌ خِدْمَتِكَ سَرْمَدَاً... وَقَلْبِي‌ بِحُبِّكَ مُتَيَّمَاً، فسوف‌ يتساءل‌ عمّا إذا كان‌ من‌ الممكن‌ أن‌ يكون‌ ثمّة‌ شي‌ء أرقي‌ من‌ هذا؟! فالإمام علیه‌ السلام‌ يقول‌: إلهي‌ اجعلني‌ مجنوناً بك‌ بنحو لا أفهم‌ ذكري‌ ولا وردي‌ ولازوجتي‌ ولاأطفإلی‌ ولاحياتي‌ ولامعيشتي‌، فكلّها تصير ورداً واحداً، وتفني‌ وتندكّ فيك‌، وأصير متيّماً بك‌، لا عاشقاً ومتيّماً فحسب‌، وإنَّما مجنوناًبك‌!

 أو المناجاة‌ الخامسة‌ عشرة‌ الواردة‌ في‌ « الصحيفة‌ الثانية‌ » من‌ الادعية‌ السجّاديّة‌، فجميعها ذات‌ مضامين‌ عإلیة‌، مثل‌: وَرُؤْيَتُكَ حَاجَتِي‌، وَجِوَارُكَ طَلَبِي‌ و... يَا نَعِيمِي‌ وَجَنَّتِي‌، وَيَا دُنْيَاي‌َ وَآخِرَتِي‌. فهل‌ عبارات‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » أكثر عرفانيّة‌ من‌ هذه‌ العبارات‌.

 وبناء علی‌ هذا، فقولك‌: إنَّ مضامين‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » لا تشبه‌ كلام‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ غيرصحيح‌، بل‌ لها شبه‌ كامل‌ به‌.

 إنَّ كلمات‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ ليست‌ علی‌ وتيرة‌ واحدة‌: فطائفة‌ منها كلمات‌ وأدعية‌ لعامّة‌ الناس‌، ولا تصل‌ هذه‌ الطائفة‌ إلی‌ ذروة‌ كلامهم‌ من‌ حيث‌ المعني‌ والمغزي‌؛ وطائفة‌ أُخري‌ كانت‌ من‌ الاسرار التي‌ نقلوها لخواصّهم‌، وهذه‌ دقيقة‌ جدّاً. وعندما ننظر في‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » لانجد إلاّ العبارات‌ اللطيفة‌ جدّاً والدقيقة‌ والغنيّة‌ بالمعاني‌ والمضامين‌.

 ومحصّل‌ الكلام‌، أنَّ الحاجّ النوري‌ّ ردَّ علی‌ المرحوم‌ المجلسي‌ّ بالإيرادات‌ المذكورة‌، وإن‌ كان‌ في‌ بعض‌ ردوده‌ محلّ للتأمّل‌ والإشكال‌، مثل‌ تلك‌ العبارة‌ التي‌ ينسبها المجلسي‌ّ للشيخ‌، ويقول‌ الحاجّ الميرزا النوري‌ّ: إنَّها ليست‌ دليلاً علی‌ أنَّ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ مِنْ أَهلِ العِلْمِ يكون‌ دليلاً علی‌ المطلب‌، ولكن‌ من‌ حيث‌ المجموع‌، فالحاجّ النوري‌ّ والحاجّ الشيخ‌ آغا بزرك‌ الطهراني‌ّ يردّان‌ علی‌ المرحوم‌ المجلسي‌ّ ويثبتان‌ أنَّ « مصباح‌ الشريعة‌ » هو للإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ  وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

 

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

همکاری با نفوذیان خائن و اختلاس‌گران بی دین
قرآن : لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ کامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (سوره نحل، آیه 52)ترجمه: تا روز قیامت بار گناهان خود را تمام بردارند ، و [ نیز ] بخشی از بار گناهان کسانی را که ندانسته آنان را گمراه می کنند. آگاه باشید ، چه بد باری را می کشند.حدیث: و ایما داع دعی الی ضلالة فاتبع علیه، فان علیه مثل اوزار من اتبعه، من غیر ان ینقص من اوزارهم شیئا!: (مجمع‌البیان، ج6، ص 365)ترجمه: ... و هر کس دعوت به ضلالت کند و از او پیروی کنند همانند کیفر پیروانش را خواهد داشت، بی آنکه از کیفر آنها کاسته شود.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید