قسمة3

و أمّا الأدلّة الخاصّة فما ربما يمكن الاستدلال بها علی أنّ هذه الأرض من‏

                       

الأنفال طائفتان من الأخبار:

الطائفة الاولی: ما تدلّ علی أنّ كلّ أرض جلا عنها أهلها من الأنفال بلا ذكر قيد لها، و هي عدّة من الأخبار:

1- فمنها ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن عليّ بن الحسن بن فضّال عن حمّاد عن حريز عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: ما يقول اللّه:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ؟ قال: الأنفال للّه و للرسول صلّی اللّه عليه و آله، و هي كلّ أرض جلا أهلها من غير أن يحمل عليها بخيل و لا رجال و لا ركاب، فهي نفل للّه و للرسول «1».

و سند الحديث من ابن فضّال إلی الإمام عليه السّلام كما تری معتبر، و الشيخ رحمه اللّه قد رواه عن أصل عليّ بن الحسن بن فضّال، و قال في الفهرست في ترجمة ابن فضّال بعد توثيقه و ذكر كتبه: «أخبرنا بجميع كتبه قراءة عليه أكثرها و الباقي إجازة أحمد بن عبدون عن عليّ بن محمّد بن الزبير سماعا و اجازة عنه. و نحوه في مشيخة التهذيب.

و قد قال النجاشي في ترجمة أحمد بن عبدون ما لفظه: أحمد بن عبد الواحد ابن أحمد البزّاز أبو عبد اللّه شيخنا المعروف بابن عبدون له كتب ... أخبرها بسائرها، و كان قويّا في الأدب قد قرأ كتب الأدب علی شيوخ أهل الأدب، و كان قد لقي أبا الحسن عليّ بن محمّد القرشيّ المعروف بابن الزبير، و كان علوّا في الوقت.

فقوله «شيخنا» فيه دلالة علی الاعتماد به لا سيّما مع إطرائه بأنّه قد لقي ابن الزبير، فإن ابن الزبير قد مات سنة 348 و ابن عبدون قد مات سنة 423 و بين موت الأثنين 75 سنة و هي مقدار كثير طويل فلا محالة قد لقي ابن الزبير في شبابه و كان في هذه المدّة الطويلة مشغولا بجمع الحديث و تعلّمه و تعليمه و هو فضل معتدّ به، و لعلّه لذلك قد عطف عليه قوله «كان علوّا في الوقت»، فكونه علوّا في الوقت يراد

                       

به أنّه من أعلی المشايخ و أسنّهم و سنده كان سندا عاليا، و علوّ الاسناد ممّا تتنافس به أصحاب الحديث و يرتكبون المشاقّ لأجله، فهو وصف عظيم ينبي عن تنافس أهل الحديث إلی الأخذ عنه، فيكون شيخا معروفا و هو من مشايخ النجاشي، و كفی هذا في انكشاف ثقته.

قال النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب: أخبرنا أحمد بن عبد الواحد قال:

حدّثنا عليّ بن محمّد القرشي سنة 348- و فيها مات- قال حدّثنا عليّ بن الحسن ابن فضّال. هذا علی ما هو المعروف المذكور بالبتّ في نسخة رجال النجاشي المصحّحة و المنقول عنها بلا إيماء إلی خلافها في كتب الرجال.

إلّا أنّ السيّد العلّامة الخوئي قدّس سرّه في معجم رجال الحديث ذكر لهذه الكلمة نسخة اخری هي «غلوّا» بالغين المعجمة و قال في الذيل جزما: «ثمّ إنّ تحمّل أحمد بن عبد الواحد المتوفّی سنة 423 الرواية عن عليّ بن محمّد بن الزبير القرشي المتوفّی سنة 348 لا يكون إلّا في أوائل شبابه و عنفوانه، و هذا معنی قول النجاشي: «و كان غلوّا في الوقت» يعني أنّ لقاء أحمد بن محمّد لعليّ بن محمّد بن الزبير كان في عنفوان شبابه «1».

أقول: لكنّه تعسّف لا شاهد له، أمّا علی النسخة المعروفة فواضح، فإنّ العلوّ معناه الارتفاع، و حمله علی الشخص من باب زيد عدل يراد به المبالغة في الارتفاع كما ذكرناه، و لفظ «لغلوّ» أيضا بمعنی الزيادة و الارتفاع و هو مصدر غلا الشي‏ء غلوّا بمعنی زاد و ارتفع، فلا محالة يكون العلوّ و الغلوّ- مهملة و معجمة- مصدرا بمعنی واحد، و حمله علی الشخص أيضا من باب المبالغة، و لم يذكر أهل اللغة في معنی الغلوّ- بالمعجمة- أنّه يطلق بمعنی عنفوان الشباب، و إنّما في كلامهم أنّ غلوان الشباب و غلواؤه: سرعته و أوّله، فراجع في ذلك من باب الانموذج أقرب الموارد و لسان العرب، فتفسير الغلوّ بأوّل الشباب و عنفوانه ليس علی ما ينبغي بل‏

                       

معناه مع المهملة واحد و هو الارتفاع. هذا، و بعد ذلك فلا يبعد خطأ هذه النسخة.

و في رجال الأردبيلي: و يستفاد من كلام العلّامة في بيان طرق الشيخ في كتابيه توثيقه في مواضع.

و قال الشيخ في رجاله في ترجمة ابن عبدون: أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر يكنّی أبا عبد اللّه، كثير السماع و الرواية، سمعنا منه و أجاز لنا بجميع ما رواه، مات سنة ثلاث و عشرين و أربعمائة» «1».

فقد كان شيخ الحديث للشيخ قدّس سرّه أيضا، و قد قال الأردبيلي في جامع الرواة:

عنه الشيخ الطوسي رحمه اللّه تعالی في مشيخة التهذيب كثيرا «2». فهذا أيضا عن كونه ثقة معتمدا عليه.

و بالجملة: فلا ينبغي الريب في أنّ ابن عبدون ثقة.

و أمّا عليّ بن محمّد بن الزبير فقد قال فيه الشيخ في رجاله في باب العين ممّن لم يرو عن الأئمّة عليهم السّلام: عليّ بن محمّد بن الزبير القرشي الكوفي، روی عن عليّ ابن الحسن بن فضّال جميع كتبه، و روی أكثر الاصول، روی عنه التلعكبري، و أخبرنا عنه أحمد بن عبدون، و مات ببغداد سنة ثمان و أربعين و ثلاثمائة و قد ناهز مائة سنة، و دفن في مشهد أمير المؤمنين عليه السّلام.

و عنونه الخطيب في تاريخ بغداد قال: و كان ثقة، و نقل أيضا أنّه توفّي ببغداد في عاشر ذي القعدة من سنة ثمان و أربعين و ثلاثمائة، و مولده سنة أربع و خمسين و مائتين «3».

و علی هذا فقد عمّر أربعا و تسعين سنة، و هو معنی قول شيخ الطائفة: و قد ناهز مائة سنة.

                       

و هذا الشيخ لا نصّ في كتب الرجال عن الشيخ و لا عن النجاشي و من يحذو حذوهما من أصحابنا القدماء علی ثقته إلّا أنّه راوي جميع كتب عليّ بن الحسن ابن فضّال و هي كتب كثيرة كما في رجال النجاشي قائلا إنّه قد وصل إليه أربعة و ثلاثون منها، و هو مع أنّه مات ببغداد فقد دفن في مشهد أمير المؤمنين عليه السّلام مع ذلك الفصل الطويل بين بغداد و النجف الّذي ربما كان يحتاج طيّه في تلك الأزمنة إلی مسير اسبوع أو أكثر، و لذلك يحدس قويّا أنّه كان بوصية منه تكشف عن شدّة حبّه و موالاته لأمير المؤمنين عليه السّلام.

فبذلك كلّه لا يبعد حصول العلم العادي و الاطمئنان بثقته، و معه يكون اسناد الشيخ إلی كتب عليّ بن الحسن صحيحا معتبرا.

مضافا إلی أنّ كتبه ككتب غيره من الأصحاب كانت من الاصول المعروفة عند الأصحاب و يكون ذكر طريق واحد إليها في كلام الشيخ من باب الانموذج، فهل تری عدم ثبوت نسبة هذه الكتب بنحو معتبر عند الشيخ قدّس سرّه و هو يقول في ترجمة الرجل في الفهرست: «فطحيّ المذهب ثقة كوفي كثير العلم واسع الرواية و الأخبار، جيّد التصانيف ... و كتبه في الفقه مستوفاة في الأخبار حسنة ...» فوصف تصانيفه كلّها بالجيادة، و وصف كتبه بأنّها في الأخبار حسنة و في الفقه مستوفاة لا يكون إلّا بعد ثبوت صحّة نسبة هذه الكتب إليه كما صحّ عندنا نسبة التهذيبين إلی الشيخ قدّس سرّه. فبعد هذا المقال منه لا حاجة إلی ذكر طريق إلی كتبه كما لا يخفی.

مضافا إلی أنّ الشيخ نفسه قد نقل في التهذيب في باب آداب الاحداث الموجبة للطهارة «1» و في باب حكم الجنابة و صفة الطهارة منها «2» و في باب حكم الحيض و الاستحاضة و النفاس و الطهارة من ذلك «3» أخبارا خمسة عن عليّ بن الحسن بن فضّال بسندين أحدهما هذا السند المذكور إلی كتب عليّ بن الحسن و الآخر عن‏

                       

جماعة عن أبي محمّد هارون بن موسی عن أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد عن عليّ بن الحسن بن فضّال، و هذا السند الآخر صحيح كما في جامع الرواة عند بيان أسانيد كتب الشيخ، و هو يكشف عن أنّ للشيخ طريقا آخر أيضا إلی عليّ بن الحسن صحيحا و أنّ ما ذكره في المشيخة و الفهرست انموذج من طرقه.

و بالجملة: فبعد هذا كلّه لا ينبغي الريب في اعتبار سند الشيخ إلی كتب عليّ بن الحسن بن فضّال، فسند الحديث معتبر.

و أمّا دلالته فقد فسّر الأنفال بقوله عليه السّلام: «و هي كلّ أرض جلا أهلها من غير أن يحمل عليها بخيل و لا رجال و لا ركاب» فنفس محمول «كلّ أرض جلا أهلها» عامّ لكلّ أرض كانت كذلك و إن كانت من الأراضي الّتي بيد المسلمين أو أهل الذمّة الّذين يعيشون في لواء الإسلام و البلاد الإسلامية، و فقرة «من غير أن يحمل عليها بخيل و لا رجال و لا ركاب» قيد يخرج به الأراضي المفتوحة عنوة و إلّا فغيرها من الأراضي المذكورة أيضا لم يحمل عليها بخيل و لا ركاب، فالعموم المذكور يشمل أراضي من يعيش في لواء الإسلام و إن كان يعمّ أيضا الأرض الّتي كانت بيد أهل الحرب ثمّ جلوا عنها بلا قتال، لكنّه لا ينافي شمول العامّ لغيرها أيضا كما لا يخفی.

2- و منها ما رواه الشيخ أيضا في التهذيب بإسناده المنتهي إلی محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول و سئل عن الأنفال فقال: كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل للّه عزّ و جلّ، نصفها يقسّم بين الناس و نصفها لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله، فما كان لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله فهو للإمام عليه السّلام «1».

و هي أيضا نصّت علی أنّ كلّ قرية يجلوا أهلها عنها فهي نفل، و معلوم أنّ القرية إذا جلا أهلها عنها فربما كانت دور الأهل و بيوتهم، و هكذا أراضيها الّتي‏

                       

كانت تحت أيدي أهلها عامرة، فإذا حكمت بأنّ القرية نفل فهذه الأراضي العامرة كبيوتها و دورها العامرة كلّها يكون من مصاديق الأنفال، و لا شبهة في أنّ عموم كلّ قرية لما إذا كان جميع أهلها مسلمين أو كافرين أو مختلطين منهما، فالرواية دالّة علی أنّها جميعها من الأنفال، فتكون هذه الرواية من جهة حدود الدلالة عدلا للمعتبرة السابقة.

و أمّا ما في ذيلها في مقام بيان حكمها من أنّ «نصفها يقسّم بين الناس و نصفها لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله» فهو كما مرّ في أوائل البحث عن الأنفال مخالف لسائر الأخبار و لإجماع الأصحاب، إلّا أنّه إنّما يوجب سقوط الذيل عن الاعتبار و لا يضرّ باعتبار صدرها كما هو واضح.

فدلالة الرواية تامّة، إلّا أنّه وقع في سندها إسماعيل بن سهل الّذي هو بحسب الظاهر إسماعيل بن سهل الدهقان، و قد قال فيه النجاشي: «ضعّفه أصحابنا»، و نقل مثله عن العلّامة في الخلاصة، فسندها ضعيف إلّا أنّها تؤيّد المطلوب.

3- و منها ما أرسله العيّاشي في تفسيره عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته أو سئل عن الأنفال، فقال: كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل، نصفها يقسّم بين الناس، و نصفها للرسول صلّی اللّه عليه و آله «1».

و هو في الدلالة مثل ما سبقه، و سنده أيضا ضعيف بالإرسال، فإنّما يصلح لأنّ يكون مؤيّدا للمطلوب.

4- و منها ما أرسله العيّاشي عن زرارة فقال: و في رواية زرارة عنه عليه السّلام قال:

هي كلّ أرض جلا أهلها من غير أن يحمل عليها خيل و لا رجال و لا ركاب، فهي نفل للّه و للرسول صلّی اللّه عليه و آله «2».

                       

و هو في الدلالة مثل معتبر زرارة فإنّه ورد في تفسير الآية و لعلّه هو إلّا أنّ سنده بنفسه ضعيف بالإرسال.

هذه هي الطائفة الاولی من الأخبار.

الطائفة الثانية: منها ما تدلّ علی أنّ كلّ أرض جلا عنها أهلها من الأنفال، إلّا أنّ فيها تقييدا بأنّها خربت، و هي أيضا عدّة من الأخبار:

1- فمنها موثّقة إسحاق بن عمّار المروية في تفسير عليّ بن إبراهيم قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأنفال، فقال: هي القری الّتي قد خربت و انجلی أهلها فهي للّه و للرسول ... الحديث «1».

فهي أيضا قد حكمت بأنّ القرية الّتي انجلی عنها أهلها من الأنفال، إلّا أنّها قيّدتها بأنّها قد خربت، فلعلّها تقتضي تقييدا للأراضي المذكورة في الطائفة الاولی.

أقول: (أوّلا) أنّ قيد الخراب إنّما ذكر قيدا للقرية، و هو يصدق بخراب مجرّد دورها و مساكنها، و لا يلازم خراب أراضيها العامرة الّتي بيد أهلها، فإطلاق الموثّقة أيضا يحكم بأنّ أراضيها العامرة من الأنفال.

و (ثانيا) أنّه يحتمل فيه جدّا أن يكون ذكره لمكان بيان سرّ جلاء أهلها عنها، فإنّ الخراب هي العلّة العادية للجلاء عنها سيّما في تلك الأزمنة الّتي كانت تنحصر فائدة الأرض في مثل الزرع، فالقرية كانت مثل البلد في انعدام كليهما لمثل الكهرباء و المصانع الكهربائية، فإذا خربت المساكن ينجلون عنها إلی بلدة ذات مساكن سليمة.

و بالجملة: فيمكن دعوی أنّه لا يستفاد من قيد الخراب تقييد الموضوع، غاية الأمر أن لا يكون لمثل الموثّقة إطلاق شامل لثبوت حكم الأنفال لما إذا لم تخرب القرية، إلّا أنّها غير مانعة عن الأخذ بإطلاق غيرها، فيكون مدلول الطائفة الاولی باقيا علی حاله بلا ورود قيد عليه.

                       

2- و منها ما أرسله العيّاشي في تفسيره عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الأنفال، قال: هي القری الّتي قد جلا أهلها و هلكوا فخربت، فهي للّه و للرسول «1».

فهو أيضا قيّد القرية بالخراب إلّا أنّه خراب بعد جلاء أهلها عنها، و كيف كان ففيه أيضا قيد ربما يجب تقييد الطائفة الاولی.

أقول: فهذا الحديث أيضا إنّما يذكر القيد للقرية، و قد مرّ أنّ خراب القرية لا يلازم خراب الأراضي، فهو أيضا يشمل الأراضي العامرة، مضافا إلی أنّه يحتمل فيه أيضا أن يكون ذكر هلاك أهلها و خرابها إيماء إلی أنّ المراد بالجلاء إنّما هو رفع اليد عن قريتهم بالمرّة بحيث كان هلاكهم أيضا خارج القرية، فمع احتمال أن يراد به هذا المعنی فليس فيه حجّة علی تقييد إطلاق غيرها مضافا إلی أنّ سنده ضعيف بالإرسال.

3- و منها ما أرسله أيضا عن ابن سنان في تفسير الأنفال، قال: هي القرية الّتي قد جلا أهلها و هلكوا فخربت، فهي للّه و للرسول 2. و الكلام فيه أيضا مثل سابقه حرفا بحرف، بل لعلّه هو.

فقد تحصّل قيام الأخبار التامّة الدلالة المعتبرة الاسناد علی أنّ كلّ أرض جلا عنها أهلها فهي من الأنفال. نعم يجب الالتفات إلی أنّ الجلاء إنّما هو ترك الأرض و الإعراض عنها بالمرّة لا مجرّد ترك الاشتغال بزرع الأرض مثلا أو غيره من الانتفاعات لمدّة محدودة لعذر أو غير عذر، فلا يصدق به الجلاء و لا يوجب صيرورة الأرض من الأنفال، و اللّه العالم.

الثاني عشر ممّا قد يعدّ من مصاديق الأنفال أرض عطّلها مالكها عمدا ثلاث سنين:

و المراد منه أنّ هذه الأرض بمجرّد أن يعطّلها مالكها عمدا ثلاث سنين و لم‏

                       

ينتفع بها الانتفاع المطلوب منها تعدّ من الأنفال و إن كانت أرضا عامرة بيد مالكها و كان مالكها مسلما.

فقد قال أبو الصلاح الحلبي في الكافي في فصل الأنفال: فرض الأنفال مختصّ بكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب ... و كلّ أرض عطّلها مالكها ثلاث سنين ... «1». و لم يذكرها غيره فيما أعلم.

و لا دليل عليه سوی ما رواه الكليني و الشيخ بسندهما عن يونس عن العبد الصالح عليه السّلام قال: قال: إنّ الأرض للّه جعلها وقفا [رزقا- يب‏] علی عباده، فمن عطّل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علّة اخرجت من يده و دفعت إلی غيره، و من ترك مطالبة حقّ له عشر سنين فلا حقّ له «2».

و دلالته علی أنّ تلك الأرض تخرج من يد من بيده و تدفع إلی غيره واضحة، إلّا أنّه لا شاهد فيه علی أنّ تلك الأرض من الأنفال، بل قد جعل هذا العمل و الحكم متفرّعا علی أنّ الأرض للّه تعالی و جعلها وقفا علی عباده، و بعد ذلك فلم يقل بمضمون الحديث و لا بكون تلك الأرض من الأنفال أحد- فيما نعلم- و لهذا فالرواية غير معمول بها عند الأصحاب و في سندها شبه إرسال، فإنّه رواها سهل ابن زياد إمّا عن الريّان بن الصلت و إمّا عن رجل عن ريّان، فسندها غير معتبر، و لم نقف علی عامل بها غير أبي الصلاح فلا يمكن الاعتماد عليها في الإفتاء بما هو خلاف القواعد و الاصول.

الثالث عشر ممّا عدّ من الأنفال كلّ أرض لا ربّ لها:

و لا بدّ من أن يكون المراد بها أرض عامرة لا ربّ لها، و إلّا فلو كانت الأرض‏

                       

ميتة و لا محالة لا ربّ لها فهي داخلة في عنوان الأرض الخربة و الموات الّتي قد مرّ عدّها من الأنفال، كما أنّ المراد بالربّ هو من تكون إدارة أمر الأرض حتّی يمكن الانتفاع بها بيده، فإذا ترك أرضه العامرة و لم ينظر إليها بحيث صارت في سبيل الموت و الخراب فلم يكن لها ربّ فيصدق حينئذ أنّها لا ربّ لها و تصير من الأنفال.

و بهذا البيان تعرف أنّ مقتضی الاستصحاب بقاؤها علی ملك مالكها و أنّ عدّها من الأنفال يحتاج إلی دليل خاصّ. بل إنّ مقتضی الأدلّة الاجتهادية أيضا بقاؤها علی الملكية، فإنّ هذه الأرض لو كانت ميتة فأحياها فقولهم عليهم السّلام: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» أنّها ما دامت حيّة فهي ملك محييها، و لو كان سبب ملكيّتها مثل اشتراء أو إرث أو هبة و نحوها فأدلّتها الخاصّة مقتضية لملكها ما دامت موجودة لا سيّما إذا كانت عامرة. و بالجملة: فمقتضی القواعد من الأمارات و الاصول بقاء الملكية و صيرورتها بترك الإدارة من الأنفال و ملكا لوليّ الأمر محتاجة إلی دليل خاصّ.

و كيف كان، فقد عدّها من الأنفال بعض الأعاظم في كتابه الخمس و في دراساته في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية «1» و لم نقف علی عدّ غيره لها منها بل ربما يستفاد من كلام جمع آخر بقاؤها بعد علی الملكية، و ربما ادّعي عليه الإجماع.

1- فقد قال ابن إدريس في السرائر- عند البحث عن حكم أقسام الأرضين، لدی التعرّض لحكم أراضي بلاد الإسلام- ما نصّه: فأمّا الغامر- بالغين المعجمة و هو الخراب- فعلی ضربين: غامر لم يجر عليه ملك لمسلم، و غامر جری عليه ملك مسلم ... و أمّا الغامر الّذي جری عليه ملك مسلم فإن كان صاحبه أو وارثه معيّنا فهو أحقّ به، و هو في معنی العامر، و لا يخرج بخرابه عن ملك صاحبه «2». فتراه قد حكم ببقاء ملك المالك علی الأرض في حين خرابه و أنّها في معنی العامر،

                       

و معلوم أنّ الأوّل إلی الخراب يكون في الغالب مسبوقا بترك إدارة الأرض كما ينبغي، فيكون مفاد كلامه أنّ الأرض لا تخرج عن ملك مالكها بترك تربيتها و إدارة أمرها.

2- و قال المحقّق في الشرائع في كتاب إحياء الموات: و كلّ أرض جری عليها ملك لمسلم فهي له و لورثته بعده «1».

فإطلاق العبارة أنّ ما جری عليه مسلم من الأراضي فهي ملك له ما دام حيّا و بعده تصير لورثته، و هذا الإطلاق شامل «لما» إذا ترك تربيتها.

3- و قال في المسالك عند شرح العبارة: إذا جری علی الأرض ملك مسلم معروف و من في حكمه فما دامت عامرة فهي له و لورثته بعده- و إن ترك الانتفاع بها أصلا- إجماعا «2».

و واضح أنّ ترك الانتفاع بها بالمرّة يكون ملازما لترك إدارتها، فإنّ إدارة الأرض لا سيّما في الأزمنة السالفة إنّما هي مقدّمة للانتفاع بها بمثل الزرع، فالمستفاد من كلامه بقاؤها حينئذ و بعده أيضا علی ملكه، و ادّعی عليه الإجماع.

4- و قال في الجواهر هنا أيضا: و كلّ أرض جری عليها ملك المسلم فما دامت عامرة فهي له أو لورثته بعده، و إن ترك الانتفاع بها، بلا خلاف و لا إشكال، بل في المسالك الإجماع عليه، و هو كذلك، بل إن لم يكن لها مالك معروف كانت من مجهول المالك «3».

و هو في الدلالة مثل سابقه، و هو أيضا قد ادّعی نفسه الإجماع في قوله: «و هو كذلك» و إنّ قوله «بلا إشكال» معناه أنّ مقتضی الأدلّة أيضا بقاؤها علی ملك مالكها.

و لا يبعد دعوی اقتضاء إطلاق كلمات الفقهاء في أنّ الإحياء يوجب ملكية الموات و أنّ الأسباب المختلفة تؤثّر في الأرض المملوك أيضا، فإطلاق كلماتهم أيضا يقتضي بقاء ملك مالكي الأرض العامرة حتّی عند ترك أدلّتها، فتدبّر.

                       

هذا هو مقتضی الفحص عن أقوال الأصحاب.

و بعد ذلك فيمكن الاستدلال لصيرورة الأرض العامرة بترك تربيتها من الأنفال بأخبار:

1- منها موثّقة إسحاق بن عمّار- الّتي رواها عليّ بن إبراهيم في تفسيره- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأنفال فقال: هي القری الّتي قد خربت و انجلی أهلها فهي للّه و للرسول، و ما كان للملوك فهو للإمام، و ما كان من أرض الجزية [من الأرض بخربة- خ ئل‏] لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كلّ أرض لا ربّ لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولی فماله من الأنفال «1».

و الموثّقة ظاهرة في أنّ كلّ ما ذكر فيها فهو من الأنفال و قد ذكر كلّ أرض لا ربّ لها فتكون هي أيضا من الأنفال.

2- و منها ما رواه العيّاشي في تفسيره عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لنا الأنفال، قلت: و ما الأنفال؟ قال: منها المعادن و الآجام، و كلّ أرض لا ربّ لها و كلّ أرض باد أهلها فهو لنا «2».

و دلالته كالموثّقة واضحة إلّا أنّها مرسلة كسائر أخبار تفسير العيّاشي.

3- و منها ما رواه المستدرك عن كتاب عاصم بن حميد الحنّاط عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: و لنا الصفيّ. قال: قلت له: و ما الصفيّ؟ قال: الصفيّ من كلّ رقيق و ابل يبتغی أفضله ثمّ يضرب بسهم، و لنا الأنفال. قال: قلت له: و ما الأنفال؟ قال: المعادن منها، و الآجام، و كلّ أرض لا ربّ لها، و لنا ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كانت فدك من ذلك «3».

و هو أيضا في الدلالة مثل ما سبق، إلّا أنّ الكلام في سنده، فإنّه ليس نسخة

                       

هذا الكتاب قطعية الانتساب إلی عاصم، و صاحب المستدرك إنّما اكتفی في سنده إليه بأنّ كتاب عاصم بن حميد مذكور في ترجمته في مثل رجال النجاشي و فهرست الشيخ و أنّ لهما إلی كتابه سندا معتبرا و أنّ لصاحب المستدرك إلی الشيخ و النجاشي أيضا طريقا معتبرا و استنتج منه اعتبار طريقه إلی كتاب عاصم. فهذا هو المستفاد من المذكور عند ذكر كتاب عاصم بعد ضمّه إلی طرقه المذكورة في الفائدة الثالثة من خاتمة المستدرك.

و أنت خبير بأنّ مجرد هذين الأمرين لا يثبت اعتبار نسخته الّتي كانت عنده بعد أن كان المفروض عدم قطعية النسخة.

و كيف كان فرواية إسحاق بن عمّار موثّقة يصحّ الاكتفاء بها، و هذا الخبران مؤيّدان لها.

إلّا أنّ هنا نكتتين ربما يستشكل بهما صحّة الاعتماد علی الموثّقة المزبورة:

الاولی: أنّه قد ورد في خبر حمّاد الطويل عن الكاظم عليه السّلام في عداد الأنفال:

 «و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها» «1» فلم يعدّ منها مطلق الأرض الّتي لا ربّ لها من الأنفال بل قيّدها بأن تكون ميتة، و هو خاصّ بالنسبة إلی عموم «كلّ أرض لا ربّ لها» فلا بدّ من إخراج العامر منه و اختصاصه بالأرض الميتة الّتي لا ربّ لها، و بعده لا يصحّ عدّ الأرض الّتي لا ربّ لها من الأنفال فإنّ الأرض الميتة قد عدّت من الأنفال كما مرّ.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: (أوّلا) إنّ العنوان الواقع في الخبر هو الميتة و العنوان المذكور في الموثّقة هي الأرض الّتي لا ربّ لها و ظاهر كلّ منهما أنّ العناية بنفس العنوان المذكور، فحيثية أنّها ميتة موضوع الخبر، و حيثية أنّ لا ربّ لها موضوع و مورد عناية الموثّقة، فهما عنوانان ليسا عنوانا واحدا عامّا و خاصّا، فلا مجال للجمع بالتخصيص.

و (ثانيا) أنّ التخصيص مبنيّ علی أن يكون قيد «لا ربّ لها» في الخبر قيدا احترازيا، مع أنّه يمكن منعه، فإنّ كلّ أرض ميتة فلا محالة لا ربّ لها فهو قيد

                       

توضيحي جي‏ء به لتوضيح الميتة، و لذلك كان تمام العناية فيه إلی عنوان الميتة، و عليه فمثل موثّقة إسحاق الّتي جعلت تمام العناية في موضوعها إلی أنّها لا ربّ لها متعرّض لعنوان آخر و إطلاقه بل عمومه يقتضي أن يعمّ الحكم المذكور فيها لما إذا كانت عامرة أيضا.

النكتة الثانية: انّك قد عرفت قول الأصحاب بأنّ الأرض العامرة الّتي لا ربّ لها تكون لمالكها، و ادّعی صاحبا المسالك و الجواهر عليه الإجماع، فهذا الاتفاق منهم دليل علی أنّ الأصحاب قد أعرضوا عن موثّقة عمّار، و من المعلوم أنّ إعراض الأصحاب يسقط الخبر المعتبر السند عن الحجّية، فلا مجال للاعتماد عليها في الإفتاء بمضمونها.

إلّا أنّه يمكن منع إعراضهم عنها، و ذلك لاحتمال أن استظهروا من العموم المذكور في الموثّقة أنّه منصرف إلی خصوص الأراضي الميتة، و ذلك أنّ الأرض إذا كانت عامرة فلا يعرض عن تربيتها و إدارة أمرها للانتفاع الزراعي بها من هي بيده، فبحسب العادة إنّما تكون الأراضي الميتة لا ربّ لها فالعموم منصرف إلی خصوصها، فلا ينعقد له شمول بالنسبة إلی العامرة، و عليه فلا دليل علی أنّ أرضا عامرة لا ربّ لها أيضا من الأنفال، بل مقتضی أدلّة أسباب الملكية من الأحياء أو الشراء أو الإرث و نحوها بقاء ملك مالكها ما دامت موجودة و ما دام مالكها حيّا.

فهذا الاحتمال موجود في مبنی كلام القوم، و لذلك قال صاحب الجواهر هنا كما مرّ: «فهي له أو لوارثه بلا إشكال» فإنّ كونه بلا إشكال يراد به أنّه مقتضی القواعد و اقتضاء القواعد له يكون بما بيّنّاه. هذا.

و لكنّك عرفت أنّ جعل عنوان الموضوع «الأرض الّتي لا ربّ لها» ظاهر في أنّ تمام العناية بعنوان كونها لا ربّ لها و معه فلا وجه للانصراف المذكور، بل حاصل التوجيه المستفاد من الحديث أنّ الأرض لا بدّ و أن يدار أمرها و أن يبلغ من بيدها بما تحتاج إليه في عمرانها، فإذا تركها و لم ينظر بالمرّة إليها تصير من‏

                       

الأنفال و من أموال وليّ الأمر فيستفاد منها الانتفاعات المتوقّعة منها، و لذلك فالظاهر عدّها من الأنفال.

ثمّ إنّه قد يستدلّ لكونها من الأنفال بقول الصادق عليه السّلام في خبر محمّد بن مسلم: «كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل للّه عزّ و جلّ» «1» و نحوه قوله عليه السّلام في خبر حريز: «كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل» 2.

ببيان أنّ إطلاق الخبرين يشمل القرية الّتي بقيت عامرة أيضا، و الملاك في الحكم عدم الربّ و الصاحب لها «3».

لكنّه محلّ منع جدّا، فإنّ ظاهر الخبرين أنّ نفس هلاك الأهل و جلائهم عن القرية موضوع و ملاك للحكم بكونها نفلا، فكيف يرفع اليد حتّی يجي‏ء حكمهما في أرض عامرة يكون من كان يعمرها عندها لكنّه لا يدبّرها، فلعلّ الحكم مختصّ بخصوص مورد الهلاك و الجلاء.

كما قد يستشهد له بأنّ المقصود بالأنفال الأموال الّتي لا تتعلّق بالأشخاص فتكون من الأموال العامّة الّتي زمامها بيد إمام المسلمين 4.

لكنّك تعلم أنّ الأرض العامرة الّتي لا يدبّرها من كان يعمرها و يدبّرها لم يفرض أنّها لا تتعلّق بالأشخاص فليست من مصاديق الكبری المذكورة.

الرابع عشر من الأنفال صفايا الغنائم الّتي يصطفيها الإمام من الغنائم الحربية المنقولة:

فقد ذكرها جمع كثير من الأصحاب و ربما ادّعی الإجماع علی أنّها للإمام عليه السّلام.

1- فممّن ذكرها عند البحث عن الأنفال الشيخ المفيد قدّس سرّه في المقنعة حيث قال: و روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: نحن قوم فرض اللّه طاعتنا في القرآن، لنا الأنفال و لنا صفو المال» يعني بصفوها ما أحبّ الإمام من الغنائم و اصطفاه لنفسه‏

                       

قبل القسمة من الجارية الحسناء و الفرس الفاره و الثوب الحسن و ما أشبه ذلك من رقيق أو متاع، علی ما جاء به الأثر من هذا التفسير عن السادة عليهم السّلام، و ليس لأحد أن يعمل في شي‏ء ممّا عدّدناه من الأنفال إلّا بإذن الإمام العادل «1».

فهو قدّس سرّه و إن ذكر الحديث المنقول فيها إلّا أنّ قوله بعد ذكر الأمثلة: «علی ما جاء به الأثر من هذا التفسير» شاهد علی أنّه قائل به و بتفسيره استنادا إلی الأثر المنقول عن الأئمّة عليهم السّلام.

2- و قال شيخ الطائفة في باب الأنفال من النهاية عند عدّ مصاديقها: و له أيضا من الغنائم قبل أن تقسّم الجارية الحسناء و الفرس الفاره و الثوب المرتفع و ما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع «2».

3- و قال في فصل ذكر الأنفال من الجمل و العقود: و هي خمسة عشر صنفا: ...

و ميراث من لا وارث له، و من الغنائم الجارية الحسناء و الثوب المرتفع و الفرس الفاره و ما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع «3».

و كلامه صريح في أنّ هذه الصفايا من الأنفال، فإنّه صرّح بكونها خمسة عشر صنفا، و الميراث المذكور هو العاشر منها، و إنّما عدّ بعدها غنيمة حرب لم يكن بإذن الإمام فقط، فلا محالة هذه الصفايا المذكورة أربعة من الأنفال.

4- و قال في كتاب الفي‏ء و قسمة الغنائم من الخلاف: ما كان للنبيّ صلّی اللّه عليه و آله و سلّم من الصفايا قبل القسمة فهو لمن قام مقامه، و قال جميع الفقهاء: إنّ ذلك يبطل بموته.

دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم «4».

5- و قال ابن زهرة في جهاد الغنية عند البحث عن الغنيمة-: و للإمام أن يصطفي لنفسه قبل القسمة ما شاء من فرس أو جارية أو درع أو سيف أو غير ذلك، و هذا من جملة الأنفال، و أن يبدأ بسدّ ما ينوبه من خلل في الإسلام ...

                       

كلّ ذلك بدليل الإجماع المشار إليه «1».

6- و قال ابن حمزة عند البحث عن الغنيمة من الوسيلة: فالأموال تخرج منه الصفايا بالإمام عليه السّلام قبل القسمة، و هي ما لا نظير له من الفرس الفاره و الثوب المرتفع و الجارية الحسناء و غير ذلك، ثمّ يخرج منها المؤن «2».

7- و قال القاضي ابن البرّاج في باب الغنائم من المهذّب: ... و الّذي يختصّ المقاتلة دون غيرهم هو جميع ما حواه العسكر فقط، و هذا يقسّم في المقاتلة فحسب، و لا يدفع إلی أحد ممّن عداهم منه شي‏ء إلّا الإمام عليه السّلام، فإنّه يجوز أن يأخذ ذلك قبل القسمة ما يختار أخذه من الجارية الحسناء و الفرس الجواد و الثوب الرفيع و ما جری مجری ذلك «3».

8- و قال الكيدري في الفصل الحادي عشر في الأنفال من إصباح الشيعة:

الأنفال كلّ أرض خربة باد أهلها ... و من الغنائم قبل القسمة الجارية الحسناء و الفرس الفاره و الثوب المرتفع و ما لا نظير له من رفيق أو متاع ما لم يجحف ذلك بالغانمين و لم يستغرق الغنيمة [القيمة- خ ل‏] و ما غنم من أهل الحرب بغير إذن الإمام، كان كلّ هذا للإمام القائم مقام الرسول صلّی اللّه عليه و آله «4».

9- و قال ابن إدريس في باب ذكر الأنفال و من يخصّها من السرائر: و هي كلّ أرض خربة ياد أهلها ... و من الغنائم قبل أن تقسّم الجارية الرائعة الحسناء و الفرس الجواد ... و الثوب المرتفع و ما أشبه ذلك من الدرع الحصينة و السيف القاطع ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع ما لم يجحف بالغانمين «5».

10- و قال المحقّق في الشرائع بعد عدّ الأنفال: و كذا له- يعني للإمام- أن يصطفي من الغنيمة ما شاء من فرس أو ثوبه أو جارية أو غير ذلك ما لم يجحف «6».

11- قال العلّامة في القواعد عند عدّ الأنفال: و هي عشرة ... و ميراث من لا

                       

وارث له، و له أن يصطفي من الغنيمة ما شاء كثوب و فرس و جارية و غيرها من غير إجحاف «1». و صفو الغنائم في كلامه هو العاشر من الأنفال.

12- و قال أيضا في إرشاد الأذهان- في عداد مصاديق الأنفال-: ... و صفايا الملوك و قطائعهم غير المغصوبة و يصطفی من الغنيمة ما شاء و غنيمة من قاتل بغير إذنه له عليه السّلام «2».

13- و قال أيضا في بحث الأنفال من المنتهی: و من الأنفال ما يصطفيه من الغنيمة في الحرب مثل الفرس الجواد و الثوب المرتفع و الجارية الحسناء و السيف القاطع و ما أشبه ذلك ما لم يجحف بالغانمين، ذهب إليه علماؤنا أجمع ... خلافا للجمهور حيث قالوا: إنّه يبطل بموت النبيّ صلّی اللّه عليه و آله «3».

14- و قال أيضا في الفصل الرابع في الأنفال من التذكرة: المراد بالأنفال ما يخصّ الإمام عليه السّلام فمنه ... و منه ما يصطفيه من الغنيمة في الحرب كالفرس و الثوب و الجارية و السيف و غير ذلك من غير إجحاف بالغانمين «4».

15- و قال أيضا في كتاب الجهاد من التذكرة في فصل الغنائم: للإمام أن يصطفي لنفسه من الغنيمة ما يختاره كفرس جواد و ثوب مرتفع و جارية حسناء و سيف قاطع و غير ذلك ممّا لا يضرّ بالعسكر عند علمائنا أجمع «5».

16- و قال الشهيد في كتاب الخمس من الدروس: و الأنفال للإمام عليه السّلام و هي الأرض الّتي باد أهلها ... و صفايا الغنائم كالأمة الرائقة و الفرس الجواد و الثوب الفاخر و السيف القاطع و الدرع «6».

هذه كلمات مشاهير أصحابنا العظام إلی زمان الشهيد، و قد عرفت اتفاق كلمتهم علی أنّ صفو الغنائم للإمام، و ادّعی عليه الإجماع الشيخ في الخلاف و ابن‏

                       

زهرة في الغنية و أسند القول به إلی علمائنا أجمع في المنتهی و جهاد التذكرة.

و بعد ذلك فلنرجع إلی الأخبار الواردة في المسألة حتّی يتبيّن حدودها، و الأخبار الواردة فيها متعدّدة:

1- فمنها ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ربعي بن عبد اللّه بن الجارود عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس، و يأخذ خمسه، ثمّ يقسّم أربعة أخماس بين الناس الّذين قاتلوا عليه ... و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله «1».

فقد صرّح بأنّ النبيّ صلّی اللّه عليه و آله كان يأخذ صفو المغانم لنفسه و أنّ للإمام أيضا هذا الحقّ، و هو المطلوب.

2- و منها ما رواه الكليني بسند صحيح و الشيخ بسند موثّق عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: نحن قوم فرض اللّه عزّ و جلّ طاعتنا، لنا الأنفال، و لنا صفو المال، و نحن الراسخون في العلم، و نحن المحسودون الّذين قال اللّه: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلی‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ «2».

و قد رواه الكليني بسند آخر صحيح أيضا إلی قوله: «صفو المال» و بلا ذيل «3».

و دلالته علی المطلوب واضحة.

3- و منها ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن صفو المال قال: الإمام يأخذ الجارية الروقة و المركب الفاره و السيف‏

                       

القاطع و الدرع قبل أن تقسّم الغنيمة فهذا صفو المال «1». و عن ابن إدريس في السرائر نقله إلّا أنّه ترك «و الدرع» «2».

فسؤال الراوي و إن كان عن مجرّد تفسير صفو المال إلّا أنّ الجواب عنه بقوله:

 «الإمام يأخذ» دليل علی أنّ له أخذه لنفسه و هو المطلوب.

فدلالة هذا الخبر أيضا تامّة، إلّا أنّ في السند أحمد بن هلال الّذي قال فيه الشيخ في الفهرست: كان غاليا متّهما في دينه، و عن النجاشي أنّه ورد فيه ذموم عن سيّدنا أبي محمّد العسكري، إلّا أنّه مع ذلك كلّه فقد نقل قول النجاشي فيه أنّه صالح الرواية، و عن الغضائري الواسع اليد في تضعيف الرجال أنّه لا يتوقّف في رواية أحمد بن هلال إذا رواها من نوادر محمّد بن أبي عمير أو من كتاب المشيخة لابن محبوب، و أنت تعلم أنّ هذه الرواية قد رواها عن ابن أبي عمير، و عليه فلا يبعد اعتبار سندها.

4- و منها قول العبد الصالح- بحسب رواية حمّاد بن عيسی الطويلة-:

و للإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها، الجارية الفارهة، و الدابّة الفارهة، و الثوب، و المتاع ممّا يحبّ أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة و قبل إخراج الخمس، و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم و غير ذلك ممّا يؤنبه، فإن بقي بعد ذلك شي‏ء أخرج الخمس منه فقسّمه في أهله و قسّم الباقي علی من ولي ذلك، و إن لم يبق بعد سدّ النوائب شي‏ء فلا شي‏ء لهم «3».

و دلالته أيضا علی أنّ صفو غنائم الحرب المنقولة للإمام عليه السّلام واضحة.

5- و منها ما في تفسير العيّاشي عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا الصباح، نحن قوم فرض اللّه طاعتنا، لنا الأنفال، و لنا صفو

                       

المال «1» ... إلی آخر ما مرّ عن الكافي و التهذيب تحت الرقم 2، و لعلّه نفسه.

و قد مرّ عن المقنعة أيضا ذكر هذه العبارة مسندة إلی الصادق عليه السّلام، و لعلّه أيضا صحيح صفوان.

6- و منها ما رواه المستدرك عن كتاب عاصم بن حميد الحنّاط عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: و لنا الصفيّ. قال: قلت: و ما الصفيّ؟ قال: الصفيّ من كلّ رقيق و ابل يبتغی أفضله ثمّ يضرب بسهم، و لنا الأنفال ... الحديث «2».

و دلالته أيضا علی المطلوب واضحة إلّا أنّه عبّر بالصفيّ، و هو الصفو، و المراد صفو الغنائم، بقرينة قوله: «ثمّ يضرب بسهم» فإنّ هذا السهم هو سهم القرعة، و هو إنّما يناسب تقسيم البقية بين المقاتلين.

7- و منها ما في تفسير العيّاشي عن بشير الدهّان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ اللّه فرض طاعتنا في كتابه، فلا يسع الناس جهلنا [حملنا- خ ل‏] لنا صفو المال، و لنا الأنفال، و لنا قرائن [كرائم- خ ل‏] القرآن «3».

8- و منها ما في تفسير العيّاشي عن بشير الدهّان أيضا قال: كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام- و البيت غاصّ بأهله فقال لنا: أحببتم و أبغض [أبغضنا- خ ل‏] الناس ... و حبّنا بيّن في كتاب اللّه، لنا صفو المال، و لنا الأنفال، و نحن قوم فرض اللّه طاعتنا ... الحديث 4.

فهذه الأحاديث المتعدّدة الّتي فيها المعتبرات قد دلّت علی أنّ للإمام عليه السّلام صفو المال، و قد عبّر في صحيح الربعي عنه بصفو المغانم و هو المراد من صفو المال أيضا، كما فسّره به معتبر أبي بصير و خبر حمّاد بن عيسی و رواية كتاب‏

                       

عاصم بن حميد الّتي عبّر عنه بالصفيّ أيضا، فالأحاديث بعضها توضيح للبعض الآخر، و كلّها متفقة الدلالة علی أنّ صفو المال للإمام عليه السّلام.

إلّا أنّه ينبغي البحث بعد عن جهات عديدة ليتّضح موضوع البحث جدّا:

الجهة الاولی: في أنّ صفو المال من مصاديق الأنفال أم هو أمر مستقلّ هو أيضا للإمام عليه السّلام؟ فالكلمات الماضية من ظاهر عبارة مقنعة المفيد و نهاية الشيخ و صريح الجمل و العقود و الغنية و إصباح الشيعة و السرائر و إرشاد العلّامة و قواعده و منتهاه و تذكرته- في بحث الأنفال- و صريح الدروس أنّه من الأنفال، و أمّا الخلاف و الوسيلة و المهذّب و الشرائع و جهاد التذكرة فقد عدّته للإمام عليه السّلام بلا دلالة علی أنّه من الأنفال، بل ربّما يقال: إنّ دعوی إجماع الغنية و قول العلّامة في المنتهی: «ذهب إليه علماؤنا أجمع» ظاهر أنّ في انعقاد الإجماع علی أنّ صفو المال من الأنفال، و سيأتي الكلام عنه إن شاء اللّه تعالی.

و الأحاديث الماضية كما تری ليس في شي‏ء منها إشارة إلی أنّه من الأنفال بل أنّ صحيح الربعي و خبر أبي بصير إنّما دلّا علی أنّ صفو المغانم أو الصفيّ منها للإمام، و معتبر أبي بصير أيضا يدلّ علی أن صفو المال- أعني الغنيمة- له عليه السّلام بلا تعرّض فيها لأنّه من الأنفال، و أمّا سائر الأحاديث من صحيح صفوان و ما إليه و خبري بشير الدهّان فقد جعل صفو المال عدلا للأنفال، و ظاهره أنّه غيره و إن كان مثله للإمام عليه السّلام، كما أنّ ذكر صفو المال أوّلا في خبر حمّاد بن عيسی ثمّ قوله عليه السّلام: «و له بعد الخمس الأنفال» أيضا ظاهر في المغايرة المذكورة.

و أمّا جعل العطف في مثل صحيح صفوان من قبيل عطف الخاصّ علی العامّ كما في الجواهر أو من قبيل عطف العامّ علی الخاصّ إذا قدّم صفو المال علی الأنفال كما في روايات اخر فهو إنّما يصار إليه مع الدليل، و إلّا فظاهر جعله عدل الأنفال هو التغاير.

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)
محتوای بیشتر در این بخش: « قسمة2 قسمة4 »

پیام هفته

تحمیل نظر خویش بر آگاهان
قرآن : ... ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ کُونُوا عِباداً لي‏ مِنْ دُونِ اللَّهِ ... (سوره نحل، آیه 52)ترجمه: هیچ کس (حتی پیامبر) حق ندارد به مردم بگوید به جای خدا مرا عبادت کنید.حدیث: روی الحلبی قلتُ لاَبی عبدالله علیه السلام ما أدنى ما یکون به العبد کافراً ؟ قال: « أن یبتدع به شیئاً فیتولى علیه ویتبرأ ممّن خالفه (معانی الاخبار ، ص 393)ترجمه: ... حلبی روایت می کند که از امام صادق (ع) پرسیدم : کمترین سبب کافر شدن انسان چیست؟ فرمودند : این‌که بدعتی بگذارد و از آن بدعت جانبداری کند و از هر کس با او مخالفت کند روی برگرداند و آنان را متهم و منزوی سازد.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید