قسمت اول

الطائفة الأولى من الأخبار الواردة ذيل هذه الآية]

1- فمن الطائفة الاولى صحيحة الفضلاء زرارة و الفضيل بن يسار و بكير بن أعين و محمّد بن مسلم و بريد بن معاوية و زياد بن منذر أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: «أمر اللّه عزّ و جلّ رسوله بولاية عليّ و أنزل عليه إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ.

و فرض ولاية اولي الأمر، فلم يدروا ما هي؟ فأمر اللّه محمّد صلى اللّه عليه و آله أن يفسّر لهم الولاية كما فسّر لهم الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ، فلمّا أتاه ذلك من اللّه ضاق بذلك صدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تخوّف أن يرتدّوا عن دينهم و أن يكذّبوه، فضاق صدره و راجع ربّه عزّ و جلّ، فاوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فصدع بأمر اللّه تعالى ذكره فقام بولاية عليّ عليه السّلام يوم غدير خمّ فنادى: الصلاة جامعة، و أمر الناس أن يبلّغ الشاهد الغائب- قال عمر بن أذينة: قالوا جميعا غير أبي الجارود- و قال أبو جعفر عليه السّلام: و كانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الاخرى و كانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي قال أبو جعفر عليه السّلام: يقول اللّه عزّ و جلّ: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة قد أكملت لكم الفرائض» «1».

فالصحيحة كما ترى صريحة في أنّ مراده تعالى بالولاية في هذه الآية هو نفس الولاية الّتي قام بإعلامها يوم غدير خم. و من الواضح- سيأتي إن شاء اللّه تعالى- أنّها الولاية بمعنى تعهّد أمر الامّة و تكفّل إدارة المجتمع إسلامي. كما أنّ قوله عليه السّلام: «و فرض ولاية أولي الأمر» بعد ذكره عليه السّلام للآية شاهد واضح على أنّ المراد بالّذين آمنوا جميع اولي الأمر الّذين لا ريب في أنهم الأئمّة الاثنا عشر المعصومون عليهم السّلام، مع أنّها صريحة في إرادة خصوص أمير المؤمنين عليه السّلام أيضا.

                       

و بالجملة: فهذه الصحيحة دليل معتبر كافية و وافية بإثبات كلا الأمرين، و الحمد للّه.

2- و من هذه الطائفة معتبر الحسين بن أبي العلاء قال: «ذكرت لأبي عبد اللّه عليه السّلام قولنا في الأوصياء أنّ طاعتهم مفروضة. قال: فقال: نعم، هم الّذين قال اللّه تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و هم الّذين قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا «1». و قد ذكره الكليني بسند آخر فيه القاسم بن محمّد الجوهري و هكذا عن اختصاص الشيخ المفيد قدّس سرّه «2».

فقوله عليه السّلام «نعم» تأييدا لما عرضه عليه الراوي دليل واضح على أنّ طاعة الأوصياء الّذين هم الأئمّة عليهم السّلام مفروضة واجبة و إطلاق طاعتهم شامل- بلا شبهة- لما كان من الأوامر و النواهي صادرة بتشخيص أنفسهم في كلّ ما يرتبط بأمر الامّة الإسلامية، فإنّ تخصيصه بخصوص أوامرهم الّتي كانت بيانا لأحكام اللّه تعالى خلاف الظاهر جدّا، كيف و هذه الأوامر ليست أوامرهم بل هي أوامر اللّه تعالى و نواهيه و هم مبلّغون لها إلى العباد، بل إنّ أوامرهم هي الّتي ينشئونها رعاية لمصالح الأمّة الاسلامية، و حينئذ فإرادة وجوب إطاعة هذه الأوامر و تطبيق آيتنا عليها دليل واضح على إرادة التعهّد بإدارة امور الامّة من الولاية و هو الأمر الأوّل.

كما أنّ إثبات وجوب إطاعة أوامر جميع الأوصياء و تطبيق الآية عليه دليل واضح على أنّه اريد بقوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا جميع الأئمّة المعصومين عليهم السّلام و هو الأمر الثاني.

3- و منها خبر أحمد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:

إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا قال: إنّما يعني أولى بكم، أي أحقّ بكم و باموركم و أنفسكم و أموالكم اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا يعني عليّا و أولاده الأئمّة عليهم السّلام إلى يوم القيامة، ثمّ وصفهم اللّه عزّ و جلّ فقال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ‏

                       

الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ و كان أمير المؤمنين عليه السّلام في صلاة الظهر و قد صلّى ركعتين و هو راكع و عليه حلّة قيمتها ألف دينار و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كساه إيّاها و كان النجاشي أهداها له، فجاء سائل فقال: السلام عليك يا وليّ اللّه و أولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدّق على مسكين، فطرح الحلّة إليه و أومأ بيده إليه أن احملها، فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيه هذه الآية و صيّر نعمة أولاده بنعمته، فكلّ من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله، فيتصدّقون و هم راكعون، و السائل الّذي سأل أمير المؤمنين عليه السّلام من الملائكة، و الّذين يسألون الأئمّة من أولاده يكونون من الملائكة» «1».

و دلالة الحديث على الأمرين واضحة و هو كالصريح فيهما إلّا أنّ أحمد بن عيسى راوي الحديث و الحسن بن محمّد الهاشميّ و أبواه الواقعين في السند مجاهيل، بل و لعلّه كذلك أحمد بن محمّد الواقع قبلهم، فالحديث غير معتبر السند لا سيّما و قد ذكر أنّ ما تصدّق به عليه السّلام هي الحلّة مع أنّ المعروف الواقع في روايات كثيرة أنه الخاتم.

4- و منها ما أرسله العيّاشي عن ابن أبي يعفور قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

أعرض عليك ديني الّذي أدين اللّه به؟ قال: هاته، قلت: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه و أقرّ بما جاء به من عند اللّه. قال: ثمّ وصفت له الأئمّة حتّى انتهيت إلى أبي جعفر عليه السّلام قلت: و أقول فيك ما أقول فيهم، فقال: أنهاك أن تذهب باسمي في الناس. قال أبان: قال ابن أبي يعفور: قلت له مع الكلام الأوّل:

و أزعم أنّهم الّذين قال اللّه في القرآن: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و الآية الاخرى فاقرأ. قال: قلت: جعلت فداك و أيّ آية؟ قال: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ‏

                       

الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ قال: فقال: رحمك اللّه، قلت: تقول رحمك اللّه على هذا الأمر؟ قال: فقال: رحمك اللّه على هذا الأمر» «1».

فالمرسلة كما ترى قد طبّقت الآية الشريفة كآية ايجاب الإطاعة على الأئمّة عليهم السّلام كلّهم لكنّها كما ترى ليس فيها دلالة على إرادة المعنى المطلوب من الولاية فهي من الطائفة الثانية.

ثمّ إنّ هذه الأخبار الثلاثة قد دلّت على إرادة جميع الأئمّة عليهم السّلام، إلّا أنّ هنا أيضا أخبارا تدلّ على خصوص إرادة أمير المؤمنين عليه السّلام منها علاوة عن دلالتها على توضيح معنى الولاية أيضا، فهذه الأخبار أيضا قسم آخر من الطائفة الاولى.

5- فمنها خبر آخر لأحمد بن عيسى أيضا بمثل ذلك السند الّذي كان عليه خبره الأوّل «قال: حدّثني جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام في قوله عزّ و جلّ:

يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها قال: لمّا نزلت إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ اجتمع نفر من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مسجد المدينة، فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في هذه الآية؟ فقال بعضهم: إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها، و إن آمنّا فإنّ هذا ذلّ حين يسلّط علينا ابن أبي طالب، فقالوا: قد علمنا أنّ محمّدا صادق في ما يقول و لكنّا نتولّاه و لا نطيع عليّا فيما أمرنا، قال عليه السّلام: فنزلت هذه الآية: «يعرفون نعمة اللّه ثمّ ينكرونها» يعرفون يعني ولاية [عليّ بن ابي طالب‏] و أكثرهم الكافرون بالولاية» «2».

فذكره لخصوص أمير المؤمنين عليه السّلام واضح. كما أنّ نقله عليه السّلام عن اولئك الأصحاب عقيب الآية «هذا ذلّ حين يسلّط علينا ابن أبي طالب» دليل واضح على أنّ مفهوم الولاية المذكورة في الآية هو تكفّل أمر الامّة و الجامعة حتّى يكون‏

                       

ثبوتها لأمير المؤمنين عليه السّلام ذلّا عندهم، و الإمام عليه السّلام قد قرّر هذا المفهوم، فالمرسلة أيضا من أخبار تفسير الولاية المذكورة في الآية.

6- و منها مرسلة اخرى رواها العيّاشي عن المفضّل بن صالح عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السّلام «قال: إنّه لمّا نزلت هذه الآية إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا شقّ ذلك على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و خشي أن يكذّبه قريش، فأنزل اللّه يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... الآية فقام بذلك يوم غدير خمّ» «1».

فتطبيقه عليه السّلام مفاد آية الغدير على المراد بآيتنا دليل واضح على أنّ المراد بالولاية المذكورة في آيتنا أيضا هو تكفّل أمر الامّة المصرّح بها يوم غدير خمّ كما انّه لا يدلّ على أزيد من إرادة أمير المؤمنين عليه السّلام أيضا.

7- و منها خبر أبي رافع- المروي في تفسير البرهان عن أمالي الشيخ الطوسي- قال: دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوما و هو نائم و حيّة في جانب البيت فكرهت أن أقتلها و اوقظ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ظننت أنّه يوحى إليه، و اضطجعت بينه و بين الحيّة فقلت: إن كان منها سوء كان لي دونه، فمكثت هنيئة فاستيقظ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو يقول: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا حتّى أتى على آخر الآية، ثمّ قال: الحمد اللّه الّذي أتمّ لعليّ عليه السّلام نعمته، و هنيئا له بفضل اللّه الّذي آتاه، ثمّ قال لي:

مالك هاهنا؟ فأخبرته بخبر الحيّة، فقال لي: اقتلها، ففعلت، ثمّ قال: يا أبا رافع كيف أنت و قوم يقاتلون عليّا عليه السّلام و هو على الحقّ و هم على الباطل و جهادهم حقّ للّه عزّ اسمه، فمن لم يستطع فبقلبه ليس وراءه شي‏ء، فقلت: يا رسول اللّه ادع اللّه لي إن أدركتهم أن يقوّيني على قتالهم، قال: فدعا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال: إنّ لكلّ نبيّ أمينا و إنّ أميني أبو رافع. قال: فلمّا بايع الناس عليّا عليه السّلام بعد عثمان و سار طلحة و زبير ذكرت قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فبعت داري بالمدينة و أرضا لي بخيبر و خرجت بنفسي‏

                       

و ولدي مع أمير المؤمنين عليه السّلام لأستشهد بين يديه فلم أدرك معه حتّى عاد من البصرة و خرجت معه إلى صفّين فقاتلت بين يديه بها و بالنهروان أيضا و لم أزل معه حتّى استشهد عليّ عليه السّلام ... الحديث «1».

و بحسب الرواية قد طبّق صلّى اللّه عليه و آله الآية على عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام، و ظاهره أنّ القتال معه الّذي ذكره إنّما هو من تبعات قيامه عليه السّلام بهذه الولاية و عدم تمكين الناس له و قيامهم بقتاله، و من الواضح أنّ قتال الناس له إنّما كان بعد بيعة الناس معه و بعد أن قام بأمر الولاية أعني بتكفّل أمر الامّة و إدارة المملكة الإسلامية كما فهم أبو رافع أيضا هذا المعنى منه، ففي الخبر دلالة واضحة على تفسير معنى الولاية بما هو المطلوب كما لا يخفى.

هذا كلّه ذكر أخبار الطائفة الاولى.

و أمّا الطائفة الثانية- أعني ما وردت في مجرّد تطبيق «الّذين آمنوا»

المذكور في الآية على جميع الأئمّة عليهم السّلام أو خصوص أمير المؤمنين عليه السّلام- فهي أيضا روايات:

1- منها موثقة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام- المروية في تفسير البرهان عن تفسير القمّي- قال: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جالس و عنده قوم من اليهود فيهم عبد اللّه بن سلام إذ نزلت عليه هذه الآية، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المسجد فاستقبله سائل فقال: هل أتاك أحد شيئا؟ قال: نعم ذلك المصلّي، فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا هو عليّ عليه السّلام «2». و المشار إليها بقوله عليه السّلام «هذه الآية» هي آيتنا المبحوث عنها فعلا فإنّ عليّ بن إبراهيم ذكر الموثّقة ذيل هذه الآية «3»، و عليه فالموثقة صريحة في انطباق قوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا ... الخ» على امير المؤمنين عليه السّلام لكنّه ليس فيها من تفسير لمعنى الولاية.

                       

2- و منها ما أرسله العياشي عن المفضّل (الفضيل خ ل) عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا قال: هم الأئمّة «1». و تطبيقه على الجميع كعدم دلالته على تفسير الولاية واضح.

3- و منها ما أرسله العيّاشي أيضا أنّ عمّار بن ياسر «قال: وقف لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام سائل و هو راكع في صلاة تطوّع فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأعلمه بذلك، فنزل على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هذه الآية إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ إلى آخر الآية، فقرأها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علينا ثمّ قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه» 2.

و هو تطبيق على الأمير عليه السّلام و ليس فيه تفسير للولاية بناء على أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله:

 «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ليس ظاهرا في الولاية الّتي بصددها.

4- و منها ما رواه الصدوق بسند صحيح عن كثير بن عيّاش عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا قال: إنّ رهطا من اليهود أسلموا منهم عبد اللّه بن سلام و أسد و ابن ثعلبة و ابن يامين و ابن صوريا فأتوا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقالوا: يا نبيّ اللّه إنّ موسى أوصى إلى يوشع بن نون فمن وصيّك يا رسول اللّه و من وليّنا بعدك؟ فنزلت هذه الآية إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قوموا، فقاموا و أتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال: يا سائل ما أعطاك أحد شيئا؟ قال: نعم هذا الخاتم، قال: من أعطاكه؟ قال:

أعطانيه ذلك الرجل الّذي يصلّي. قال: قال: على أيّ حال أعطاك؟ قال: كان راكعا، فكبّر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و كبّر أهل المسجد، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: عليّ بن أبي طالب‏

                       

وليّكم بعدي، قالوا: رضينا باللّه ربّا و بالإسلام دينا و بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله نبيّا و بعليّ بن أبي طالب عليه السّلام وليّا، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ «1».

و دلالته على التطبيق عليه السّلام واضحة. و عدم دلالته على تفسير الولاية مثل المرسلة السابقة، إلّا أنّ سنده ضعيف فإنّ كثير بن عيّاش ضعيف على ما عن الفهرست.

و قد نقل هذا التطبيق صاحب مجمع البيان رواية مسندة عن أبي ذرّ برواية عباية بن ربعي و نقل أيضا عن ابن عباس قريبا من خبر أبي الجارود المذكور آنفا و عن حديث إبراهيم بن الحكم بن الظهير أيضا «2».

و في خبر أبي سعيد الورّاق عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث عدّ احتجاجات أمير المؤمنين عليه السّلام على أبي بكر- قال عليه السّلام: «انشدك باللّه ألي الولاية من اللّه مع ولاية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في آية زكاة الخاتم أم لك؟ قال: بل لك» «3».

و قد نقل تفسير البرهان خبرين آخرين على هذا التطبيق عن الطبرسي في الاحتجاج. كما نقل فيه أيضا عن كتاب المناقب لموفّق بن أحمد من إخواننا العامّة خبر ابن عباس المروي في مجمع البيان و خبرا آخر عن عيسى بن عبد اللّه و هما يدلّان على هذا التطبيق، فراجع «4».

كما نقل البرهان عن الشيخ ابن شهر آشوب أسماء أكثر من ثلاثين من الرواة عن كتب جمع كثير من مفسّري العامّة و الخاصّة رووا أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا تصدّق بخاتمه و هو راكع. قال صاحب تفسير البرهان: «ذكر

                       

ذلك ابن شهر آشوب، و زاد عليه رواة تركنا ذكرهم مخافة الإطالة» «1».

هذه جملة ممّا عثرت عليه من الأخبار الواردة بشأن تفسير الولاية و ببيان إرادة الأئمّة المعصومين عليهم السّلام من قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ. و قد عرفت أنّ عدّة منها معتبرة السند بنفسها، و تعلم أنّ اخبار التطبيق و لا سيّما على أمير المؤمنين ارتفعت عن حدّ الاستفاضة فلا ريب في تمامية دلالة الآية المباركة بمعونة تلك الأخبار المعتبرة على المطلوب.

ثمّ إنّ من الواضح أنّ مفاد الآية المباركة جعل هذه الولاية ابتداء و من قبل اللّه تعالى لرسول اللّه و الأئمّة صلوات اللّه عليهم، و ليس فيها من مسألة إمضاء ما يختاره الناس عين و لا أثر.

كما أنّ مفاد الآية إبراز ولاية اللّه و المعصومين عليهم السّلام على أمّة الإسلام كما هو ظاهر مفاد ضمير الخطاب، فلا تدلّ هذه الآية على أزيد من هذا المعنى و هو لا ينافي ملك اللّه تعالى لجميع الأشخاص و الأشياء و ولايته عليهم و عليها.

هذا تمام الكلام في الآية الاولى.

الآية الثانية [آية وجوب الإطاعة]

و من الآيات قوله تعالى في سورة النساء: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا «2».

فمحلّ الاستشهاد بالآية المباركة هو صدرها حيث أمر اللّه تعالى المؤمنين بإطاعته و إطاعة الرسول و اولي الأمر منهم، و واضح أنّ إطاعة اللّه تعالى هي امتثال أحكامه، و أمّا إطاعة الرسول و أولي الأمر فهي امتثال أوامرهم. و أوامرهم‏

                       

يمكن تقسيمها بدوا إلى قسمين: قسم يكون حقيقتها نفس أحكام اللّه تعالى حيث إنّهم مبيّنون لها و تجري هذه الأحكام بلسانهم، فبهذه الجهة يمكن أن يقال عليها:

إنّها أوامرهم و نواهيهم عليهم السّلام أيضا. و القسم الآخر هي الأوامر الّتي يكون مبنى و أساس إنشائها هو تشخيص أنفسهم كالأوامر و النواهي المتعلّقة بامور مرتبطة بحوائجهم الشخصية أو بأشخاص و موارد يهمّ عندهم رعايتها، و يدخل في هذه الأوامر أمرهم مثلا بتهيئة غذاء أو أثاث لبيتهم و بإكرام امرئ يهمّ عندهم إكرامه و أمثال ذلك و كالأوامر المتعلّقة بحسن إدارة بلد يسكنون هم فيها أو سائر بلاد المسلمين أو بقيام المسلمين للدفاع عن اخوانهم أو للجهاد و رفع موانع انجذاب الناس إلى دين اللّه العظيم و أمثال ذلك ممّا هو مرتبط بجماعة الّذين آمنوا و بالامّة الإسلامية.

و شمول الآية للقسم الأوّل من هذين القسمين محلّ كلام، فإنّ الأوامر فيه كان أمرا للّه تعالى بالحقيقة و إسنادها إلى الرسول و اولي الأمر تجوّز لا يجوز المصير إليه إلّا بالقرينة، و لا قرينة هنا بعد وجود القسم الثاني الّذي يكون الأمر فيه أمرا لهم أنفسهم، و يكون صدق إطاعتهم فيه صدقا حقيقيا واضحا.

و عليه، فظاهر الآية و المتيقّن منها هو إطاعتهم في القسم الثاني من أوامرهم، و أوامرهم في هذا القسم أيضا و إن كانت كما عرفت تنقسم إلى طائفتين، فطائفة كانت مرتبطة بمصالح شخصية لهم أو للمأمورين أو غيرهم، و طائفة اخرى كان أساسها رعاية حال جماعة المؤمنين و أمّة الإسلام و نفس الإسلام و البلاد الإسلامية، إلّا أنّ كلامنا الآن في شمولها للطائفة الثانية الّتي يكون وجوب اتّباع أوامر الرسول و اولي الأمر فيها دليلا على ثبوت الولاية بمعنى حقّ تكفّل أمر الامّة و البلاد الإسلامية له و لهم و هو مساوق لنصبهم من اللّه تعالى متكفّلين لأمر الامّة و البلاد الإسلامية.

فإطلاق الإطاعة المأمور بها في أوامرهم في الآية المباركة دليل واضح على ثبوت حقّ هذه الولاية، بمعنى تعهّد أمر إدارة الامّة الاسلاميّة و بلادهم و ما يرتبط بالإسلام و بجميع المسلمين للرسول و لاولي الأمر، و المراد ب «الرسول» واضح هو

                       

محمّد المصطفى خاتم النبيّين صلّى اللّه عليه و آله و أمّا «اولو الأمر» المذكور في الآية فليس له ظهور بنفسه لكي يعيّن هؤلاء الأشخاص، فلا بدّ من الرجوع إلى دليل معتبر لاتّضاح المراد بهم.

لكنّه قبل الرجوع إليه يمكن أن يقال: لا يبعد أن يقال: إنّ الظاهر من كلمة «الأمر» المضاف إليها للفظة «اولي» هو الأمر الّذي يكون في الحقيقة أمر المؤمنين المخاطبين بالآية المباركة، و من المعلوم أنّ أمرهم المنسوب إلى جماعتهم إنّما هو الامور المتعلّقة بجماعتهم في بلادهم و مملكتهم و ما يرتبط بإدارة امور كلّهم أو كلّ أبعاض و جماعات منهم. فهذا الأمر لا محالة هو أمر الجماعة و الجماعات فيناسب ما كان متعلّقا بإدارة البلاد و الجماعات و هو عبارة اخرى عن أمر التصدّي المطلق الّذي بيد متعهّد إدارة الامّة و البلاد الإسلامية و لذلك لا يبعد دعوى انصراف اولي الأمر إلى أولياء أمر إدارة البلاد الاسلامية، و بناء على هذا الانصراف لا يبعد دعوى انصراف الأوامر الّتي يستفاد وجوب إطاعتها إلى الاوامر الناشئة عن سمة ولايتهم على الامّة و تكفّلهم لأمرها فلا تشمل أوامرهم الشخصية سواء كان لمصلحة أنفسهم أو لمصلحة المؤمنين المولّى عليهم نحو تبيين للمراد بهم، لكنّه مع ذلك ليس فيه تعيين الأشخاص المسؤولين و تبقى الحاجة لتشخيصهم إلى دليل معتبر آخر.

 [الأخبار الواردة ذيل هذه الآية]

و الرجوع إلى روايات كثيرة فيها صحاح معتبرة يعطي و يوضّح المراد بهم كما يدلّ كثير منها على صحّة ما استظهرناه من الآية من أنّ المقصود منها هو ثبوت حقّ تعهّد أمر إدارة الامّة و البلاد الإسلامية.

1- فمن هذه الروايات صحيحة أبي بصير المروية في أصول الكافي بأسناد متعدّدة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فقال: نزلت في عليّ بن أبي طالب و الحسن و الحسين عليهم السّلام، فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يسمّ عليّا و أهل بيته عليهم السّلام في‏

                       

كتاب اللّه عزّ و جلّ؟ قال: فقال: قولوا لهم: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نزلت عليه الصلاة و لم يسمّ اللّه لهم ثلاثا و لا أربعا حتّى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسّر ذلك لهم، و نزلت عليه الزكاة و لم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهما درهم، حتّى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو الّذي فسّر ذلك لهم. و نزل الحجّ فلم يقل لهم: طوفوا اسبوعا، حتّى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو الّذي فسّر ذلك لهم.

و نزلت: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ- و نزلت في عليّ و الحسن و الحسين عليهم السّلام- فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في عليّ عليه السّلام: من كنت مولاه فعليّ مولاه، و قال صلّى اللّه عليه و آله: أوصيكم بكتاب اللّه و أهل بيتي، فانّي سألت اللّه عزّ و جلّ أن لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الحوض، فأعطاني ذلك، و قال: لا تعلّموهم فهم أعلم منكم، و قال: إنّهم لن يخرجوكم من باب هدى و لن يدخلوكم في باب ضلالة، فلو سكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم يبيّن من أهل بيته لادّعاها آل فلان و آل فلان، لكنّ اللّه عزّ و جلّ أنزله في كتابه تصديقا لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فكان عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام، فأدخلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تحت الكساء في بيت أمّ سلمة، ثمّ قال: اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلا و ثقلا و هؤلاء أهل بيتي و ثقلي، فقالت أمّ سملة: أ لست من أهلك؟ فقال: انّك إلى خير و لكن هؤلاء أهلي و ثقلي، فلمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان عليّ عليه السّلام أولى الناس بالناس لكثرة ما بلّغ فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إقامته للناس و أخذه بيده، فلمّا مضى عليّ عليه السّلام لم يكن يستطيع عليّ عليه السّلام و لم يكن ليفعل أن يدخل محمّد بن عليّ و لا العبّاس بن عليّ و لا واحدا (أحدا- خ ل) من ولده، اذا لقال الحسن و الحسين عليهما السّلام: إنّ اللّه تبارك و تعالى أنزل فينا كما أنزل فيك، فأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك، بلّغ فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما بلّغ فيك، و أذهب عنّا الرجس كما أذهبه عنك، فلمّا مضى عليّ عليه السّلام كان الحسن عليه السّلام أولى بها لكبره، فلمّا توفّي لم يستطع أن يدخل ولده و لم يكن ليفعل ذلك و اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ‏

                       

أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فيجعلها في ولده، اذا لقال الحسين عليه السّلام: أمر اللّه بطاعتي كما أمر بطاعتك و طاعة أبيك، و بلّغ فيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما بلّغ فيك و في أبيك، و أذهب اللّه عنّي الرجس كما أذهب عنك و عن أبيك، فلمّا صارت إلى الحسين عليه السّلام لم يكن أحد من أهل بيته يدّعي عليه كما كان هو يدّعي على أخيه و على أبيه لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه و لم يكونا ليفعلا، ثمّ صارت حين أفضت إلى الحسين عليه السّلام فجرى تأويل هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ ثمّ صارت من بعد الحسين لعليّ بن الحسين عليهما السّلام، ثمّ صارت من بعد عليّ بن الحسين إلى محمّد بن عليّ عليهم السّلام. و قال: الرجس هو الشكّ و اللّه لا نشكّ في ربّنا أبدا «1».

و أرسلها العيّاشي في تفسيره بمتنين ليس بينهما اختلاف في المضمون و نقلهما عنه تفسير البرهان «2».

فالصحيحة كما ترى جعلت عليّا عليه السّلام و الحسنين عليهما السّلام مورد نزول الآية، و قد بيّنت أيضا أنّ هذا المقام العالي هو أولويتهم بالناس من جميع الناس و هي عبارة اخرى من تعهّد أمر الامّة و تكفّل إدارة أمور البلاد الإسلامية، و قد صرّحت أيضا بأنّ نفس هذا المقام كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله زمن حياته ثمّ صار بعد مضيّه إلى عليّ عليه السّلام ثمّ بعده إلى الحسن بن عليّ ثمّ إلى الحسين ثمّ إلى زين العابدين ثمّ إلى محمّد بن عليّ الباقر عليهم السّلام فسمتهم سمته واحدة كلّهم أولياء أمر الامّة من جانب اللّه تعالى و بجعله الابتدائي، كما أنّ هذا المقام الإلهي بعد الحسين عليه السّلام يثبت لولده و من ولده لولد ولده و هكذا، فيجري فيهم عليهم السّلام تأويل قوله تعالى: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فتدلّ الصحيحة على ثبوت هذا المنصب الإلهي لجميع الأئمّة الاثني عشر صلوات اللّه عليهم أجمعين كلّ في زمانه.

                       

و بالجملة: فالمتحصّل من الصحيحة أنّ الحسن و الحسين و أباهما عليهما السّلام و إن كانوا مورد نزول الآية إلّا أنّ المراد الجدّي من اولي الأمر هو جميع الأئمّة المعصومين عليهم السّلام.

و لعلّ للكلام تتمّة تأتي في البحث عن ولاية الفقيه إن شاء اللّه تعالى.

2- و منها صحيحة عيسى بن السريّ أبي اليسع المرويّة أيضا في اصول الكافي بسندين، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني بدعائم الإسلام الّتي لا يسع أحدا التقصير عن معرفة شي‏ء منها، الّذي من قصّر عن معرفة شي‏ء منها فسد دينه و لم يقبل [اللّه‏] منه عمله، و من عرفها و عمل بها صلح له دينه و قبل منه عمله و لم يضق (يضرّ- خ ل) به ممّا هو فيه لجهل شي‏ء من الامور جهله، فقال: شهادة أن لا إله إلّا اللّه و الايمان بأنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الإقرار بما جاء به من عند اللّه، و حقّ في الأموال الزكاة، و الولاية الّتي أمر اللّه عزّ و جلّ بها ولاية آل محمّد عليهم السّلام.

قال: فقلت له: هل في الولاية شي‏ء دون شي‏ء فضل يعرف لمن أخذ به؟ قال: نعم، قال اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من مات و لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية» و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان عليّا عليه السّلام و قال الآخرون: و كان معاوية، ثمّ كان الحسن عليه السّلام ثمّ كان الحسين عليه السّلام، و قال الآخرون: يزيد بن معاوية و حسين بن علي، و لا سواء و لا سواء. قال: ثمّ سكت ثمّ قال: أزيدك؟ فقال له حكم الأعور: نعم جعلت فداك، قال: ثمّ كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام، ثمّ كان محمّد بن عليّ أبا جعفر عليه السّلام، و كانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر و هم لا يعرفون مناسك حجّهم و حلالهم و حرامهم، حتّى كان أبو جعفر عليه السّلام، ففتح لهم و بيّن لهم مناسك حجّهم و حلالهم و حرامهم، حتّى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس، و هكذا يكون الأمر، و الأرض لا تكون إلّا بإمام، و من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، و أحوج ما تكون إلى ما أنت عليه اذ بلغت نفسك هذه- و أهوى بيده إلى‏

                       

حلقه- و انقطعت عنك الدنيا، تقول: لقد كنت على أمر حسن «1».

و قد رواها أيضا بسند صحيح آخر مع اختصار لا يضرّ بالمطلوب أصلا 2 تركنا ذكره اختصارا. كما روى قريبا من هذا الثاني العيّاشي في تفسيره مرسلا عن يحيى بن السري «3»، و لعلّه مصحّف عيسى بن السريّ. و رواه عنه البرهان «4» الّا أنّه ليس فيه ذكر آيتنا، فراجع.

و هذه الصحيحة أيضا كما ترى قد فسّرت «اولي الأمر» بالأئمّة المعصومين عليهم السّلام و نصّ عليهم بأسمائهم إلى الإمام الخامس و يكون قوله عليه السّلام بعد ذكرهم: «و الأرض لا تكون إلّا بإمام و من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية» دليلا على انطباقهم على سائر الأئمّة عليهم السّلام أيضا، بل إنّ قوله عليه السّلام: «و أحوج ما تكون إلى ما أنت عليه اذ بلغت نفسك هذه» كالصريح في تطبيقهم على أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام فإنّ المخاطب كان معتقدا بإمامته عليه السّلام مثل من سبقه من الأئمّة، و هو أيضا قرينة اخرى على شمول اولي الأمر لسائر الأئمّة عليهم السّلام.

3- و منها صحيحة أبي بصير المروية في تفسير البرهان عن الصدوق رحمه اللّه عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال: الأئمّة من ولد عليّ و فاطمة صلوات اللّه عليهما إلى أن تقوم الساعة 5.

4- و منها معتبر الحسين بن أبي العلاء الّذي مرّ ذكره في الحديث الثاني من أحاديث الآية الاولى، فراجع.

5- و منها معتبر بريد العجلي- الّذي في سنده معلّى بن محمّد- قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فكان جوابه: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ‏

                       

وَ الطَّاغُوتِ وَ يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى‏ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا يقولون لأئمّة الضلالة و الدعاة إلى النار: هؤلاء أهدى من آل محمّد سبيلا أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ مَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً* أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ- يعنى الإمامة و الخلافة- فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً نحن الناس الّذين عنى اللّه، و النقير النقطة الّتي في وسط النواة، أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ نحن الناس المحسودون على ما آتانا اللّه من الإمامة دون خلق اللّه أجمعين ... الحديث «1».

فإنّ جوابه عليه السّلام- عند بيان المراد من أولي الأمر الّذين أمر المؤمنين بإطاعتهم بذكر الآيات المذكورة و تفسير «الناس» المذكور فيها بآل محمّد و أنفسهم عليهم السّلام الّذين أوتوا الإمامة- فيه دلالة واضحة أنّهم المراد من اولي الأمر كما لا يخفى.

6- و منها معتبر آخر لبريد العجلي أيضا قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ قال عليه السّلام: إيّانا عنى، أن يؤدّي الأوّل إلى الإمام الّذي بعده الكتب و السلم و السلاح، و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الّذي في أيديكم، ثمّ قال للناس: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ايّانا عنى خاصّة، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا، فإنّ خفتم تنازعا في أمر فردّوه إلى اللّه و إلى الرسول و إلى اولي الأمر منكم، كذا نزلت، و كيف يأمرهم اللّه عزّ و جلّ بطاعة اولي الأمر و يرخّص في منازعتهم؟! انّما قيل ذلك للمأمورين الّذين قيل لهم: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «2».

فجوابه عليه السّلام عن سؤال المراد باولي الأمر المذكور في الآية بقوله: «ايّانا عنى» و تأكيده له بذكر الآيات الاخر الّتي ذكرها و فسّرها بالأئمّة عليهم السّلام شاهد قويّ على‏

                       

أنّ المراد بهم هم الأئمّة المعصومون عليهم السّلام.

ثمّ إنّ هذين الخبرين مذكوران في ما أرسله العيّاشي عن بريد في تفسيره على ما نقله عنه تفسير البرهان أيضا، فراجع «1».

7- و منها معتبر أبي مسروق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: إنّا نكلّم الناس فنحتجّ عليهم بقول اللّه عزّ و جلّ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فيقولون: نزلت في أمراء السرايا، فنحتجّ عليهم بقوله عزّ و جلّ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ... إلى آخر الآية فيقولون: نزلت في المؤمنين، و نحتجّ عليهم بقول اللّه عزّ و جلّ: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ فيقولون: نزلت في قربى المسلمين، قال: فلم أدع شيئا ممّا حضرني ذكره من هذه و شبهه إلّا ذكرته، فقال لي: اذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة، قلت: و كيف أصنع؟ قال: أصلح نفسك- ثلاثا- و أظنّه قال:- و صم و اغتسل، و ابرز أنت و هو إلى الجبّان، فشبّك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه، ثمّ أنصفه و ابدأ بنفسك و قل: «اللّهمّ ربّ السماوات السبع و ربّ الأرضين السبع عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم إن كان أبو مسروق جحد حقّا و ادّعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما» ثمّ ردّ الدعوة عليه فقل: «و إن كان فلان جحد حقّا و ادّعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما». ثمّ قال لي: فإنّك لا تلبث أن ترى ذلك فيه، فو اللّه ما وجدت خلقا يجيبني إليه «2».

وجه الدلالة: أنّ الراوي قد طبّق «أولي الأمر» في آيتنا، و «الّذين آمنوا و القربى» في تينك الآيتين عليهم عليهم السّلام و أنكره الناس فعلّمه عليه السّلام المباهلة و المبادرة إلى طلب العذاب الأليم من اللّه تعالى على نفسه إن كان ادّعى باطلا

                       

و على المعاند إن ادّعى هو باطلا و جحد حقّا، و ذكر عليه السّلام نتيجة المباهلة أنّه لا يلبث أن يرى في معانده العذاب، فهذه الامور قرينة قطعية على تأييد الإمام عليه السّلام للتطبيق المذكور. فيكون هذه المعتبرة أيضا من أدلّة ما نحن فيه.

8- و منها خبر جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال: لمّا أنزل اللّه عزّ و جلّ على نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قلت: يا رسول اللّه عرفنا اللّه و رسوله فمن اولو الأمر الّذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟ فقال: هم خلفائي يا جابر و أئمّة المسلمين من بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، ثمّ الحسن ثمّ الحسين، ثمّ علىّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر فأقرئه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر ابن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي محمّد و كنيّي حجّة اللّه في أرضه و بقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ، ذاك الّذي يفتح اللّه تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض و مغاربها، ذاك الّذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبته لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن اللّه قلبه للإيمان. قال جابر: فقلت يا رسول اللّه: فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: إي و الّذي بعثني بالنبوّة، إنّهم يستضيئون بنوره و ينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس و ان تجلّاها (تحلّاها) سحاب، يا جابر هذا من مكنون سرّ اللّه و مخزون علم اللّه فاكتمه إلّا عن أهله «1».

و دلالة الحديث على التطبيق واضحة، إلّا أن سندها ضعيف مشتمل على بعض المجاهيل و الضعّاف، رواها تفسير البرهان عن الصدوق.

9- و منها صحيحة بريد بن معاوية قال: تلا أبو جعفر عليه السّلام أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فإن خفتم تنازعا في الأمر فارجعوه إلى اللّه و إلى الرسول‏

                       

و إلى اولي الأمر منكم. ثمّ قال عليه السّلام: كيف يأمر بطاعتهم و يرخّص في منازعتهم؟

إنّما قال ذلك للمأمورين الّذين قيل لهم: «أطيعوا اللّه و أطيعوا الرسول» «1».

و الصحيحة. من عداد رواياتنا إلّا أنها غير مصرّحة بمن اريد من اولي الأمر لكنّه لا ريب في أنّها لا تنافي سائر الأخبار.

10- و منها خبر سليم بن قيس قال: سمعت عليّا عليه السّلام يقول- و أتاه رجل فقال له: ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا و أدنى ما يكون به العبد كافرا و أدنى ما يكون به العبد ضالّا؟- فقال له: ... و أدنى ما يكون به العبد ضالّا أن لا يعرف حجّة اللّه تبارك و تعالى و شاهده على عباده الّذي أمر اللّه عزّ و جلّ بطاعته و فرض ولايته، قلت: يا أمير المؤمنين صفهم لي، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. قلت: يا أمير المؤمنين جعلني اللّه فداك أوضح لي، فقال: الّذين قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في آخر خطبته يوم قبضه اللّه عزّ و جلّ إليه: إنّي قد تركت فيكم أمرين لن تضلّوا بعدي ما إن تمسكتم بهما: كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي، فإنّ اللطيف الخبير قد عهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض كهاتين- و جمع بين مسبّحتيه- و لا أقول: كهاتين- و جمع بين المسبّحة و الوسطى- فتسبق إحداهما الاخرى، فتمسّكوا بهما لا تزلّوا و لا تضلّوا، و لا تقدموهم فتضلّوا «2».

و دلالة الحديث على أنّ المراد باولي الأمر هو أهل بيته و عترته صلّى اللّه عليه و آله واضحة، إلّا أن سنده ضعيف بوقوع أبان بن أبي عيّاش فيه.

11- و منها خبر هشام بن حسان الّذي أخرجه تفسير البرهان عن أمالي الشيخين الطوسي و المفيد قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام يخطب الناس بعد البيعة له بالأمر فقال: نحن حزب اللّه الغالبون و عترة رسوله الأقربون و أهل بيته الطيّبون الطاهرون ... فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة اللّه عزّ و جلّ‏

                       

و رسوله مقرونة، قال اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ و إلى رسوله و لو ردّوه إلى الرسول و إلى اولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم ... الحديث «1».

و الخطيب هو الإمام الحسن بن عليّ المجتبى عليه السّلام، و دلالة كلامه على المطلوب واضحة، إلّا أنّ سنده ضعيف بوقوع رجال مجاهيل فيه.

12- و منها رواية اخرى عن سليم بن قيس نقله تفسير البرهان عن تفسير النعماني أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال: كنت أنا أدخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلّ يوم دخلة و كلّ ليلة دخلة يخلّيني فيها ... و إني قلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا نبيّ اللّه: إنّك منذ دعوت لي بما دعوت لم أنس شيئا ممّا تعلّمني، فلم تمليه عليّ و لم تأمرني بكتبه أ تتخوف عليّ النسيان؟ فقال: يا أخي لست اتخوّف عليك النسيان و لا الجهل، و قد أخبرني اللّه عزّ و جلّ أنّه قد استجاب لي فيك و في شركائك الّذين يكونون من بعد ذلك فانّما نكتبه لهم، قلت: يا رسول اللّه و من شركائي؟ فقال: الّذين قرنهم اللّه بنفسه و بي، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قلت: يا نبيّ اللّه و من هم؟ قال: الأوصياء إلى أن يردوا عليّ حوضي كلّهم هاد مهتد لا يضرّهم خذلان من خذلهم، هم مع القرآن و القرآن معهم لا يفارقونه و لا يفارقهم، بهم تنصر أمّتي و يمطرون و يرفع عنهم مستجابات دعواتهم، قلت: يا رسول اللّه! سمّهم لي، فقال: ابني هذا، و وضع يده على رأس الحسن عليه السّلام، ثمّ ابني هذا، و وضع يده على رأس الحسين عليه السّلام، ثمّ ابن له عليّ اسمه اسمك يا عليّ، ثمّ ابن عليّ اسمه محمّد بن عليّ، ثمّ أقبل على الحسين فقال: سيولد محمّد بن عليّ في حياتك فأقرئه منّى السلام، ثمّ تكمله اثني عشر إماما ... الحديث «2». و قد نقل‏

                       

نحوه العيّاشي عن سليم مرسلا و أخرجه عنه البرهان أيضا «1». و دلالة الخبر على المطلوب واضحة، إلّا أنّ سنده ضعيف بابن أبي عيّاش و غيره.

13- و منها مرسل جابر الجعفي الّذي رواه العيّاشي و أخرجه عنه البرهان، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن هذه الآية أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال: الأوصياء 2. و دلالته واضحة فانّ الأوصياء هم الأئمّة عليهم السّلام.

14- إلى- 18- و منها مراسيل خمسة عن أبان و عمران الحلبي و عبد اللّه بن عجلان و حكيم و عمرو بن سعيد عن الأئمّة عليهم السّلام، أرسلها العيّاشي في تفسيره و أخرجها البرهان عنه «3»، و دلالتها واضحة فراجعها.

19- و منها خبر الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام- في جواب السؤال عن الإمامة فيمن تجب؟ و ما علامة من تجب له الإمامة- قال عليه السّلام: «إنّ الدليل على ذلك و الحجّة على المؤمنين و القائم بامور المسلمين و الناطق بالقرآن و العالم بالأحكام أخو نبيّ اللّه و خليفته على امّته و وصيّه عليهم و وليّه الّذي كان منه بمنزلة هارون من موسى المفروض الطاعة بقول اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ الموصوف بقوله: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ المدعوّ إليه بالولاية المثبت له الإمامة يوم غدير خمّ بقول الرسول عن اللّه عزّ و جل: أ لست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله و أعن من أعانه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أمير المؤمنين و إمام المتّقين و قائد الغرّ

                       

المحجّلين و أفضل الوصيّين و خير الخلق أجمعين بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و بعده الحسن ابن عليّ ثمّ الحسين عليهما السّلام سبطا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ابنا خير النسوان أجمعين، ثمّ عليّ ابن الحسين، ثمّ محمّد ابن عليّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ ابن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ ابن الحسن عليهم السّلام إلى يومنا هذا واحدا بعد واحد، و هم عترة الرسول صلّى اللّه عليه و آله المعروفون بالوصيّة و الإمامة ... الحديث «1».

و الخبر كما ترى صريح في تطبيق اولي الأمر في آيتنا و «الّذين آمنوا» في الآية الاخرى على أمير المؤمنين عليه السّلام و قوله عليه السّلام في توصيف الإمام أوّلا: «القائم بامور المسلمين» كالتصريح في أنّه عليه السّلام و غيره من الأئمّة المعصومين عليهم السّلام لهم حقّ تكفّل امور الامّة و البلاد الإسلامية من اللّه تعالى. كما أنّ ظاهر الخبر جريان التطبيقين المذكورين على سائر الأئمّة عليهم السّلام أيضا. و بالجملة: فدلالة الخبر تامّة إلّا أنّ في سنده من لم تثبت وثاقته فإنّ سليمان بن مهران الأعمش و إن لم تبعد وثاقته و أبو معاوية معاوية بن عمّار و إن لم تكن في وثاقته شبهة إلّا أنّ رجاله الأربعة الآخرين مجاهيل غير مذكورين في كتب الرجال.

فهذه جملة من الروايات الواردة في تطبيق اولي الأمر المذكور في الآية المباركة على الأئمّة المعصومين، و من المطمأنّ أنّ المتتبّع يظفر بأكثر منه، و اللّه العالم.

فدلالة هذه الآية المباركة أنّ للأئمّة عليهم السّلام حقّ إدارة أمر الامّة الإسلامية و بلادهم من اللّه كما عرفت واضحة، و الحمد للّه تعالى.

الآية الثالثة [آية الأولوية]

و من الآيات قوله تعالى في سورة الأحزاب: النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏

                       

وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى‏ أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً «1».

فالجملة الاولى من هذه الآية تدلّ على أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أولى بجميع المؤمنين من أنفسهم، و ظاهرها أنّ كلّ ما كان نفس المؤمنين فيه ولاية على أنفسهم فهو مشمول لولاية النبيّ بنحو الأولوية، و إذا راجعنا الامور الّتي بأيدي المؤمنين و تحت ولايتهم نرى أنّ لهم الولاية على كلّ ما يتعلّق بأشخاصهم إلّا ما نهاهم اللّه تعالى عنه، كما أنه إذا كان هنا أمر مرتبط بعدّة منهم فلا محالة هذا الأمر تحت ولايتهم إذا توافقوا عليه، فالنبيّ بمقتضى إطلاق الآية أولى من هذا الجمع المؤمنين في هذا الأمر أيضا، فإذا كان هنا أمر مرتبط بهم لأنّه متعلّق بمحلّتهم أو بقريتهم أو بمدينتهم، فإذا توافقوا فيه على جهة فهو تحت ولايتهم، و إذا كان لهم عدوّ قطعا أو من هو محتمل العداوة و المضرّة لهم فتوافقوا لدفعه بعمل جمعي فهو تحت ولايتهم، و إذا رأوا مصلحة أمر اقتصادهم بأن يحدثوا ارتباطا مع أهل مدينة اخرى أو مع أهل مملكة اخرى فهو تحت ولايتهم، و إذا كان لهم هدف مشروع عال رأوا لبسطه و إصداره إلى سائر الأقوام و الملل مصلحة فتوافقوا على إرسال جمع إلى هؤلاء الملل و الممالك فهو تحت ولايتهم، كما أنهم اذا توافقوا على تعيين من بيده إدارة أمر بلدهم أو بلادهم كان لهم ذلك.

فالحاصل: حيث إن المؤمنين أنفسهم اولياء أمر نفسهم في كلّ ما يتعلّق بهم فهذه الولاية الوسيعة ثابتة للنبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله بنحو أولى، و هذه الولاية الوسيعة إذا ثبتت للنبيّ أو لأحد آخر فلا محالة يكون هو متكفّلا لأمور المؤمنين و كلّ ما يتعلّق بهم سواء في ذلك امور أشخاصهم أو جماعاتهم الأقلّ عددا أو كلّهم و الامور المرتبطة بقراهم و بلادهم و الامور المتعلّقة بتوسعة الهدف الإسلامي‏

                       

العالي المتوقفة على الجهاد لدعوة الناس إلى الإسلام و الإيمان و لرفع موانع انجذاب الناس إلى الدين الحنيف.

فدلالة الآية المباركة على ثبوت منصب الولاية بمعنى تكفّل امور المؤمنين و المسلمين و بلادهم للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله واضحة و هي كما ترى أمر أعطاه اللّه تعالى إيّاه و ليس فيه أيّ شائبة دخالة الناس و لا إمضاء ما يبنون عليه.

ثمّ إنّ ظاهر الجملة الثالثة من الآية أعني قوله تعالى: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى‏ أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً» أنّ الأولوية المذكورة فيها مرتبطة بالامور المالية و بمسألة الإرث و ذلك أنّ الاستثناء المذكور آخرها شاهد على أنه أمر يمكن الخروج عنه بمشيّة المؤمنين المخاطبين، و أنهم إذا أرادوا و فعلوا إلى أوليائهم معروفا بطلت تلك الأولوية المذكورة و تعلّق هذا المعروف بالأولياء الّذين أرادوهم، و لا محالة يراد به أنّ المؤمنين إذا جعلوا معروفا و قسما من أموالهم الّتي هي متعلّقة بهم لأوليائهم فلا تعتبر فيه تلك الأولوية و يعطى هذا المعروف أولياؤهم و لا محالة لا يكون ذلك إلّا بعضا من أموالهم، و لازمه أنّ الأولوية المذكورة فيه أولوية الأرحام على الأجانب في تعلّق أموال رحمهم بهم لا بالأجانب لكنّه يستثنى منه مورد مثل وصيّة الرحم نفسه بالنسبة لبعيد أجنبي.

و عليه، فلا محلّ لدعوى وحدة ما فيه الأولوية في الجملة الثالثة لما ذكر في الجملة الاولى، و لا مجال لاستظهار ثبوت الولاية لاولي الأرحام برحمهم و أنهم أولى من المؤمنين الأباعد.

إلّا أنّه مع ذلك فهذا الاستظهار لا ينفي أن يراد من هذه الجملة الثالثة معنى آخر من باب التأويل مثلا كما في غيرها من الجمل و الآيات.

فهذا كلام مختصر ذيل هذه الآية، فلتكن منه على ذكر، و نرجع بعده إلى الروايات الواردة ذيل الآية المباركة. فنقول: إنّ الروايات الواردة عن ذيل الآية

                       

كثيرة كلّها- سوى واحدة منها- متعرّضة لجملتها الثالثة فقط، و حكمت هذه الأخبار بأنّ هذه الجملة اريد منها ولاية أمر الأئمّة من ولد الحسين عليه و عليهم السلام، و صرّح ثلاثة منها بأنها تأويل الجملة المباركة من الآية، فلنذكرها جميعا.

و قد وردت هنا روايات متعدّدة معتبرة بأنّ الجملة المذكورة أريد منها إرث اولي الأرحام بعضهم من بعض و أنّه مع وجودهم لا تصل النوبة إلى الأجانب، و قد عرفت أنّه ظاهر الجملة المباركة إلّا أنّه لا ينافي أن يراد منها أمر الإمرة و الإمامة من باب التأويل كما في غيرها من الآيات.

 [الأخبار الواردة ذيل هذه الآية]

و بالجملة: فالأخبار الواردة في ما نحن فيه كثيرة:

1- منها ما رواه ثقة الإسلام الكليني في اصول الكافي بسند صحيح عن عبد اللّه بن مسكان عن عبد الرحيم بن روح القصير عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ في من نزلت؟ فقال عليه السّلام: نزلت في الإمرة، إنّ هذه الآية جرت في ولد الحسين عليه السّلام من بعده، فنحن أولى بالأمر و برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من المؤمنين و المهاجرين و الأنصار، قلت: فولد جعفر لهم فيها نصيب؟

قال: لا، قلت: فلولد العبّاس فيها نصيب؟ فقال: لا، فعدّدت عليه بطون بني عبد المطّلب، كلّ ذلك يقول: لا، قال: و نسيت ولد الحسن عليه السّلام فدخلت بعد ذلك عليه، فقلت له: هل لولد الحسن عليه السّلام فيها نصيب؟ فقال: لا، و اللّه يا عبد الرحيم ما لمحمّديّ فيها نصيب غيرنا «1».

و رواه الصدوق أيضا في علل الشرائع بسنده الصحيح عن عبد اللّه بن مسكان عن عبد الرحيم نحوه «2».

                       

فدلالة الحديث على المطلوب واضحة، فإنّه صرّح بأنّ الآية المباركة نزلت في الإمرة، و الإمرة هي الإمارة على المؤمنين الّتي هي عبارة اخرى عن تكفّل امورهم و بلادهم، مضافا إلى وقوع هذه الجملة بهذا المعنى في ذيل الآية الواردة في أولوية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالمؤمنين أنفسهم قرينة كافية على أنّ المراد بها ولاية امورهم و تكفّل بلادهم.

و أمّا سند الحديث فعبد الرحيم بن روح و إن لم يصرّح في كلمات أهل الرجال بوثاقته إلّا أنّه ممّن روى عنهم الصدوق في الفقيه و لا يبعد دلالة كلامه في صدر هذا الكتاب على كون الرواة الّذين يقعون في أوّل الحديث و يروون عن المعصوم عليه السّلام ثقات، مضافا إلى أنّ الراوي عنه هنا عبد اللّه بن مسكان الثقة العدل الّذي من أصحاب الإجماع.

2- و منها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- الّتي مرّ ذكرها في الحديث الأول من أحاديث الآية الثانية- فقد قال عليه السّلام فيها: «ثمّ صارت حين أفضت إلى الحسين عليه السّلام فجرى تأويل هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ ثمّ صارت من بعد الحسين لعليّ بن الحسين عليهما السّلام، ثمّ صارت من بعد عليّ بن الحسين إلى محمّد بن عليّ عليهم السّلام. و قال: الرجس هو الشكّ و اللّه لا نشكّ في ربّنا أبدا» «1».

و دلالة هذه الصحيحة أيضا واضحة، فقد مرّ صراحتها في إرادة تكفّل أمر الامّة و البلاد في ما مرّ، مضافا إلى ما عرفت من ظهور نفس هذه الجملة، و هذه الصحيحة إحدى الروايات الثلاث الّتي صرّحت بأنّ هذا المعنى تأويل لهذه الجملة من الآية.

3- و منها صحيحة الحسين بن ثوير بن أبي فاختة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السّلام أبدا، إنّما جرت من عليّ بن‏

                       

الحسين عليهما السّلام كما قال اللّه تبارك و تعالى: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فلا تكون بعد عليّ بن الحسين إلّا في الأعقاب و أعقاب الأعقاب «1».

و رواها الصدوق قدّس سرّه بسند صحيح في إكمال الدين: في باب ما روي أنّ الإمامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السّلام ص 414 الحديث 1. و الحديث تامّ السند و الدلالة كما مرّ.

4- و منها رواية أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّ رجلا من المختارية لقيني فزعم أنّ محمّد بن الحنفيّة إمام، فغضب أبو جعفر عليه السّلام ثمّ قال: أ فلا قلت له؟

قال: قلت: لا و اللّه ما دريت ما أقول، قال: أ فلا قلت له: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أوصى الى عليّ و الحسن و الحسين عليهم السّلام، فلمّا مضى عليّ عليه السّلام أوصى إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام، و لو ذهب يزويها عنهما لقالا له: نحن وصيّان مثلك، و لم يكن ليفعل ذلك، و أوصى الحسن إلى الحسين عليهما السّلام، و لو ذهب يزويها عنه لقال: أنا وصيّ مثلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و من أبي و لم يكن ليفعل ذلك، قال اللّه عزّ و جلّ:

وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ هي فينا و في أبنائنا «2».

و دلالة هذه الرواية كما مرّ واضحة، إلّا انّه وقع في سندها صباح الأزرق الّذي لم يوثّق.

5- و منها رواية عبد الرحمن بن كثير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما عنى اللّه عزّ و جلّ بقوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً؟ قال: نزلت في النبيّ و أمير المؤمنين و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام فلمّا قبض اللّه عزّ و جلّ نبيّه كان أمير المؤمنين ثمّ الحسن ثمّ الحسين عليهم السّلام، ثمّ وقع‏

                       

تأويل هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ و كان عليّ ابن الحسين عليهما السّلام إماما، ثمّ جرت في الأئمّة من ولده الأوصياء عليهم السّلام فطاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه عزّ و جلّ «1».

و دلالة الرواية على المطلوب واضحة مثل ما سبقتها، و قد صرّحت هذه الرواية أيضا بأنّ هذا المعنى تأويل لتلك الآية، كما في صحيحة أبي بصير الماضية، إلّا أنّ سندها ضعيف بنفس عبد الرحمن بن كثير الّذي عن النجاشي أنّ أصحابنا غمزوا عليه و قالوا: كان يضع الحديث.

6- و منها رواية عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ اللّه عزّ و جلّ خصّ عليّا عليه السّلام بوصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما يصيبه له. فأقرّ الحسن و الحسين عليهما السّلام بذلك، ثمّ وصيّته للحسن عليه السّلام و تسليم الحسين للحسن عليهما السّلام ذلك، حتّى أفضى الأمر إلى الحسين لا ينازعه فيه أحد له من السابقة مثل ماله، و استحقّها عليّ بن الحسين لقول اللّه عزّ و جلّ: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فلا تكون بعد عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلّا في الأعقاب و أعقاب الأعقاب «2».

و دلالة الحديث واضحة كما سبقها إلّا أنّ عبد الأعلى بن أعين لم يوثّق و باقي رجاله ثقات أعلام، و الراوي عن عبد الأعلى هنا هو حمّاد بن عيسى الثقة الجليل الّذي كان من أصحاب الإجماع.

7- و منها ما رواه الصدوق رحمه اللّه في كتاب كمال الدين- في باب ما أخبر به عليّ بن الحسين عليه السّلام من وقوع الغيبة- باسناد عن أبي حمزة ثابت الثمالي أنّه عليه السّلام‏

                       

قال: فينا نزلت هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ و فينا نزلت هذه الآية وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ و الإمامة في عقب الحسين ابن علىّ ابن أبي طالب عليهما السّلام إلى يوم القيامة، و إنّ للقائم منّا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى، أمّا الاولى فستّة أيّام أو ستّة أشهر أو ستّة سنين، و أمّا الاخرى فيطول أمدها حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلّا من قوى يقينه و صحّت معرفته، و لم يجد في نفسه حرجا ممّا قضينا و يسلّم لنا أهل البيت «1».

و دلالة الحديث واضحة بالبيان الّذي مرّ في سابقه، إلّا أنّ في السند محمّد بن محمّد بن عصام الكليني و هو غير مصرّح بوثاقته لكنه من مشايخ الصدوق و قد دعا له بقوله «رضي اللّه عنهم» و أيضا فيه إسماعيل بن عليّ القزويني الّذي لم أعثر على ذكر له في كتب الرجال. و باقي رجال السند ثقات على الظاهر.

8- و منها ما رواه تفسير البرهان عن الصدوق باسناد عن إسماعيل بن عبد اللّه قال: قال الحسين بن عليّ عليهما السّلام: لمّا أنزل اللّه تبارك و تعالى هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن تأويلها، فقال: و اللّه ما يعنى بها غيركم و أنتم اولو الأرحام، فإذا متّ فأبوك عليّ عليه السّلام أولى بي و بمكاني، فإذا مضى أبوك فأخوك الحسن عليه السّلام، فإذا مضى الحسن فأنت أولى به، فقلت يا رسول اللّه: و من بعدي؟ قال: ابنك عليّ عليه السّلام أولى بك من بعدك، فإذا مضى فابنه محمّد عليه السّلام أولى به، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر عليه السّلام أولى به من بعده و بمكانه، فإذا مضى جعفر فابنه موسى عليه السّلام أولى به من بعده، فإذا مضى موسى فابنه عليّ عليه السّلام أولى به من بعده، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد عليه السّلام أولى به من بعده، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ عليه السّلام أولى به من بعده، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن عليه السّلام أولى به من بعده، فإذا مضى الحسن وقعت الغيبة في التاسع من ولدك،

                       

فهذه الأئمّة التسعة من صلبك أعطاهم اللّه علمي و فهمي طينتهم من طينتي، ما لقوم يؤذوني فيهم لا أنالهم اللّه شفاعتي «1».

و دلالة الرواية مثل سوابقها واضحة، إلّا أنّ في السند من ضعّفه قوم، و رجلين لم أعثر على ذكرهما في كتب الرجال، و آخرين ذكرا و لم يذكر توثيق لهما. و هذه الرواية أيضا رواية ثالثة صرّحت بأنّ المعنى المذكور تأويل للآية المباركة.

9- و منها ما رواه البرهان عن محمّد بن العباس- الظاهر أنّه ابن الماهيار المعروف بابن الحجّام الذي هو ثقة ثقة- باسناده عن عبد الرحمن بن روح القصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّه سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ قال: نزلت في ولد الحسين عليه السّلام. قال: قلت: جعلت فداك نزلت في الفرائض؟ قال: لا، قلت: ففي المواريث؟ فقال: لا نزلت في الإمرة «2».

و دلالة الحديث واضحة لما مرّ في سوابقها، مضافا إلى قوله عليه السّلام أخيرا فيه:

 «نزلت في الإمرة» إلّا انّ عبد الرحمن بن روح القصير غير مذكور في الرجال و لعلّه عبد الرحمن القصير المذكور فيهم لكنّه أيضا لهم يصرّح له بتوثيق.

10- و منها ما رواه أيضا عن محمّد بن العبّاس باسناد له عن محمّد بن زيد عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألت مولاي فقلت: قوله عزّ و جلّ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ قال: هو عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، معناه أنّه رحم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيكون أولى به من المؤمنين و المهاجرين «3».

و دلالة الحديث مثل سوابقه، و قوله عليه السّلام في آخره: «من المؤمنين و المهاجرين»

                       

قرينة واضحة على أنّ المراد بها هي الجملة الواقعة ذيل آيتنا، فإنّ هذا الفضل عليه واقع فيها لا في آية سورة الأنفال. و بالجملة: فدلالة الحديث تامّة، إلّا أنّ سنده غير تامّ فإنّ محمّد بن زيد متعدّد فلا يعلم وثاقة هذا الراوي و محمّد ابن عبد الرحمن و جعفر بن الحسين و أباه لم أعثر على ذكر لهما في كتب الرجال.

11- و منها ما رواه فيه عنه أيضا باسناد له عن محمّد بن عليّ المقري بإسناده يرفعه إلى زيد بن عليّ في قول اللّه عزّ و جلّ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ قال: رحم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أولى بالإمارة و الإيمان «1».

و دلالته واضحة، إلّا أنّ سنده غير معتبر مضافا إلى أنّ قول زيد أيضا لم يعلم اعتباره.

12- و منها ما رواه فيه عن تفسير القمّي أنّه قال: و قوله وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ قال: قال: نزلت في الإمامة 2.

و هو كما ترى السند إلى الإمام عليه السّلام أنّ الجملة المذكورة نزلت في الإمامة، فيدلّ على المطلوب مثل ما سبقته، إلّا أنّه كما ترى مرسل لكنّه أسنده جزما إلى الإمام عليه السّلام.

فهذه جملة من الروايات عثرت عليها في بيان أنّ المراد بهذه الجملة المباركة من الآية الشريفة هو إمارة الأئمّة المعصومين عليهم السّلام و اقتصار بعضها على ذكر خصوص عليّ عليه السّلام محمول على ذكر المصداق. و المتحصّل من جميعها أنّ المراد بها هو مسألة إمارة الأئمّة عليهم السّلام و أولويتهم بالمؤمنين من أنفسهم كما في رسول ربّ العالمين.

و لعلّ المتتبّع يظفر بأكثر منه، و قد عرفت أنّ جملة منها معتبرة السند، و الجملة الاخرى و إن كانت غير معتبرة السند إلّا أنّ كثرتها و تجاوزها عن حدّ الاستفاضة توجب الاطمئنان بصدور مفادها. فالمتحصّل أنّ الأخبار دليل معتبر على دلالة الآية المباركة على المطلوب في الرسول و آله المعصومين عليهم السّلام.

                       

و أمّا الطائفة الثانية فآيتان:

الآية الأولى [آية نفي الخيرة]

فربّما يعدّ من الآيات الخاصّة الدالّة على ولاية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تكفّله لأمر الامّة و بلادها قوله تعالى في سورة الأحزاب: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً «1».

و تقريب دلالتها أنّها حكمت بوجوب اتّباع أمر قضى اللّه و رسوله به، و أنّه إذا كان متعلّقه و حقيقته من الامور المتعلّقة بالمؤمنين بحيث يصدق عليه أمرهم فليس لأحد من المؤمنين و المؤمنات الخيرة فيه إن شاء اتّبعه و إن شاء تركه، بل إنّ عليه اتّباعه و يكون عصيانه موجبا لضلال مبين. و لفظ «أمرا» الواقع في الآية مطلق شامل لكلّ ما صدق عليه الأمر، و يكون بلحاظ موارد إنشائه و متعلّقة مطلقا يعمّ ما إذا تعلّق بما يكون من مصاديق رعاية أمر المؤمنين في ما يتعلّق بأحوالهم الاجتماعية أو بإدارة أمر بلادهم فيجب اتّباعه حتّى في هذه الموارد. و اللّه تبارك و تعالى و إن ذكر مع رسوله و علّق الحكم على أمرهما إلّا أنّ العرف لا يرون لاجتماعهما خصوصية بل كلّ منهما مستقلّ، فكما أنّ اللّه تعالى إذا أمر أمرا يجب اتّباعه و امتثاله مطلقا فهكذا الأمر في رسول اللّه، فله الأمر في الامور المتعلّقة بإدارة المسلمين و بلادهم و ما إليه. و هذا عبارة اخرى عن أنّ له صلّى اللّه عليه و آله حقّ ولاية أمر المسلمين و تكفّل امورهم و بلادهم و هو المطلوب.

لكنّ الإنصاف عدم تمامية دلالة الآية، فإنّ ما ذكر في بيان تقريب الدلالة

                       

كلّها صحيح إلّا الجملة الأخيرة منها و هي دعوى إلغاء الخصوصية عن حالة اجتماع اللّه تعالى معه و أمرهما كليهما به، فإنّ من المحتمل جدّا اختصاص لزوم الاتّباع بخصوص حالة اجتماعهما، و أمّا إذا انفرد الرسول و لم يكن معه أمر من اللّه تعالى فحينئذ لم يعلم من الآية وجوب اتّباعه، فدلالة هذه الآية غير تامّة.

و لم يرد في ما وصلنا من الأخبار خبر يدلّ على إرادة استقلاله بالأمر أيضا من الآية المباركة.

الآية الثانية [آية الغدير]

و من هذه الآيات قوله تعالى في سورة المائدة: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ «1».

إنّ التأمّل في نفس الآية المباركة و إن لا يعطى ثبوت الولاية و لا أيّ أمر آخر لأيّ أحد إلّا أنّ المستفاد منها أنّ ما انزل إلى الرسول- المذكور في الآية الشريفة- كان أمرا في كمال الأهمّية حيث كان عدم تبليغه في منزلة عدم إبلاغ أصل رسالة اللّه، و ذلك أنّ قوله تعالى: «و إن لم تفعل فما بلّغت رسالته» يدلّ على هذا المعنى، فإنّ قوله «إن لم تفعل» عبارة اخرى عن أن يقال: «و إن لم تبلّغ ما انزل إليك من ربّك» و قد رتّب على عدم تبليغه أنّه حينئذ ما بلّغ رسالته، و معلوم أنّ المراد بعدم تبليغ رسالته ليس عدم تبليغ خصوص هذا الّذي انزل إليه، فإنّه أمر بديهيّ لا عبرة به أصلا، بل المراد عدم تبليغ كلّ رسالة اللّه، فلا محالة كان ما انزل إليه أمرا مهمّا يلزمه هذا اللازم.

هذا من ناحية، و من ناحية اخرى أنّ قوله تعالى: و اللّه يعصمك من الناس»

                       

يستفاد منه أنّ هذا الّذي انزل عليه كان أمرا من شأن تبليغه للناس أن يصدر من الناس نوع مقاومة و إيذاء للنبيّ المبلّغ له لا بالنسبة لشخصه الشريف بما أنّه شخص بل بالنسبة له بما أنّه نبيّ و رسول و بالنسبة لأمر وظيفته الإلهية و رسالته.

فهذا الأمر الّذي انزل إليه و أمر بتبليغه كانت له هاتان الخاصّتان عظمة و قيمة تعدل عدم تبليغه عدم تبليغ أصل الرسالة و كونه بحيث ربما يترتّب على إعلامه مقاومة الناس و إهانتهم و عدم اعتنائهم بمنصب الرسالة و الهدف منها، فكان في الأمر بتبليغه في الآية المباركة تأكيد أكيد و وعد بعصمته من الناس.

فهذا الأمر المذكور مناسب جدّا لأن يكون مثل ولاية أحد يتولّى امور الامّة والدين و بلاد المسلمين بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنّها أمر عظيم بمعنى إبقاء أصل الرسالة كما أنّ إبلاغها ربما يوجب فوران الضغائن أو العلاقات الدنيوية الّتي قلّ أن تخلو منها الأنفس لا سيّما إذا كان هذا الولي من كان يعهد منه شدّة لقاء محاربي الإسلام و قتل أعداء الدين الّذين كانوا من أقرباء هؤلاء الناس المسلمين. فالآية في كمال المناسبة لأن يراد ممّا انزل إليه ولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام.

لكنّه مع ذلك كلّه فالآية المباركة لا تعيّن بنفسه هذا الأمر، و يحتاج تعيينه إلى دليل معتبر ينحصر لا محالة في الروايات.

 [ذكر طائفتين من الأخبار ذيلها]

و قد وردت ذيل الآية المباركة روايات كثيرة جدّا بل متواترة على أنّ المراد به هو ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و قد قام بتبليغها يوم غدير خمّ، و في هذه الروايات أخبار هي بنفسها معتبرة السند كما سيأتي ذكرها إن شاء اللّه تعالى.

و كيف كان فهذه الروايات على طائفتين: فطائفة منها تصرّح بأن الآية المباركة ناظرة إلى النصب الواقع يوم الغدير، و الطائفة الثانية تبيّن كيفية هذا النصب و إن لم يكن فيها ذكر من الآية.

و مقصودنا الأصيل من هذه الروايات بطائفتيها إثبات ولاية أمر الأمير عليه السّلام بمعنى حقّ إدارة أمر الامّة الإسلامية و بلادها، و لذلك فالمناسب تقديم روايات‏

                       

منها تكفي بإثباته و اللّه المستعان فنقول:

أمّا الطائفة الأولى [و هي 30 خبرا]

فهي روايات كثيرة:

1- منها صحيحة الفضلاء زرارة و الفضيل بن يسار و بكير بن أعين و محمّد بن مسلم و بريد بن معاوية و أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام قال: أمر اللّه عزّ و جلّ رسوله بولاية عليّ و أنزل عليه إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ و فرض ولاية اولي الأمر فلم يدروا ما هي، فأمر اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله أن يفسّر لهم الولاية كما فسّر لهم الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ، فلمّا أتاه ذلك من اللّه ضاق بذلك صدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تخوّف أن يرتدّوا عن دينهم و أن يكذّبوه، فضاق صدره و راجع ربّه عزّ و جلّ، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فصدع بأمر اللّه تعالى ذكره فقام بولاية عليّ عليه السّلام يوم غدير خمّ فنادى الصلاة جامعة و أمر الناس أن يبلّغ الشاهد الغائب ... الحديث «1».

فالصحيحة كما ترى صريحة في أنّ الآية المباركة اريد من «ما انزل إليك من ربّك» فيها ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام، و أنّ ما وقع من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم الغدير عمل و امتثال للأمر المذكور فيها، و قوله عليه السّلام: «تخوّف أن يرتدّوا عن دينهم و أن يكذّبوه» بيان لما كان في صدر الرسول، و معلوم أنّ نصب عليّ عليه السّلام بالولاية مع ما كان له عليه السّلام من السوابق في غزوات الإسلام و مع عظم أمر الولاية سبب عاديّ لهذه الدهشة. ثمّ إنّ ترتّب هذا الخوف الشديد قرينة قطعية على أنّ المراد بالولاية في الصحيحة هو تصدّي إدارة أمر الامّة و البلاد و المملكة الاسلامية، و إلّا فمجرّد كون عليّ ناصرا أو محبوبا لهم و أمثال ذلك لا يوجب أيّ خوف، فالصحيحة دليل واضح على إرادة الولاية بمعناها المطلوب لنا من الآية المباركة.

                       

ثمّ إنّ مسألة يوم الغدير و بالتبع مفاد الآية المباركة و إن كانت ولاية خصوص عليّ بن أبي طالب عليه السّلام إلّا أنّ قوله عليه السّلام في صدر الحديث: «و فرض ولاية اولي الأمر فلم يدروا ما هي، فأمر اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله أن يفسّر لهم الولاية ...» دليل على أنّ ما فرضه اللّه إنّما هو ولاية اولي الأمر الّذي لا ريب في إرادة الأئمّة الّذين أوّلهم عليّ عليهم السّلام و أن ما وقع منه صلّى اللّه عليه و آله يوم الغدير إنّما كان تفسيرا لمعنى الولاية، فالصحيحة دالّة على ثبوت الولاية لجميع المعصومين عليهم السّلام.

2- و منها ما رواه في اصول الكافي بسند معتبر عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: فرض اللّه عزّ و جلّ على العباد خمسا أخذوا أربعا و تركوا واحدا، قلت: أ تسمّيهنّ لي جعلت فداك؟ فقال: الصلاة و كان الناس لا يدرون كيف يصلّون، فنزل جبرئيل فقال: يا محمّد صلّى اللّه عليه و آله أخبرهم بمواقيت صلاتهم. ثمّ نزلت الزكاة فقال: يا محمّد صلّى اللّه عليه و آله أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم. ثمّ نزل الصوم فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان يوم عاشوراء بعث إلى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم فنزل شهر رمضان بين شعبان و شوّال، ثمّ نزل الحجّ فنزل جبرئيل فقال: أخبرهم من حجّهم ما أخبرتهم من صلاتهم و زكاتهم و صومهم، ثمّ نزلت الولاية، و إنّما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة، أنزل اللّه عزّ و جلّ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي و كان كمال الدين بولاية عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام.

فقال عند ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمّتي حديثوا عهد بالجاهلية و متى أخبرتهم بهذا في ابن عمّي يقول قائل و يقول قائل، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني، فأتتني عزيمة من اللّه عزّ و جلّ بتلة «1» أوعدني؟؟؟ إن لم ابلّغ أن يعذّبني، فنزلت يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ‏

                       

يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيد عليّ عليه السّلام فقال: أيّها الناس إنّه لم يكن نبيّ من الأنبياء ممّن كان قبلي إلّا و قد عمّره اللّه ثمّ دعاه فأجابه فاوشك أن ادعى فاجيب، و أنا مسئول و أنتم مسئولون فما ذا أنتم قائلون؟ فقالوا: نشهد أنّك قد بلّغت و نصحت و أدّيت ما عليك فجزاك اللّه أفضل جزاء المرسلين، فقال: اللّهمّ اشهد- ثلاث مرّات- ثمّ قال: يا معشر المسلمين هذا وليّكم من بعدي فليبلّغ الشاهد منكم الغائب. قال أبو جعفر عليه السّلام: كان و اللّه [عليّ عليه السّلام‏] أمين اللّه على خلقه و غيبه و دينه الّذي ارتضاه لنفسه.

ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حضره الّذي حضر، فدعا عليّا عليه السّلام فقال: يا عليّ إنّي اريد أن ائتمنك على ما ائتمنني اللّه عليه من غيبه و علمه و من خلقه و من دينه الّذي ارتضاه لنفسه، فلم يشرك و اللّه فيها يا زياد «1» أحدا من الخلق.

ثمّ إنّ عليّا عليه السّلام حضره الّذي حضره فدعا ولده و كانوا اثني عشر ذكرا، فقال يا بنيّ إنّ اللّه عزّ و جلّ قد أبى إلّا أن يجعل في سنّة من يعقوب، و إنّ يعقوب دعا ولده و كانوا اثني عشر ذكرا فأخبرهم بصاحبهم، ألا و انّي اخبركم بصاحبكم، ألا إنّ هذين ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الحسن و الحسين عليهما السّلام فاسمعوا لهما و أطيعوا و وازروهما، فإنّي قد ائتمنتهما على ما ائتمنني عليه رسول صلّى اللّه عليه و آله ممّا ائتمنه اللّه عليه من خلقه و من غيبه و من دينه الّذي ارتضاه لنفسه، فأوجب اللّه لهما من عليّ عليه السّلام ما أوجب لعليّ عليه السّلام من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم يكن لأحد منهما فضل على صاحبه إلّا بكبره، و إنّ الحسين عليه السّلام كان إذا حضر الحسن عليه السّلام لم ينطق في ذلك المجلس حتّى يقوم. ثمّ إنّ الحسن عليه السّلام حضره الّذي حضره فسلّم ذلك إلى الحسين عليه السّلام، ثمّ إنّ حسينا عليه السّلام حضره الّذي حضره فدعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه السّلام فدعا إليها كتابا ملفوفا و وصيّة ظاهرة- و كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام مبطونا لا يرون إلّا أنّه لما به- فدفعت فاطمة الكتاب إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام،

                       

ثمّ صار و اللّه ذلك الكتاب إلينا «1».

فالرواية كما ترى صريحة في أنّ الآية المباركة ناظرة إلى ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام، نعم لم تصرّح بكون التبليغ و النصب يوم الغدير و إن كان فيها نحو إشارة إليه لتصريحها بأنّ نزول الولاية بآية الإكمال كان بعرفة و هو مناسب لا أن يكون تبليغها أيّاما معدودة بعد عرفة و في رجوعه صلّى اللّه عليه و آله من حجّه إلى المدينة بغدير خمّ كما وضحه بعض الأخبار الآتية. بل لا يبعد دعوى دلالة الرواية أنّ هذا الواجب الخامس و الفريضة الخامسة إنّما هي ولاية ولاة الأمر الّذين أوّلهم عليّ عليه السّلام ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ عليّ بن الحسين ثمّ سائر الأئمّة عليهم السّلام على ما ذكره ذيل الحديث، و ذلك أنّه عليه السّلام عدّ أولا الفريضة الخامسة هي الولاية من غير تقييد بخصوص عليّ عليه السّلام و إنّما وقع ذكره بالخصوص في كلام الرسول صلّى اللّه عليه و آله و في نصبه و إنّما هو لكونه أوّلهم الّذي لا بدّ من ذكره عند نصبه، و إلّا فالرواية كما ترى و عرضت حكمت باستمرارها بالترتيب إلى الأئمّة بعده عليهم السّلام.

ثمّ انّ الرواية صريحة أنّ هذه الولاية إنّما وجبت من اللّه تعالى فإنّه مضافا إلى شهادة الآية قد صرّحت الرواية أوّل الأمر أنّ اللّه فرض خمسا على العباد و عدّ خامسها الولاية و عبّر عنها بقوله: «ثمّ نزلت الولاية و إنّما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة ... الخ» و هذا المعنى مذكور في كلام عليّ عليه السّلام لأولاده و في قول الباقر عليه السّلام:

 «فأوجب اللّه لهما من عليّ ما أوجب لعليّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» فدلالة الحديث من هذه الجهات تامّة.

ثمّ إنّك ممّا مرّ ذيل الصحيحة الاولى تعلم أنّ هذه الولاية هي تكفّل أمر أمّة الإسلام و البلاد كما عرفت بيانه.

و أمّا سند الحديث فهو إلى أبي الجارود تامّ كما ذكرنا، و أمّا أبو الجارود زياد

                       

ابن المنذر الهمداني فهو تابعيّ زيديّ ينسب إليه الجارودية من الزيدية، و عن الكشّي أنّه كان مكفونا أعمى، أعمى القلب، و أنّ أبا جعفر عليه السّلام سمّاه سرحوبا و ذكر أنّ سرحوبا اسم شيطان إلّا أنّه مع ذلك كلّه لم ينصّوا على كونه غير ثقة بل ابن الغضائري الّذي قلّ من نجا عن سيف تضعيفه ذكر فيه أنّ حديثه في حديث أصحابنا أكثر منه الزيدية، و أصحابنا يكرهون ما رواه محمّد بن سنان عنه، و يعتمدون ما رواه محمّد بن أبي بكر الأرجني، انتهى. و عليه فإذا كان أصحابنا يعملون برواياته إذا رواها محمّد بن أبي بكر فلعلّ عدم اعتمادهم برواية محمّد بن سنان كان لأجل كلام في ابن سنان و إلّا فهو نفسه معتمد الحديث اذا روى حديث أصحابنا كما هاهنا.

3- و منها صحيحة عبد اللّه بن سنان- الّتي رواها القمّي في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن سنان- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لمّا أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن ينصب أمير المؤمنين عليه السّلام للنّاس في قوله: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ في عليّ بغدير خمّ فقال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر و حثوا التراب على رءوسهم، فقال لهم إبليس: ما لكم؟ فقالوا: إنّ هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلّها شي‏ء إلى يوم القيامة، فقال لهم إبليس: كلّا إنّ الّذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني، فأنزل اللّه على رسوله: وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ «1».

و الصحيحة صريحة في أنّ الآية الشريفة متعرّضة لولاية عليّ عليه السّلام الّتي بلّغها الرسول في غدير خمّ، و هي و إن لم تصرّح بتفسير الولاية إلّا أنّ اضطراب للأبالسة منها و حثّ التراب على رءوسهم شاهد على أنها كانت بمعنى تكفّل أمر الامّة و البلاد الّذي يكون عقده عقدة لا يحلّها شي‏ء.

4- و منها صحيحة صفوان بن مهران الجمّال المرويّة في قرب الاسناد قال:

                       

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لمّا نزلت هذه الآية في الولاية أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالدوحات «1» في غدير خمّ فقممن «2» ثمّ نودي الصلاة جامعة، ثمّ قال: أيّها الناس من كنت مولاه فعليّ مولاه، أ لست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، ربّ وال من والاه و عاد من عاداه. ثمّ أمر الناس يبايعون عليّا عليه السّلام، فبايعه الناس، لا يجي‏ء أحد إلّا بايعه و لا يتكلّم منهم أحد، ثمّ جاء زفر و حبتر فقال له صلّى اللّه عليه و آله:

يا زفر بايع عليّا بالولاية، فقال: من اللّه أو من رسوله؟ قال: من اللّه و من رسوله، ثمّ جاء حبتر فقال صلّى اللّه عليه و آله: بايع عليّا بالولاية، فقال: من اللّه أو من رسوله؟ فقال: من اللّه و من رسوله، ثمّ ثنّى عطفه ملتفتا فقال لزفر: لشدّ ما يرفع بضبع ابن عمّه «3».

فالصحيحة و إن لم تصرّح بالآية إلّا أنّ الظاهر أنّها آيتنا المبحوث عنها، و قد صرّحت أنّ المراد بها هي الولاية المصرّح بها في غدير خمّ. و دلالة ما نقله من كلام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على إرادة تكفّل أمر الأمّة و البلاد من الولاية و أنّ عليّا عليه السّلام أيضا أولى بالمؤمنين من أنفسهم واضحة، كما يشهد له أيضا أمره للناس بمبايعته، و إبهام الأمر فيها لزفر و حبتر أنّها من اللّه أو من رسوله؟

ثمّ إنّ الصحيحة صريحة في أنّ ولايته عليه السّلام كانت من اللّه و من رسوله كما صرّح به الرسول صلّى اللّه عليه و آله في جوابهما، مضافا إلى أنّ نزول الآية بالولاية عبارة اخرى عن أنّها من اللّه تعالى كما مرّ.

5- و منها صحيحة اخرى رواها قرب الاسناد عن صفوان الجمّال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: لمّا نزلت الولاية لعليّ عليه السّلام قام رجل من جانب الناس فقال: لقد عقد هذا الرسول لهذا الرجل عقدة لا يحلّها بعده إلّا كافر، فجاءه الثاني فقال له: يا عبد اللّه من أنت؟ فسكت، فرجع الثاني إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:

                       

يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّي رأيت رجلا في جانب الناس و هو يقول: لقد عقد هذا الرسول لهذا الرّجل عقدة لا يحلّها إلّا كافر، فقال: يا فلان، ذلك جبرئيل، فإيّاك أن تكون ممّن يحلّ العقدة، فنكص «1».

و هي في الدلالة على أنّ ولايته عليه السّلام من اللّه تعالى كالسابقة كما أنّها مثلها في أنّ الظاهر من الآية المذكورة فيها آيتنا المبحوث عنها فعلا و قول جبرئيل عليه السّلام أنّها عقدة لا يحلّها إلّا كافر كتحذير الرسول صلّى اللّه عليه و آله للثاني أن يكون هو ممّن يحلّها شاهدان لأنّ المراد بها هو تكفّل أمر الامّة و بلادهم كما مرّ بيانه في الروايات السابقة.

6- و منها ما رواه القمّي في تفسيره عن أبيه رفعه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لمّا نزلت الولاية و كان من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بغدير خمّ: سلّموا على عليّ عليه السّلام بإمرة المؤمنين، فقالا: من اللّه و من رسوله؟ فقال لهما: نعم حقّا من اللّه و من رسوله، إنّه أمير المؤمنين و إمام المتّقين و قائد الغرّ المحجّلين، يقعده اللّه يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنّة و يدخل أعداءه النار ... الحديث «2». فقوله عليه السّلام فيها:

 «نزلت الولاية» ظاهره أنّه إشارة إلى آيتنا المبحوث عنها، و قد صرّحت بأنها مرتبطة بما نصّ عليه يوم الغدير، و عبارة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند تبليغ ولايته و إن لم تنقلها إلّا أنّ أمره صلّى اللّه عليه و آله بأن يسلّموا عليه بإمرة المؤمنين شاهد على أنّه جعله و بلّغ فيه أنّه أمير على المؤمنين، و الإمارة عبارة اخرى عن تكفّله لأمورهم. و حيث إنّ الولاية نزلت فلا محالة هي من اللّه تعالى.

نعم إنّ الرواية مرفوعة فهي بنفسها و وحدتها لا حجّة فيها.

7- و منها خبر سهل بن قاسم النوشجاني- الّذي رواه البحار عن عيون أخبار الرضا عليه السّلام- قال: قال رجل للرضا عليه السّلام: يا ابن رسول اللّه إنّه يروى عن عروة بن‏

                       

الزبير أنّه قال: توفّي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو في تقيّة، فقال: أمّا بعد قول اللّه عزّ و جلّ:

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فإنّه أزال كلّ تقيّة بضمان اللّه عزّ و جلّ له و بيّن أمر اللّه تعالى.

و لكنّ قريشا فعلت ما اشتهت بعده، و أمّا قبل نزول الآية فلعلّه «1».

و سند الحديث ليس بمعتبر إلّا أنّه تامّ الدلالة على المطلوب، فإنّ قوله عليه السّلام في ذيله: «و لكنّ قريشا فعلت ما اشتهت بعده» إشارة إلى رجوعهم عنه عليه السّلام الى الطواغيت الّذين غصبوا حقّه، و حيث إنّ عملهم و دعواهم مجرّد تصدّي أمر الامّة و بلاد الإسلام خلافة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيعلم أنّ هذا التصدّي كان حقّا ثابتا معلنا لعليّ عليه السّلام لم يسلّم الناس و قريش له و فعلوا ما اشتهوا.

8- و منها خبر الفيض بن المختار عن أبي جعفر الباقر عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم و هو راكب و خرج عليّ عليه السّلام و هو يمشي، فقال له: يا أبا الحسن إمّا أن تركب و إمّا أن تنصرف- و فيه ذكر من فضائل عليّ عليه السّلام و ولايته ذكره النبيّ إلى أن قال في آخره:- و لقد أنزل اللّه عزّ و جلّ إليّ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني في ولايتك يا عليّ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ و لو لم ابلّغ ما امرت به من ولايتك لحبط عملي، و من لقي اللّه عزّ و جلّ بغير ولايتك فقد حبط عمله، و عدا ينجز لي، و ما أقول إلّا قول ربّي تبارك و تعالى، و إنّ الّذي أقول لمن اللّه عزّ و جلّ أنزله فيك «2».

فالخبر كما ترى دالّ على ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام و على أنّها من اللّه و أنّ آيتنا المبحوث عنها واردة فيها. إلّا أنّه ليس فيه دلالة على أنّ المراد بالولاية ما هو؟ و أمّا سند الحديث فالفيض بن المختار راوي الحديث و إن كان ثقة عينا و من‏

                       

أصحاب الباقر و الصادق و الكاظم عليهم السّلام إلّا انّه وقع في سلسلة الرواة لهذا الحديث عنه رجال لم يثبت ثقتهم، فهو غير معتبر السند.

9- و منها ما في تفسير البرهان بهذه العبارة: سعد بن عبد اللّه عن عليّ بن إسماعيل بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن عليّ بن النعمان عن محمّد بن مروان عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ على الولاية «1».

و دلالة الحديث على أنّ المراد من «ما انزل» في الآية المباركة هي الولاية واضحة من غير توضيح فيه لمعنى الولاية، إلّا أنّ في سنده كلاما، فإنّ ظاهر التفسير أنّ الراوي الأخير الّذي رواه هو سعد بن عبد اللّه فهل أخذه التفسير عن كتاب لسعد و هذا الكتاب أيّ كتاب؟ فهو غير واضح و احتملنا أنه ممّا رواه الصدوق رحمه اللّه في كتبه فتصفّحنا المعاجم الموجودة عندنا لكتبه فلم نجده فيه، و كيف كان فعليّ بن إسماعيل الّذي روى سعد عنه لعلّه عليّ بن إسماعيل السندي و هو ثقة، و باقي الرجال ثقات إلّا محمّد بن مروان فإنّ محمّد بن مروان المذكور في كتب الرجال متعدّد و لم يوثق واحد منهم و إن كانت الأخبار المروية عن محمّد بن مروان كثيرة، فراجع جامع الرواة فلعلّ نفس كثرة نقل الأخبار دليل على وثاقته، فتدبّر.

 

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

همکاری با نفوذیان خائن و اختلاس‌گران بی دین
قرآن : لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ کامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (سوره نحل، آیه 52)ترجمه: تا روز قیامت بار گناهان خود را تمام بردارند ، و [ نیز ] بخشی از بار گناهان کسانی را که ندانسته آنان را گمراه می کنند. آگاه باشید ، چه بد باری را می کشند.حدیث: و ایما داع دعی الی ضلالة فاتبع علیه، فان علیه مثل اوزار من اتبعه، من غیر ان ینقص من اوزارهم شیئا!: (مجمع‌البیان، ج6، ص 365)ترجمه: ... و هر کس دعوت به ضلالت کند و از او پیروی کنند همانند کیفر پیروانش را خواهد داشت، بی آنکه از کیفر آنها کاسته شود.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید