أدلة ولاية الفقيه(2)

  • دوشنبه, 07 مرداد 1392 17:49
  • منتشرشده در مقالات
  • بازدید 4267 بار

مؤلف: الاستاذ الشيخ نوري حاتم

چکیده:

 

أدلة ولاية الفقيه

 

 

القسم الثاني ـ الأدلة العقلية:

 

 

الدليل الأول : وهو يتألف من مقدمتين :

 

 

المقدمة الاولي : إن احكام الله لازمة الاجراء في حياة الفرد والمجتمع ، ولا يجوز تعطيل شي ء منها ؛ إذ الإسلام لكل عصر ولكل مجتمع ، وليس مختصا بالمجتمع الذي عاصر الرسول صلي الله عليه و آله والائمة الاطهار عليهم السلام .

 

 

المقدمة الثانية : ان الحكومة مقدمة لازمة لإقامة أحكام الله ، ومقدمة الواجب واجبة ايضا كما يذكر في علم الاصول . فتثبت الولاية للفقيه .

 

 

ولكن هذا الاستدلال لا يخلو من ضعف ؛ إذ يرد علي المقدمة الثانية :

 

 

أولا : قد تمنع مقدمية الحكومة لإقامة أحكام الله ؛ إذ لا ملازمة تكوينية بين الحكومة وبين إقامة احكام الله .

 

 

إلا ان هذا الاشكال غير وارد ؛ إذ ليس المراد بالمقدمية العلية لاقامة احكام الله ليقال بعدم التلازم بينهما خارجا ، بل المقصود انها تتيح تطبيق احكام الله لو اراد الحاكم ذلك أي ان اختيار الحاكم واعتماد الحكومة وسيلة لاقامة احكام الله كاف في اسباغ وصف المقدمية عليها ، ولاحاجة إلي ثبوت وصف المقدمية خارجا كمقدمية السفر للحج .

 

 

ثانيا : لا دليل علي وجوب مقدمة الواجب إلا دعوي الملازمة بين وجوب الشي ء ووجوب مقدمته ، وقد يقال بعدم ثبوت هذه الملازمة بينهما .

 

 

ولكن يرد علي هذه المناقشة أن مجرد عدم الملازمة لا ينفي الحكم العقلي بالوجوب الذي هو المطلوب ؛ لأن الكلام في حكم العقل لا الشرع . نعم لو كان الكلام في إثبات الولاية بدليل شرعي مستكشف بدليل عقلي لتمت المناقشة ، لكن الأمر لم يكن كذلك .

 

 

ثالثا : لو سلم ثبوت الوجوب الشرعي للمقدمة وقلنا بوجوب جميع المقدمات لا المقدمات الموصلة فقط فإن هذا الوجوب الغيري انما يسري إلي المقدمات المباحة أصالة ، أو علي أقل تقدير المقدمة المنحصرة كما إذا كان وجوب ذي المقدمة أهم من حرمة المقدمة . أما لو قلنا بأن الوجوب لا يسري إلي المقدمة التي لا يعلم بأباحتها وفائدة ذلك صرف المكلف إلي المقدمات المباحة فإنه يرد اشكال وهو احتمال حرمة التصدي للولاية ؛ إذ لا يعلم بثبوت الولاية إلا فيما علم ارادة الشارع تحققه ولو من غير الفقيه ، أو علم بنحو الجزم ارادته من الفقيه كالقضاء ، اما سائر انحاء الولاية فهي غير معلومة الاباحة فلا يسري اليها الوجوب من ذي المقدمة ، ثم علي تقدير تمامية المقدمتين ، فإن النتيجة هي وجوب اقامة الحكومة ، وهي لا تلازم ثبوت الولاية للفقيه ، فقد تجب الحكومة ولكن من دون ولاية للفقيه كما قيل بذلك .

 

 

الدليل الثاني : ما ذكره الاصفهاني قدس سره في حاشيته علي المكاسب بالقول : «وربما يستدل لعموم ولاية الفقيه بوجه عقلي ومحصله : إن ما ثبت للامام عليه السلام من حيث رئاسته الكبري ، وهي الامور التي يرجع فيها المرؤوسون من كل ملة ونحلة إلي رئيسهم اتقانا للنظام فهي ثابته للفقيه ؛ إذ فرض هذا الموضوع فرض نصب الرئيس لئلا يلزم الخلف من ايكال امره إلي آحاد الناس ، فيدور الأمر في الرئيس المنصوب بين أن يكون هو الفقيه أو شخص خاص آخر ، والاخير باطل قطعا ، فتعين الأول» (1) .

 

 

ويمكن توضيح هذا الاستدلال بالقول : إن هناك امورا عامة يرجع الناس فيها إلي الإمام أو الحاكم ، بلا فرق بين زمان وآخر ، فلا بد من الرئيس لتولي هذه الشؤون ؛ لأن توليها من قبل الافراد اما علي خلاف السيرة القطعية أو علي خلاف المصلحة ، وفي زمان الغيبة اما ان ترجع هذه الامور العامة إلي الفقيه أو غيره ، والثاني باطل ، فيتعين الأول .

 

 

وهذا الدليل يرد عليه :

 

 

أولا : إن ثبوت الولاية للامام في الامور التي يرجع المرؤوس إلي رئيسه إنما هي ثابتة بوصفه اماما قد نصبه الله ورسوله مرجعا للعباد وامينا في البلاد ، وليس الرجوع اليه كسائر رجوع المرؤوسين إلي رئيسهم ؛ إذ ما لم يكن الجعل منتهيا إلي الله ، فهو طاغوت يعبد من دون الله ، ومالم يكن الرجوع إلي الرئيس بإذن الله أو إذن وليه فهو رجوع باطل .

 

 

فالرجوع للامام في امور العباد بوصفه اماما وليس بوصفه رئيسا كسائر الرؤوساء ، والمفروض انه لا دليل علي الرجوع إلي الفقيه ؛ إذ لا نص خاصا عليه حسب الفرض ، وبعبارة اخري : إن هذا القياس قياس مع الفارق ؛ إذ الإمام قد نص عليه وهو معصوم ، والفقيه ليس كذلك .

 

 

وثانيا : لو اردنا ان نتشبث بهذا الدليل لكان مقتضاه نفي ولاية نفس الائمة المعصومين ؛ إذ الناس لم ترجع اليهم في حياتهم لإدارة شؤونهم السياسية والعامة من تحريك الجيوش وبسط النفوذ وإصلاح الأرض وتعمير البلاد . . مع ان هذا نقطع ببطلانه . . إذ للامام الولاية حتي لو قضي عمره في قعر السجون كما هو الحال بالنسبة للامام الكاظم عليه السلام .

 

 

وثالثا : بل لو تمسكنا بهذا الدليل لأجزنا ولاية أي انسان يتصدي لأمور العباد لأن مبرر ثبوت الولاية هو رجوع المرؤوسين في امورهم العامة إلي الرئيس ، والمفروض ان هذا الشخص يتصدي فعلا لإدارة البلاد . . حتي لو كان هذا الشخص غير فقيه ؛ إذ الناس ترجع للمتصدي للامور سواء كان فقيها أو لم يكن فقيها ، والمفروض ان ثبوت الولاية يستند علي مجرد رجوع المرؤوسين إلي الرئيس ، وهو حاصل في غير الفقيه . . وهذا باطل جزما .

 

 

الدليل الثالث : ما ذكره في مصباح الفقاهة بالقول : «ان الولاية في الامور العامة بحسب الكبري ثابتة عند العامة بالسيرة القطعية ، وان اشتبهوا في صغري ذلك وتطبيقها علي غير صغرياتها ، إلا ان ذلك لا يضر بقطعية الكبري الثابتة بالسيرة . اما الصغري فهي ثابتة بالعلم الوجداني ؛ إذ بعد ثبوت الكبري فالأمر يدور بين تصدي غير الفقيه علي التصرف في الامور العامة ، وبين تصدي الفقيه فيكون مقدما علي غيره ، وبالجملة نثبت الكبري بالسيرة القطعية والصغري بالعلم الوجداني» (2) .

 

 

ويرد عليه : انا نسأل عن هذه السيرة القطعية التي نثبت بها الولاية ؟ فإن كانت هي السيرة التي عاصرت الائمة المعصومين عليهم السلام ، والتي بسكوتهم عنها نستكشف حجيتها فإن هذه قدرها المتيقن هو ثبوت الولاية للامام من اهل البيت عليهم السلام وليس ثبوت الولاية لشخص مجمل أو لشخص مجهول أو لشخص معلوم الفسق ليقال بثبوت أصل الكبري في هذا الدليل ، وان كانت هي السيرة العامة في عصر الغيبة فانا لا نحرز هذا الامضاء لاحتمال كون الولاية خاصة بالامام عليه السلام ، ولا نحرز ذلك القدر المتيقن مع هذا الاحتمال ليقال بثبوتها للفقيه في زمان الغيبة .

 

 

والجواب : إن الإمام عليه السلام انما يلحظ الزمان بامتداده الطويل وحاجة الشيعة والامة الإسلامية إلي وال ، ولاينظر إلي زمانه أو زمان سائر الائمة فقط ، فيكون في الدليل قدر متيقن وهو الفقيه . وسوف يأتي ذكر هذا الوجه بشكل اكثر تفصيلا عند ذكر دليل سيرة المتشرعة ، فانتظر .

 

 

الدليل الرابع : وهو يتألف من مقدمتين :

 

 

المقدمة الاولي : إن المسلمين مكلفون بتشكيل الحكومة بنحو الوجوب النفسي ؛ وذلك لأن الحكومة من أبرز مظاهر قوة المسلمين ووحدتهم ، وقد أمر الله بإعداد القوة بقوله : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم) (3) . ولا إشكال في ان الحكومة من مصاديق القوة التي أمر الله بإعدادها ، بخلاف التشرذم والتنازع والتفكك الذي نهي الله تعالي عنه بقوله : (ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (4) .

 

 

المقدمة الثانية : وحينئذ يدور أمر ادارة الحكومة بين الفقيه وغيره ، والثاني معلوم البطلان فيتعين الأول .

 

 

ويرد عليه : إن المقدمة الثانية لا تخلو من نقاش إذا فرضنا عدم دليل علي تقدم الفقيه علي غيره من عدول المؤمنين في تولي أمر الحكومة .

 

 

الدليل الخامس : وهو يتألف من مقدمتين ايضا :

 

 

المقدمة الاولي : إن العقل حاكم بضرورة الحكومة الإسلامية ؛ إذ «إن الاحكام الالهية سواء الأحكام المربوطة بالماليات ، أو السياسيات ، أو الحقوق لم تنسخ ، بل باقية إلي يوم القيامة ، ونفس بقاء تلك الاحكام يقضي بضرورة حكومة وولاية تضمن حفظ سيادة القانون الالهي وتتكفل لاجرائه ، ولا يمكن اجراء احكام الله الا بها ، لئلا يلزم الهرج المرج ، مع أن حفظ النظام من الواجبات الاكيدة ، واختلال امور المسلمين من الامور المبغوضة ، ولا يقوم بهذا ولا يسد هذا إلا بوال وحكومة . مضافا إلي ان حفظ ثغور المسلمين عن التهاجم وبلادهم عن غلبة المعتدين واجب عقلا وشرعا ، ولا يمكن ذلك إلا بتشكيل الحكومة ، وكل ذلك من أوضح ما يحتاج اليه المسلمون ، ولا يعقل ترك ذلك من الحكيم الصانع ، فما هو دليل الامامة بعينه دليل علي لزوم الحكومة بعد غيبة ولي الأمر عجل الله تعالي فرجه الشريف سيما مع هذه السنين المتمادية ، ولعلها تطول والعياذ بالله إلي آلاف من السنين ، والعلم عنده تعالي . فهل يعقل من حكمة الباري الحكيم اهمال الملة الإسلامية وعدم تعيين تكليف لهم ؟ أو رضي الحكيم بالهرج والمرج واختلال النظام ؟ ! ولم يأت بشرع قاطع للعذر لئلا تكون للناس عليه حجة ؟ (5) .

 

 

ثم يتابع الإمام الخميني قدس سره بالقول : «فان لزوم الحكومة لبسط العدالة والتعليم والتربية وحفظ النظم ورفع الظلم وسد الثغور والمنع عن تجاوز الاجانب من أوضح احكام العقول من غير فرق بين عصر وعصر أو مصر ومصر» (6) .

 

 

المقدمة الثانية : «إن الحكومة الإسلامية لما كانت حكومة قانونية بل حكومة القانون الالهي فقط ـ وانما جعلت لأجل اجراء القانون وبسط العدالة الالهية بين الناس ـ لابد في الوالي من صفتين هما أساس الحكومة القانونية ، ولا يعقل تحققها إلا بهما : احداهما العلم بالقانون وثانيتهما العدالة ، ومسألة الكفاية داخلة في العلم بنطاقه الاوسع ، ولا شبهة في لزومها في الحاكم ايضا ، وان شئت قلت : هذا شرط ثالث من اسس الشروط . فإن الجاهل والظالم والفاسق لا يعقل ان يجعلهما الله تعالي اولياء علي المسلمين وحكاما علي مقدراتهم وعلي اموالهم ونفوسهم مع شدة اهتمام الشارع الاقدس بذلك ، ولا يعقل تحقق اجراء القانون بما هو حقه إلا بيد الوالي العالم العادل» (7) .

 

 

فالعالم والعادل أي الفقيه هو القدر المتيقن الذي له الولاية بعد الفراغ من لزومها شرعا وعقلا وذاتا وطريقا (أي مقدمة) بخلاف غيره ، فتثبت للفقيه الولاية دون غيره . وهذا الدليل امتن الادلة ، إلا ان صيغته المطروحة صيغة عامة يمكن اختصارها بصيغة من الصيغ التالية :

 

 

الصيغة الاولي : إن اقامة الحكومة الإسلامية من باب المقدمات الوجودية للواجبات المعلومة في الشريعة الإسلامية نظير السفر للحج ، فإن وجوب السفر أمر مفروغ منه بوصفه مقدمة وجودية للحج ، وكتهيئة السلاح للجهاد فإنه مقدمة وجودية للجهاد تجب بوجوبه . . وكذلك الحال في الحكومة ، فإنها مقدمة وجودية للكثير من الواجبات في الشريعة الإسلامية كإقامة الحدود وحفظ النظام وأمن البلاد ودفع العدو ، فإن جميع هذه الامور واجبة شرعا وحيث ان هذه الامور لايمكن القيام بها بصورة فردية ، بل لا بد من الحكومة ، فتكون الحكومة مقدمة وجودية فتجب اقامتها ، ويكون علي رأسها العارف بتلك الواجبات .

 

 

الصيغة الثانية : لو لم تجب الحكومة الإسلامية لزم لغوية الكثير من الخطابات الشرعية نظير الأمر بإقامة الحدود (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة) (8) وغيرها من خطابات لزوم اقامة الحدود ونظير الأمر بإعداد القوة لإرهاب عدو الله : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) (9) .

 

 

ونظير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في قوله تعالي : (ولتكن منكم امة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون) (10) بناءا علي ان المراد بالامة هنا هي الدولة كما هو احد تفسيرات الآية ، وما شاكل ذلك من الخطابات التي لوحظ فيها الجماعة أو حيثية عامة ؛ إذ مع عدم إقامة الحكومة فإنه لا يمكن اجراء حدود الله كما أراد ، كما لا يمكن عمليا إعداد القوة اللازمة لارهاب العدو . ولذلك نجد بعد سقوط الدولة الإسلامية توقف العمل بكثير من الاحكام الالهية ، وسبب ذلك يرجع إلي ان اجراء تلك الاعمال منوط بهيئة عامة تتولي متابعة تلك الأحكام وتنفيذها علي الساحة الاجتماعية .

 

 

الصيغة الثالثة : إذا لم تجب اقامة الحكومة يلزم تخلف الغرض من كثير من مقاصد الإسلام والشريعة الالهية ، فمن مقاصد الشريعة ازالة الفحشاء والمنكر وتطهير النفوس وتربية العقول علي الايمان بالله وعلي الافكار الشامخة . . وهذا الوجه يختلف عن الوجه الذي قبله ؛ إذ ذلك كان مرتبطا بالخطابات الشرعية ولازما بلزوم امتثالها ، وهنا الحكومة لازمة لاجراء الاهداف والمقاصد التي يسعي الشارع لتحقيقها نظير نشر التعليم والتزكية والهداية وحفظ الاسرة والمجتمع وإقامته علي أساس متين . . ومن الواضح ان بعض هذه الامور ـ إذا لم نقل كلها ـ لا يمكن تحقيقه من دون وجود حاكم اسلامي يخطط لانجاز تلك الاهداف ، ويصرف عليها الاموال الطائلة . يقول الفيض الكاشاني : «فوجوب الجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتعاون علي البر والتقوي والافتاء ، والحكم بين الناس بالحق ، وإقامة الحدود والتعزيرات ، وسائر السياسات الدينية ، من ضرورات الدين ، وهو القطب الاعظم في الدين ، والمهم الذي ابتعث الله له النبيين ، ولو تركت لعطلت النبوة ، واضمحلت الديانة ، وعمت الفتنة ، وفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة ، وخربت البلاد ، وهلك العباد ، نعوذ بالله من ذلك» (11) .

 

 

وقد اشكل علي المقدمة الثانية : ب : «أن الأخذ بما هو المتيقن انما يتصور عندما يتردد الأمر بين دائرة واسعة ودائرة اخري ضيقة تقع ضمن الدائرة الواسعة ، فيقال أن الدائرة الضيقة متيقنة علي أي حال . أما إذا تردد الحال بين فروض متباينة مختلفة عن بعضها ، فلا معني لافتراض قدر متيقن فيه . وموردنا من هذا القبيل ، فاننا كما نحتمل أن تكون الولاية العامة بيد الفقيه ، نحتمل أيضا ان تكون ـ في كثير من المجالات ـ بيد الأكثرية مثلا مع اشتراط إشراف الفقيه علي الجوانب الفقهية للقوانين لضمان انسجامها مع الشريعة الإسلامية ، وهو أمر غير الولاية العامة للفقيه .

 

 

وكذلك نلاحظ وجود مجالات حياتية عديدة لها خبراؤها الأخصائيون ، وكما نحتمل ان تكون الولاية العامة للفقهاء مع اعتمادهم علي هؤلاء الخبراء في مل ء فراغ هذه المجالات ، نحتمل أن تكون الولاية بيد الخبراء علي أن يراجعوا الفقهاء بقدرما يتصل بالفقه . ومن الواضح ان النتائج العملية قد تختلف باختلاف كون الرأي النهائي الحاسم لهذا أو لذاك (12) .

 

 

الجواب : إلا أن هذا الاشكال غير وارد علي الصيغ الثلاث ؛ وذلك لأن الخبرة التي يحتاجها الفرد المسلم للولاية علي أمته تستلزم وعيا رساليا وتهذيبا روحيا وذكاءا خارقا وحرصا علي الامة ، وهذه كما تجتمع في الفقيه قد تجتمع في غير الفقيه ايضا ، ولكن الفقيه يتميز علي الآخرين بوعيه في الشريعة ، ومعرفته باحكام الله ، فحينئذ تكون الولاية مرددة بين دائرتين أحدهما اضيق من الاخري ، فلا محالة يتعين الأخذ بالقدر المتيقن ، وهو الفقيه دون سواه .

 

 

اما ما قيل من وجود مجالات حياتية عديدة لها خبراؤها الاخصائيون ، فيكون الخبير والفقيه في عرض واحد ، أي ضمن فرضين متباينين لا فرضين احدهما أوسع من الآخر ففيه :

 

 

إن المعرفة التخصصية غير دخيلة في الولاية علي الامور ؛ إذ الولي يحدد ويتخذ قرارات مركزية وعامة ، ولايريد ان يقدم بحثا حول طرق مكافحة الملاريا ، أوميزات الطاقة الكهربائية المستخرجة من الشمس ، نعم قد تفيده هذه المعلومات في تشكيل قراره إلا انه لا ضرورة ان يكون هو عالما بها ، بل يكفي ان يستعين بالعارفين فيها ، وفي موارد محدودة ليستطيع ان يتخذ القرار العام الذي يراه صالحا لتنمية ثروة المجتمع ، وتطوير قدراته الاقتصادية أو الصناعية .

 

 

كما أن الولاية العامة تحتاج إلي اطلاع واسع في مفاهيم الدين وتفاصيل الشريعة ؛ لأن المفروض ان الولي حاكم باسم الإسلام وعلي أساس الإسلام . ومن الواضح ان حركة المجتمع ، وما تعج به من تناقضات وعلاقات مؤثرة في نفس الانسان تحتاج إلي علم واسع في علوم القرآن ، وفلسفة الوجود ، وقوانين الشريعة وهذه ـ أو المهم منها ـ موجودة في الفقيه وغير موجودة في غيره حسب الفرض ، والقرار الذي يتخذه القائد انما يتصل وتؤخذ حيثياته من القوانين الإسلامية والروح الإسلامية الحاكمة في سن الاحكام ، وليست من معرفة شروط تفاعلات كيمياوية معقدة لتغيير عنصر إلي آخر .

 

 

وينبغي ـ وقبل تناول دليل الحسبة علي ولاية الفقيه ـ الاشارة إلي الفوارق الاساسية بين دعوي ضرورة الولاية التي يعتمدها الدليل الخامس ، وبين دعوي الحسبة التي يعتمدها الدليل السادس وهي كما يلي :

 

 

الفرق الأول : إن دليل ضرورة الولاية ناظر إلي الإسلام بوصفه عقيدة الهية ونظاما سياسيا واجتماعيا واقتصاديا يجب تحكيمه في حياة المجتمع الذي يؤدي إلي ضرورة هيئة حاكمة وولي عام يباشر الولاية ويسهر علي ذلك التحكيم ، بينما دليل الحسبة ناظر إلي مجموعة افعال خارجية نقطع بعدم رضي الشارع بإهمالها نظير حفظ مال الغائب والولاية علي اليتيم ، وغسل الميت والدفاع عن المجتمع وتعليم الناس وما شاكل من اعمال لامناص من وقوعها خارجا .

 

 

الفرق الثاني : إن نطاق عمل دليل الضرورة أوسع من نطاق عمل دليل الحسبة ؛ لأن الأول يتناول جميع الاعمال الدخيلة في ادارة المجتمع نظير توظيف الرساميل في بعض البلدان البعيدة مثلا ، أو الالزام بجدول صحي وتعليمي خاص داخل المجتمع ، فإن كل ذلك يتناوله دليل الضرورة ، اما دليل الحسبة فهو لا يتناول الا الاعمال الفردية ، أو الاجتماعية التي يجب وقوعها ، والا ادي تركها إلي فوضي في الاوضاع العامة للمجتمع .

 

 

الفرق الثالث : إن دليل الضرورة يقتضي وجود حاكم اسلامي يباشر اعمال الولاية وتجب طاعته امتثالا لقوله تعالي : (اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (13) .

 

 

اما دليل الحسبة ، فهو لا يقتضي وجود حاكم ولا يقتضي وجوب طاعته ، بل لو لم يكن الشخص الواحد وافيا بالغرض فإنه يتوجه علي الاخرين تكليف مستقل بوجوب المشاركة .

 

 

الفرق الرابع : إن دليل ضرورة الولاية يقتضي ولاية الفقيه ؛ وذلك لأن دليل الولاية ناظر الي ضرورة تطبيق احكام الإسلام علي المجتمع ، ومن الواضح ان القدر المتيقن من الولاية هو ولاية الشخص الفقيه العارف بتلك الاحكام ؛ إذ من غير المعقول ان يكون سبب الولاية ارادة تطبيق احكام الإسلام ولكن في مقام الولاية ينصب شخص لا يعرف إلا النزر اليسير من الفقه الإسلامي ، إذ ولاية هذا الشخص لا تنسجم مع أصل الدليل ، اما دليل الحسبة فهو لا يقتضي ولاية الفقيه ، بل يكفي أي مسلم عادل يملك القدرة علي تولي العمل والقيام به .

 

 

الفرق الخامس : إن كل عمل تراه الحكومة لازما ومن شأن الحكومة القيام به يكون التصدي له مشروعا ، وان كان تركه لا يؤدي إلي الفوضي في أوضاع المجتمع ، اما دليل الحسبة فلا يشمل العمل مالم يبلغ مرتبة بحيث يؤدي تركه إلي فوضي والي سخط الشارع وعدم رضائه عن ذلك الترك .

 

 

الفرق السادس : في الموارد التي نشك في دخولها تحت دليل الولاية أو عدم دخولها فان نظر الحاكم أو تصويب هيئة الحكومة علي لزوم فعل معين ينقح موردا لاطلاق ادلة الولاية العامة ؛ وذلك لأن نظر هيئة الحكومة ونظر الوالي يحقق موضوع دليل وجوب الولاية العامة ؛ هذا بناء علي قابلية دليل الولاية للإطلاق .

 

 

ولو قيل بأن هذا الدليل عقلي وليس دليلا لفظيا لكي يتمسك باطلاقه .

 

 

نقول : إن الموضوعات التي نجزم بدخولها تحت الولاية نظير اعداد جيش للدفاع عن المسلمين ونظير فتح المراكز الصحية انما هو علي أساس نظر الهيئة الحاكمة وتشخيصها لضرورة تلك الاعمال ومن شأن الحكومة القيام بها ، فتكون الموارد الجديدة داخلة تحت الولاية حسب مقتضي هذا النظر تحت ولاية الحاكم .

 

 

اما دليل الحسبة فإنه لابد من القطع بأن المورد مما لا يرضي الشارع بتركه ، فاذا شككنا في مورد في رضي الشارع بتركه وعدمه ؟ فالأصل عدم الولاية . وهذه نتيجة مهمة تترتب علي دليل ضرورة الولاية ، ولاتترتب علي دليل الحسبة .

 

 

الدليل السادس : وهو يقوم علي أساس الحسبة ، وهذا الوجه مركب من مقدمتين :

 

 

إحداهما ـ إحراز عدم رضي الشارع بفوات المصالح واضمحلال الاحكام التي تبطل وتضمحل بفقدان السلطة والحكومة الإسلامية ، أو قل : عدم رضاه بترك حكم البلاد وإدارة أمور المسلمين بيد الكفار أو الفسقة والفجرة رغم فرض إمكان الاستيلاء عليها من قبل المؤمنين الذين لا يسرهم الا إعلاء كلمة الله ، ولا يحكمون ـ لو حكموا ـ الا بما أنزل الله .

 

 

وهذه المقدمة ضرورية واضحة لاينبغي لأحد التشكيك فيها فقهيا .

 

 

والثانية ـ تعين الفقيه لهذه المهمة لأحد سببين : إما لورود الدليل علي اشتراط الفقاهة في قائد الأمة الإسلامية ، وإما لأنه القدر المتيقن في الامور الحسبية ولا بد من الاقتصار عليه في مقام الخروج عن أصالة عدم الولاية (14) .

 

 

اما الشق الثاني من المقدمة الاولي فيرد عليه :

 

 

انه لا يمكن تطبيق دليل الحسبة علي عنوان الحكومة ؛ إذ لا يقطع فعلا بعدم رضا الشارع بتركها لتدخل في باب الحسبة ، فلو امكن القيام بالاعمال المطلوبة والتي يقوم بها المجتمع لا تكون حاجة إلي الحكومة ونطبق دليل الحسبة علي تلك الافعال مباشرة ، وإنما صارت الحكومة مطلوبة لأنها واسطة للقيام بتلك الاعمال ، نعم الشق الأول من المقدمة الاولي ، وهو احراز عدم رضي الشارع بفوات المصالح واضمحلال الأحكام التي تبطل بفقدان السلطة الإسلامية صحيح ، ويمكن تطبيق دليل الحسبة عليه .

 

 

أما المقدمة الثانية فقد ذكر صاحب كتاب (ولاية الأمر في عصر الغيبة) روايات عديدة للاستدلال عليها نظير «اللهم ارحم خلفائي» ، ونظير قول الإمام علي عليه السلام : «أيها الناس ان احق الناس بهذا الأمر اقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه» (15) ، ونظير ما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام انه قال : «فكيف لهم باختيار الإمام ، والإمام عالم لا يجهل وراع لاينكل معدن القدس والطهارة والنسك» (16) .

 

 

ثم أشكل عليها قائلا : بعد الاعتراف بعدم دلالة هذه الروايات علي مبدأ ولاية الفقيه العامة ، فهي انما تدل علي أن الفقهاء هم منار الطريق في فهم الشريعة ، وهم مشعل الهداية والنور ، وهذا كما ينسجم مع افتراض اعطاء السلطة والحكم بيد أحدهم في فرض بلوغ الامة مستوي استلام زمام الحكم كذلك ينسجم مع افتراضها في يد انسان عادل أمين غير فقيه متقيد بالرجوع فيما يكون للتخصص الفقهي دخل فيه إلي الفقيه» (17) .

 

 

أقول : هذا الاشكال غير وارد ؛ وذلك :

 

 

أولا : إن ولاية الامور ليست مسؤولية سهلة بحيث يستطيع كل انسان مسلم عادل ان يمارسها ؛ إذ القيادة الإسلامية بحاجة إلي علم وفن سياسي وذوق إجتماعي واخلاق فذة لكي يباشر صاحبها ولاية الامور ، أتري هل يمكن ارجاع المريض إلي دكتور بيطري ، أو إرجاع نصب محطة كهربائية إلي قاضي أو نزاع في مال إلي مهندس ميكانيكي ؟ ! كذلك قيادة المجتمع ، والناس بحاجة إلي صفات ومؤهلات ، ولا يكفي كون الشخص مسلما وعادلا في قيادة المجتمع ما لم تتوفر فيه مؤهلات وكفاءات عالية .

 

 

وثانيا : إننا نري أن عملية اتخاذ القرار عملية معقدة إذا كان يراد به قرارا يتمتع بوصف اسلامي ويراعي مصالح الناس ، وينطبق مع القيم والمقاييس الإسلامية ، وتأمين ذلك بحاجة إلي معرفة عميقة بالفقه الإسلامي وعلوم القرآن و سيرة النبي صلي الله عليه و آله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام ؛ إذ المطلوب ـ حسب الفرض ـ اتخاذ قرار يعالج مشكلة اقتصادية معينة كارتفاع الاسعار أو يعالج مشكلة اجتماعية خاصة كزيادة النسل في إطار الإسلام وقيمه وقوانينه العامة في هاتين المسألتين ، وفي مجمل قضايا الاقتصاد والاجتماع من زاوية الإسلام . وليس المطلوب معالجة هاتين المشكلتين بصورة ناجحة ولو كان علي حساب ظلم الآخرين ، أو تناسي مبادئ وقيم اسلامية أساسية .

 

 

الهوامش:

1) حاشية كتاب المكاسب للأصفهاني : . 214

2) مصباح الفقاهة 5 : . 49

3) الأنفال : . 60

4) الأنفال : . 46

5) كتاب البيع 2 : . 461

6) المصدر السابق : . 462

7) المصدر السابق : . 464

8) النور : . 2

9) الأنفال : . 60

10) آل عمران : . 104

11) في انتظار الإمام للشيخ عبد الهادي الفضلي : . 71

12) أساس الحكومة الإسلامية للسيد كاظم الحائري : . 142

13) النساء : . 59

14) ولاية الأمر في عصر الغيبة : . 96

15) نهج البلاغة : خطبة . 172

16) اصول الكافي : 1 : 198 ، ح . 1

17) ولاية الأمر في عصر الغيبة : . 112

 

 

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

نظر دادن

پیام هفته

مصرف کردن بدون تولید
آیه شریفه : وَ لَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ ... (سوره مبارکه سجده ، آیه 21)ترجمه : و ما به جز عذاب بزرگتر (در قیامت) از عذاب این دنیا نیز به آنان می چشانیم ...روایت : قال أبي جعفر ( ع ): ... و لله عز و جل عباد ملاعين مناكير ، لا يعيشون و لا يعيش الناس في أكنافهم و هم في عباده بمنزله الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .  (اصول کافی ، ج 8 ، ص 248 )ترجمه : امام باقر(ع) مي‌فرمايد: ... و خداوند بدگانی نفرین شده و ناهنجار دارد که مردم از تلاش آنان بهره مند نمی شوند و ایشان در میان مردم مانند ملخ هستند که به هر جیز برسند آن را می خورند و نابود می کنند.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید